أسئلة افتتاحية للمناقشة:
هل تشعر بأنك واثق من نفسك ؟
ما هو تعريفك للثقة بالنفس ؟
هل جلست مرة مع نفسك و حاولت معرفتها عن كثب ؟
من أنا ...هو أول سؤال سأله الإنسان عندما بدأ يتفكر في نفسه
و من هذا السؤال الجوهري خلُِقت الفلسفة، فإن سقراط قرأ تلك العبارة على باب أحد المعابد، و التي غيرت وجه البشرية : "أيها الانسان اعرف نفسك "
v إن الثقة بالنفس ترتبط بمعرف النفس
معرفة سلبياتها ..و محاولة تلافيها، معرفة إيجابياتها و محاولة تطويرها
لكن كل المشكلة تكمن هنا . هل أخذت يوما خلوة مع نفسك و بدأت تفتش ما بداخلها لتراها على حقيقتها لا كما تصفها أمك و أبوك و معارفك أو أعدائك..؟؟؟؟
كثيرا ما نأخذ انطباعاتنا عن انفسنا من خلال الآخرين و ليس من خلالنا
و هنا السؤال الثاني هل لديك قناعة بأن أحد خارج جسدك – غير الله - يستطيع معرفتك أكثر منك..؟
إذا كان الجواب نعم فهذه مشكلة ...
فعلى الرغم من القول الشائع بأن الآخرين يستطيعون معرفتك أكثر منك ، يعرفون إيجابياتك التي ستدركها من خلال مديحهم ، وسلبياتك التي ستدركها من خلال توبيخهم و خصوصاً من قبل المقربين.
إلا أن الآخرين قد يدركون بعض من صفاتك الإيجابية هذا صحيح و قد يصرحون لك بها .. ، و لكنك لا تستطيع الاعتماد على هذا بشكل كلي، لأننا مجتمع مريض بعقد النقص ، مما يجعل الآخرين يكونون في منتهى الكرم في توجيه الملاحظات و التعليقات و الانتقادات إليك – و التي ربما تكون صحيحة أو قد تكون من باب – تكسير النفس و الغيرة – تجدهم في المقابل بخلاء جداً فيما يتعلق بالمديح...
قد يبرر البعض بأن المدح يسبب الانتفاخ لصاحبه لذلك -و رأفة بتواضع الشخص- فإننا لا نمدحه!!!
لذلك إذا اعتمدت على الآخرين في فهم شخصيتك قد تصل إلى مرحلة تشعر فيها بأنك كتلة – كبيرة جداً – من الأخطاء المريعة و الخالية من أي ناحية إيجابية..مما يدفعك إلى الإكتئاب أو الإحباط و التسليم بالأمر الواقع بأن وضعك ميئوس منه .
لكن الآخرين و بكل تأكيد لا يعرفون كل إمكانياتك و قدراتك ، أو ربما لا يريدون منك أن تعرفها.
لذلك فأنت الكائن الوحيد المخول أن تعرف نفسك تمام المعرفة بمعونة الله الذي يسبر أغوارك و يعرف عمق عمقك و هو الذي يدعمك لكي تكتشف نفسك و تطورها.
"مثل الوزنات "متى 25 : 14...فهو يعلمك أن تعمل حتى لو كانت وزناتك محدودة ..أي أن إمكانياتك متواضعة مقارنة مع الآخرين ، و لكنك بجدك و اجتهادك ستحصل على الخيرات و يكون لك النصيب الصالح نفسه.
و هنا سنبدأ بالحديث عن اكتشاف المزايا ..حيث أن المزايا عموما تقسم إلى قسم :إيجابية و سلبية ، و تكل منها يقسم إلى قسمين : ميزات خارجة عن إرادتك (موروثة إما جينية –وراثية -، أو مادية ) ،و ميزات خاضعة لإرادتك لديك كل القدرة على تطويرها أو دفنها .
الصفات الإيجابية:
الخارجة عن إرادتك: عادة تكون موروثة من الأهل.
و هي إما صفات وراثية مثل :الجمال ، الجسم القوي , الذكاء ...
أو صفات مادية مثل: عائلة معروفة و ذات تأثير، رخاء مادي، نفوذ في المجتمع...
الخاضعة لإرادتك : هي بمعظمها ميزاتك الجينية الموروثة (وزناتك) التي تنتظر منك أن تعمل بها ، و لكي تستطيع أن تعمل بها يجب أن تعرفها . روح مرحة, شخصية محببة ، سرعة بديهة ، اجتهاد في العمل، تواضع، التعامل الرحيم ، لباقة، طيبة قلب، ...
الصفات السلبية :
الخارجة عن إرادتك: عادة تكون موروثة من الأهل أو فرضها عليك المجتمع .
و هي إما صفات وراثية مثل :عدم الجمال، تشوه جسدي ,إمكانيات ذهنية متواضعة ، وجود طفل معاق في العائلة...
أو صفات مادية مثل: عائلة مفككة و ذات خلافات دائمة ، أهل غير واعين، مستوى مادي متواضع ،كارثة حلت على العائلة مثل فقدان أحد أفرادها ، أو مرض معطل و غير قابل للشفاء لك أو لأحد أفراد العائلة، سوء في سلوك أحد الأقارب مما يعمم هذا السوء على جميع أفراد العائلة بدون ذنب منهم.
الخاضعة لإرادتك : تقصير في العمل ، التسرع في الحكم على الآخرين ، القسوة في التعامل مع الآخرين، سرعة الغضب، أو العناد وفرض الرأى وحب التسلط والسيطرة......
v كل شخص إذا تأمل ذاته فسوف يجد مالا يعجبه أو ربما يجد ما يكرهه، وقد يتفاعل إزاء ذلك سلبياً فيكره ذاته كلها متجاهلاً ما فيها من ميزات تستحق الرضا والاهتمام والتنمية، وقد يتزايد تركيزه على عيوبه حتى يرفض ذاته، وربما يحسد الآخرين على صفات حسنة فيهم وليست فيه برغم وجود صفات حسنة فيه وليست فيهم..! هذا هو رد الفعل السلبى لما يراه الفرد عيوباً فيه.
لكن ما قد نعتبره عيباً فينا قد يراه الكثيرون ميزة حسنة !.و على العكس, فإن ما تراه حسناً عند غيرك أو حتى تحسده عليه قد يكون نقمة على صاحبه و هو يعتبره نكبة !!
على سبيل المثال "الجمال " قد يعتبره الكثيرون نعمة ، و لكن المفاجأة أن كثيراً ممن يمتلكونه يشعرون أنه نقمة
v أما رد الفعل الإيجابى لما يعتبره الفرد عيوباً فهو قبول الذات بعيوبها كما بميزاتها ،و اكتشاف هذه الصفات و العمل على :
1. التكيف مع الصفات السلبية الخارجة عن الإرادة (مثل.. قصر القامة) و الإدراك بأنك ليس من سبب هذه الحالة لذلك لست مسؤولاً عن نتائجها السلبية ،لأن الانسان مسؤول عن أفعاله، لذلك يجب تجاوز هذه الصفات و المضى قدماً.(انسى كل ما ورائي و أمتد إلى الأمام ساعياً إلى الهدف)فيلبي 3:13
2. اكتشاف السلبيات الخاضعة لإرادتك (التي ترتبط بغالبيتها بالسلوك) و محاولة تلافيها وفق برنامج زمني و منهجي منطقي و قابل للتطبيق و ينفع جداً الاستعانة بأب روحي في هذه الحالة.
لا تتوقع أن تحل كل الأمور بسهولة ، فإن كل ما هو سلبي أكثر سهولة من الإيجابي ، فالكسل أسهل من الاجتهاد ، و سرعة الغضب أسهل من ضبط النفس...الخ
لذلك فإن الشرير سيسعى لأن يرجعك دوماً إلى نقطة الصفر أو ربما إلى ما هو أسوأ...
لذلك عليك أن تكون طويل الأناة مع نفسك و تعطيها وقتاً متذكراً دماً المثل القائل : ليس الخطأ أن تصل متأخرا ، الخطأ ألا تصل أبداً....و عدم الوصول معناه أنك لم تنطلق بعد...
التعرف على جميع صفاتك الإيجابية
3. الموروثة :لكي تتمكن من الاستفادة منها بما يبني نفسك للخير ، و احذر من جعلها سلاحاً ينقلب ضدك لكي تكتشف بالنهاية أنك دمرت نفسك بنفسك، و انقلبت نعمك إلى نقمة 0مثال : الجمال ، النجاح ، الشهرة التي دفعت أصحابها إلى الانتحار كـ إلفيس بريسلي و داليدا
4. الخاضعة لإرادتك : لكي تتمكن من المحافظة عليها أولا و من ثم تطويرها.
ذلك عن طريق
أ- وضع أهداف قريبة الأمد قابلة للتحقيق سريعاً (لكي تمكنك من رؤية أهدافك تتحقق بأقرب وقت مما يعزز ثقتك بنفسك )
ب- و أهداف بعيدة الأمد يتحاج تحقيقا إلى زمن طويل : لكي يكون لديك الدافع الدائم للعمل و تطوير نفسك مما يجنبك الغرور/ الملل بأنك حققت كل طموحاتك مما يدفعك إلى سوء التقدير / الكسل و الذي ينتهي بالفشل ، الذي ستعزوه بدورك خطأَ إما إلى غرور و حقد المجتمع ، أو إلى عدم قدرتك على النجاح الأمر الذي سيصيبك بخيبة أمل و بضعف الثقة بالنفس.
الخلاصة :
لا تظن أن كثرة ميزاتك الايجابية هي امتياز ، بل مسؤولية . فإن الشجرة التي لا تسقى دائما و لا يعتنى بها ،تنقص أثمارها كماً و نوعاً، ومن ثم تذبل و تموت و تقطع و تلقى في النار(لوقا 13: 9)
و على النقيض، لا يساورنك الشك بأنك شخص خال من المواهب و القدارت و بأنك بلا ثمر و لا فائدة،لأنك إن فتشت في داخلك و طلبت من الرب أن يظهر لك وزناتك فسوف تكتشف ما لم يتوقعه أحد عنك .و تذكر دائماً أن الرب يسوع اختار التلاميذ من أناس بسطاء جداً إن دققت في سيرتهم لن تجد فيهم ما يبهر أو يلفت الانتباه، و لكن الله يرانا بطريقة أعمق و يجد الضوء وسط الظلام و القوة في وسط الضعف..، بطرس الرسول و أخوه أندراوس و يوحنا الحبيب و أخوه يعقوب كلهم كانوا من صيادي السمك..و لكن الرب دعاهم ، و اكتشف محبتهم التي صنعت العجائب ،إذ أن هؤلاء البسطاء فتنوا المسكونة و تكلموا بحكمة و محبة نشرت الكلمة إلى أنحاء العالم ، وهذا كله لأنهم وضعوا ثقتهم بالرب الذي يعرفنا و يظهر لنا قدراتنا التي غابت عن أعيننا، و يوجهنا إلى سبل الخير و يكثر وزناتنا، و لكنه لا يفرض ذلك علينا إن لم نأت نحن و نفتح له باب قلبنا و نلقي كل ذاتنا أمامه و نقول له:
"ها هي حياتي في يديك فافعل بها ما تريد"
آمين