المحبة هي طبيعة الله، فالله محبة:
الله من محبته قيل عنه: "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه." (يو13:15) وهو بذل نفسه عنا مأكلًا حقًا ومشربًا حقًا ليعطينا حياته.
ولقد خلق آدم على صورته، لذلك كان آدم مملوءًا محبة لأن الله محبة ، وكانت محبة آدم كلها لله لا يجد لذته الا في الله لأنه على صورة الله ، والله يقول لذاتى مع بنى آدم (أم 8: 30) وبسبب هذه المحبة في قلب آدم لله ، ومحبة الله لآدم كان في جنة اسمها عدْن وعدْن كلمة عبرية تعنى فرح وبهجة. فآدم عاش في فرح بسبب هذه المحبة المتبادلة مع الله . ولما سقط آدم قيل أن الرب الإله أخرجه من جنة عدْن، والمعنى أنه حين إهتزت وقلًّت محبة آدم لله فقد الفرح ودخل الحزن إلى العالم، وكان ان آدم هو الذي إختبأ من الله بسبب سقوطه ، فبدأت المحبة تفتر وتقل . ومن هذا نفهم أن الفرح ناشيء عن محبة الله، هذا هو الفرح الحقيقي أما العالم فلا يعطى فرح بل يعطى ملذات. يخطىء الإنسان ويسميها فرح.
الفرق بين الفرح الحقيقي واللذة:
1. اللذة مؤقتة والخطية كنور البرق، أما الفرح فدائم كنور الشمس.
2. اللذة لا يمكن أن تنتصر على الألم الخارجي أما الفرح فهو ينتصر، لذلك أقدم الشهداء على الموت في فرح غير خائفين من الموت بسبب الفرح الذي في داخلهم، والفرح الذي يعطيه الله لا يقدر حزن أو ضيق في العالم أن ينزعه منا، وهذا هو وعد السيد المسيح (يو22:16) وبسبب هذا قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك." (تث5:6) والله طلب هذا ليضمن لنا الفرح وليس لأنه محتاج لمحبة أحد.
3. اللذة هى عطية الجسد بينما الفرح هو عطية من الله .
ولما فقد الإنسان الجنة فقد الفرح، فكان الفداء وإنسكاب الروح القدس على المعمدين، والروح يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). وبالتالي يعيد الفرح فنستعيد الحالة الفردوسية الأولى لذلك نجد أن ثمار الروح القدس هي محبة .. فرح .. والترتيب ليس عشوائى بل كما رأينا فالفرح ناشيء عن المحبة، ولكن لنلاحظ أن الفرح ليس إفتعالًا، نحن لا نصنع الفرح بل هو عطية من الله. فالسيد المسيح يقول: "الأن عندكم حزن (فالعالم ملىء بالضيقات، والحزن الذي بحسب قلب الله هو أن نحزن على خطايانا) ولكن أراكم فتفرح قلوبكم (هو يحول أحزاننا إلى فرح وتعزيات)." (يو22:16)
ولكن يثور سؤال هام...
إذا كان الله هو مصدر كل محبة في العالم فلماذا يوصى الله بالمحبة. لماذا هي وصية بينما هي عطية؟!
لماذا وصايا مثل: تحب الرب إلهك.. وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضًا.. (يو34:13).. أحبوا أعدائكم (مت 5: 44). لماذا الوصية وهو الذي يعطى المحبة؟
يوجد نوعان من المحبة:
1. محبة طبيعية: كمحبة الأم لإبنها والزوج لزوجته.. إلخ. وهذه المحبة مُعرّضة لأن تضيع. يقول "إن نسيت الأم رضيعها" (أش15:49) إذًا من الممكن أن تتغير المحبة الطبيعية بل وتضيع. وهذه تنتمى للإنسان العتيق. لذلك فهي ليست مبررًا لدخول إنسان للسماء. فالسيد يقول: "لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم .أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك."(مت46:5)
2. محبة هي عطية من الله: وهذه تنتمى للخليقة الجديدة. هذه التي قيل عنها "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة." (2كو17:5) وهذه الخليقة الجديدة هي ثمار الفداء وعمل الروح القدس. "بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا. "(تى 3: 5، 6) ولذلك فمن ثمار الروح القدس المحبة.. (غلا 22:5). وهذه الخليقة هي التي تخلص "لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة." (غلا15:6) وهذه الخليقة تخلص لأنها في المسيح، ثابتة في المسيح (يو4:15) والمسيح حياة (يو25:11) وعلامة الثبات في المسيح أن تكون لنا محبة، فالله محبة (1يو16:4). وثمار هذه المحبة حياة أبدية، فالمسيح أيضًا الذي نثبت فيه هو حياة. وعلامة أن لنا هذا النوع من المحبة أن نحب حتى أعدائنا. لذلك فوصية "أحبوا أعدائكم." (مت44:5) هي ليست في إمكانية البشر الذين مازال لهم الطبيعة القديمة العتيقة، بل لمن لهم الخليقة الجديدة. لذلك يقول يوحنا في رسالته الأولى "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت (الإنسان العتيق) إلى الحياة (الخليقة الجديدة) لأننا نحب الأخوة. من لا يحب أخاه (مازال في حالة الإنسان العتيق) يبق في الموت. كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس." (نفسه هو) (1يو 3: 14، 15).
وراجع قول السيد المسيح: "كما أحبنى الآب كذلك أحببتكم أنا. إثبتوا في محبتى."(يو9:15).
كما أحبنى الآب
الآب والابن ليسا شخصين منفصلين كل منهما يحب الآخر وحينما يُقال الآب يحب الابن (يو20:5) أو أن الابن يحب الآب (يو31:13) فهذا ليس انفصال بل هذا تعبير عن الوحدة بينهما ولكن بلغة المحبة التي هي طبيعة الله. وهذه مثل "أنا في الآب والآب فىًّ" (يو10:14) + (يو38:10). والمعنى أنهما واحد بالمحبة.
كذلك أحببتكم أنا
كذلك = كما أنا في الآب والآب فىًّ بالمحبة هكذا أثبت فيكم وتثبتون فىًّ بالمحبة. والابن يحبنا إلى المنتهى (يو1:13). ومن له طبيعة المحبة أي صارت له الطبيعة الجديدة فهو يثبُت في المسيح بالمحبة ويثبَت فيه المسيح بالمحبة فتكون له حياة أبدية وينتقل من الموت إلى الحياة. أضف لهذا ما قاله السيد المسيح عمن يحفظ الوصايا "إن حفظتم وصاياى تثبتون في محبتى كما إنى أنا حفظت وصايا أبى وأثبت فى محبته" (يو10:15)
فحفظ الوصايا هو علامة المحبة (يو23:14). ولذلك فالمسيح يحفظ وصايا الآب لأنه يحب الآب كما سبق وقلنا. أو أن الأدق أن نقول أن معنى أن المسيح يحفظ وصايا الآب أنه واحد مع الآب بالمحبة ، وبالتالي فإرادة الآب هي نفسها إرادة الابن ايضا . فوصايا الآب هي نفسها ما ينفذه الابن فهما واحد لكن الآب يريد والابن ينفذ. وبالنسبة لنا نفهم ان هناك شرطين اساسيين لنثبت في المسيح فتكون لنا حياة:-
1) ان نثبت في المحبة 2) ان نحفظ الوصايا
إثبتوا في محبتى
لقد صارت لنا طبيعة المحبة كثمرة طبيعية لحصولنا على الخليقة الجديدة، لكن حتى نحافظ على هذه المحبة (وهى نعمة أي عطية مجانية أخذناها كثمرة للفداء من الروح القدس) ينبغى لنا أن نجاهد والجهاد هو التغصب على عمل الصالح (مت12:11) .
مثال: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم"(مت44:5)
أحبوا أعداءكم = هذه نعمة أي عطية مجانية من الله، كثمرة من ثمار الروح القدس الذي سكن فينا وجدد طبيعتنا بعد الفداء. وهذه المحبة هي علامة الخليقة الجديدة التي لها حياة أبدية.
ولكن كل نعمة تحتاج لأن نجاهد حتى نحافظ عليها أو نكتسبها وهذا ما قاله الآباء أن النعمة هي عطية مجانية لكنها لا تعطى إلا لمن يستحقها .
فما هو الجهاد المطلوب حتى نحافظ على هذه المحبة؟
1) باركوا لا عنيكم = أي تغصبوا أن تتكلموا حسنًا على أعدائكم الذين يلعنوكم. "باركوا ولا تلعنوا" (رو14:12) أي تكلموا حسنًا حتى على من يكرهونكم.
2) أحسنوا إلى مبغضيكم = أي إغصبوا أنفسكم على أن تقدموا خدمات لأعدائكم (الذين يعادونكم ويبغضونكم لأننا لا نبغض أحد) ولا تقولوا أنهم لا يستحقون، تشبهوا بمسيحكم الذي قيل عنه: "ولكن الله بيًّن محبته لنا لأنه ونحن بعدُ خطاة مات المسيح لأجلنا" (رو8:5)
3) صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم = أي إغصبوا أنفسكم أن تصلوا لهم طالبين لهم الخير.
وإن جاهدتم هكذا تنسكب النعمة فيكم وتجدون أنفسكم غير قادرين أن تكرهوا أعدائكم ولا أي أحد.
مثال آخر كيف نحب الله؟
لقد رأينا أنه بالتغصب أي الجهاد يعطينا الله محبة القريب. فكيف نحب الله؟ الروح القدس هو الذي يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5)
إذًا لكي نمتلئ من المحبة علينا أن نمتلئ بالروح، ولكي نمتلئ بالروح علينا أن نجاهد.
ولماذا الجهاد؟
يقول السيد لملاك كنيسة أفسس (رؤ2: 4، 5) "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى. فأذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى وإلاّ فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك ..".
فإن كان الله قد أعطاه المحبة لأنه هو وحده مصدر المحبة، فلماذا يعاقبه لأن محبته صارت أقل؟
الإجابة الوحيدة أنه قَصَّر في جهاده وتكاسل.
وكيف نمتلئ من الروح القدس؟ وما هو الامتلاء؟
الامتلاء ببساطة هو أن لا ينقسم القلب بين محبة الله وأى محبة أخرى ولذلك طلب الله "يا إبنى إعطنى قلبك" (أم26:23).
وكلما ازدادت محبة الله في القلب ازداد الفرح الحقيقي، لذلك يطلب الكتاب أن نحب الله من كل القلب حتى نمتلئ فرحًا.
إذًا كيف نمتلئ من الروح القدس؟
يقول السيد المسيح "يُعطى الروح القدس للذين يسألونه" (لو13:11)
ويقول بولس الرسول إمتلئوا بالروح.. كيف؟ مكلمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغانى روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب.. شاكرين.. خاضعين.. (أف18:5-21). أي أن الجهاد المطلوب بأن نبدأ بالتغصب في تسبيح الله وفي اللجاجة في طلب الامتلاء بالروح القدس (لو1:18-8). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). ومن يطلب يستجيب له الله يبدأ الامتلاء فيبدأ الحب ومن ثم يبدأ الفرح ومن ثم يصبح التسبيح ليس بالتغصب ولكن تعبيرًا عن حالة الفرح الداخلي، وهذا هو الوضع في السماء فلغة السماء هي التسبيح ولكن ليس كواجب أو فرض أو تغصب ولكن تعبيرًا عن حالة الفرح والمجد التي سنكون فيها وهذا ما نتذوق عربونه هنا وكل هذا ينتمى إلى الطبيعة أو الخليقة الجديدة التي يخلقها فينا الروح القدس.
علامات المحبة كما حددها السيد المسيح لبطرس (راجع يو21 وشرح الإصحاح)
1) إرعى غنمى = خدمة شعب الله علامة محبتنا للمسيح.
2) إقبل الصليب الذي أسمح به = فكل ما يسمح به المسيح هو لخلاص نفسى، وهو الذي يقودنى في طريق السماء، فهل أعرف أنا طريق السماء لكي أصل لها. إذًا لماذا التذمر والإعتراض على أحكام الله.
3) لا تقارن ما يحدث لك مع الآخرين = فكل إنسان مختلف عن الآخر، والمسيح يعرف كفاحص القلوب والكلى كيف يشفى طبيعتنا الساقطة المريضة لنصل للسماء، فلماذا تقارن نفسك مع غيرك وأنت لست هو، وهو ليس أنت. (بطرس ليس مثل يوحنا).
الله محبة.إثبتوا فىًّ
إذا أصاب إنسان عادى تجربة شديدة، جرت العادة أن يصرخ مشتكيًا في جهل "لماذا تفعل بى هذا يا رب" وهذا خطأ كبير:
1) إذا قلنا للمسيح لماذا أنت تفعل بى أنا هذا. فأنا قد فصلت نفسي عن المسيح بينما أن المسيح ثابت فىًّ، بل أنا جسده "لأننا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه" (أف30:5) وأعضاءنا هي أعضاءه (1كو15:6). لذلك فمن يقول هذا فقد حكم على نفسه بالموت إذ فصل نفسه عن المسيح بينما بولس الرسول يقول"لى الحياة هي المسيح" (فى21:1)+(غلا20:2).
2) إذا شككت في محبة إنسان يحبنى فعلًا ، فإنه يعتبر هذا جرح كبير سببته له . فما بالك ونحن نشكك في محبة الله تجاهنا بينما الله محبة.
3) إذا قلت لماذا يا رب تفعل ذلك، فأنا أنسب له الخطأ. والله كلىِّ الحكمة لا يخطىء بل كصانع الخيرات فإن كل ما يسمح به هو لخلاص نفوسنا، وهذا معنى "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رو28:8)
· لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم .والعالم يمضى وشهوته (1يو15:2-17)
· محبة العالم عداوة لله .. (يع4:4)
· تحب الرب إلهك من كل قلبك.. (تث5:6).
لماذا محبة العالم عداوة لله ؟ هل الله يكره العالم؟!
قطعًا لا. فالله هو الذي خلق العالم ووجده حسن جدًا (تك31:1)، فالطبيعة خليقة الله وهي تسبحه بمعنى أنها تشهد بأنه خالق حلو قدير (رو20:1)
بل الكتاب أيضًا يهاجم الجسد (غلا16:5-21) + (رو7:8) فهل الله يكره الجسد؟ قطعًا لا. فالله هو الذي خلق الجسد. بل أن ابنه تجسد آخذًا جسدًا كجسدنا.. "الله ظهر في الجسد" (1تى16:3) ولكن حتى نفهم هذا القول فليس المقصود بالعالم الطبيعة التي خلقها الله وليس المقصود بالجسد أعضاء جسدنا .. ولا حظ.. حينما سقط آدم وحواء قال الكتاب مباشرة "فإنفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانين" (تك7:3) بعد أن كانا حال براءتهما الأولى "عريانين وهما لا يخجلان" (تك25:2). فما معنى أنهما علما أنهما عريانين؟ ببساطة شديدة فهذا معنى مهذب كعادة الكتاب المقدس للتعبير عن إنشغال آدم وحواء بشهوة الأجساد عن حب الله. لذلك يحذر يوحنا في هذه الرسالة "كل ما في العالم شهوة الجسد.." بل تسلل للإنسان بعد ذلك محبة المال والذات والمراكز والمناصب والعظمة وتعظم المعيشة .. وهذا ما يسميه الكتاب العالم .
وكل هذا شغَل الناس عن محبة الله. لم تعد الشهوة مقدسة أي مخصصة لله، ففقد الإنسان الفرح، وعاش في الحزن لذلك إعتبر الكتاب أن محبة العالم هي عداوة لله فهى شغلت الإنسان عن الله، وعاش الإنسان في حزن وهذا ضد إرادة الله. لذلك يطلب الكتاب أن نحب الله لنفرح. الخطأ أن العالم تحول بدلًا من أن يكون وسيلة فأصبح هدفًا بينما أن الهدف يجب أن يكون الله نفسه (رو36:11) أما المقصود بالجسد فهو شهوات الجسد الخاطئة التي تميل للشر(غلا16:5-21) + (كو5:3)
ولنلاحظ أن ما يكون هدفًا لي فهو يستعبدني، لذلك فلو كان هدف أحد هو شهوته أو محبته للمال فإن هذا يستعبده ويصير له سيدًا (مت6: 24). والله يريدنا أن نفرح ولا نُستعبد. أما لو كان الله هو هدف إنسان فهو يحرره بالحقيقة. لذلك فمن يستعبده العالم بشهواته أو بأمواله.. إلخ، يصبح العالم منافسًا لله، لذلك فمحبة العالم عداوة لله.
المحبة والأنا
رأينا في محبة المسيح محبة باذلة أخلى فيها ذاته وأتى ليَخدم لا ليُخدَم ويبذل نفسه غاسلًا أرجل تلاميذه وباذلًا جسده مأكلًا حقًا. لذلك فالمحبة المطلوبة هي على نفس النمط، أي نترك الأنا ونبذل أنفسنا طالبين ما هو لله لا ما يُرضى شهواتنا وما يُرضى الأنا. وفي ضوء هذا نفهم الآيات الآتية:
"من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت10: 37)، "إن كان أحد يأتي إلىّ ولا يبغض أباه وأمه .. حتى نفسه .." (لو 14: 26).
فهل الله يطلب منا أن نبغض آبائنا أو أنفسنا؟! قطعًا لا فهذا ضد:
1) وصية أكرم أباك وأمك .." (خر20: 12).
2) فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب أيضًا للكنيسة.." (أف5: 28-30).
3) الجسد وزنة ومن يهمل في صحة جسده يخسر وزنة وقد يؤدي به هذا إلى أن يُلقى في الظلمة الخارجية (مت25: 30).
ولكن المقصود هو:
1) كلمة "يبغض" قد تترجم في العبرية "يحب أقل". وقارن تك(29: 30) "وأحب أيضًا راحيل أكثر من ليئة" مع (تك 29: 31) " ورأى الرب أن ليئة مكروهة.." وأيضًا (تث21: 15) "إذا كان لرجل إمرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة.."
2) من يحب نفسه أو شخص آخر مثل أبيه أو أمه .. وحدث مكروه له أو لهذا الشخص وتقل محبته لله أو يتصادم مع الله فيخسر فرحه والتعزيات السماوية التي يعطيها الله للمتألم (نش2: 6 + 1كو10: 13) بل قد يخسر حياته الأبدية، إذ انه ما عاد يرضي الله بإيمانه الضعيف أو المعدوم، والكتاب يقول "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب11: 6). والإيمان ليس هو إيمان بأن الله موجود، فالشياطين تؤمن بهذا وتقشعر (يع2: 19)، ولكن الإيمان الذي يفرح قلب الله هو إيماننا بأنه صانع خيرات، وأن ما نعترض عليه هو للخير حتى وإن لم نفهم (يو13: 17) "فكل الأشياء تعمل معًا للخير .." (رو8: 28). والله غير مُلزم بتقديم تفسير لكل عمل يعمله، فالإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى (عب11: 1).
3) مشكلة أن نحب أنفسنا أو من لنا أكثر من الله هي "الأنا". وهذه الأنا هي سبب أي خطية. فالخطية تحدث حينما أسعى وراء ما أريده أنا وليس ما يريده الله. أما من يسعى وراء ما يريده الله فقط فهذا ما يشير إليه الكتاب بما يسمى البساطة والتي تعنى بالإنجليزية Single Hearted أي من له هدف واحد بقلبه. فمن يسعى وراء الأنا يتقوقع حول نفسه ويغتم ويفقد فرحه ووعيه بالسماء، وهذا ما حدث مع زكريا الكاهن البار إذ تقوقع حول نفسه وحول مشكلته، وأنه لا ينجب، وأحب نفسه أكثر من الله، فانفصل عن الله وفقد الإحساس الروحي، وحينما كلمه الملاك بكلمات كتابية واضحة عن الخلاص المنتظر بالمسيح وأنه سيولد له من يمهد الطريق للمسيح المخلص لم يفهم (راجع تفسير لوقا الإصحاح الأول). وكانت هذه سقطة آدم الذي بحث عن نفسه وكيف يصير مثل الله بالانفصال عن الله، سقط آدم ومات وخسر الفرح (عَدْن = فرح). وهذا معنى طرده من الجنة.
والعكس، فمن يسعى وراء الله ويكون هدفه الله فقط:
1) يلتصق بالله، ومن يلتصق بالله تاركًا الأنا يصير معه روحٌ واحد (1كو 6: 17).
2) من يكون هدفه الله فقط وليس الأنا ينسحق ويتواضع فيسكن الله عنده (أش57: 15).
3) مثل هذا ينعكس نور الله عليه فيصير منيرًا"إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا" (مت6: 22). ومن له العين البسيطة هو الذي له هدف واحد هو الله. لذلك يشير الحمام في الكتاب المقدس للبساطة، إذ أن الحمام الزاجل دائمًا له اتجاه واحد. والحمام دائمًا له اتجاه واحد إلى بيته. ولذلك كان للروح القدس شكل الحمامة يوم المعمودية إذ هو يوجهنا إلى اتجاه واحد هو المسيح، إذ "يأخذ مما له ويخبرنا" (يو16: 14). ومن يعلّمه الروح القدس من هو المسيح يحب المسيح، ومن يحب المسيح يكون جسده كله نيرًا، ويظهر الفرح على وجهه فيظهر نوره. أما من له محبة العالم أو من يتصادم مع الله لأجل نفسه أو لأجل خسارة أي شيء في العالم أو لخسارة لحقت أحد أحبائه يكون في ظلمة ويُعادي الله (مت6: 23) لذلك فمحبة العالم عداوة لله.
ختامًا
المحبة ليست فضيلة إختيارية بل هي علامة الإنتقال من الموت إلى الحياة، علامة الخليقة الجديدة.
المحبة في العهد القديم كانت بالتغصب ، والمحبة في العهد الجديد هي عطية من الله ينبغى أن نجاهد لنحافظ عليها فنخلص ، لذلك قال السيد أن المحبة هي وصية قديمة (كانت بالتغصب) هي تغصب وأعمال من الخارج ، والقلب لا يستطيع ان يحب . ولكنها صارت جديدة كعطية من الروح القدس (يو34:13)+(1يو7:2) هنا نجد التغيير داخلي والحب في القلب كما هو ظاهر في الخارج . والناموس كله يتلخص في هذه الكلمة: محبة الله ومحبة الآخرين (مت36:22-39).
هى قديمة لأنها وصية الناموس لكنها كانت تحتاج للجهاد الشخصي وهي بالتغصب والقلب فارغ من المحبة ، فلم يكن هناك نعمة . وهي جديدة لأنها ثمرة من الروح، وبذلك فهي تجديد وتغيير في الداخل . وهي نعمة أي عطية مجانية. ولكن كل نعمة تحتاج إلى جهاد للحصول عليها وجهاد للحفاظ عليها . ولذلك فالسيد قال أنها وصية جديدة ولم يقل لقد أعطيتكم نعمة المحبة.
ولهذا كان تركيز القديس يوحنا الإنجيلى في رسائله على هذه الوصية.. وصية المحبة.. بل هي وصية الكتاب المقدس كله.