بالقانون واللغة العربية والتاريخ والفقه.. الرئيس مرسى ليس رمزاً لمصر.. إعادة تحرير مفهوم «إهانة الرئيس» ورموز الدولة أصبحت أمراً واجباً بعد تعدد بلاغات الرئاسة والإخوان ضد الكتاب والصحفيين والمعارضة
الآن كل شىء فى مصر يبدو مباحا لدى أهل تيار الإسلام السياسى مادام يساهم فى تعزيز مكانة الدكتور محمد مرسى، ويرسم خط استدامة للوجود الإخوانى أو السلفى فى أروقة السلطة.
كل شىء سيجعله الإخوان مباحا ومتاحا حتى ولو كان كذبا أو إطلاقا لوعود بغير مستقبل أو الضحك على الناس بمشروعات وهمية، أو بتشويه كل معارض أو ناقد أو رافض لطريقة الحكم الإخوانية.. كل شىء سيبدو متاحا لأن الجماعة فى مكتب الإرشاد والقيادات فى الأحزاب السلفية يرفعون راية «الغاية تبرر الوسيلة».. والغاية هنا نصرة شرع الله وحماية الإسلام، وتلك أشياء لا تتم إلا بالوجود فى السلطة، وبناء عليه ستصبح كل الوسائل مباحة للحفاظ على هذه السلطة حتى لو كانت قبل ذلك من المحرمات، أو نعتناها بالخطايا الكبرى فى عصور الحكام السابقين.
لا قواعد للعبة إذا تعلق الأمر بدق مسمارين من أجل تثبيت عرش النظام وتقوية شوكته، والدستور الجديد يمكنك أن تبله وتشرب ميته وتخلل كل مواده المصونة أو تتلاعب بها داخل الأروقة التشريعية إذا تعلق الأمر بصلاحيات الرئيس ومدى حجمها، والقانون يمكنك أن تعزف عليه خلف راقصة درجة ثالثة طالما ستسعى لاستخدامه فى مواجهة رجال نظام الحكم فى مصر، والأعراف والتقاليد واللغة يمكن طيها ولى عنقها بل كسرها من أجل خدمة وتفخيم وتضخيم الرئيس الجديد، لا أحد من أهل تيار الإسلام السياسى ولا قيادات الإخوان يخجل من الكذب على الناس والتلاعب بكل تلك الأشياء «الدستور والقانون والعرف والأخلاق» مادامت الغاية واضحة، تدعيم محمد مرسى وبسط النفوذ والاستحواذ على مناطق سيطرة جديدة فى أرض الدولة المصرية.
وبناء على ماسبق، كان طبيعيا جدا أن يظهر العريان ليخبرنا عن إرادة الله التى تحرس محمد مرسى، أو تقول منال أبو الحسن إن مرسى مؤيد من الله، أو يقول خالد عبد الله الشيخ المذيع إن كل من يهاجم مرسى عدو لله ولرسوله، لأنه لا يريد للمشروع الإسلامى أن يكتمل، أو يقول كبار المشايخ فى الفضائيات الدينية أن دعم مرسى واجب شرعى، وتشجيعه والدفاع عنه دفاع عن الإسلام ذاته، وإذا كانت هذه هى رؤية قيادات الإخوان والسلفيين للرئيس مرسى، فلا تتعجب من أن تكون الصورة التى يرسمها العوام فى تيار الإسلام السياسى لمحمد مرسى على طريقة الخلفاء الراشدين والصحابة الأطهار، أو على طريقة صفوت حجازى الذى بشر الناس ذات مرة بأن كل صاحب مشكلة فيهم يمكنه أن يحلها إذا صرخ بإخلاص قائلا: «وامرسااااااه».. لا تتعجب أبدا حينما تسمع أنصار الرئيس وهم يرونه رمزا إسلاميا لا يجوز الاقتراب منه أو نقده، وبالتالى لا تتعجب حينما تكتشف أن مؤسسة الرئاسة والعاملين فيها يتعاملون مع محمد مرسى الآن بصفته رمزا للدولة المصرية بأكملها وليس مجرد موظف عام يؤدى خدمته لمدة 4 سنوات، ربما لا تكون قابلة للتجديد، لا تتعجب أن تنتقل هذه الرؤية للدكتور محمد مرسى نفسه ليبدأ فى التعامل مع شخصه وكأنه رمز لمصر لا يجوز نقده أو كشف عيوبه أو خطاياه، ويعتبر التعرض له بالكلام أو الهتاف إهانة لمصر ذاتها، وليس لمجرد موظف عام برتبة رئيس جمهورية.
وبناء على تلك القناعة الرئاسية والإخوانية أصبح كل ناقد للرئيس أو معارض للجماعة عدوا للدين، ومتهما بإهانة رئيس الجمهورية، وبالتالى لم يكن مستغربا أن تتضاعف عدد البلاغات التى حررتها مؤسسة الرئاسة أو حررها محامون إخوان بالنيابة عنها لمطاردة الكتاب والصحفيين والمعارضين بتهمة إهانة الرئيس بهدف إرعابهم وإخافتهم.
الإخوان يرون فى محمد مرسى رمزا للدولة المصرية لا يجوز نقده، وأصبحت الكلمات التى تكشف عيوب مرسى جريمة يرى الإخوان أن صاحبها يجب أن يعاقب بتهمة الإهانة للذات المصونة «رمز الدولة».. والعقاب لدى الإخوان نوعان الأول بالتشهير والاغتيال المعنوى والإيحاء بخروج المعارض والناقد للرئيس من الدين، والثانى عبر بلاغات الترهيب القضائية، وأزمة لعبة الإخوان هنا أن السادة فى مكتب الإرشاد لم يدركوا بعد أن ما حدث فى 25 يناير 2011 كان ثورة حقيقية تمنح كل مصرى الحق فى الصراخ والكلام والنقد والهجوم مادام التزم صحيح القانون، وأيضا لم يدركوا أن هذه التهمة المخترعة فى العصر الملكى، والتى تم تمريرها وتكييفها لتصلح للاستخدام فى عصر مبارك وغيره لم تعد صالحة للاستخدام أو التخويف فى عصر ما بعد ثورة 25 يناير ليس فقط لأن المصريين انتفضوا على عادة السير فى ظل الحوائط التى عاشوا وهم يخشون أذنها وما تنقله من تقارير لأجهزة الأمن القمعية، ولكن لأن المواطن المصرى بعد الثورة أصبح أكثرا وعيا وإدراكا لحقوقه وللحاجات والأدوات السياسية لزمن ما بعد الثورة وأعاد دون أن يدرى الإخوان تحرير المصطلحات القديمة من المخاوف والترهات والهالات التى تم رسمها حولها.
وأول هذه المصطلحات التى طالها التحرير بعد ثورة مصر هو مصطلح «الرئيس المصرى رمز الدولة أو الوطن» وتبعه بالضرورة تحرير لمصطلح آخر هو إهانة الرئيس، ليتثبت الجميع من حقيقة تقول بأن الدستور- القديم منه والجديد- لم يمنح لمحمد مرسى أو غيره صفة رمز الدولة ورمز الوطنى الذى لايهان ولا يتم التعرض له بالنقد أو الهجوم، ولا القانون فعل ذلك، بل حتى اللغة العربية ترفض منح محمد مرسى لقب رمز الوطن والدولة المحصن ضد النقد.
لا أصل دستوريا ولا قانونيا ولا حتى لغويا لتلك الصفة التى يسعى الإخوان لتحصين محمد مرسى بها، كلمة الرمز فى اللغة العربية تعنى الإشارة والإيماء «سواء بالشفتين أو الحاجب» وحتى فى الإنجليزية تأخذ نفس المعنى، والرمز الإنسانى قديم فى الثقافة البشرية الشرقية بدءًا بالرموز الوثنية التى ابتدعها الإنسان لتحميه من القوى الشريرة التى تحاول إيذاءه مرورا بالعصور الأخرى ورموزها المختلفة حتى مرحلة الرموز السياسية والدينية والفنية، ولكن على طول الخط كان تكوين الرمز البشرى مرتبطا بقيمة أو مبدأ إنسانى أو قوى خارقة أو حاجة الناس التى يمثلها حضور ذلك الرمز فى لحظة ما وهو ما لا ينطبق على الرئيس المصرى أو أحد من رجاله فى الحكومة أو فى مكتب الإرشاد، فلا أحد من هؤلاء يمثل قيمة معينة لدى الشعب المصرى خاصة بعد تاريخهم القصير الذى ثبت فيه كذب الحديث ومخالفة الوعود وخيانة الأمانات، وبالطبع لا أحد فى الرئاسة ولا فى مكتب الإرشاد يملك قوى خارقة أو حتى غير خارقة لتحقيق آمال ذلك الوطن أو تلبية احتياجاته أو حاجات الناس التى تنتظر فى لحظة ما أن تطعم أولادها أو أن تأمن شر التشرد فلا تجد شيئا سوى تصريحات وتصريحات والمزيد من التصريحات، ومشروع قالوا إن اسمه النهضة لم يعثر له على أى أثر حتى الآن!!
وطبقا لما تقوله المعاجم العربية، ووفقا لمبادئ علم الدلالة، فإن اللغة العربية ترفض تنصيب محمد مرسى رمزا للدولة المصرية، وتعلن كذب وادعاء المنافقين الذين يسعون لمنحه هذا اللقب، هذا بخلاف أن فكرة الرمز كلها تخضع لنظام العرف الاجتماعى والعلاقة بين الدال «اللفظ» والمدلول «الدلالة» رمزية أى أنه لا توجد علاقة طبيعية بين الدال والمدلول أى بين الرمز والمرموز إليه «مرسى والوطن المصرى» ويصف علم اللغة هذه العلاقة بالعلاقة الاعتباطية ويسميها علماء اللغة العربية بالعلاقة الاصطلاحية، أى أن المتحكم فيها هو العرف الاجتماعى، فمثلا إذا رمزنا باللون الأحمر للخطر فإنه فى مجتمع آخر يمكن أن يرمز للخطر باللون الأسود، وإذا كانت الملابس السوداء فى مصر مرادفا سريعا لفكرة الحزن والهم، فهى فى دول ومناطق أخرى مرادفا للوقار والفرح، ومن هنا فإن العلاقة بين الرمز والمرموز لا تقوم إلا بشروط الاتفاق الاجتماعى، فيمكن مثلا أن يكون الزعيم رمزا للوطن ويصوغ المجتمع هذه العلاقة حينما يجد فى هذا الرجل أنه قائم على مصالحه ويحقق له آماله ورغباته.. وكلمة الزعيم نفسها «رمز» وقد ورد فى القرآن الكريم «وأنا به زعيم» أى كفيل أهتم بأمره، فإذا كان الرئيس كفيلا بالوطن، ويحقق له مصالحه ويدافع عنه ضد الفساد والمصائب استحق أن يكون رمزا لأنه يحقق تلك العلاقة المشروطة بالاصطلاح الاجتماعى، وإذا كان غير ذلك فقد سقطت عنه زعامته لانتفاء العلاقة بين الرمز والمرموز.
وطبقا لما ما تقوله اللغة العربية، فإن الرئيس محمد مرسى أبعد من أن يكون رمزا للوطن المصرى لأن نظامه حتى الآن يعانى الهشاشة والارتباك، ولأنه وعد الناس بالنهضة ولم تأت بعد، ووعد الناس باستقرار المرور والنظافة والأمن فى 100 يوم ولم يحدث، ولأن الشهور الماضية أثبتت أنه غير قادر على حماية الناس التى أقسم يمينا رئاسيا ودستوريا على حمايتهم ولا يهتم بمصالحهم بل يفعل العكس، بدليل أن الوصول إلى محطة الموت فى زمن محمد مرسى أصبح أسهل من الوصول إلى كشك رغيف العيش.
وعلى المستوى القانونى والدستورى تختفى كلمة الرمز تماما ولا تظهر فى الدستور إلا بعيدا عن الرئيس، فلا يحمل الدستور المصرى بين أحشائه مادة تقول بأن رئيس الجمهورية هو «رمز الدولة» فالشىء الوحيد الذى يحمل هذا اللقب دستوريا هو العلم المصرى والنشيد، ويحرم الدستور إهانتهما مع أشياء أخرى من ضمنها مثلا العملة المصرية، ولم يذكر لنا الدستور أنه من الحرام أو من العيب أن ننقد الرئيس أو أى موظف عمومى فى الدولة المصرية، ولكن الموجود على أرض الواقع يناقض تماما النصوص الدستورية والقانونية، فالأشياء التى نص الدستور على أنها رمز للدولة وعاقب على إهانتها تتعرض للإهانة يوميا تحت سمع وبصر أنصار النظام وأحيانا تتعرض للإهانة على أيدى الرئيس نفسه، فأنصار الرئيس هم الذين رفضوا تحية العلم فى الجمعية التأسيسية، والعلم المصرى يظهر فى المظاهرات المؤيدة للرئيس على استحياء لصالح أعلام ورايات تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، هذا بخلاف الأعلام الممزقة التى ترفعها المصالح الحكومية رغم أنها لا تصلح سوى لاستخدامات المطبخ والحمام، حتى العملة التى نص الدستور على عقاب من يهينها تتعرض للإهانة فى كل ثانية منذ أصبح محمد مرسى رئيسا وهى تتراجع لصالح الدولار وكل العملات الأجنبية، ووصل بها الحال لوضع وصفته كل كتب الإرشاد السياحى بأنه مقرف ولم يصرخ أحد برضه من أجل رموز الوطن التى نص عليها الدستور ولكنهم تحركوا من أجل الرموز المخلقة جينيا عبر الهندسة النفاقية والرئاسية!
الدولة تمثل فى القانون الدستورى شخصا معنويا، وفى داخل الدولة كل شخص يتوفر له صفة الموظف العام ويمثل صفة عامة متاح للجميع نقده، ففى الدول الديمقراطية المحترمة يصطلح تسمية هؤلاء بخدام الشعب «servant people» والمتعارف عليه أن الدساتير تتضمن تحديدا لجميع الرموز المكانية والتصويرية للدولة، من بينها العاصمة والعلم والنشيد، ولكن ما يحدث فى الدول الشمولية أنه يتم التغاضى عن تلك المواد الدستورية مقابل شخصنة الدولة، وبدلا من أن تكون الدولة تشخيصا للشعب بصورة مجردة أى أن الدولة تمثل بكيانها رمزا للشعب يتحول الأمر إلى أن الشعب يتقلص هو والدولة فى شخص الديكتاتور محتكر السلطة، والذى يلعب تلك اللعبة ويمررها كبار المنتفعين المنافقين المتربحين من السلطة والذين يرتبط مصيرهم بمن يحمى أهدافهم ومكاسبهم، وبمجرد ما تتم عملية تقديم الرمز الخاص بالدولة فى شخص الديكتاتور الذى يحتكر السلطة والثروة معا يتعملق ويمنح نفسه سلطة مطلقة فى التصرف باعتباره دولة قائمة بذاته كما صور له الأقربون، وفى العصر الحالى تخلط دساتير الدول الشمولية الأمور فى بعضها كما فى الدستور المصرى الجديد، وتمنح للرئيس صلاحيات احتكار الأرض والشعب، فهو رئيس كل شىء ورئيس المجلس الأعلى لكل حاجة «القضاء والشرطة والقوات المسلحة» وبتلك الرمزية التى يستولى عليها عبر منافقيه يصبح من حقه ملكية كل شىء، البرلمان، والناس، والشارع بمن فيه.
ومن يخلق تلك الرمزية ويصف بها الرئيس هم رجاله وأنصاره، وخاصة رجال أجهزته الإعلامية، فهم يرغبون فى تحول الدولة وتجسيدها كلها لتصبح فى يد شخص واحد، فالبورصة ترتفع لأن الرئيس تبسم صباح اليوم، ودول العالم وصحفها لا تكف عن الإشادة بحكمة مرسى وعبقريته بسبب خطبة الجمعة التى قال فيها عددا من الأحاديث المحفوظة والنصائح المعلبة، وبمجرد أن يتم خلق هذا الرمز المزيف تنهار بجواره كل الرموز الحقيقية والمحترمة. هذا ما أكده رجال قانون مختلفون بأنه لا دستور فى العالم المحترم ينص على أن الرئيس هو رمز الوطن، وأن يكون الرئيس مرسى هو رمزا للدولة فهذا شىء لا أصل له فى القانون ولا فى الدستور، وحتى الدستور اليابانى الذى منح الإمبراطور تلك الصفة فى يوم ما تم تعديله وتغيير تلك المادة وخلع الصفة عنه وكل الدول الأخرى أيضا تتبع نفس الطريق فلم نسمع يوما أحدا يقول إن لينين أو ستالين هو رمز الدولة الروسية أو السوفيتية، بل نسمعهم يقولون إن الكرملين هو رمز الدولة الروسية ،وكل دولة رمزها علمها أو شىء يعبر عنها مثل شجرة القبقب التى تعتبر رمز الدولة الكندية وغيرها.
الغريب فى تلك الدعوة التى يطلقها العريان وأصحابه فى مكتب الإرشاد دعوة تصوير مرسى على أنه رمز للثورة المصرية والدولة المصرية الجديدة، أنها تعود بنا مرة أخرى إلى عصور الجاهلية الأولى، والأغرب أن أصحاب تلك الدعوة من أولئك الذين يزعمون بأنهم صناع الثورة الحقيقيون، غافلون أن تلك الدعوة تستدعيها الرواسب التاريخية للمجتمع الشرقى الذى يعيش بداخلهم ويمنح فرعونه صفة الألوهية وكأنهم يريدون منا أن نشهد للرئيس بالحكمة الإلهية، فالرجل الرمز دائما ما يبدو بلا أخطاء، ولذلك هم يسعون لوصف مرسى بتلك الصفة لتحصينه بطريقة أخرى بعد أن فشل تحصين الإعلانات الدستورية!
حتى على المستوى الدينى والشريعة التى يدعى أنصار الرئيس أنهم يدافعون عنها ويسعون لنصرتها يرفض القرآن الكريم تلك الصفة، كما ترفضها السنة النبوية أيضا، فرغم محاولات الكثيرين التأكيد على أن الإسلام هو من رسخ لألوهية الخليفة أو الحاكم، وأن الكثير من الخلفاء رفضوا النقد فإن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ترفض فكرة أن يكون محمد مرسى هو رمز الدولة، وتاريخنا الدينى ابتداء من بعثة محمد، عليه الصلاة والسلام، لا يوجد به تلك الكلمة فلم نسمع أحدا قال إن محمدا رمز الإسلام، ولم نسمع أحدا قال نحن محمديون بل قالوا ويقولون «نحن مسلمون»، ولكننا سمعنا من يقول نحن مرسيون وشاطرون وحازمون، ويفضلون ذلك على أن يقولوا نحن مصريون، وأبلغ مثال على رفض الإسلام لتلك الصفة يوم وقف أبو بكر الصديق يقول بعد وفاة النبى «أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت» والقرآن نفسه لم يذكر مسألة الرمز هذه ولم يقرها، فالله تعالى يقول «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد».
والرسول، عليه الصلاة والسلام، قال لأحد الأشخاص ذات مرة «هون عليك فلست بجبار ولا ملك إنما أنا بن امرأة كانت تأكل القديد» ولو أراد وقتها أن يثبت له مكان ويفرغ الدين من معانيه ورجاله لقال أنا رمز الإسلام كما يقولون الآن إن الرئيس هو رمز الوطن الذى لاينتقد راغبين بذلك تفريغ الوطن كله من رجاله وتفريغ المصرى من مصريته.
ودعوة أن فلانا هو رمز لا تقربوه بالانتقاد مغالطة فاضحة، فيقال إن الشيخ الفلانى هو رمز الإسلام، فيخطئ هذا الشيخ كما حدث مع على ونيس وحازم أبو إسماعيل فيسقط الإسلام معهما فى نظر البعض على الأقل، لأن سقوط الرمز يسقط المرموز له، وبالتالى يقال إن محمد مرسى رمز الدولة فيخطئ مرسى أو يسوء تصرفه كما فى مشهد لقاء رئيسة الوزراء الأسترالية فيسقط مرسى ويسقط بالوطن. تبدو الرؤية واضحة الآن من الجوانب الثلاثة- الدستورية واللغوية والدينية- فلا الرئيس محمد مرسى، ولا أحد من الشيوخ أنصاره يمكن أن يحملوا وصف رموز الدولة أو الإسلام، فالقانون والدستور منحوا هذا الحق للعلم والنشيد، ومرسى وشيوخه وقيادات مكتب إرشاده ليسوا أعلاما وليسوا أناشيد وطنية ولا حتى كوبليه غنائيا ضمن أغنية وطنية صادقة، اللغة أيضا رفضت وصف مرسى برمز الوطن لأنه لم يستكمل شروط العلاقة الاصطلاحية بين الرمز والمرموز، والدين لم يسمح لأحد بتلك الصفة، والرسول الكريم خلعها عن نفسه واصفا شخصه العظيم بأنه ليس ملكا ولا جبارا، ومع ذلك يبدو مرسى فى الأفق مصمما هو وأنصاره الذين يردد بعضهم كلاما حول الدعم الإلهى والوحى الذى يحرك مرسى لأن يدفعوه للوقوف أعلى المقطم ليقول أنا رمزكم الأعلى، دون أن يدرى هو وأصحاب تلك الدعوة أن كلمة الرمز وإن كانت تستخدم كثيرا، فإنها فى معظم الحالات تكون أكبر بكثير من مقاس الشخص الذى يوصف بها!