كانت حياة موسى النبي سلسلة لا تنقطع من الجهاد المستمر، وقد ذاق المرارة من قسوة قلب الشعب، لكن حياته في حقيقتها سيمفونية حب متهللة، سلسلة من التسابيح. فعند بدء انطلاقه إلى البرية إذ وهبه الله النصرة على فرعون وسط البرية ترنم موسى مع الشعب بنشيدٍ عندما جاءوا إلى البئر التي حفرها شرفاء الشعب (عد 21: 17)، وها هو الآن يختم موسى حياته بتسبحة رائعة، إذ دُعي للانطلاق من العالم ورأى بعيني الإيمان كنعان السماوية، فتهللت نفسه وهو على ضفاف نهر الأردن. يرى في الله الأب الذي يرافق ابنه كل الطريق، يقوده ويهتم بكل احتياجاته الروحية والمادية. تراه النفس كالنسر الذي يرف على فراخه، ويبسط جناحيه فيحميها، يترفق بها ويحملها على منكبيه، يعطيها كل رعايته ولا يتركها تعتاز إلى غيره. يشبعها وسط القفر، فيُخرج لها من الحجر عسلًا ومن صوان الصخر زيتًا، أي يصنع من أجلها المستحيلات