رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حُرمَةُ المَوْتِ مراعاة حُرمة الموت هي قاعدة إنسانية يتحلى بها كل البشر مهما كانت عقيدتهم. لذلك قيل (أن الموت لا يشمت فيه إلا فاجر) لأن الفاجر لا يعبأ بالأصول المرعية التي يتعين على الناس أن يلتزموا بها... خاصة في الموت، لذلك الفاجر هو الذي يشمت في الموت. أقول هذا ليس دفاعًا عن قداسة البابا شنودة الثالث أو ردًا لاعتباره؛ لأنه مكرّم في السماء، وقد كرمته الأرض بوداع لم يسبق؛ ولم نشهد مثله... وأعماله تتبعه؛ وسيكافئه الله عنها بالجُعالة الحسنة والأجر السمائي، وستبقى أعماله شاهدة له؛ لأنها بالله معمولة، كشمس تغطس ثم تعود فتولد، وككوكب يختفي ثم يرجع؛ وكزهرة تموت ثم تعود وتحيا من جديد، وكبرعم بزغ بين الأوراق عندما يحل ربيع القيامة العامة. لقد جسّم المسلمون الشرفاء القِيم المصرية الإنسانية من جديد؛ معبرين عن أصالتهم وطيبتهم التي جعلتهم لم يستنكفوا أن يشاركوا بكل المشاعر الصادقة؛ معتبرين أن رُقاد قداسة البابا فاجعة وخسارة لا تُعوّض؛ على حسب ما جاء في بيان الأزهر الشريف ودار الإفتاء، وأن الراحل الكريم كان مصريًا أصيلاً وظاهرة بشرية قلّما يجود الزمان بمثلها... وهذه هي الوسطية المصرية التي كانت والتي تخبو أحيانًا والتي نتمنى لها أن تسود وتستمر؛ بالرغم من الضجيج والضباب العاصف الذي يحيط ببلادنا العزيزة. لقد أُحيط توديع قداسة البابا بالاحترام اللائق لعراقة كنيسته؛ أُحيط بالحداد والتقديس والتقدير من مسلمي مصر الشرفاء لبطريرك الكنيسة؛ كعظيم للقبط وكرمز لهم، وكمردود لكرازته وصبره وحكمته وصورة المسيح المبهرة التي فيه؛ والتي جعلت حتى أعداءه يسالمونه؛ ويُظهرون كل هذا التكريم لرحيله من غير أن يكتموه... بالرغم من سيوف الإرهاب الفكري المسعورة والمُسلّطة عليهم... وصفوه بالوطنية والحكمة والتسامح والوداعة والمحبة والمعرفة والموسوعية والإنسانية وحُسن التقدير... لا بالخيانة والكراهية والاستقواء والافتراء والهدم. فقد كان جماله داخليًا ينبع من هوية كنيسته المتسامحة والمتألمة عبر الزمان؛ كنيسة الأصالة والعراقة؛ كنيسة الشهداء والعُبّاد منذ القرن الأول. فقد أظهر البابا الراحل نيّح الله نفسه؛ هو وشعبه صمودًا وصبرًا منقطع النظير، وصار مكونًا من مكونات الضمير في هذا البلد، وصوته المعبر شكل وجدان هذا الجيل، وقد وصفوه بأنه (مانعة صواعق) وبأنه (رُمّانة الميزان) التي ضبطت إيقاع الوطن؛ بما له من ثقل روحي. لذا رأينا الجموع الحاشدة تهرول لتوديعه. فأخزى الأعداء والمضادين؛ لا بقوته بل بالله إلهه؛ الذي وهبه إكليل البر؛ وكرّم آخرته على نحو غير مسبوق ولا متوقع... تكريمًا لا تقوى على تحريكه الأيادي البشرية؛ مهما أتقنت الترتيب. هذا وتجسّمت في تجنيزه رسالة تعايش من كل مسلم شريف تقدم طواعية متطوعًا بالمشاركة في يوم الوداع؛ متجاسرًا غير عابئ بحملات التجهيل والضغائن والبذاءات الطائشة؛ والتي تحوصلت في النهاية لتخنق الجُهال وتحاصرهم وحدهم في مستنقع الوضاعة والظلامية؛ التي يريدون أن يفرضونها كملامح لنفق مُظلم وجاهلي؛ يريدون أن يُدخلوا مصر فيه لا قدر الله. وعلينا كأقباط أن لا نلتفت إلى هؤلاء الظلاميين؛ لأن الله سيجعلهم كلهم كلا شيء. كذلك علينا أن لا ننسى جميل الذين جاملونا وشاركونا؛ لأنهم غالبية عظمى لمسلمين عقلاء... نخطو معهم وإليهم بكل ما يُوصل الخير والمحبة والرحمة والعيش الحقيقي الواقعي؛ حتى يروا وداعة ومحبة عبيد الله... ونقف أمام حقيقة الموت كي نستعد لنعطي جوابًا عن وزناتنا نحن؛ طالبين الرحمة والنياح والراحة لنفس أبينا البطريرك أنبا شنودة الذي ودعناه بالأمس؛ مع مصاف الآباء الذين سبقوه؛ مصلين لكي يختار الله لنا بنعمة القيامة من الأموات؛ راعيًا مختارًا حسب قلبه ليرعى خدمة كنيسته المقدسة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ترانيم القمص أثناسيوس فهمى جورج |
فُقَرَاؤُنَا القمص أثناسيوس جورج |
كَلِمَةُ وَفَاءٍ القمص أثناسيوس جورج |
الفَلْسَفَةُ الحَقَّةُ القمص أثناسيوس جورج |
صَليبُكَ القمص أثناسيوس جورج |