رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
برقوقة النشالة
11/12/2012 فاطمة ناعوت سئمتُ من السياسة والرأى «اللى لا بيودّى، ولا يجيب». وسئمت من الخوف على مصر من لصوص التاريخ. لهذا قررت اليوم، كاستراحة محارب، أن أزور حقلى الأثير: الأدب. الحقل الرحب الذى لا أبرحُه؛ إلا كما تبرح سمكة بحرَها، برهة عسِرة، ثم تعود. لن أكتب قصيدة؛ فلقصائدى أماكنُها، بعيداً عن صفحات الرأى. لذا سأحكى قصة جميلة أرسلتها لى قارئة جميلة اسمها «شيرين مِكّى»، سمعتْها من جدتها الجميلة يوما. قبل الحكاية؛ نطرح معانى بعض المفردات. نَشَلَ: نزع الشىء وخطفه مسرعاً. نَشَلَ الحيوانُ نشولاً؛ أى قلَّ لحمُه. ويُقال: نَشَلَ اللحمَ من القِدْر، نَشَلَ الخاتمَ من الإصبع، ونَشَلَ الثورةَ من الثوار. وأما «النشّالة»، فهى إناء صغير من الفخّار، يوضع به الماء ليأخذه الرجالُ للحقل، ليشربوا أثناء فلاحتهم الأرض. ونأتى للقصة. يُحكى أن «برقوقة»، وهى فتاة فقيرة من أسرة رقيقة الحال، كانت تعيش فى الريف. كانت «برقوقة» بسيطةَ العقل، محدودة الذكاء، تفتقرُ إلى الاتزان النفسىّ، ما تجلّى فى سلوكياتها الشاذة، فلم تكن تهتم بنظافتها الشخصية أو بنظافة ثيابها، ما جعلها منبوذة من الناس. أدّى كل هذا إلى أن أصبحت الفتاة التعسةُ حاقدةً على نفسها وعلى من حولها، تملؤها الرغبةُ فى الانتقام من الجميع. كانت برقوقه تعمل «نشالة»، إذ تقوم بسُقيا الرجال فى الحقول. وفى تجوالها، كانت تتأمل القصور المَنيفة تتراصّ بأناقة على جوانب الطريق، قصور البشوات الأثرياء. كلَّ صبح، كانت تدعو الله بزوال نعمائهم؛ اعتقاداً منها بأنهم كفّارٌ أعداءُ الله، بينما هى، كما أقنعتها أسرتها، من أولياء الله الصالحين. ظلّت الأحلامُ ترعى فى رأسها، حتى دبّرتْ حيلةً لدخول أحد تلك القصور، منتحلة شخصية خادمة. وتعاطف معها مُلاك القصر وأحسنوا معاملتها. لكن الشرَّ المفطورَ لم يبرح قلبها، رغم هذا. ذات يوم، اختلقت «برقوقة» فريةَ أن ابن مالك القصر هتك عرضها! مزّقت ملابسها، وخرجت تركضُ فى أرجاء البلدة تولول، وتنادى على أهلها وعشيرتها طلباً للثأر. غضب رجالُ القرية وأضرموا النيران فى القصر، فأكلته بمَن فيه. اختفت «برقوقة» من القرية. أين ذهبت؟ راحت إلى القصر المحترق، ودخلت تتجوّل فى أروقته وشرفاته وممراته الطولى. تدخل الغرف الموحشة بلا بشر، المتشحة بالسواد. تتأمل بقايا الأثاث المتفحم والتماثيل القيمة المهشمة، فتملؤها نشوة الشعور بالانتصار. لكن شعورها باللذة لم يكتمل إلا بعدما عاشت بين ركامه وأطلاله متوهمة أنها الملكة صاحبة هذا الثراء، الذى كان. أنا الآن ملكةٌ جميلة متوّجة، ولم أعد تلك النكرةَ المنبوذةَ. يا خسارة! لو أن سكان البلدة أدركوا طبيعة الكود النفسى المأزوم لدى «برقوقة»، لما صدقوها، وربما عالجوها. لو تمهّلوا ليتفكّروا فى الأكذوبة، لعرفوا أنها محضُ أكذوبة! ويا خسارة! لو أن أهلها وعشيرتها تمهّلوا فى قتل الأبرياء وإحراق القصر الجميل! إذن، لظلّ قصراً جميلاً. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الوسامة العقلية مُغرية أكثر الف مرة من الشكل والملامح الفارغة |
الوسامة العقلية مُغرية |