![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السَّامريَّة للمتنيح الأرشيدياكون رمسيس نجيب نحو الساعة السادسة ومع لفحة حر شديدة..في طريق وعرة وشاقة ، خرج كل منهما ليستقي.. كل على طريقته وبالأسلوب الذي يرويه..هو ، ومعه البعض من تلاميذه..وهي ، وحدها تحمل معها جرتها وتحمل أيضاً خطيئتها.. وسبق هو إلى هناك ؛ إلى بئر يعقوب..وبينما يذهب التلاميذ ليبتاعوا طعاماً ؛ جلس هو على البئر.. جلس ، وباتضاع ، وحيداً ينتظر! جلس ، يسمع من خلال خرير مياه البئر ، قصة يعقوب المليئة بالتعب والحافلة بالخير جلس ، لا على وسادة ناعمة أو عرش ، فإنه لم يطلب في حياته ، الحياة الناعمة .. جلس ، وإذ كان قد تعب ، جلس « هكذا » ! ربما على الأرض ! وعلى صخرة بارزة تحمل تعب السنين. وعلى أية حال فقد أحال تلك الصخرة منبراً يشهد من عليه ببشارة الملكوت . وكان عند البئر لقاء ، بل أعظم لقاء ، بين السيد المسيح والسامرية . هي ، عند البئر وجدته عطشاناً ، ليس إلى الماء بل إلى خلاصها .. فأشبعت المرأة جوعه ، وأراحته من عطشه .. ارتوت هی منه ، وهو ارتوى بها .. السامرية ومن تكون !؟ هذا هو الواقع الذي نبدأ منه ، قبل أن نسترسل في سرد أقدس حوار ، يعكس بين ثناياه ، صورة حانية ، لمعاملات المسيح له المجد مع الخطاة متمثلة في حواره مع المرأة السامرية . … بدأت السامرة بعيدة عن الله منذ نشأتها . فقد أنشأ فيها آخاب الملك الشرير – ابن عمري الذي أسسها – بيتاً للبعل وسجد فيه للبعل .. واتخذ هذه المدينة عاصمة . وصارت مركزاً لعبادة الأصنام . ولما كان ملوك إسرائيل ضد مملكة يهوذا منذ نشأتهم خاصة ضد سليمان بن داود وابنه رحبعام ، لذلك أهملوا تاريخ يهوذا وداود ونسله .. وانتهى بهم الأمر إلى الاعتراف فقط بأسفار موسى الخمسة وترك باقي أسفار العهد القديم .. واعتبر أهل السامرة كفرة في نظر اليهود ، يحتقرونهم جداً حتى أنهم في إحدى المرات شتموا المسيح قائلين : أليس حسناً قلنا أنك سامری وبك شیطان . وكان اليهود ينظرون إلى السامريين على أنهم قوم غرباء ، ويبدوا هذا من قول السيد المسيح ، حين شفى العشرة برص ، ولم يرجع منهم ليعطى مجداً لله إلا واحد وكان سامرياً . فكان تعليق السيد : ألم يوجد من يرجع ويعطى مجداً لله غير هذا الغريب الجنس ! . وقد استحكم العداء بين اليهود والسامريين ، وصار طريق السامرة يلفه الموت والدم ، وبلغت البغضة أشدها ، وصار اليهود يلعنون السامريين. في مجامعهم ، لا يجالسونهم أو يؤاكلونهم !! … على أرض السامرة هذه ، تم أقدس حوار . وإلى هذا المكان ، جاء السيد يطلب خلاص السامرية .. في هذا الأقليم المنبوذ الواقع على بعد ٥٠ میلاً شمالى أورشليم وعند أهم موضع تاریخی فيه – بئر يعقوب – الواقع في القاعدة الشرقية للجبل ، تمت أحداث هذا اللقاء الخالد عبر التاريخ. قصة إمرأة ساقطة قادها المسيح إلى التوبة ! وقصة شعب مرذول آمن بالسيد واعترف : أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم . صلة شاقة وشيقة ترك اليهودية ومضى إلى الجليل – وكان لابد أن يجتاز السامرة. فقد كان حبه العميق يجتاز كل الضرورات. كان عليه أن يسلك الطريق الذي يحدق به الخطر ويلفه الموت ويسمع فيه صوت الدم. كان عليه أن يتحدث إلى إمرأة ، احتقرها الرجال و رذلها الكهنة فقد كان تلك المرأة من السامرة – وقد عرفنا ما كان بين اليهود والسامريين وزاد على ذلك أن تلك المرأة لم يقتصر أمرها على أنها كانت فقط من السامرة ، وإنما كانت أيضأ خاطئة – كان لها خمسة أزواج والذي معها الآن ليس زوجها ! ولم يكن ذلك بالأمر اليسير ! وبالرغم من كل الصعاب ، بقلب ينبض بحب كل الخراف ، كان لابد له أن يجتاز السامرة ، ويأتي إلى سوخار إحدى قراها ، حيث كان بئر يعقوب. … إلى هذا المكان جاء السيد المسيح يرفض كل حياة ناعمة ، ويطلب عملاً شاقاً ونشطاً . لم يتخذ الدواب وسيلة لنقله إلى ذلك المكان – وقد كان هذا في مقدوره – وانما مثل رجل عطشان أراد أن يرتوي ، سار رحلة شاقة حتى أدركه التعب .. ( من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس ). وكأنه أراد أن يعلم : على الإنسان ألا يطلب نفسه أو يحصر نفسه في دائرة اهتمامات الجسد ، بل عليه أن يتحمل الصعاب ويختصر الكثير من رغبات الجسد . لذلك كان يمضي وقته في البراري والجبال ، نهاراً وليلاً ، يتعب ويشقى . للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما هو فليس له أين يسند رأسه ! . والحق يقال ، أنه قد علم تلاميذه هذا الدرس ! ذلك أن أحداً منهم لم يفكر أن يحمل معه زاداً للطريق، أو ليس ما يدعو للدهشة، أنه في الوقت الذي يستعد فيه الناس لتناول طعامهم ، يرسلهم ليبتاعوا طعاماً !؟ ويبقى هو عند بئر يعقوب يتحدث إلى إمرأة خاطئة ومن السامرة ، ينتظر إلى أن يأتوا بالطعام. جلس هكذا ! وإذا كان قد تعب جلس « هكذا » . تأملوا : فقد كان جلوسه « هكذا » ناجماً عن تعب المسير وبسبب شدة الحر .. هكذا جلس وحيداً ينتظر تلاميذه .. وكان يعلم جيداً أية أخطار هي التي تحدق به وهو ماکث بين ديار السامريين ؛ ومع ذلك فقد طلب خلاص نفس هذه السامرية ، وأراد أن يرتوي بإيمانها ويرسلها إلى الحرية! ماذا تعني كلمة « هكذا » ! ليس فوق العرش أو فوق وسادة ناعمة ، وإنما في بساطة جلس . ولم يجد البشير يوحنا أكثر من هذه الكلمة ليعبر عنها عن بساطة السيد ومحبته . ذلك الجالس فوق الشاروبيم وتحيط به الملائكة ، والحامل الكل بكلمة قدرته ؛ يجلس « هكذا » .. ربما على الأرض أو على صخرة بارزة أضنتها الأيام ! ولم يكن يهمه أن يجلس ، بقدر ما كان يهمه أن يصل إلى إشتهاء قلبه الذي ينبض بحبنا . بحب الضال والبعيد .. أنه يسعى في طلب الضال ، ويتعب مع الذي سقط .. يتعب ذاك الذي يريح التعابي ، الذي به نتقوى ونحيا .. ليت الخدام يتعلمون من سيدهم بساطة السلوك ، بغية البلوغ إلى الهدف ؛ فقد صار البئر منبراً حياً يجتذب منه السيد قلب المرأة ، وقلوب أهل السامرة جميعاً ليعرفوا أنه هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم ! وجاءت تستقى وكان نحو الساعة السادسة حين جاءت لتستقي ! ولماذا كانت في تلك الساعة بالذات ؟ إنها ساعة تعبر عن ملء زمان لكل الخطاة .. ومن أجلها تهلل الأنبياء وانشدوا .. ففي تلك الساعة ، خرج السيد ، ينتظر ، ويشتهي خلاص كل أحد .. خرج السيد تسبقه النبوة : ( روح السيد الرب على لأن الرب مسحنی لابشر المساكين أرسلني لأعصب منكسرى القلب لأنادی للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالاطلاق لأعزي كل النائحين . لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد. ودهن فرح عوضاً عن النوح ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة ). وهكذا رأيناه متعباً ، لأنه يلبس الجسد. وفي الساعة السادسة ، التي هي ملء زمان لخلاص كل أحد. وإلى بئر سوخار ، فمن داخل هذا البئر يكون صراخنا : من الأعماق صرخت إليك يارب .. وجاءت هذه المرأة الغريبة الجنس لتستقي ، تحمل جرتها وتخفي أثمها، فكان لقاء ، وكان حوار ، نلمس فيه محبة المسيح له المجد للخطاة ، ونرى فيه ترفقه وحكمته حين يقودها إلى ينابيع الخلاص ، حتى يعلن لها ذاته ، فتقبله وهو المسيا المنتظر ، المزمع أن يخلص العالم كله. بادرها في دعوة فردية ، وسيبقى هو سيد هذه الدعوة : – اعطني لأشرب. تأملوا حكمة هذه المرأة ، واتضاعها فهي في ذكاء جعلت كلام السيد لها فرصة للسؤال : • كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا إمرأة سامرية لأن اليهود لا يعاملون السامريين !! وربما من ملبسه أو من طريقة كلامه أدركت أنه يهودي ، وهكذا إذ ظنته وقع في سهو ، يتخطى العرف السائد أو المألوف من العادات حاورته في رقة لم تفقدها سلامها ، بل على النقيض من ذلك فإنها أظهرت اتضاعها ، حين قدمت ذكر اليهود عن بني جنسها ، على الرغم من العداوة القائمة بينهما : « لأن اليهود لا يعاملون السامريين » اليهود أولاً !! وبهذا أظهرت نفسها جديرة أن تسمع لا أن تهمل . لقد صارت هذه المرأة الغريبة الجنس أفضل من اليهود ، فها هي تقترب إليه ، بينما اليهود حين كان هو يقترب إليهم ، كان يدفعونه عنهم ويطردونه . اليهود حين جاء إليهم .. دفعوه عنهم وأهانوه . والغرباء الجنس وإن سلك طريقاً آخر يجتذبونه إليهم .. وبينما يحسده. اليهود ، يوقره الغرباء .. فهل من المنطق أن يتغاضي عنهم أو لا يسمع لندائهم !! لذلك واصل السيد حديثه معها ، فقد قرر ساعة خلاصها . وذاك الذي علم تلاميذه والجمع أن ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم ، طلب أن يشرب من تلك المرأة السامرية ، وحين أجابت في رقة ، أراد أن يرفع نظرها إلى فوق ، فاستطرد : – لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً ! تأملوا : أن الذي سأل ليشرب ، بعد أن يهب الماء الحي ؟ والمرأة إذ تهزها الكلمات ، فإنها باستقامة قلب تنصت إليه وتلتفت نحوه ، لا تفقد عذوبتها أو حكمتها ، وتجيبه بلطف : – ياسيد لا دلو لك والبئر عميقة فمن أين لك بالماء الحي !؟ كانت كلمات السيد عن « الماء الحي » طريقاً لرفع نظرها ، فلا تنظر إليه كمجرد رجل يهودي خرج بتخاطبه معها عن المألوف من العادات . ومع أنه بعد لم يقدم الدليل على أنه يملك هذا الماء الحي فإنها جعلت تتحدث إليه بكل احترام وتوقير ، وتلقبه « یا سید » فليس بدون سبب تعطيه هذا اللقب ، لقد أظهرت لشخصه المبارك من الاحترام والتقدير ما لم يستطع أن يفعله نيقوديموس حين تحدث مع السيد بكلام تتماثل صعوبة فهمه مع هذا الحديث – عن الميلاد الثاني. خاطب نيقوديموس السيد بكلمات عارية الزهو ، لا تخلو من روح السخرية الإزدراء ، قال للسيد : – كيف يمكن أن يولد الإنسان وهو شيخ العله يدخل بطن أمه ثانية ويولد ! ولهذا وبخه السيد من أجل جهله وغلاظة قلبه قائلاً : – أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا ؟ أنه بالرغم من أن السيد المسيح يتحدث مع هذه المرأة السامرية الجاهلة والغريبة الجنس ، عن الماء الحي . وهو أمر لم تدرك كنهه بعد – إلا أن رقتها قد لازمتها وإن كانت بعد لم تعی معنی ما سمعت . فقد كان السيد المسيح له المجد يتحدث عن أمر ما بينما حسبت هي أنه يتحدث عن أمر آخر. ولا عجب من أنها لم تستطع أن تدرك المعنى المختفي وراء كلمات السيد فقد حدث أن فشل من قبلها – في أحاديث تتماثل في صعوبة فهمها – نيقوديموس وكذلك التلاميذ ، هؤلاء الذين كانوا يعاينونه كل يوم ويستمعون إليه كل يوم . ولو أن المرأة السامرية ألقت جانباً رقتها وعذوبة حديثها له حين سمعت يتحدث عن الماء الحي ، الأمر الذي لم تكن تدركه ، وأندفعت في الرد دون تعقل ووقار ، وقالت له على سبيل المثال : ( إن كنت تمتلك الماء الحي ، فلماذا تسألني ماء لتشرب ؟ أما كان الأحرى بك أن تقدمه لنفسك فتتجنب بذلك مشقة السؤال ! ما أراك إلا رجلاً متباهياً ! ) لو أنها – مع الافتراض الجدلي – فعلت هذا .. فان جهلها بما يقوله السيد لها ، كان يشفع فيها حتماً .. لكن حوار السيد كشف لنا فيها ، عن عذوبة حديث واتضاع قلب لم يتأت لنيقوديموس وما حصل عليه حتى التلاميذ.. فها هي « أولاً » حين سألها أن يشرب ، لم تجاوبه في كبرياء أهل لالسامرة : كيف وأنت اليهودي المرذول من أمتنا ، العدو الغريب عن جنسنا تطلب مني لتشرب .. هيهات أن أعطيك ما تطلب ! وها هي « ثانياً » بعد أن تسمعه يتكلم عن الماء الحي ، تجاوبه في رقة وتناديه : يا سيد . وكل ما فعلته أن اكتفت بالتساؤل الرقيق : فمن أين لك بالماء الحي ؟ ثم بالاستطراد الذي يكشف عن بعد آخر من أبعاد توقيرها واحترامها لمحدثها الذي لم تكتشف بعد من هو ؟! وإن كانت كلماتها تشير إلى أنها كونت فكراً سامياً عنه : – ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه! تعالوا نتأمل وندخل إلى المعاني المختفية في كلماتها ، لندرك الفكر السامي الذي ارتفعت إليه : فقد عرفت في محدثها أولاً أنه مجرد رجل یهودی ، وها هي ترتفع كثيراً في نظرها . وتضعه في منزلة أسمي من يعقوب ، هذا الذين يفتخرون بالانتساب إليه .. هكذا كان تفكيرها : ( لقد استخدم يعقوب هذا البئر ولم يجد أفضل منها ليهبها لنا. ومن المؤكد أنه استخدمها وشرب منها هو وبنوه ومواشيه .. وليس من دليل يمكن أن يقدم ؛ أنه أعطانا هذا البئر وأستخدم أخرى له ولبنيه .. وان كان الحال هكذا ، وان كانت هذه البئر بما تحمل من رائحة يعقوب الذي نفتخر بالانتساب إليها تهبنا ماء نشرب منها ثم نعطش .. فكونك تعدني بماء حي أشرب حی منه فلا أعطش ، هذا أمر يجعلك أعظم من أبينا يعقوب ، فقد كان يملك ماء كل من يشرب منه يعطش أيضاً .. أما أنت فانك تعطي ماء حياً كل من يشرب منه لا يعطش !! العلك أعظم من أبينا يعقوب ! ) لم يكن تساؤلاً يخلو من الفكر العميق : ولم يكن تساؤلاً يمتزج بالسخرية والإزدراء ! إن هذه المرأة الغريبة الجنس والجاهلة الغارقة في ملذاتها ، استطاعت في حكمة ورقة أن تكون فكراً سامياً عن محدثها ، الأمر الذي فشل فيه اليهود . فقد تكلم السيد المسيح معهم عن الماء الحي ، وفي اليوم الأخير من العيد وقف وسطهم ونادي : إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب . من آمن بي تجرى من بطنه أنهار ماء حي ..أما اليهود فلم يلتفتوا إليه ، ولا طلبوا أن يفهموا شيئاً ، كل ما فعلوه أنهم أرادوا قتله . وكانوا يريدون أن يمسكوه ! وليس الحال هكذا مع هذه المرأة ، بل في حكمة ورقة ، وبصبر كبير كانت تنصت لتفهم ، ولا في غضبة دنيئة قالت ولو حتى في نفسها : ( هذا الرجل مجنون ، يربطني في قسوة الحر ويشدني إلى البئر ، وها هو يعدني بماء حي ، ولم يعطني شيئاً وكل ما يملكه الرجل ، تلك الكلمات الكبيرة . ما هو إلا رجل متباه !) إنها لم تفعل ذلك ، ولا نبض في فكرها هذا الخاطر ولا نبض قلبها عن هذا الظن الشارد ، وانما تطلعت مع المكابدة والصبر حتى وجدت ما كانت تبحث عنه. .. ليتا ! ( ليتنا نقتدي بهذه السامرية ونتعلم منها ! ) فقد كانت شغوفة جداً بأن تتعلم شيئاً مفيداً ونافعاً بالرغم من أنها أقامت بجوار السيد ولم تعرفه بعد . أي عذر يمكن أن نقدمه نحن الذين عرفناه ورأيناه ؟ لا عند بئر أو في صحراء يابسة ! ولا تحت وهج الشمس أو في لفحة الظهيرة .. لكن في الظل الوارف حيث نجد راحتنا . ليتنا نقف بجواره نستمع له .. فنستريح على كلامه .. ليتنا نربط أنفسنا به كما فعلت المرأة السامرية . فهو حتى الآن يقف وسطنا يتحدث إلينا فلنصغ إليه .. ليتنا نسمع ونطيع ما يوصي به ويقوله لنا ويعلمنا إياه . فهذه المرأة وقد شغلت نفسها بكلماته ، ذهبت للتو تدعو الآخرين ليسمعوه ، بينما اليهود ما رغبوا في سماعه وما دعوا الآخرين إليه . وحين شهد له الخدام ، اغتاظوا قائلين : هذا الشعب لا يفهم الناموس ، ملعون . كم هو ردئ أن نعيش هكذا ، بلا هدف . ونحن حين نصرف الوقت الذي وهبنا إياه ، بلا هدف ، نرحل إلى هناك تقاسی عذاباً أبدياً .. لهذا هو أوجدنا في هذا العالم ، لنكون رسالة حية .. ووهبنا الروح لنحيا يومنا في مخافته .. وسيكون أعظم ما يشغلنا أن ندرك أبديتنا هناك .. فنعمل لنضيء أبداً .. نشارك جوقة الملائكة .. ونقف بجوار الملك ، خلال أعمار سنين لا تفسد . القديس يوحنا ذهبی الفم حكمة السيد ! تأملوا حكمة السيد وهو يقود المرأة برفق إلى الإيمان به . فهو إذ يعطيها أولاً فرصة التحدث إليه كرجل يهودي . وهو إذ يطلب منها أن تعطيه ليشرب ، أرادت أن تدفع عنها ذلك الطلب وكمن تصحح خطأ وقع سهواّ ، كان حديثها : « كيف تطلب مني لتشرب …. ؟». وهو ثانياً تحت جلال وعده بالماء الحي ، يعود فيذكرها بالبطريرك الأول يعقوب الذي تنتسب إليه أمتها وتفخر بذلك ؛ وحينذاك ينساب إليها من كلماته أنه أعظم من أبيها يعقوب ! وها هو يجيبها في حكمة ، بعدما عرفت فيه من هو أعظم من يعقوب ، فلم يقل لها : نعم أنا أعظم من أبيك يعقوب ، خشية أن يظهر نفسه بتلك الإجابة الصريحة أنه متباه ، وخاصة أنه لم يكن قد قدم بعد الدليل على ذلك . ولم يقل لها ببساطة : أنني سأعطيك الماء ! بل أجابها : – كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً . ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذي أعطيه يصير فيها ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية . فهو حين يلقى جانباً بالماء الذي يعطيه يعقوب ، ويطري على الماء الذي يعطيه هو ، إنما كان يريد أن يدلل على عظمة طبيعة الأشياء ، ذلك أنه من طبيعة الأشياء التي توهب أن تظهر عظمة معطيها .. وكأن السيد المسيح أراد أن يقول لها : (… أنكم يا أهل السامرة معجبون بیعقوب لمجرد أنه أعطاكم ماء تشربون منه ثم تعطشون ! فكم وكم يكون إعجابكم بي ، حين تستقون منی ماء فلا يعود العطش يؤذيكم !؟ إنكم بالضرورة.ستدركون أني أعظم من أبيكم يعقوب ! ) هذه هي حكمة السيد المسيح الصائبة . فهو حين يسمعها تقول ألعلك أعظم من أبينا يعقوب ! يترك الكلام عن يعقوب ، ليتحدث عن الماء الحي الذي كل من يشربه لا يعود يعطش أيضاً . وها هو في إتضاع يتكلم، فحين وضع في المقارنة الماء الذي أعطاه يعقوب وذلك الذي يهبه هو ، ما كان يقصد أن يقلل من شأن يعقوب ، بل أراد – وصولاً إلى الهدف وبلوغاً للغاية – أن يظهر امتياز الماء الذي وعد به .. لهذا وهي بعد غير فاهمة تتخبط في هواجسها الحسية ، وإذ تعتبره يتكلم عن ماء مادي ملموس ، قالت في سذاجة : – يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقی .. كانت هذه المرأة تحمل جرقها وكأننا بها تحمل شهواتها ، وإذ تلقى بها في بئر لتُعب من ماء مسرات العالم تعود فتعطش ثانية .. وهكذا كل من يشرب من ذلك الماء السفلي ويتلذذ بمسرات العالم التي في ظلمة العمق من البئر يعود أيضاً على لظى العطش . فكيف يكون له نصيب الإرتواء وهو يستقي بأواني الاشتهاء ! أما الماء الذي يعطيه هو .. فان الذي يستقى منه لن يعطش إلى الأبد ، لأنه هكذا من نهر نعمته يسقيه . لأن عنده ينبوع الحياة . أي ماء إذن يمنحنا هو ! إنه الماء الذي ينبع إلى حياة أبدية ! فكيف يعطش الذي يروون من دسم بيته الراسخ .. إنه الماء الحي الذي يطفيء فيهم ذلك العطش ! إن الذي وعد به مخلصنا الصالح تلك المرأة ، هو الغذاء الكامل ، ملء الروح القدس .. لكن المرأة بعد غير فاهمة ، فيكف يكون في مقدورها أن تجيب !؟ ولهذا في سذاجة سألت : أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي !! الرغبة تدفعها إلى الشقاء وضعفها يتوسل إلى التعب تأملوا كيف ترتفع تدريجياً لتكون فكراً سامياً عن السيد .. هى أولاً ظنته مجرد رجل يهودي يتعدى الناموس ولكن حين سمعته يتحدث عن الماء الحي حسبت أنه يتكلم معها عن ماء مادي . وآمنت باستقامة أن الماء الذي يعطيه يزيل العطش ، وأن كانت بعد لا تعرف كيف يتم ذلك . إنها كانت لا تزال غير فاهمة وتحتاج إلى إيضاح إلى أي نوع من العطش كان يقصد . وبينما السيد يرفع عقلها بما وعد ، كانت لا تزال تتخبط في تعبيرات الحواس ، فقد كانت تجهل تماماً تعبيرات الروح ، لكنها على أية حال أظهرت نفسها أنه ا مطيعة . أن تلك المرأة لم تكن ذات سجية بسيطة ، كما أنها لم تكن تميل إلى النزاع ولذلك التمست منه الماء ! لقد قال السيد المسيح مرة لليهود : أنا هو خبز الحياة من يقبل إلى فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً .. وشتان بين ما بدر منهم إذ ما قورن بما حدث منها . فهم الذي عاينوا معجزاته ودهشوا من أعماله ، رفضوه ورذلوه وانصرفوا عنه . أما تلك المرأة المطيعة فانها دون أن تعرف من هو ، دون أن تلمس معجزاته ، أو حتى دون أن يقدم دليلاً على صدق كلامه ، آمنت واذعنت وسلمت . وبالرغم أن حديث السيد معها كان بدون تحفظ وبأكثر افراط ، فقد أظهرت طاعتها .. بينما أظهر أولئك حقدهم ورفضهم له. طوباك أيتها الخاطئة ، التي حسبت مستحقة أن يعلن لك عن ذاته. طوباك فقد صرت أكثر حكمة من نيقوديموس ، وتقدمت عن اليهود طوباك وان كنت بعد تتخبطين في تعبيرات الحواس ، لكنك تظهرين صبرك ومثابرتك وتؤكدين طاعتك وقبولك لكلامه .. ( هذه المرأة كانت ترمز إلى الكنيسة وإن كانت بعد لم تتبرر .. لكن هي في طريقها إلى ذلك . لقد أتت إلى حيث كان السيد فكان بينهما ذلك اللقاء الذي أفاض عليه السيد من قدسية الحوار. إن تلك المرأة السامرية كانت أجنبية لا تنتمي إلى أمة اليهود ! شأنها شأن باقي جنسها معشر السامريين فهم أغراب وإن سكنوا في أراض مجاورة . انني أتكلم بمزيد من الشجاعة ! ألم يصف السيد ذاك الذي شفی من بين العشرة برص فعاد ليعطی. مجداً لله : بأنه غريب الجنس ! إن هذا مطابق لصورة الحقيقة . أن المرأة التي تحمل شکل الكنيسة تأتي من الغرباء ، من الأميين وليس من اليهود. فمن خلال هذه المرأة ليتا نسمع أنفسنا ومن خلالها ليتنا نتعرف ونكتشف نفوسنا وفيها نعطي شكراً لله من أجل نفوسنا .. هي أولاً كانت رمزاً لها ، ثم صارت أخيراً الحقيقة ذاتها ، لأنها آمنت به . وتلك التي جعلها الله رمزاً قبلنا لنراه ، جاءت لتستقى ماء ، كما يفعل الناس ، سواء كانوا من الرجال أو النساء .. ). برهان السيد ها هو يوشك أن يطلعها على سر الماء الحي ، وينقلها لترتفع فوق نفسها : – اذهبي وادعي زوجك .. والمرأة في ضعف أرادت أن تسدل الستار عن الجانب المخجل من حياتها فقالت في اقتضاب وابتسار : ليس لى زوج ! ولما أرادت السامرية أن تحد نفسها باعتراف منقوص ، أعمل السيد تعنيفه وكشف لها بوضوح عن كل شيء ! إنه يضع يده على الجرح ليطببه ، فيذكر لها جانبين من حياتها ، فهو وان كان قد استحسن صدقها الناقص ، إلا أنه عدد أزواجها السابقين وذكر أن الذي معها الآن ليس زوجها . – حسناً قلت ليس لى زوج لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك.الآن ليس هو زوجك . هذا قلت بالصدق . يسوع في معاملته للخطاة ، لا يدعنا نسترسل معه في حوار أو حدیث ، دون أن يواجهنا بحقائق حياتنا المباشرة ، ويسألنا عن جراحاتنا الخفية !! يسوع يطلب إقراراً بالخطيئة . وحين نحاول إخفاءها يواجهنا بها : ( اذهبي وادعي زوجك ) ! لأنه كما قال السيد : ليس خفي لا يعلن ولا مكتوم إلا ويظهر . لهذا قال السيد المسيح لمفلوج کفر ناحوم : « یا بنی مغفورة لك خطاياك »، قبل أن يهبه الشفاء . ويقول له ( احمل سريرك وأمش ) . ذلك لأن مخلصنا الصالح يطلب منها الإقرار بالخطيئة ويهتم بأن يخرج الخطيئة من مکمنها المظلم كشرط أساسي لاستحقاق نعمة الشفاء وهبة الخلاص . هنا يكشف لها السيد عن سرها ، عن ماضيها ، وكأنه يقرأ حياتها .. وهذا برهان بسيط أراده السيد لكي يرفع نظرها فتكون عنه فكراً سامياً. ولئن كانت المرأة لمجرد الوعد بالماء الحي ، رأته أعظم من أبيها يعقوب ، فانه هنا وقد أذاع عليها سرها الذي تكتمه بين ضلوعها ، إذاعة بشيء من التعنيف – فإنه في الوقت نفسه جعلها تقابل برهانه وتدليله بوداعة نادرة فيواتيها التصديق الخالص بأنه نبي – وتقول : – ياسيد أرى أنك نبي ! هي في وداعتها تعترف به نبياً وتزداد تعلقاً وإيماناً به .. وهو حين عنف اليهود كان كلامه بالنسبة لهم كلاماً عاماً ، أما هنا فواضح أن تعنيفه لها يمسها وبشكل مباشر . وبالرغم أن هذا كان يجعلها أكثر حرجاً وألماً ، إلا أنها في غمرة فرحتها وإعجابها ، داست على جروحها وارتفعت أكثر فوق كبريائها وقالت بل وصدقت : أرى أنك نبی ! تعالوا نتأمل وداعة هذه المرأة وقبولها السريع للسيد ..فهي لمجرد أنه أعلن لها جانباً خفياً في حياتها صدقت ورأت فيه نبياً .. ان السيد وإن كان قد كشف للسامرية ما كان مخفياً من حياتها فإنه فعل مع اليهود أكثر من هذا بكثير .. إذ شفي مرضاهم وأقام موتاهم .. قرأ ما كان يخطر في قلوبهم ، وعرف ما يدور في دواخلهم . فقال لهم مرة : لماذا تطلبون أن تقتلوني !؟ أيهما أعظم من حيث قيمته ، أن يذكر للمرأة ما خفى من حياتها – وإن كان يعرفه البعض منهم ، على الأقل الذين شاركوها الإثم – أم أن يقرأ ما يخطر في قلوب اليهود من أفكار فيفضحها من طيات الكتمان ؟ وشتان بين ما حدث من المرأة وبين ما صدر عنهم . هي ، صدقت وآمنت أنه نبی وأما هم، فانهم لم يكتفوا فقط بعدم التصديق والتزام الصمت، لكنهم أهانوه وقالوا له : بك شيطان من يطلب أن يقتلك !؟ …. حسناً يقال عن تلك المرأة السامرية أنها ذات سجية ليست ببسيطة ، وان كانت مطيعة . أنها كانت غير مندفعة ولا تميل إلى النزاع ولندقق في كلماتها ، وكلام اعترافها ، فنجد أنها وفي غمرة فرحتها وإعجابها به ، تقرر في حذر وتقول : – أرى أنك نبي ! وماذا تعني كلمة ( أرى ) .. أنها تعني ( أنك تبدو لي !! ) ومع هذا ، وحين توقعت هذا ، سرعان ما نسيت مطالب الجسد ، وارتفعت فوق رغباتها ، فوق اهتمامات الجسد ، وبدأت تسأله عن اهتمامات الروح ! – أباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذى ينبغي أن يسجد فيه ! .. تأملوا كيف تسامت أكثر في أفكارها .. تلك التي كانت في شغف تطلب الماء المادي ، تسأل الآن حول التعاليم السامية .. عن السجود والعبادة ! ولمجرد أنها عرفت فيه أنه نبي ، ارتفعت فوق نفسها ليتنا نخزى ونخجل ! تلك التي كان لها خمسة أزواج. والتي جاءت لا لتطلب الروحيات وإنما لتستقي ، جاءت مع وقت الظهيرة .. ولم يكن هذا عائقاً لها عن أن تسأل ، ولمجرد أنها أدركت فيه أن النبي ، شغلت نفسها باهتمامات الروح. يسوع يعلن ذاته يا إمرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب. لا في الجبل ولا في الهيكل .. وأنتم يادعاة الجبل تتباهون بالمكان ، تدعون عبادتي وأنتم بعد تسجدون لأصنامكم. هل تظنون أنكم وفي الصراع الدائر ، وحين تصعدون الجبل ، انکم تكونون بمقربة مني ! حقيقة أني أسكن في الأعالى ، لكني أنظر إلى المتواضعات . لأن الرب عال ويرى المتواضع أما المتكبر فيعرفه من بعيد . ليتك أيتها المرأة لا تنشدين الجبل العالى . انزلي لتكوني بمقربة منه . هو يعرف المتكبر ولكن من بعيد .. ويكون أكثر بعداً عنه كلما ارتفع في نظر نفسه .. صدقيني ! إن لم تؤمنی فكيف تأمنين !؟ وأنتم يا دعاة الهيكل .. ربما تتفوقون في أسلوب العبادة لكنكم لا تزالون ترفعون الأيادي ، وكأني لا أسكن إلا هنا . وأنا لا أسكن في مصنوعات الأيادي . لا يحدني المكان والزمان . أنكم تخطئون في فهم عبادتي . لقد آن لهذا الأسلوب أن ينتهی . وأنه قريب آت لا ريب في هذا . هل تنشدون مكاناً مقدساً وسامياً .. أجعلوا قلوبكم هياكل مقدسة لله . فأنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم. هل ترغبون العبادة في هيكل ؟ فاسجدوا بالروح في قلوبكم . ولكن كونوا أولاً هياكل للرب ، لأنه يسمع الذين يصلون من هيكله ! صدقيني يا إمرأة ! إنه يتكلم عن مجيئه الشخصي للعالم . وما يفتخر به أهل السامرة أو يعتز به اليهود ، ليس بعظيم الشأن قدر ما هو مزمع أن يهبه لها الآن . قال لها السيد : – تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق . لأن الله طالب مثل هؤلاء الساجدين له . الله روح والذين يسجدون لله فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا .. ومن هم العباد الحقيقيون !؟ انهم الذين لا يحدون الله بمكان .. يرفعون أيادي طاهرة في كل مكان بدون غضب ولا جدال .. الذين يقدمون أجسادهم ذبائح حية مقبولة عند الله عبادتهم العقلية .. هذه هى العبادة بالروح . فلقد صرف كل من اليهود والسامريين كل اهتمامهم معطين في عباداتهم كل اهتمام للجسد ، مهملين جانب الروح. ولقد آن للبشر أن يدركوا أنه ليس المهم تنظيف الجسد بل تنقية الداخل. ليس تطهيراً للجسد لكنه تنقية لما هو روحی . يكفي ما قد تم من محرقات وذبائح ، فما كانت تلك إلا نماذج لما هو آت . فالآن ليس المطلوب أن تكرسوا ذبائحكم ، بل أن تكرسوا قلوبكم وحواسكم . إجعلوا ذواتكم محرقات مقدسة وذبائح حية . فعلى الإنسان الآن ، لا أن يقدم جسده محرقة ، بل أفكاره الشريرة . يذبح ويسلخ رغباته الجاهلة غير المعقولة . يذبح كل فکر جسداني. ليقدم عبادة عقلية. وإذ تصاب المرأة السامرية بدوار إزاء هذا التعليم الجديد ويكاد عقلها يؤخذ من فرط ما أعلن لها من تعاليم سامية ، قالت وفي وعي مدرك : – أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ! وجاءت المرأة إلى نقطة توقعت فيها مجيء المسيح ! فقد تلقت عن طریق کتب موسي التي تعتقد بها ، ما يشير إلى مجيء المسيا المنتظر .. ويتوسل أحدهم ويقول : لماذا لم يستخدم السيد ما كتب عن مجيئه في الكتب المقدسة وهو يقود المرأة إلى الإيمان به ؟! فقد أظهر خداع نقوديموس وجهله ! وكان الحال كذلك مع نثنائيل . ولم يختلف الحال كذلك مع اليهود الذين سألوه : ( إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً ) – فكانت إجابة السيد لهم : أني قلت لكم ولستم تؤمنون . الأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي .. – أما هنا ومع المرأة السامرية .. فلأنها فقيرة جاهلة . وليس لها دراية بالكتب . فإنه كان يقودها إلى الإيمان به ، بالماء والنبوة ، ودون أن تطلب منه ذلك ، أعلن نفسه قائلاً أنا الذي أكلمك هو .. فلتخزوا في أعين أنفسكم يا كل حكماء إسرائيل ! فقد كان لا يعوزكم المعرفة ، لكن كانت تنقصكم الإرادة والرغبة . أنها امرأة بسيطة في فهمها ، لكنها كانت أكثر حكمة منكم ، وباتضاعها أظهرت أنها أفضل منكم ! فاستحقت أن يعلن لها ما خفي عن الحكماء والفهماء. انها دون أن تطلب أعلن لها ، وسمعت وصدقت .. أظهرت عظيم إيمانها به فخرجت تكرز وتأتي بالآخرين إليه .. لكن اليهود وكتبتهم وحفاظ الناموس فيهم ، أغفلهم وعبر .. ها هو الإنجيل يعبرهم إلى ملء الأمم .. لأنهم لا أرادوا أن يسمعوا أو يفهموا . ولا صدقوا ! ولو رغبوا أن يتعلموا لكان لهم في تعاليمه ومعجزاته ما يكفي ! لكنهم ليسوا من خرافه – كما قال عنهم : ( ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم ). كرازة المرأة جئت لألقى ناراً على الأرض .. كل هذا ليحضر لنا الرسالة مملوءة دفئاً وحرارة . وهيئ أذهاننا للمخاطر وللصليب ! والمرأة وقد التهبت بكلماته ، تركت جرتها ، تحمل في قلبها لهيب الرسالة ، تنادي بكل ما فيها من جهد واختبار : – هلموا انظروا إنساناً قال لى كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح ! ولنتأمل « أولاً » حماسة هذه المرأة ودفء عواطفها : فقد جاءت تستقي ماء ، وحين استضاءت بالبئر الروحية احتقرت الأخرى المادية . أننا ننحني لها إجلالاً، فهي تعلمنا الدرس : إنه حين نستمع إلى الأمور الروحية فعلينا أن نترك ما للعالم ! لننشغل بكل ما هو روحي وعذب ! وما صنعه التلاميذ من قبل ، فعلته هذه المرأة وبإقتدار أكثر ! فالتلاميذ حين دعوا للخدمة تركوا شباكهم ، لكنها هي بدون دعوة وقبل أن تتلقى أمراً بذلك ، تركت جرتها واندفعت في فرح تعمل عمل الإنجيليين .. ولم تفعل كما فعل فيلبس واندراوس لتدعو واحداً أو اثنين ، لكن لتكرز إلى كل المدينة وتحضرهم إلى المسيح . ولنتأمل « ثانياً » حكمة هذه المرأة الممتزجة باتضاعها .. فهي بفطنة زائدة ، وبنفس الأسلوب الذي به إجتذبها إليه السيد ، کرزت للمدينة . فهي لم تقل : تعالوا شاهدوا المسيح . بل قالت : هلموا انظروا إنساناً قال لى كل ما فعلت . وكما اجتذبها السيد بالنبوة حين سرد لها جانباً من حياتها ظنته مخفياً عليه ، هكذا قدمته إليهم نبياً قال لها كل ما فعلت .. والحلاوة الاتضاع التي امتزجت به حكمتها ! فهي لم تخجل أن تعترف باثمها . وهي إذ تلتهب بنار الروح المقدسة ، لم تعد تلتفت إلى ما هو أرضى أو إلى مجد العالم ، لكن إلى شيء واحد تثبت فيه نظرها ، النور الذي أضاء حياتها وشغلها تماماً .. شغلها حتى عن نفسها . إن حبه هو الذى يسبى القلوب فلا تعود تفكر إلا في حلاوة خالقها .. تترك هذه النفوس كل شيء وتنتشي حباً بخالقها : ( أولئك الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك ، نزعوا كل.أفراحهم وذهبوا يلتمسون طريق الحبيب بدموع . بكوا لما وجدوا أنفسهم في الطريق غير مستأهلين لجمال المحبوب . نفضوا كل لذة جسمية ونبذوا كل تمتع بشرى ، وأحبوا الشقاء والتعب ليحننوا قلب الحبيب عليهم . ساعة أن أدركوا اشتهاء حب الوحيد ، ما صبروا أن يبقوا في أفراح العالم لحظة . ولما لم يجدوا عندهم شيئاً يليق بتقديمه إليه ، قدموا ذواتهم بالحب على مذبحه وأسلموا أجسادهم حتى الموت فرحين إذ وجدوا شيئاً يقدمونه إليه . يجرون في طريق الأحزان بلا شبع ويسرعون حاملين عذاباتهم . صلبوا الأعضاء مع الشهوات مسرورين ، وشربوا مرارة المر متلذذين . آه منك أيها الحبيب ، لقد سلبت منهم كل شيء حتى ذواتهم فلم يشعروا أنهم أحياء ، بل المسيح هو الحى فيهم ). يا للحكمة الفائقة التي كانت لهذه المرأة السامرية ؟ فقد تساءلت : العل هذا هو المسيح ؟ فهي لم تعلن الحقيقة كاملة ، كما أنها لم تخفها تماماً . هي لم تتكلم صراحة ، ولا بقيت صامتة . هي لم ترد أن تقنعهم بقرارها ، بل عمدت – وكما آمنت هي حين شاركته الحديث – أن يأتوا هم إليه ويشاركوه الحديث ! إنها لم تقل تعالوا ( آمنوا ) بل قالت تعالوا ( انظروا ) – وهي دعوة تبدوا أكثر رقة من الأولى وأكثر فاعلية . إنها ذاقت من هذا البئر فارتوت . وهي أيضاً على يقين من أنهم – إن آتوا – فسيذوقون ويرتون مثلها . وكل ما كان عندها قدمته لهم .. إنها لا تملك إلا أن تعرض اختبارها الخاص .. فتعرضه لهم في حب وبغير خجل ! إنها تعطي لنا درساً هاماً وهو : كيف نقدم المسيح للآخرين ؟ فلنقدمه هكذا كما قدمته ، ولكن بعد أن نكون قد ارتوينا من ينابيعه وذقنا حلاوة حبه ، فلا يستطيع أن يكرز أحد بالمسيح إلا إن ذاق حلاوته ، وشهد في قلبه رؤيا الإيمان ، عظمة حبه ، وأمسك بالحياة إختباراً حياً يشهد ببشارة ملكوت السموات ! ماذا كانت النتيجة ! بعد أن دعتهم السامرية في أسلوب رقيق يمتلئ بالحكمة .. كانت النتيجة ، وبأقل عدد من الكلمات ، وبدون تعليق : فخرجوا من المدينة وأتوا إليه ! الزارع والحاصد معاً : ليس ما يفرح قلب السيد ، قدر رجوع الذي ضل.. وليس ما يشبع أو يروي نفسه ، أكثر من تجمع الثمار لحساب الأبد .. لهذا بقى بجوار البئر .. وجدته المرأة عطشاناً ، فسقته إيماناً .. وظل هكذا .. وحتى على الصليب عطشاناً يريد أن يرتوی من إيمان صالبيه . قال : أنا عطشان ! وهذا المحول الصخرة إلى غدران میاه . الصوان إلى ينابيع مياه .. يذیب نفسه من أجلهم . فماذا نسمي الصخرة وقد تحولت إلى ماء !؟ إلا الذي يؤمن به ويستقی من الماء الذي يعطيه .. فهذا لن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذي يستقيه من كف السيد يفجر فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية . هذا هو طعامه : أن يذيب الصخر ويحيله إلى ينابيع مياه .. وهذا إشتهاء قلبه ، أن يصنع مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله .. ومن هنا كان حديثه المقدس للتلاميذ : سأله تلاميذه قائلين : كل يا معلم . فقال لهم : أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم ! ولم يفهم التلاميذ ، فقد ظنوه يتحدث عن أمور جسدية ، تماماً كما فعلت السامرية . فلا نندهش أن كانت المرأة لم تفهم قصده حين تحدث معها عن الماء ، فها هم جماعة التلاميذ الذين شاهدوا معجزاته واستمعوا إلى تعاليمه ، لم يقدروا – ابتداء – أن يفهموا كلماته .. وكل ما فعلوه أن تهامسوا فيما بينهم ، وبقوا في تخوم حيرتهم الممتزجة بوقار وخشوع قدسي تجاه معلمهم ، وتساءلوا فيما بينهم وبين أنفسهم : – العل أحد أتاه بشيء ليأكل !؟ وسمع السيد أفكار قلوبهم . وليس كما كان يتكلم إلى المرأة قائلاً « اذهبی وادعي زوجك » ولكن باسلوب واضح وبكلمات صريحة أكمل حديثه عن طعامه عساهم يفهمون : – طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني واتمم عمله . ولقد صنع مشيئة الآب وشرب من إيمان المرأة وتغذي بها . وها هو ينتظر جموع أهل السامرة وقد رآها حقولاً أبيضت للحصاد .. ويواصل السيد حديثه عن الحصاد .. – أما تقولون أنه يكون أربعة شهور ثم يأتي الحصاد . ها أنا أقول ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول أنها قد ابيضت للحصاد! انظروا بأعين الروح والعقل لتروا جموع السامريين ، ها هي تقترب تنتظر ساعة الحصاد . ألا ترون الحقول وقد أبيضت للحصاد ؟ إنها إرادة الصلاح ، وقلوبهم المستعدة لقبول الخلاص .. ارفعوا أعينكم وانظروا هذه الحقول وقد أبيضت للحصاد ، وها أنا مزمع أن أرسلكم لتحصدوا ما لم تزرعوا ، لكي يفرح الزارع والحاصد معاً ، لأنه في هذا يصدق القول : أن واحداً يزرع وآخر يحصد .. – أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه . آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم ! إلى أين يرسلهم كحاصدين ؟ إلى حيث علم من قبل الأنبياء ، أولئك الذين زرعوا ؛ وها هي السامرية تقول : أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي .. فصارت ثمرة ناضجة ، يتهيأ المنجل لكي يقطفها .. وهذا حق ، فمن الذي تعب إلا الذي زرع .. أنهم البطاركة الأوائل الذين تنبأوا عن مجيء المسيح مخلصاً للعالم .. إنهم الذين زرعوا .. وتألموا . ونظروا إلى المواعيد وحيوها من بعيد .. رقدوا على الرجاء .. وانهم الأنبياء الذين احتملوا قسوة البرد وتقلب الفصول ، حتى يحضروا هكذا الحصاد مستعداً في اليهودية والسامرة .. وحين نضج الحصاد ، نسمع عن الألوف التي كانت بمجرد الكرازة بالمسيح ، تؤمن وتعطى ظهورها للعالم ، وتضع تحت أقدام الرسل كل ما تملك .. ولهذا يفرح الزارع والحاصد معاً .. فقد كان هذا اشتهاء الزارع والأنبياء أن يجلبوا هذه النفوس للإيمان بالمسيح ! ولو كان السيد يتحدث عن حقول وثماراً أرضية ، لما كان الزارع الذي تعب ولم يحصد يفرح بالتساوي مع ذاك الذي يحصد دون أن يزرع أو يتعب .. لكنها ثمار للحياة الأبدية , لحساب المسيح ، ولهذا يفرح الأنبياء والرسل ، من أجل تحقيق الكرازة وتجديد العالم ، وامتداد ملكوت السموات .. إن الأنبياء والرسل يأخذون أجرتهم معاّ : الحياة الأبدية. أما قول السيد لهم : أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه ، فقد كان لأنه أراد تشجيع تلاميذه ، لكي يقدموا على الكرازة والخدمة بقلب الأسد. لأنهم يقومون بالدور الأسهل ، ويجمعون الثمر المتكاثر لحساب الأبد .. وكأني بالسيد يقول للتلاميذ : « لقد حفظتكم وأرسلتكم لعمل أقل كداً وتعباً ، لكنه أكثر فرحاً وبهجة .. ففي ساعة الحصاد يكون التعب أقل والفائدة أعظم !! إيمان شعب مرفوض جاء من أجل الفرد . وجاء من أجل الكل كذلك .. وخرج يطلب خلاص نفس السامرية ، في الوقت الذي اشتهي خلاص أهل السامرة . هو اشتهاء قلبه أن الكل يقبلون ويخلصون .. وتشرق في قلوبهم رسالة الحب والحياة .. وها هو يتحدث مع تلاميذه عن الحصاد ، يطلب إليهم أن يرفعوا أعينهم وينظروا الحقول وقد أبيضت للحصاد . وسرعان ما تتحقق الكلمات ، وتتجمع الثمار ، وتصير الكلمات أحداثاً حية تتحرك ، وقلوب مستعدة تقبل رسالة الخلاص. – فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد « أنه قال لى كل ما فعلت » ولقد تحدثنا طويلاً عن هذه المرأة ، فقد أدهشتنا بما أتت به من أفعال وأقوال .. وها هي تكرز في حب ودون خجل ، في كثير من الأعجاب.. لیس لأن السيد أسدى إليها صنيعاً أو صنع معها معجزة . ولو حدث هذا ، لكانت كرازتها نوعاً من العرفان بالجميل ، تستحق عليه الثناء – لكنها ارتفعت أكثر فوق نفسها ، فقد كان الصنيع الذي أسداه لها السيد هو أنه بكتها على خطيئتها وكشف عارها ، لا ليقودها إلى يأس الهلاك ، لكن ليسقيها من ينبوع الحياة .. فكان إحساسها بالخلاص يفوق حصولها على بركات زمنية، مهما عظم شأنها. ذلك أن تلك البركات المؤقتة ليست رفيعة الشأن قدر ماهو غير مرئي وممجد.. فقد تركت كل ما هو محسوس مع جرتها والتمست أن تجتذب إليه الأكثرين .. تجتذب إليه أهلها . ذاك الذي خلصها من قاع البئر وظلامه !! وسيظل إيمان هذا الشعب المرذول أيضاً موضوع تأمل الأتقياء في كل جيل ، فهو لا يقل روعة وعذوبة في أسلوبه عما حدث معها ، مع تلك الكارزة التائبة !! وتعالوا معاً نحلل نقاط القوة في إيمان شعب مرفوض من اليهود ، لكنه مقبول لدى الله : + هؤلاء القوم آمنوا وصدقوا ، لمجرد أنهم سمعوا عنه من السامرية !! وسألوه أن يمكث عندهم ، وخرجوا في طلبه ، وهم بعد لم يروا معجزاته أو يسمعوا كلماته . وياله من إيمان عظيم طوبه السيد .. لأنهم آمنوا ولم يروا !! لقد برهنوا على أن إيمانهم كان ينبع من ضمير طاهر وأثبتوا أنهم جديرون بالإعجاب. + وحين سمعوا كلماته يذكر لنا البشير هذه الكلمات : فآمن به أكثر بسبب كلامه ، وقالوا للمرأة أننا لسنا بسبب كلامك نؤمن . لأننا قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم !! ويالهم من تلاميذ أتقياء مهذبين !! فهم الآن إذ يدنون منه ويستمعون إلى كلماته وبدون آیات فإنهم يعترفون بإيمان عظيم . وحين سمعوا السامرية تتحدث في كرازتها لهم بنغمة يخالطها الشك ( ألعل هذا هو المسيح ! ) لم يجيبوها بأدني كلمات تحمل معنی الشك أو الحيرة . فلم يقولوا ( نحن نتوقع أو نظن ذلك !)، بل في يقين من أضاءت الشمس عينيه ، قالوا : ( نعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم ) . فقد ارتفع في نظرهم، وليس إلى مرتبة رسول أو نبی .. بل إلى مرتبة المسيا المنتظر أن يخلص العالم . ها هو حمل الله الوديع يجتذب العالم كله إليه ، ويزرع كلمته في كل مكان يطلب بالحق خلاص كل أحد، ولا يقصر نفسه على دائرة اليهودية .. وها هم السامريون يطلبون أن يمكث عندهم !! وحقاً ، فإن الإنجيل الآن يعبر إلى ملء الأمم .. إلى كل جنس وأمة .. ليصير العالم كله للرب ومسيحه ! بين اليهود والسامريين ! ليس هناك أردأ من الحسد والحقد .. كما أنه ليس أكثر ما يدعو للخزي قدر الكبرياء والغرور. هكذا كان الحال مع اليهود : فقد كان اليهود يتفوقون على السامريين في المعرفة ويعتبرون أنفسهم أكثر إرتباطاً وألفة مع الأنبياء .. ومع ذلك فإنه حين جاء إليهم السيد طردوه عنهم . وحين صنع بينهم القوات حسدوه وحنقوا عليه وحين أخرج الشيطان في كورتهم طلبوا أن ينصرف عن تخومهم ! ومع أن أهل السامرة قد سبقوا وطردوا السيد إلا أنهم عادوا فأقبلوا إليه ، واجتذبوه ليمكث عندهم . وأظهرت هذه المرأة ، وأثبت هذا الشعب ، أنهما جديران بالخلاص .. لذلك مكث السيد عندهم يومين !! مكث هناك يومين ! مكث عندهم ، نجار الناصرة وواعظ الجليل .. يسقيهم من نبعه ویروهم من دسمه.. هو ارتوی بها ، وآن له أن يشبع من إيمانهم .. وها هو بكلمات حية ، يرفع قلوبهم إلى اختبارات وإعلانات .. فیرقون إلى رؤية العيان ما خفي عن الحكماء والفهماء .. وما أسدل الإنجيلى الستار عنه ، لنقترب إليه في خشوع ووقار. نكتفي بالجلوس ننصت ونتعلم ، فهو الآن يتحدث إلى أرواحنا.. إلى كل الخطاة .. ولنراجع أنفسنا ، وفي نهاية الدرس : فيسوع يعرف أولاً بواسطة أصدقائه .. ثم يكون الخلاص بالتقابل معه.. هكذا بشرت به السامرية . وهكذا تم اللقاء بينه وبين أهل السامرة . إنها الكنيسة ( المرأة ) التي تدعونا فلنصغ إلى صوتها ، ونقبل بفرح للتقابل معه ، فذاك الذي لم يكن له موضع يسند فيه رأسه ، وجد في قلوب أهل السامرة مكاناً يستريح إليه ، ويمكث فيه هناك يومين ! هل هو حبه الذي اجتذبهم إليه !! أم حبهم الذي أمسك به !! أم حبه الذي تقابل مع احتياجهم فكان اللقاء . وكان الخلاص ! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الأرشيدياكون حبيب جرجس |
العالم الجليل الأرشيدياكون نجيب جرجس مرقس |
الأرشيدياكون حبيب جرجس |
مسيرة "وحدة الصف" تنطلق من رمسيس باتجاه الكاتدرائية |
عظة عن الأرشيدياكون حبيب جرجس |