رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بالصليب فُتح الفردوس أترغب في معرفة إنجاز عظيم آخر للصليب يفوق إدراك العقل البشرى؟ إن الفردوس الذي كان مغلقًا قد فُتح اليوم.اليوم دخل اللص إليه. هناك إنجازان عظيمان، فتح الفردوس ودخول اللص إليه، إعادته لوطنه القديم، واسترداده إلى بلده الأم. اليوم تكون معي في الفردوس (لو43:23). ماذا تقول (يارب)؟ هل وأنت مصلوب ومُسمّر على الصليب تَعِدُ بالفردوس؟ كيف بالحقيقية تهبُ ذلك؟ يقول بولس الرسول إنه صُلب من ضعف (2 كو 13 : 4) لكن فلتسمع ما تلاه لكنه حي بقوة الله (2كو 13 : 4) وفي موضع آخر يقول لأن قوتي في الضعف تكمل (2كو 12 :9) ولهذا يقول: إني أعد وأنا على الصليب، لكى تعلم من هذا أيضًا قوتي. فهذا الأمر المحزن لم يحدث ليبعدك عن التفكير في طبيعة الصليب بل لتعلم قوة المصلوب عليه والمعجزة التي تمت فوقه، تلك المعجزة التي تشير إلى قوة المصلوب، فاللص لم يؤمن به وهو يقيم الموتى أو ينتهر أمواج البحر ويطرد الشياطين، بل عندما كان مصلوبًا ومسمّرًا وهو مُعرّض للشتم والبصق والهزء والتعذيب. أنظر إذن الوجهين اللامعين لقوة المصلوب: إنه قد هزّ أركان الطبيعة وشقق الصخور، من ناحية، وإنه جعل نفس اللص التي كانت أقسى وأصعب من الصخر، تصير وديعة. أتقول يارب، اليوم تكون معي في الفردوس(لو43:23) الشاروبيم يحفظون الفردوس وهناك يجول سيف ناري وأنت تَعِدُ اللص بأن تُدْخِله هناك؟ نعم يقول (المسيح): فأنا هو رب الشاروبيم، ولىّ سلطة على اللهيب والجحيم والحياة والموت. ولهذا يقول اليوم تكون معي في الفردوس(لو43:23). فإن كان الرب له هذه القدرة فقد متع بها الآخرين مباشرة، ومع أن الملك لا يرض لنفسه أن يجالس لصًا أو أحدًا من عبيده ولا أن يرافقه إلى المدينة، إلاّ أن السيد محب البشر فعل ذلك وأدخل معه اللص إلى الوطن المقدس. وفي هذا فإن اللص لا يهين الفردوس بأن يطئه بقدمه بل بالحري يشرّفه. فشرَف الفردوس أن يكون له مثل هذا السيد القوى محب البشر الذي جعل اللص جديرًا بالتنعم فيه. وهو عندما دعا العشارين والزناة إلى الملكوت فهو لم يُحقِر من هذا الملكوت بل بالحري كرّمه وأظهر أنه رب ملكوت السموات الذي جعل العشارين والزناة أهلاً لمجد وعطية الملكوت هناك. وكما أننا نُعجب بالطبيب عندما نراه يشفي الناس من الأمراض المستعصية ويأتي بهم إلى الصحة التامة، هكذا يا أحبائي، يجب أن نُعجب بالمسيح ونُدهش إذ هو يشفي أمراض نفوس الناس المستعصية، ويعتقها من الشرور المسيطرة عليها، جاعلاً أولئك الذين سيطرت عليهم الشرور إلى أبعد الحدود، أهلاً لملكوت السموات.اليوم تكون معي في الفردوس(لو43:23) : شرف عظيم ، محبة للبشر فائقة، صلاح يعجز اللسان عن وصف إفراطه، فالدخول إلى الفردوس له شرف عظيم جدًا إذ هو دخول مع السيد. ماذا حدث؟ هلاّ تقول لي ما الذي أظهره اللص حتى يكون مستحقًا للفردوس وليس للصليب؟ أتريد في اختصار أن أقول وأُظهر لك فضل اللص؟ فالرب الذي أنكره بطرس هامة الرسل، مع أنه لم يكن على الصليب، اعترف به اللص وهو معلق على الصليب. وأنا لا أقول هذا لأتهم بطرس، حاشا، لكن أريد أن أُظهر عظمة نفس اللص وفلسفته الفائقة. فذاك (التلميذ) لم يحتمل تهديد رخيص من بنت صغيرة، أما اللص وهو يرى الجمهور كله يهتف ويُجن ويصرخ بالتجديفات والسخريات على المصلوب، فإنه لم يلتفت إلى إهانات المصلوب، لكنه بعيون الإيمان، لم يبال بكل هذا وترك عنه هذه العثرات، واعترف بأنه سيد السموات قائلاً تلك الكلمات التي جعلته مستحقًا للفردوس: أذكرني في ملكوتك (لو42:23). فلا تتجاوز هذا اللص ببساطة ولا تخجل أن تتخذه معلمًا فإن سيدنا نفسه قبلنا، لم يستح منه بل ادخله إلى الفردوس. لا تخجل أن تتخذ الإنسان الذي استحق ـ قبل الناس جميعًا ـ أن يكون أهلاً لنعيم الحياة في الفردوس، معلمًا لك. ولنفحص كل هذه الأمور بدقة لنتعرف من الآن فصاعدًا قوة الصليب. لم يقل له كما قال لبطرس وأندراوس هلم ورائي لأجعلكما صيادي الناس (مت19:4)، ولم يقل له كما قال للاثني عشر تلميذًا تجلسون على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر(مت28:19). لم يجعله أهلاً لسماع أقوال كهذه، لم يرَ أية معجزة، أو ميتًا قام، أو شياطين مطرودة ولا بحرًا طائعًا، لم يذكر له شيئًا عن الملكوت، فمن أين عرف اسم الملكوت؟ كان اللص الآخر يشتمه، فقد صُلب معه لص آخر ليتم القول وأُحصى مع أثمة (إش12:53). لقد حاول اليهود ناكري الجميل تشويه مجد المسيح وبكل طريقة كان لهم تأثيرًا على مجرى الأحداث. غير أن الحقيقة كانت تسطع من كل ناحية ويزداد بهائها كلما زادت المقاومة ضدها. كان اللص الآخر يشتمه. وقال أحد البشيرين إن اللصين كانا يستهزئان بالمسيح وهذه حقيقة، زادت من فضل اللص (اليمين)، فمن الطبيعي أن يستهزئ أولاً، غير أن ما قد فعله بعد ذلك هو صواب، عكس الآخر الذي استمر في استهزائه. فهل رأيت الفرق بين لص ولص؟ كل منهما معلق على الصليب، وكل منهما كان شريرًا، وكل منهما عاش حياة اللصوصية، لكن مصيرهما لم يكن واحدًا. الأول ورث الملكوت، والآخر أُرسل إلى الجحيم، وما حدث بالأمس مشابه لما يحدث اليوم فهناك فرق بين تلميذ وتلاميذ. فالأول دبر لتسليمه والآخرون استعدوا لخدمة المائدة. الأول قال للفريسيين ماذا تعطوني وأنا أسلمه لكم(مت15:27) والآخرون قالوا للمسيح أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح(مت17:26). هكذا الحال هاهنا فالواحد لص والآخر لص، لكن الأول يشتم والآخر ينطق بشهادة الإيمان، الأول يجدف والثاني يمدح بينما يرى المسيح مصلوبًا ومسمّرًا والجموع من أسفل تشتم وتهتف عاليًا، ولم يمنعه كل هذا من أن يعلن ما يليق بهذا المجد ، لكنه يهاجم اللص (اليسار) بشدة قائلاً: أما تخاف الله (لو40:23ـ41). |
|