شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
القضاة 3 - تفسير سفر القضاه
الآيات (1-7): "فهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليمتحن بهم إسرائيل كل الذين لم يعرفوا جميع حروب كنعان. إنما لمعرفة اجيال بني إسرائيل لتعليمهم الحرب الذين لم يعرفوها قبل فقط. أقطاب الفلسطينيين الخمسة وجميع الكنعانيين والصيدونيين والحويين سكان جبل لبنان من جبل بعل حرمون إلى مدخل حماة. كانوا لامتحان إسرائيل بهم لكي يعلم هل يسمعون وصايا الرب التي أوصى بها إباءهم عن يد موسى. فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين. واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم. فعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسواري."
يعلن هنا عن انحراف الشعب المتكرر وعلامة هذا زواجهم بالوثنيات وعبادة الألهة الوثنية. وهنا يبدأ بالزواج بالوثنيين أولًا قبل أن يشير لعبادة الأوثان وذلك لأن الزواج بالوثنيين يقود للعبادة الوثنية (هذا ما حدث مع سليمان الملك) ونلاحظ اهتمام إبراهيم بزواج إسحق ابنه من امرأة تعرف الله. ليمتحن بهم إسرائيل = هذا لا يعنى بالقطع أن الله ينتظر نتيجة هذا الامتحان ليحكم على الشعب هل يعبد الله أم الألهة الوثنية فالكل مكشوف لله ، الماضي والحاضر والمستقبل ولكن كلمة يمتحن هنا معناها أن الله يكشف للشعب عن حالهم فإذا هم انجرفوا لهذه العبادات الوثنية وسقطوا في الضيق يعرفون سبب الضيق الذي هم فيه ألا وهو وثنيتهم فيصرخون لله والله يستجيب وينقذهم وبهذا يعرفون قوة الله. إذًا من هؤلاء الأعداء سيعرف إسرائيل هل الله معهُ أم لا، إن كان الأعداء خاضعين لهم فالله معهم وإن تقوى عليهم أعدائهم فالله قد تخلى عنهم وهم محتاجين للتوبة ليعود لهم. وبهذا يستمرون متطلعين إلى الله طالبين معونته ولا يتهاونون في كسل. وبهذا نفهم معنى لتعليمهم الحرب = فالله لا يهتم بالتدريب العسكري، إنما أن يختبر شعبه كيف يغلب وينتصر خلال الحياة التقوية والاتكال على الرب فيرون أعماله معهم لنصرتهم. وهكذا يخرج الله حتى من ضعفاتنا خيرًا. وأيضًا نفهم أن كل الذين لم يعرفوا حروب كنعان انهم هم الذين أهملوا أن يعرفوا ما صنع الرب. والله إذن ترك هذه الشعوب ليتعلم الصغار الحرب، هؤلاء الذين وُلدوا بعد موت رجال الحرب. فالله يريد تعليم شعبه وليس ضررهم.
الآيات (8-11): "فحمي غضب الرب على إسرائيل فباعهم بيد كوشان رشعتايم ملك آرام النهرين فعبد بنو إسرائيل كوشان رشعتايم ثماني سنين. وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب فأقام الرب مخلصا لبني إسرائيل فخلصهم عثنيئيل بن قناز أخا كالب الأصغر. فكان عليه روح الرب وقضى لإسرائيل وخرج للحرب فدفع الرب ليده كوشان رشعتايم ملك آرام واعتزت يده على كوشان رشعتايم. واستراحت الأرض أربعين سنة ومات عثنيئيل بن قناز." كوشان رشعتايم = كوشان = يختص بكوش، رشعتايم = (ذى الشرين) فلأن الشعب أخطأ في شرين (الزواج بوثنيات وعبادة أوثان) أسلمهم الله لذى الشرين أرام النهرين = في سوريا بين دجلة والفرات، أي الحرب كانت من الشمال. إذًا فالله أتى لشعبه بملك من بعيد ليؤدبهم. فعبدإسرائيل كوشان = أي أذلهم وأدبهم وصار لهم سيدًا يستعبدهم. وصرخ بنو إسرائيل = هذه هي فائدة التجربة. فهم قبلًا لم يكونوا يصلوا والآن هم يصرخون. وأرسل الله لهم عثنيئيل = فكان أول قاضٍ. وأول مخلص منسبط يهوذا "كان أسدًا خرج من سبط يهوذا" ليشير للمسيح. كلمة عثنيئيل = استجابة الله أو قوة الله. فما يتحقق من خلاص لا يتم بقوة بشرية إنما هو استجابة الرب الذي يسمع صرخات أولاده. وعثنيئيل هو الذي استولى على قرية سفر وتزوج بعكسة ابنة كالب (يش 15: 15-19). وسر قوة عثنيئيل = كان عليه روح الرب (2كو 4: 7). وقرية سِفٌر تعني كتاب. وهنا نفهم دور كلمة الله في كتاب الله في أنها تعطى قوة لمن يقتنيها (مز 119: 22). استراحت الأرض 40 سنة = يتكرر رقم 40 كثيرًا وهو يشير لفترة زمنية يعطيها الله لنا، إن نجحنا في إجتيازها يكون لنا البركة والعكس. والله يعطيهم هنا 40 سنة راحة وللأسف ارتدوا للشر فسقطوا في عبودية عجلون.
آية (12): "وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فشدد الرب عجلون ملك مواب على إسرائيل لأنهم عملوا الشر في عيني الرب."
هم ظنوا أن العدو الأول كوشان قد انتهى وأصبحوا الآن في أمان فبدأوا في شرورهم ثانية ولم يفهموا أن الله لديه أدوات تأديب كثيرة. والأداة الحالية هي عجلون. وخطير إذا مّرت في حياتنا أيام سلام وصحة وثروة فنشعر بالأمان ونخطئ فالأمان الحقيقي لا يكون إلا بالحياة في المسيح فهو وحده ملك السلام، وكل ما عداه فهو كالسراب، شيء زائل غير مأمون ولا ضمان لاستمراره. ومعنى إسم عجلون = عجل سمين أو مثل العجول ربما إشارة لسمنته (آية 17) أو قوته الوحشية في الحرب وغضبه القاتل وقسوته وعجلون هذا هو الذي خلف بالاق ملك موآب.
الآيات (13،14): "فجمع إليه بني عمون وعماليق وسار وضرب إسرائيل وامتلكوا مدينة النخل. فعبد بنو إسرائيل عجلون ملك مواب ثماني عشرة سنة."
نرى حلف مؤآب وبنى عمون وعماليق أعداء إسرائيل الذين لم يكن لهم سلطان على إسرائيل ولكن بسبب شرور إسرائيل صار لهم سلطان الآن عليها. وامتلكوا مدينة النخل = هي أريحا. ولكن إذا فهمنا أن الصديق كالنخلة يزهو فتكون مدينة النخل (مز 92: 12) هي إشارة للكنيسة التي إن تركت مسيحها وانحرفت لتسير كالعالم يسمح الله للعالم أن يسود عليها. وأعدائها الذين كانوا يعجزون عن أن يسيطروا عليها، صار لهم الآن سلطان عليها بل أقام عجلون مقره في مدينة النخل (وهو المقر الذي ضربه فيه أهود).
آية (15): وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب فأقام لهم الرب مخلصا أهود بن جيرا البنياميني رجلا اعسر فأرسل بنو إسرائيل بيده هدية لعجلون ملك مواب. أهود = قد تكون اختصار ابيهود = أبى مجد أو جلال. أو تعني متحد. ومعنى الاسم أن الله يستجيب لصراخنا إن اتحدنا به لأنه يغير على مجده. رجلًا أعسر = أي لا يجيد استخدام يده اليمنى. (الله يحول ضعفاتنا إلى قوة لو استلم حياتنا) هدية = علامة صداقة وود وقبول للخضوع لعجلون. وأخذ الهدية أهود ومعهُ بعض الرجال.
الآيات (16-18): " فعمل اهود لنفسه سيفا ذا حدين طوله ذراع وتقلده تحت ثيابه على فخذه اليمنى. وقدم الهدية لعجلون ملك مواب وكان عجلون رجلا سمينا جدًا. وكان لما انتهى من تقديم الهدية صرف القوم حاملي الهدية." صرف القوم = إنصرف أهود مع القوم بعد تقديم الهدية ثم عاد وحده وذلك:
1)ليحمى قومه من انتقام عجلون لو اكتشفوا خطته.
2)يعد طريق فراره.
3)هو لا يستطيع أن ينفذ خطته في وجود كل حراس عجلون فهو اكتسب ثقة عجلون أولًا ثم عاد ليدخلوه وحده.
آية (19): وأما هو فرجع من عند المنحوتات التي لدى الجلجال وقال لي كلام سر إليك أيها الملك فقال صه وخرج من عنده جميع الواقفين لديه. المنحوتات = هي مقاطع الحجارة التي يأخذوا منها حجارة لأصنامهم وكانت الجلجال مركزًا لهذه الأصنام فحولها اليهود لمكان مقدس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وأهود إنصرف مع قومه ثم عاد لعجلون ثانية وأقنعه بأن هناك سرًا، والملوك يهتمون بالأسرار فصرف جنده بعد أن وثق في أهود وهو غالبًا ظن أن أهود سيخون شعبه ويخبر الملك بسر مؤامرة ضده، أو كيف يملكه أجزاء أخرى في إسرائيل لذلك أخرج الكل.
الآيات (20-23): فدخل إليه أهود وهو جالس في علية برود كانت له وحده وقال أهود عندي كلام الله إليك فقام عن الكرسي. فمد اهود يده اليسرى واخذ السيف عن فخذه اليمنى وضربه في بطنه. فدخل القائم أيضًا وراء النصل وطبق الشحم وراء النصل لانه لم يجذب السيف من بطنه و خرج من الحتار. فخرج اهود من الرواق واغلق ابواب العلية وراءه و اقفلها."
إلتقى إهود بعجلون على إنفراد في علية برود = أي غرفة خاصة في أعلى قصره يجلس فيها الملك تحت مظلة ليتبرد من الحر. كلام الله إليك = ظن عجلون أن أهود وهو راجع من عند المنحوتات أن الألهة الوثنية أرسلت رسالة لعجلون بيد أهودفقام عن الكرسي = احترامًا للألهة الوثنية التي أوحت بالرسالة. وغالبًا كان عجلون مقيمًا في مدينة النخل وأقام له مقرًا مع رجاله ليتسلط منه على إسرائيل والمسافة لم تكن كبيرة بين الجلجال (حيث المنحوتات) وبين أريحا (مدينة النخل).
الآيات (24-27): "ولما خرج جاء عبيده ونظروا وإذا أبواب العلية مقفلة فقالوا أنه مغط رجليه في مخدع البرود. فلبثوا حتى خجلوا وإذا هو لا يفتح ابواب العلية فاخذوا المفتاح وفتحوا و اذا سيدهم ساقط على الأرض ميتا. واما اهود فنجا إذ هم مبهوتون وعبر المنحوتات ونجا إلى سعيرة. وكان عند مجيئه أنه ضرب بالبوق في جبل افرايم فنزل معه بنو إسرائيل عن الجبل وهو قدامهم." مغطٍ رجليه في مخدع البرود = هو تعبير مهذب عن دخوله المرحاض.
الآيات (28-30): "وقال لهم اتبعوني لأن الرب قد دفع أعداءكم الموابيين ليدكم فنزلوا وراءه واخذوا مخاوض الأردن إلى مواب ولم يدعوا أحدا يعبر. فضربوا من مواب في ذلك الوقت نحو عشرة آلاف رجل كل نشيط وكل ذي باس ولم ينج أحد. فذل الموابيون في ذلك اليوم تحت يد إسرائيل واستراحت الأرض ثمانين سنة." أخذوا مخاوض الأردن = المخاوض هي التي تعبر سيرًا بالأقدام وكانت خطة إهود السيطرة على هذه المخاوض لمنع الموأبيين من الهرب عن طريقها إلى موآب، وأيضًا فهذا يمنع وصول أي نجدة من موآب لتأتى لحماية الجيش المحاصر في إسرائيل. وبعد أن حاصروا جيش موآب في غرب الأردن ضربوهم وقتلوهم (آية 29 10.000 رجل).
رموز إهود للمسيح:
1.فى اسمه فهو "أبى مجد" والمسيح مجّد الأب على الأرض والأب مجده (يو 17: 1). ومعنى اسمه متحد = فهو واحد مع أبيه وهو جاء ليعطينا وحدة (يو 17: 11، 21).
2.يظهر إهود حاملًا سيفًا ذا حدين تقلده على فخذه الأيمن ليقتل به عجلون = (مز 45: 3) والسيف يشير لكلمة الله (عب 4: 12). وكلمة الله سيف ذي حدين تعمل في قلب الراعي والرعية. ومعنى حمل السيف على الفخذ، أي إشارة لتجسده يحمل وصيته (سيفه) على فخذه (جسده).
3.هدية إهود لعجلون التي أفرحته أولًا = الصليب الذي قبله المسيح فإبتهج الشيطان أولًا وهناك بعض الرجال ذهبوا مع أهود لتقديم الهدية كما حمل سمعان القيروانى الصليب مع المسيح لكن معركة الصليب كانت للمسيح وحده، كما ذهب إهود وحده ليقتل عجلون.
4.قتل إهود عجلون بعد أن قام عن كرسيه الملكى. والمسيح هزم الشيطان وحرمه من رياسته. وأفقده سلطانه (كو 2: 15 + لو 10: 18).
5.أغلق إهود على عجلون ولا يفتح عليه إلا عبيده وخدامه والمسيح قيّد لنا إبليس ولا يذهب لإبليس إلا كل من يريد أن يكون لهُ عبدًا وخادمًا. فرجوع الإنسان لإبليس لا يتحقق إلاّ بمحض إرادة الإنسان.
6.بعد أن قتل إهود عجلون قتل الشعب 10.000 رجل. وبعد هزيمة إبليس بواسطة يسوع يقوم شعب الله عبر العصور خلال جهادهم الروحي بغلبة إبليس (رؤ 6: 2).
آية (31): وكان بعده شمجر بن عناه فضرب من الفلسطينيين ست مئة رجل بمنساس البقر وهو أيضًا خلص إسرائيل. شمجر كان عملهُ محليًا أي محصورًا في مكان معين فقط. ولم يقم شمجر بعد موت إهود بدليل قوله في آية (4: 1) بعد موت إهود ولم يقل موت شمجر. فشمجر خدمته في حياة إهود لكن في مكان آخر. وفي أيام شمجر اعتاد الفلسطينيون أن يقطعوا الطريق على شعب الله ويضربونهم ويسرقونهم " وهذا ما قالته دبورة 5: 6،7 " أن الطرق استراحت. ويبدو أن شمجر كان يحرث الأرض وفي يده منساس البقر = وهي عصا في طرفها قطعة حديد حادة تستخدم في رعاية البقر، وبينما هو في عمله ظهر الفلسطينيون قطاع الطرق فأرشده الله أن يضربهم بما في يده والله قادر أن يستخدم القليل كما الكثير. والله قادر أن يستخدمنا مهما كانت إمكانياتنا.