رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة" رومية2: 4 تفسير القمص تادرس يعقوب ملطى ليت الذين يحبون حنوه يهابون أيضًا حقه (عدله)، فإن "الرب صالح (حلو) ومستقيم (حق)" (مز25: 8). إنك تحب فيه أنه صالح (حلو)، فلتخشه بكونه الحق... الرب لطيف، طويل الأناة، حنان، وهو أيضًا البارّ والحق. منحك فرصة للإصلاح، لكنك تحت تأجيل الدينونة أكثر من إصلاحك طرقك. هل كنت بالأمس شريرًا، فلتكن اليوم صالحًا! القدّيس أغسطينوس كثيرًا ما أحدثكم عن صلاح الله، لا لتستهينوا به وتفعلون ما هو على هواكم، وإلا صار صلاحه هذا مؤذٍ لخلاصنا، وإنما لكي لا نيأس من خطايانا بل نتوب. صلاح الله يقودك للتوبة لا لصنع شر أعظم، فإن فسدت بسبب صلاحه تهين الله أمام الناس. v طول الأناة تقدّم لنا منافع فإن لم نستفد منها نسقط تحت دينونة أشد. القدّيس يوحنا الذهبي الفم [يستخدم الله أحيانًا التأديب وتارة الرحمة لحساب الصالحين:] طول أناة الله تدعو الأشرار للتوبة، كما أن تأديب الله يدرب الصالحين على الاحتمال. تحتضن أيضًا رحمة الله الصالحين لتثقيفهم كما أن حزم الله يصد الأشرار بسقوطهم تحت العقوبة.] القدّيس أغسطينوس بمعنى آخر إن كان الإنسان يميل بطبعه إلى القسوة على أخيه، حتى أن قدّم الله له كل حب وطول أناة فيدين الغير ويعنفه، فإن الله على النقيض يودّ خلاص الجميع ويطيل أناته لعل الكل يرجع إليه بالتوبة. لعلّه أيضًا أراد أن يؤكّد أن الله إن كان يطيل أناته عليهم فليس ذلك علامة رضاه عنهم، وإنما علامة صلاحه ينتظر توبتهم. رابعًا: إن كان الله هو الديّان، لكنّنا نحن الذين "نذخر لأنفسنا غضبًا"... إذ يريد الله الرحمة مقدمًا كل وسيلة لعلّنا نقتنيها، أمّا الإنسان غير التائب فيحفظ لنفسه الغضب. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [لاحظوا دقة التعبير: "تذخر لنفسك غضبًا"، موضحًا أن الدينونة لا تصدر عن الديّان إنما هي نتيجة لعمل الخاطيء، إذ لا يقول "يذخر الله لك" وإنما "تُذخّر لنفسك"... أنه يحاول اجتذابك بكل وسيلة، فإن ظللت على عنادك تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة. ولكن لا يتبادر إلى ذهنك أن غضبه انفعال عنيف إنما هو العدالة، هو "استعلان"، حيث ينال كل إنسان ما يستحقه.] خامسًا: إذ يتحدّث عن دينونة الله للبشر يبدأ أولاً بالحديث عن الصالحين الذين يكافئون بالحياة الأبدية، وبعد ذلك يتحدّث عن الذين يسقطون تحت الغضب، إذ يقول: "وأما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء فبالحياة الأبدية، وأمّا الذين هم من أهل التحزب ولا يطاوعون للحق بل يطاوعون للآثم فسخط وغضب، شدة وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشرّ، اليهودي أولاً ثم اليوناني. مجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح، اليهودي أولاً ثم اليوناني" [7-10]. كأن الله يودّ أن يتمتّع الكل بنوال الحياة الأبدية خلال صبرهم في العمل الصالح، فينالون مجدًا وكرامة وخلودًا مع سلام أبدي، لذلك بدأ بهذه الفئة، أمّا الفئة الثانية التي تسقط تحت السخط والغضب التي تئن من الشدة والضيق فهي تحكم على نفسها بهذا خلال إطاعتها للإثم، الأمر الذي يودّ الله ألا يسقط أحد تحته. في هذا يختلف حكم الله عن حكم الناس، الله يتطلّع أولاً إلى الصالحين والأمور الصالحة، أمّا الإنسان فينظر الشرّ أولاً ويحكم سريعًا على الآخرين متطلعًا بالأكثر إلى عيوبهم. لاحظ القدّيس إيريناؤس أن الرسول بولس قد ركّز على حريّة الإرادة الإنسانيّة في هذه الرسالة (رو2: 4-5، 7)، لذلك يعطى الله خيرات للذين يعملون الصالح، كما يقول الرسول، فينالون المجد والكرامة لأنهم يمارسون العمل الصالح مع أنه كان في سلطانهم ألا يفعلوه فيسقطون تحت حكم الله العادل. سادسًا: يؤكّد الرسول أن الله في حكمه لا يحابى: "لأن ليس عند الله محاباة" [11]، فإن كان يكافئ اليهودي أولاً سواء في الخير أو الشرّ، فلأن الله يدين بالأكثر من نال معرفة أوفر أو احتمل مركز القيادة والخدمة. وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [من العدل أن من يستمتع بنصيب أوفر من المعرفة ينال نصيبًا أشد من العقاب أن تعدى الناموس. ومن ثمة، يكون عقابنا أشد كلما ازددنا في الحكمة والسلطان. إن كنت غنيًا يُطلب منك العطاء أكثر من الفقراء، وإن كنت صاحب حكمة أوفر تلتزم بالطاعة أكثر من غيرك، وإن نلت سلطانًا يلزمك تقديم أعمال أكثر بهاءً.] المحاباة هي من سمات البشر، الذين ينحرفون عن الحق في الحكم مراعاة لحسب الإنسان أو نسبه أو غناه أو طلبًا لمنفعة ما، إذ يقول الرسول: "يحابون بالوجوه من أجل المنفعة" (يه 16)، وقد كان ذلك محظورًا على القضاة (لا 19: 15؛ تث 10: 17). يحذرنا الرسول يعقوب منها، قائلاً: "لا يكن لكم إيمان ربنا يسوع المسيح رب المجد في المحاباة" (يع 2: 1)، أمّا الله فيستحيل أن يحابى أحدًا (أف 6: 9؛ كو 3: 25). وقد ظهر عدم محاباة الله على الصليب، إذ "هكذا أحب الله العالم (بلا محاباة) حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16)، كما يقول الرسول: "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين" (رو 8: 32). |
|