كارثة أسيوط الرحلة الأخيرة لـ عمر .. والأم تنتحب كنت بدور لك على عروسة.. زفوك للسما يا ضنايا
أصوات بكاء وعويل، صراخ يملأ الحى الصعيدى فى شارع ضيق يكسوه التراب ونساء اتشحن بالسواد يجلسن بالأركان وقد حملن التراب على رءوسهن ليرسمن صورة حزن، أقسمت ألا تغادر الدار كما غادرها من فقدته فى حادث القطار.. «ولدى» صوت الأم تنادى على الابن الذى ودعته بعد أن صلى الفجر بالمسجد وخرج مقبلاً يديها كعادته «مش هتفطر يا عمر قبل ما تنزل ولا صايم زى عوايدك» تعرف ابنها فهو الصوام القوام المتردد دائما على المسجد يخونه لسانه الثقيل فى الرد «لأ يا أمى الصيام الجمعة والسبت اللى جاى بس أنا هافطر مع الولاد فى الأوتوبيس عشان ما تأخرش» تجهز له إفطاره «ما تنسيش حطى فايش زيادة عشان الأسطى حسين والتلامذة» تضحك الأم وتودعه بقبلة على جبينه «خد بالك من نفسك يا عمر يا بنى» ينقبض قلبها وهى تغلق الباب خلفه، لا تدرى أنه سيأتيها بعد ساعتين أشلاء ممزقة جمعت من بين القضبان لتنتهى رحلة الابن الأخيرة إلى المشرحة بدلا من المعهد. «عمر الطيب» هذه شهرته بين أهالى قريته «بنى عديات» أسيوط «شاب عمره 21 سنة كان طيب أوى بيرجع من المدرسة على الجامع يقعد فيه لحد العشاء ويروح ينام عشان ييجى بدرى للأوتوبيس» يحكى عنه الحاج سيد جاره: «بقاله سنتين بيشتغل على الأوتوبيس مرافق للتلامذة رغم إنه عقله على قده لكن كل الناس كانت بتحبه»، لم يصدق الجميع أنه لن يعود إلى القرية مرة أخرى ولن يجلس فى المسجد يرعى شئونه ولن يسأل عمن يغيب عن صلاة الفجر. «عمر راح يا أبوناصر.. .عمر مش راجع على البيت يا ضنايا يا ولدى» صراخ الأم يهز الخلاء حتى الأشجار، والدكك الخشبية فى مدخل الدار قد تطأطأت حزناً على مفارقها «كنت بدور لك على عروسة يا ولدى زفوك للجنة يا عمر» الأم الستينية لم ترافق ولدها فى رحلته الأخيرة إلى القبر «الجبل للرجالة بس يا أمه» الأخ الأكبر يقولها بلهجة صعيدية ليمنع أياً من النساء مرافقة الرجال إلى الجبل لحضور «دفنة عمر».
الوطن