هل تعرف أكاذيبك البيضاء؟
كان بطرس شجاعاً،
وحسن النية في ما فعل.
ولكن الشجاعة وحسن النية،
ما كانا ليلتمسا العذر له،
لأن سيده لم يفوضه للدفاع عنه.
يجب على جنود المسيح،
أن ينتظروا كلمة الأمر منه.
لا يكفي أن يكون الدافع طيباً لنقدم على أعمال عنيفة،
لأن مسيحنا شجب العنف،
وغلب الشر بالخير.
حالما قبض الجند على يسوع أوثقوه بقوة،
ثم لفوا سلسلة حول عنقه،
وسحبوه بها.
ومضوا به إلى حنان،
رئيس الكهنة المتقاعد.
وهو حمو قيافة الرئيس الحالي.
وحنان هذا، كان متلهفاً كثيراً لأن يرى الناصري موثقاً بالحبال،
وذاهباً إلى الموت. ولأنه أراد استعجال المحاكمة،
لم يبقه طويلاً بل أرسله موثقاً إلى قيافا.
كان سمعان بطرس قد هرب مع رفاقه،
إلا أنه حين تذكر وعده للمسيح بأن لا يتركه.
لملم شجاعته وتبعه من بعيد.
بعكس يوحنا الذي لم يتركه.
وإذ كان له دالة على رئيس الكهنة،
دخل وأدخل بطرس معه،
مقدماً له فرصة لخدمة سيده.
ولكن بطرس، إذ كان في دار رئيس الكهنة،
تعرض مرة أخرى لغربلة الشيطان،
وكانت العاقبة مريرة جداً.
لأن التجربة هاجمته، وغلبته.
فما أن استقر به المقام في رحبة دار رئيس الكهنة،
حتى بادرته الجارية البوابة بهذا السؤال:
ألست أنت أيضا من أتباع الناصري؟
فخارت شجاعة مقدام التلاميذ أمام السؤال،
وبدون أن يعطي نفسه فرصة للتفكير،
قال: لا، لست تابعاً له! وبهذا الجواب، ارتكب ما يسمونه بالكذبة البيضاء.
الكذب لا يليق بالمؤمن،
أيا كان لونه أو حجمه ولا بد أن يقوده إلى الفشل،
مهما كانت الدوافع. لقد تكررت التجربة لبطرس من قبل الخدام،
الذين زج بطرس بنفسه بينهم،
وصار كواحد منهم.
كان عليه أن يقف بجوار سيده كما وعد،
وأن يشهد لمصلحته ويفند أقوال شهود الزور.
أو على الأقل، يشاهد الاجراءات، التي اتخذت ضده،
ويخبر بها التلاميذ.
ولكنه، لم يفعل شيئا من ذلك.
والأسوأ من هذا كله،
أنه جلس مع الجند الذين أوثقوا سيده،
وما انفكوا يتندرون بحوادث تلك الليلة،
مستهزئين بيسوع،
ومفتخرين بانتصارهم عليه.
وكانت نتيجة جلوسه في مجلس المستهزئين،
أن يسقط وينكر سيده صراحة،
مطلقاً سيلاً من الأقسام أنه لا يعرفه.
وحينئذ صاح الديك،
لكي يذكره بتحذيرات المسيح من اعتداده بنفسه.
ولهذا ارتأت الكنائس الانجيلية
أن تضع ديكاً نحاسياً في أعلى أبراجها،
ليذكر المؤمنين بعهودهم المقطوعة للمسيح.
"ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان؟"
(يوحنا ١٨ : ١٧)
لنشكر المسيح لأجل صبره،
ولنطلب منه أن يضع الصدق في أفواهنا.