إلى مغارة يسوع المسيح ومغارتنا
اليوم تدعونا الكنيسة المقدّسة أن نأتي إلى المغارة إلى الرب المولود وأن نسجد له بتواضع وتوبة.
اليوم سمعنا الترنيمة الملائكية:
"المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام"
(لو 2: 14).
وبالنسبة إلى الكثيرين منّا الذين استعدّوا للعيد بوداعة وتواضع من خلال خدمة الليتورجيا التي تقدّمها الكنيسة، فهذه الترتيلة بالنسبة إليهم ليست مجرّد كلمات إنما هي حالة ملائكية ملؤها السلام والنعمة.
هكذا كان في تلك الليلة عندما وُلد على الأرض الإله الإنسان. ولكننا أكثر فرحاً من أولئك الذين اعتدنا أن نعتبرهم شهوداً فرحين لميلاد المسيح. نحن في الكنيسة لا نسجد فقط للمسيح ولا نشعر فقط بالسلام داخل نفوسنا ولكننا نعرف أيضاً بأن المسيح لم يجلب السلام فقط على الأرض بل السيف أيضاً. “لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً. فإني جئت لأفرّق الإنسان ضدّ أبيه والابنة ضدّ أمّها والكنّة ضدّ حماتها” (مت 10: 34-35).
فما الذي جاء به الربّ – سلام أم سيف، ترابط أم انقسام؟
نحن هنا اليوم نرتل بفرح: “المجد لله في العُلا”، وخلف هذه الجدران يقف العالم مرة أخرى ضدّ المسيح كما وقف منذ البداية منذ الأيام الأولى لحياة المسيح على الأرض.ها هو العالم مرة أخرى يُحرّق أسنانه ويريد أن يقضي على عمل المسيح. ونحن نقف هنا في هذه اللحظة السعيدة والمهمّة بالنسبة لنا. أين سنكون نحن من ذلك الانقسام، نحن الذين أتينا بفرح لاستقبال المخلّص المولود؟ ومن أين هذا الانقسام؟ وما هي أسبابه؟.
الجواب تعطينا إيّاه الكنيسة المقدسة في ليتورجية هذا اليوم، فالليتورجيا اليوم فرِحة ونمجّد فيها الرب. لكن كيف صلّينا في الأيام الماضية؟ بصلاة التوبة أثناء صلاة العشية وكنا نتوب عن خطايانا ونقرأ مزامير العهد القديم.
قبل قليل أنهينا الطلبة المُلحّة “من أجل كل نفس مسيحية مكروبة وحاقدة ومحتاجة لرحمة الله…” ومرة أخرى نصلي الستة مزامير من أجل الخطايا، فكيف بعد كلمات: “المجد لله في العُلا”، نعود ونسمع في المزامير عويل توبة النفس التي تعيش حياة الانقسام؟ وهذا سببه أننا نشعر بأنه لا يجوز أن نعيش فيما بعد كما نعيش الآن.
بالرغم من كل ما أنجزناه في مجال العلوم والفنون فليس لنا حياة أبدية، ليس لنا حياة في الله، لا قداسة ولا تألّه. وعبارة: “لا أريد أن أكون كما أنا عليه” يمكن أن يقولها أي عالم عظيم أو شاعر كبير.
السعي إلى حياة العالم العلوي والتوبة هما يشكّلان الانقسام. والذين هم ضد المسيح عبثاً يظنون أنهم يقدرون أن يقفوا ضدّه متسلّحين بالكتب وبالمنشورات وبالصور وبالرسوم الكاريكاتورية. لا، لأن كنيسة الله هي في داخلنا، وفي هذه الجبهة الداخلية تدور معركة رئيس هذا العالم مع المسيح.
“ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة…” (مت 18: 7). وكلمات المخلص بالنسبة لنا الآن لها أهمّية كبيرة: “وتكونون مُبغضين من الجميع من أجل اسمي” (لو 21: 17). واليوم كل كاهن وكل مؤمن بالمسيح يُعتبر هدفاً للسخرية والقذارة. وهذا ليس بصدفة ، هكذا كان دائماً، والهدف ليس نحن وإنما المسيح. يقولون لنا بأن المخلص لم يأتِ أبداً وبأن الميلاد هو عيد وثني تم تعديله، وبذلك هم ينسون بأن الإنسان لا يمكن أن يفكر بخبزه اليومي فقط، لكنه كان دائماً يفكّر في أن “الحاجة إلى واحد” (لو 10: 42).
كانت النفس البشرية قديماً تنقاد بحسب قانون الضمير الداخلي الموجود فيها، وكانت ترغب في تغيير طبيعتها وكانت تنتظر بأن الله سيأتي إلى الأرض، كانت تتوق لهفةً، لذلك كانت تظهر هنا وهناك تعاليم عن ميلاد الله على الأرض وكانت النفس تضع تعاليم تتمايز بحسب ضميرها وبحسب الحالة التي هي فيها. لم يعرف جميع الناس القدماء كتابات الوحي الإلهي، ولكنهم عاشوا وأسّسوا تعاليم بحسب ناموس ضميرهم. لذلك توقّع الكثيرون بأن الله يجب أن يولد على الأرض ليس كما يولد باقي البشر، أيْ أن يولد من عذراء.
إن التعليم حول الخطية الجدّية موجود عند جميع الشعوب، هذا التعليم لم يتناقل من شعب إلى آخر لكنه موجود في داخل كل واحد منا، فكل واحد منا وفي أفضل لحظات حياته يكتشف ويُقرّ بأنه خاطئ ورديء وبأنه يجب أن يُخلق من جديد وبأنه يرغب في أن يكون خليقة جديدة. هذا يُثبت بأننا نمتلك ضميراً شاهداً علينا بأننا لا نقدر أن نكون أسياد العالم والكون.
الأحداث المعاصرة يمكن أن تكون عثرة للكثيرين، فكلمات الخادمة كانت بالنسبة للرسول بطرس عثرة، وكانت أعمال ربنا يسوع المسيح بالنسبة لكثيرين عثرة أيضاً.
عندما أتينا مع الملائكة والرعاة والمجوس لنسجد لسيّدنا المولود في مذود، يجب علينا أن نفهم أين نحن في هذا الترتيب ومع أي فئة نحن. وإذا أردنا أن نتبع المسيح فلا يجب الإبطاء، قد حان الوقت.
وعندما يولد المسيح من جديد وعندما نراه من جديد في هياكل نفوسنا الداخلية فيجب علينا أن نحافظ على ما تعطينا إياه الكنيسة وأن نصارع، فهذا الصراع موجود منذ بدء الكنيسة وهو أحياناً يقوى وأحياناً يضعف. ونحن محظوظون بأن نعيش في وقت وصل فيه هذا الصراع إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، فيقول لنا المخلّص: “لا تضطرب قلوبكم…”(يو 14: 1).
يجب علينا أن نتذكّر بأن الصراع يدور في داخلنا. نحن نؤمن لأنّ ضميرنا وأفكارنا التي تدين وتبرّر بعضها البعض هي تشهد على أننا بدون الله لا نقدر أن نعيش وبدون الله لا نقدر أن نجدّد حياتنا. إذا كنا نتعامل باهتمام مع نفوسنا وإذا كنا نتبع المسيح، فيجب علينا أن نصون في داخلنا ملكوت الله الذي أخذناه هنا في الكنيسة. حافظوا على نفوسكم وحافظوا على ملكوت السماوات الموجود في داخلكم. هذه دعوة الكنيسة المقدسة لنا.
لقد جلب لنا الرب السلام ولكنه جلب الانقسام أيضاً. السلام لأولئك الذين يسعون إلى العالم العلوي، والانقسام لأولئك الذين يقفون ضد الله. لا نقدر أن نجاهد من أجل ملكوت السماوات إلا من خلال بناء نفوسنا ومن خلال اعترافنا وإقرارنا بخطايانا، وبغير ذلك فلن يساعدنا أحد. نحن نرى بأن المسيح فينا وهو دائماّ وأبداً يولد في نفس كل واحد منا. فمنذ هذا اليوم لا تعودوا تُعتّموا صورة الطفل الإله في نفوسكم. قد يحصل أننا مرة أخرى سنغطي صورة الطفل الإله، ولكن تذكروا بأن هذا الوقت هو وقت الانقسام وإذا لم نطهّر ذواتنا فسنجد أنفسنا واقفين ضد الله. آمين.