شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
يشوع 15 - تفسير سفر يشوع
نصيب يهوذا :- إن كان غرب الأردن يمثل كنيسة العهد الجديد، فإن يهوذا يحتل مركز الصدارة، بكونه السبط الذي منه جاء ابن الله متجسدًا، فجاءت القرعة أولًا لهُ. وكان نصيب كالب بن يفنة في وسط أرض يهوذا. ونلاحظ أنه في تقسيم الأرض شرق الأردن بدأت القرعة برأوبين لأنه البكر جسديًا، أما هنا فإذ يشير التوزيع إلى ميراث العهد الجديد فلا التزام ببكورية الجسد بل بباكورة الروح، لهذا وقعت القرعة أولًا على السبط الملوكي سبط يهوذا الذي يخرج منه المسيح حسب الجسد. فهو الأسد الخارج من سبط يهوذا رؤ5:5.
وأسماء المدن الأتى ذكرها هنا معظمها لم يعد لهُ وجود أو صار له اسم مختلف ولا نستطيع تحديد شيء على وجه الدقة وكل ما يقال هو احتمالات، وهذا ليس فقط في إسرائيل ولكن في كل إمبراطوريات العالم القديم يصعب تحديد أماكن مدن كثيرة. ولكن ما يهمنا هنا أن يشوع إهتم بتحديد نصيب كل سبط تحديدًا دقيقًا حتى لا يحدث صراع بينهم بعد موته. ونجد في التوزيع أن سبط يهوذا تمتع بأكبر مساحة وأوسع تحديد فهو سبط مميز سيخرج منه بعد ذلك ملوك يهوذا وسيبنى فيه الهيكل وتكون العبادة فيه وهو الذي سيحافظ على هذه العبادة وهو الذي سيأتي منه المسيح بالجسد.
آيه (1): "وكانت القرعة لسبط بني يهوذا حسب عشائرهم إلى تخم أدوم برية صين نحو الجنوب أقصى التيمن." برية صين = كانت عازلًا بين يهوذا وأدوم = تخم أدوم. وأدوم تعنى ترابي أو دموى وأدوم هو عيسو أو سعير. وهناك عداوة بين أدوم (رمز إبليس) ويعقوب (رمز شعب الله) وهما مازالا في البطن. رمز لعداوة الشيطان لنا دائمًا. فهو يحاول أن يجذبنا لمحبة العالم (التراب) وحربه ضدنا دموية (كان قتالًا للناس منذ البدء) فمن يسقط في تجاربه يهلك. ولاحظ وجوده على حدود شعب الرب فهو واقف على الباب مشتاق أن يسلبنا طبيعتنا السماوية ليهلكنا ولا يستريح إلا لو سفك دمنا روحيًا. ونلاحظ وجود برية بين شعب الله وأدوم رمزًا لبرية التجارب. ولا يمكن أن نعبر إلى أرض يهوذا لنرث إلا بالمرور في برية التجارب كما حدث مع المسيح. ولكننا في المسيح نغلب. الآيات (3،2): "وكان تخمهم الجنوبي أقصى بحر الملح من اللسان المتوجه نحو الجنوب، وخرج إلى جنوب عقبة عقربيم وعبر إلى صين وصعد من جنوب قادش برنيع وعبر إلى حصرون وصعد إلى أدار إلى القرقع."
لاحظ حدود يهوذا (رمز لمن هم شعب الرب ويملك عليهم المسيح) البحر المالح = إشارة لقلاقل هذه الحياة ودوراناتها. وعقبة عقربيم= مكان العقارب. وعدو الخير مشار لهُ بالحيات والعقارب التي وهبنا الله سلطانًا أن ندوسها. (لو19:10).
الآيات (4-6): "و عبر إلى عصمون وخرج إلى وادي مصر وكانت مخارج التخم عند البحر هذا يكون تخمكم الجنوبي. وتخم الشرق بحر الملح إلى طرف الاردن وتخم جانب الشمال من لسان البحر اقصى الاردن. وصعد التخم إلى بيت حجلة وعبر من شمال بيت العربة وصعد التخم إلى حجر بوهن بن رأوبين." حجر بوهن = هو حجر وضعه بوهن أحد رجال نسل رأوبين على حافة أرضه ليكون حدًا فاصلًا للأرض وكانت أرض يهوذا مجاورة لهذا الحجر (هو نُصُبْ) يش 17:18.
الآيات (7-9): "وصعد التخم إلى دبير من وادي عخور وتوجه نحو الشمال إلى الجلجال التي مقابل عقبة ادميم التي من جنوبي الوادي وعبر التخم إلى مياه عين شمس وكانت مخارجه إلى عين روجل، وامتد التخم من راس الجبل إلى منبع مياه نفتوح وخرج إلى مدن جبل عفرون وامتد التخم إلى بعلة هي قرية يعاريم." وادى ابن هنوم = لا نعرف من هو هنوم أو ابن هنوم. ولكن هذا الوادى وضع فيه تمثال مولك الذي كان الشعب يعبر فيه أولاده بالنار إلى أن أتى يوشيا وأزاله وصار هذا الوادى مكانًا للنفايات ولذلك خرج اسم جهنم من هنا (جى هنوم) وهي جهنم النار أو نار جهنم لأنهم كانوا يحرقون النفايات هناك.وحيث النفايات فهناك دود. فهو اذًا هو مكان نار ودود.
والأن لنلاحظ ما حول أرض ميراث شعب الله "جى هنوم / مكان العقارب / برية التجارب / صين / البحر المالح / أدوم المُعَادِى دائمًا لشعب الله" ولكن ماذا في الداخل.
أورشليم مدينة الملك العظيم. وعين شمس = المسيح هو شمس البر ملا2:4. ومن جنبه خرج دم وماء. فعين شمس هي المياه التي تنبع خلال المسيح أي الروح القدس. وأورشليم كانت على حدود بنيامين ويهوذا ولكن السبطين اتحدا فيما بعد في مملكة يهوذا. وأورشليم هي ظل أورشليم السمائية (1مل13:11 + 2مل4:21 + أر16:3). وراجع غل 26:4 + عب22:12 + رؤ1:14 فأورشليم العليا غاية عبادتنا.
الآيات (10-12): "و امتد التخم من بعلة غربا إلى جبل سعير وعبر إلى جانب جبل يعاريم من الشمال هي كسالون ونزل إلى بيت شمس وعبر إلى تمنة. وخرج التخم إلى جانب عقرون نحو الشمال وامتد التخم إلى شكرون وعبر جبل البعلة وخرج إلى يبنئيل وكان مخارج التخم عند البحر. والتخم الغربي البحر الكبير وتخومه هذا تخم بني يهوذا مستديرا حسب عشائرهم." مستديرًا = الدائرة تشير للأبدية فهي بلا بداية ولا نهاية. فشعب الرب ميراثه الأبدي.
آية (13): "وأعطى كالب بن يفنة قسما في وسط بني يهوذا حسب قول الرب ليشوع قرية أربع أبي عناق هي حبرون." قرية أربع = كان هذا اسمها قديمًا وبعد أن أخذها كالب صار اسمها حبرون وغالبًا هو اسم أحد أبناء أو أحفاد كالب. ورمزيًا فأربع قد تعنى أربع ملوك أو أي أربع أشياء رآها أصحاب المكان هامة لكن رقم "4" يشير للعالم أو الجسد المأخوذ من الأرض.
نصيب كالب ابن يفنة: "وقال كالب: من يضرب قرية سفر ويأخذها أعطيه عكسة ابنتي امرأة، فأخذها عثنيئيل بن قناز أخو كالب. فأعطاه عكسة ابنته امرأة " (يشوع 15: 16-18) - رسم الفنان هنري سينجلتون
الآيات (14-16): "وطرد كالب من هناك بني عناق الثلاثة شيشاي واخيمان وتلماي أولاد عناق. و صعد من هناك إلى سكان دبير وكان اسم دبير قبلا قرية سفر. وقال كالب من يضرب قرية سفر وياخذها اعطيه عكسة ابنتي امراة."
ونجد كالب (يعنى القلب) قد طرد بنى عناق الثلاثة من هناك وأسماها حبرون. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والمعنى أننا حتى نقترن بعريسنا يسوع علينا أن نطرد محبة العالم من قلبنا.
آية (17): "فأخذها عثنيئيل بن قناز أخو كالب فأعطاه عكسة ابنته امرأة." عثنيئيل بن قناز = هو صار قاضيًا لإسرائيل فيما بعد. وهناك 3 احتمالات:-
1.قد يكون اخو كالب الصغير فعلا.
2.قد تكون مجازًا، أي من نفس القبيلة (كما قيل عن أقرباء المسيح انهم أخوته) وكما قيل عن لوط اخو إبراهيم.
3.وقد يكون ابن عم كالب. وقناز اخو كالب والآية تحتمل هذا التفسير.
الآيات (19،18): "وكان عند دخولها أنها غرته بطلب حقل من أبيها فنزلت عن الحمار فقال لها كالب ما لك، فقالت اعطني بركة لأنك أعطيتني ارض الجنوب فاعطني ينابيع ماء فأعطاها الينابيع العليا والينابيع السفلي."
هي طلبت ينابيع ماء فأعطاها أكثر مما طلبت، أعطاها ينابيع عليا = هي غالبًا من الجبال حيث تتجمع مياه الأمطار. والينابيع السفلى = الأبار في الأراضى المستوية ونلاحظ قول عكسة "أعطينى بركة.. أعطينى ينابيع ماء". وعكسة التي تربت في بيت كالب رجل الإيمان تشير لما يجب على كل مؤمن أن يطلبه من الله أبوه أي الامتلاء بالروح القدس، هذه هي البركة الحقيقية التي نطلبها. وتكون الينابيع العليا إشارة لعمل الروح القدس مع النفس في السماء وتكون الينابيع السفلى إشارة لثمار الروح القدس في النفس هنا على الأرض. ولكن كيف نحصل على هذه الثمار؟ يكون ذلك بالنزول عن أهتمامات الجسد = فنزلت عنالحمار.
الآيات (20-31): "هذا نصيب سبط بني يهوذا حسب عشائرهم.و كانت المدن القصوى التي لسبط بني يهوذا إلى تخم ادوم جنوبا قبصئيل وعيدر وياجور. وقينة وديمونة وعدعدة. و قادش وحاصور ويثنان. وزيف وطالم وبعلوت. وحاصور وحدتة وقريوت و حصرون هي حاصور. وامام وشماع ومولادة. وحصر جدة وحشمون وبيت فالط. و حصر شوعال وبئر سبع وبزيوتية. وبعلة وعييم وعاصم. والتولد وكسيل و حرمة. وصقلغ ومدمنة وسنسنة."
الآيات (32-35): "ولباوت وشلحيم وعين ورمون كل المدن تسع وعشرون مع ضياعها. في السهل اشتاول وصرعة واشنة. وزانوح وعين جنيم وتفوح وعينام. و يرموت وعدلام وسوكوه وعزيقة." 29 مدينة = ولكن عدد المدن المذكور 38. وربما كان هناك 29 مدينة من المذكورين والباقي قرى تابعة كما نقول مثلًا القاهرة والجيزة وحلوان وفي العد نقول مدينة واحدة هي القاهرة. وهناك حل اخر أن يهوذا حصل على 29 مدينة وأعطى 9 لشمعون فنصيب شمعون دخل وسط نصيب يهوذا.
آية (36): "وشعرايم وعديتايم والجديرة وجديروتايم أربع عشرة مدينة مع ضياعها." 14 مدينة = وعدد المدن المذكورة 15 وهناك حل بسيط بالإضافة إلى ما سبق.. الجديرة وجديروتايم. كلمة جديروتايم تعنى وحظائر غنمها. فكأن الآية تفهم هكذا "والجديرة وحظائر غنمها" ويكون عدد المدن 14 بذلك. الآيات (37-62): "صنان وحداشة ومجدل جاد. ودلعان والمصفاة ويقتيئيل. ولخيش وبصقة و عجلون. وكبون ولحمام وكتليش. وجديروت بيت داجون ونعمة ومقيدة ست عشرة مدينة مع ضياعها. لبنة وعاتر وعاشان. ويفتاح واشنة ونصيب. وقعيلة و اكزيب ومريشة تسع مدن مع ضياعها. عقرون وقراها وضياعها. من عقرون غربا كل ما بقرب اشدود وضياعها. اشدود وقراها وضياعها وغزة وقراها وضياعها الى وادي مصر والبحر الكبير وتخومه. وفي الجبل شامير ويتير وسوكوه. و دنة وقرية سنة هي دبير. وعناب واشتموه وعانيم. وجوشن وحولون وجيلوه احدى عشرة مدينة مع ضياعها. اراب ودومة واشعان. وينوم وبيت تفوح و افيقة. وحمطة وقرية اربع هي حبرون وصيعور تسع مدن مع ضياعها. معون و كرمل وزيف ويوطة. ويزرعيل ويقدعام وزانوح. والقاين وجبعة وتمنة عشر مدن مع ضياعها. حلحول وبيت صور وجدور. ومعارة وبيت عنوت والتقون ست مدن مع ضياعها. قرية بعل هي قرية يعاريم والربة مدينتان مع ضياعهما. في البرية بيت العربة ومدين وسكاكة. والنبشان ومدينة الملح وعين جدي ست مدن مع ضياعها."
آية 63:- وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم.
مع بدايات الشعب في الأرض نلاحظ إهمالهم في طرد الوثنيين ربما للأسباب الآتية:-
1.تكاسل عن الحرب.
2.حبًا في الجزية.
3.تكاسل في العمل فاستخدموهم كعبيد.
4.ضعف إيمان أي خافوا من محاربة هذه الشعوب.
ولكن هذه الشعوب كانت سببًا في سقوط إسرائيل في عبادة الأوثان مما جلب عليهم غضب الله. ونلاحظ أن كلمة يبوس = يداس بالأقدام فوجود هذه الشعوب وسط شعب الله ادخل خطايا كثيرة فيهم وجعلتهم عابدى وثن وداستهم الشياطين ويبوس عاصمتهم تحولت إلى أورشليم بعد ذلك. وهكذا قلب الإنسان بعد أن داسته الشياطين حرره المسيح وسكن فيه. ولكن للأسف في نهاية الأيام ومع زيادة الشر تعود أورشليم وتصير مدوسة من جديد (رؤ 11: 2) بسبب الخطايا ثانية. إلى هذا اليوم = تشير هذه الجملة للأبد فالأشرار (الزوان) ينمون ويعيشون مع الأبرار (الحنطة) حتى أخر يوم حين يتم عزلهم وفرزهم (مت 13: 29).