رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إشارات ورموز من العهد القديم ذكرنا فيما سبق أن الكتاب المقدس يحتوي على العديد من الرموز لأقنوم الروح القدس، فهناك على الأقل سبع صور كتابية تُمثل لنا الروح القدس في الوحي، هذه الصور السباعية هي : السحابة والأنهار، والندى والأمطار، والزيت والريح والنار. وسنبدأ بالصورة الأولى لهذه السباعية؛ أعني بها: (١) السحابة في خروج ١٣: ٢٠-٢٢ نقرأ: «وَارْتَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ فِي طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ. وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ. لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً. لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ». والإشارة إلى السحابة في خروج ١٣ هي أول إشارة في الوحي إلى السحابة، وهي ترد بعد الإشارة إلى خروف الفصح في خروج ١٢. وفي هذا مدلول هام: فأولاً يُكلمنا خروج ١٢ عن ذبح خروف الفصح رمزًا للمسيح المذبوح، ومن ثم يأتي بعده مباشرة خروج ١٣ الذي يُكلمنا عن السحابة، رمز حضور الروح القدس. فكان ينبغي أن يأتي أولاً موت المسيح على الصليب (ذبح الخروف)، ثم بعد ذلك يحل الروح القدس يوم الخمسين (السحابة). والأمر نفسه نجده في الاختبار الفردي: فرومية ٥: ١ الذي يُحدثنا عن التبرير بالإيمان، يأتي أولاً، ثم بعد ذلك نقرأ في رومية ٥: ٥ عن ”مَحَبَّةَ اللهِ التي انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا“. ومن المهم أن ندرك كيف أن الرب دائمًا يملأ الاحتياج الذي نتج عن السقوط، والذي ينتظره الإيمان. فبالنسبة للخاطئ الواقع تحت غضب الله، فإن الرب هو المُخلّص، وبالنسبة للأسير في بيت العبودية، هو الفادي، وبالنسبة للمسافر في تيه بلا طريق هو المرشد. وإن كنا نراه كالمخلّص والفادي في خروف الفصح ثم في عبور البحر الأحمر، فإننا نجده كالمرشد في السحابة. آباؤنا كانوا تحت السحابة: ترد إشارة في العهد الجديد إلى هذه السحابة في كلمات الرسول بولس في ١كورنثوس١٠، إذ يقول: «فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ». في هذه الأقوال نجد أن السحابة يرد ذكرها قبل البحر. فلقد بدأت خدمة السحابة لهم قبل مغادرتهم لأرض مصر. ثم يستطرد الرسول بعد ذلك قائلاً: «وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ». وبنفس الأسلوب يُمكننا أيضًا أن نقول: ”والسحابة كانت الروح القدس“. لقد اعتمد الشعب في السحابة، فقادتهم السحابة إلى الخروج من مصر. هذا يُشير إلى تقديس الروح. ثم إنهم اعتمدوا لموسى في البحر أيضًا. وإن كان عبور البحر الأحمر يُشير إلى صليب المسيح وموته لأجلنا، فإنه من اللافت أن اعتمادهم في السحابة يُذكر أولاً. كأن الروح القدس أولاً يُجفف إعجابنا بأباطيل العالم، فيقودنا للخروج خارج دائرة مصر العالم، ثم بعد ذلك يأتي دور الصليب، حيث يدرك المؤمنون دور الصليب في فصلهم عن العالم. يترنم كثير من المؤمنين بأنهم تحت الدم، لكنهم لو أرادوا أن يكونوا كتابيين، فالأجدر بهم أن يترنموا بأنهم تحت السحابة، لا تحت الدم. فلقد كان الآباء كما ذكر الرسول «تَحْتَ السَّحَابَةِ». إن السحابة تُعلّمنا أننا يجب أن نعيش وفق قيادة الروح القدس لنا. وهذا امتياز عظيم، لكنه في الوقت ذاته مسؤولية كبرى. لذلك فليس عجيبًا أن يبدأ هذا الفصل (خر١٣) بالتقديس ونزع الخمير، ويُختم بقيادة السحابة لهم وإنارتها عليهم. والدرس العملي والهام لنا هو أن الذي يتقدس عمليًا ويعيش يوميًا حياة النقاوة، يمكنه إذ ذاك أن يتمتع بقيادة الرب له في حياته الاختبارية، وعلى طرقه يُضيء نور. إحدى عطايا النعمة: نلاحظ أن الشعب لم يطلب السحابة، بل ولا كانت في حدود توقعاتهم، لكنها كانت إحدى عطايا النعمة. والشعب إذ وجد نفسه ”إِيثَامَ فِي طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ“، لا يعرف خطوة واحدة من طريقه إلى أرض الموعد، كم نتوقع إن كان فرحهم عظيمًا بتلك السحابة التي كانت ستقود رحلتهم من البداية وحتى النهاية. ونظرًا لأن السحابة كانت إحدى عطايا النعمة، فإننا نلاحظ أنها لم تفارق الشعب قط طوال رحلتهم، وذلك رغم تذمراتهم الكثيرة وفشلهم وعدم استحقاقهم. نعم لقد امتلأت سنو البرية بالفشل، ومع ذلك، وكما قال نحميا: «لَمْ يَزُلْ عَنْهُمْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا لِهِدَايَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلاَ عَمُودُ النَّارِ لَيْلاً لِيُضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا» (نح٩: ١٩). وهذا وذاك ينطبق أيضًا على عطية الروح القدس. فلقد قال المسيح لتلاميذه في خطاب العلية الذي قاله في ليلة الوداع: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ» (يو١٤: ١٦). والتلاميذ لم يطلبوا هذه العطية العُظمى؛ المُعزِّي، لكن الرب هو الذي وعد بإرساله لهم، كما وعد بأنه سيمكث معهم إلى الأبد. وكما لم يَزُل عمود السحاب عن الشعب طول رحلة البرية، هكذا لم يترك الروح القدس الكنيسة على الإطلاق، ولن يتركها، رغم تصور البعض أنه تركها، وذلك بموجب وعد الرب الصريح أنه يمكث معنا إلى الأبد (يو١٤: ١٦). بركات ثلاثية: في الإشارة الأولى عن السحابة الواردة في خروج ١٣ نقرأ عن ثلاث بركات ارتبطت بوجود السحابة مع الشعب: (١) القيادة: «كَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ»، وهذه القيادة ليست هي قيادة أعمال العناية الإلهية، فهذه يُمثلها قيادة الملاك، أما قيادة السحابة لهم فإنها تُمثل قيادة الرب بنفسه لهم؛ صورة لقيادة الروح القدس. (٢) الإضاءة: «وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ ... لَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ. لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً». فكان ليلهم وسط البرية المُخيفة مُضيئًا. (٣) الملازمة: «لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ». ولقد سبق لنا أن تأملنا في البركة الثالثة؛ أعني ملازمة السحابة للشعب، وملازمة الروح القدس لنا، لكن دعنا نُلقي مزيدًا من الضوء على البركتين الأولى والثانية: أولاً: فنحن الآن لنا أن نتمتع بإرشاد الروح القدس وقيادته: يقول الرب: «مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ» (يو١٦: ١٣)، ويقول الرسول بولس: «لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ الله» (رو٨: ١٤ انظر أيضًا غلاطية ٥: ١٨). ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن امتياز قيادة الروح القدس لنا لا ينصرف فقط على العبادة، بل إنه يمتد أيضًا إلى ظروف الحياة العادية. لقد كانت السحابة تقودهم في تحركاتهم كل أوقات الأربعين سنة. ثانيًا: إضاءة الروح القدس: فيقول المسيح عن الروح القدس إنه: «يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ» (يو١٦: ١٣، ١٤). ويقول الرسول بولس: «فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ» (١كو٢: ١٠-١٢). وكم هذا يُعزي المؤمن المنفرد، الذي في أماكن نائية، وليس معه إخوة يُشاركهم التعزية وتبادل الأفكار في كلمة الله. هذا الأخ قد يكون محرومًا من خدمة المُعلمين في كنيسة الله، لكنه مع ذلك ليس وحيدًا، بل هو يتمتع بخدمة أعظم الشارحين للكتاب المقدس قاطبة، وأعني به الروح القدس. السحابة تُغيِّر وضعها: في خروج ١٤ نقرأ مرة أخرى عن السحابة، لكننا نقرأ عن وضع مختلف. يقول الوحي: «وَانْتَقَلَ عَمُودُ السَّحَابِ مِنْ أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ. فَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ، وَصَارَ السَّحَابُ وَالظَّلاَمُ وَأَضَاءَ اللَّيْلَ. فَلَمْ يَقْتَرِبْ هذَا إِلَى ذَاكَ كُلَّ اللَّيْلِ» (خر١٤: ١٩، ٢٠). وفي آخر السفر سنقرأ عن مكان آخر للسحابة. إذ حلت فوق خيمة الاجتماع في وسط المحلة (خر٤٠: ٣٤، ٣٥). فكأن السحابة كانت في البداية أمام الشعب في الرحلة، ثم انتقلت خلف الشعب في وقت الخطر، وأخيرًا أخذت مكان الوسط بعد تدشين خيمة الاجتماع. وهذه المواقف الثلاثة تُرينا الله في نور العهد الجديد: أولاً معنا (خر١٣)، ثم لأجلنا (خر١٤)، وأخيرًا فينا (خر٤٠). ونحن نعرف أنه في التجسد كان هو «عِمَّانُوئِيلَ، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا» (مت١: ٢٣)، وفوق الصليب كان الله لأجلنا (رو٨: ٣١)، ثم من يوم الخمسين هو فينا (رو٨: ٩). السحابة منيرة ومظلمة في آن واحد: لكننا الآن نريد أن نتوقف على الوضع الذي كانت فيه السحابة في خروج ١٤، وكيف فصلت بين شعب الله وبين المصريين. يقول الوحي: «وَكَانَ فِي هَزِيعِ الصُّبْحِ أَنَّ الرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ الْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ النَّارِ وَالسَّحَابِ، وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ الْمِصْرِيِّينَ» (خر١٤: ٢٤). فماذا يعني القول: ”عَمُود النَّار وَالسَّحَاب“؟ فنحن نعرف أنه في المعتاد كان السحاب في النهار، وكان عمود النار في الليل، وأما في تلك الليلة فقد كان من ناحية شعب الله نار تُنير، ومن ناحية المصريين سحابة مُعتمة (خر١٤: ٢٠). إذًا فنفس السحابة كانت مُعتمة من ناحية المصريين، مُضيئة من ناحية شعب الله. ومصر في الكتاب المقدس ترمز إلى العالم، ونحن نجد في أماكن كثيرة من الوحي النظرة المتباينة بين المؤمنين وبين غير المؤمنين. فمثلاً يقول الرسول: «إِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ الله» (١كو١: ١٨). ويقول أيضًا: «لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ ِللهِ، فِي الَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي الَّذِينَ يَهْلِكُونَ. لِهؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ» (٢كو٢: ١٥، ١٦). والأمر نفسه أيضًا ينطبق على عطية الروح القدس. لقد قال المسيح عن الروح القدس: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، ١٧ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ» (يو١٤: ١٦، ١٧). السحابة في الحل والارتحال: في سفر العدد ٩: ١٥-٢٣؛ هذا الجزء الصغير من كلمة الله الذي حبذا لو رجع إليه القارئ العزيز، نجد تكرارًا مُلفتًا لكلمة السحابة، فتتكرر فيه ١١ مرة، يعقبها في أصحاح ١٠ إشارات ثلاث إلى السحابة، ليكون مجموع تكرار السحابة في هذين الأصحاحين (٩، ١٠) هو ١٤ مرة. فبعد أن تأسست خيمة الاجتماع، نقرأ أن السحابة غطت المسكن، خيمة الشهادة. وفي ضوء العهد الجديد نتعلَّم أن الرب يريد له، ليس فقط مسكنًا ليسكن فيه، وهو ما نجده في سفر الخروج، بل أن تكون له أيضًا شهادة في هذا العالم، وهو ما نجده في سفر العدد. وهذان الأمران تحققا في العهد الجديد - بحسب ١تيموثاوس ٣: ١٥ - في كنيسة الله الحي التي هي بيت الله (أي مسكن الله)، عمود الحق وقاعدته (أي مسكن الشهادة). لذلك فإنه بمجرد أن تأسست هذه الشهادة فقد «غَطَّتِ السَّحَابَةُ الْمَسْكَنَ، خَيْمَةَ الشَّهَادَةِ» (عد٩: ١٥). ونحن في هذا الجزء نقرأ عن تحرك السحابة لقيادة الجماعة كلها، أو بتعبير أدق لقيادة الشهادة. فهنا الفكرة ليست الإرشاد الفردي أو الشخصي، كما في سفر الخروج، بل الإرشاد الجماعي المرتبط بالشهادة التي لله على الأرض. صحيح من المهم كأفراد أن نتكل على إرشاد الرب، وهو يقينًا لن يبخل علينا بهذا الإرشاد، لكن الحركة هنا هي حركة خيمة الشهادة. يقول الوحي: «وَإِذَا تَمَادَتِ (إِنْ طَالَ أَمَدُ) السَّحَابَةُ عَلَى الْمَسْكَنِ أَيَّامًا كَثِيرَةً كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ وَلاَ يَرْتَحِلُونَ» (ع١٩). وهو درس عميق بالنسبة لنا، نحن الذين نسجد بروح الله (في٣: ٣). فما أجمل ألا يحدث في الاجتماع تعجّل في الانتقال من فكرة إلى أخرى، بل أن نحرس حراسة الرب لكي ما نستفيد روحيًا من الأمور التي يقودنا روح الرب إليها. ثم يذكر لنا في تفصيل جميل في الأعداد ٢٠ إلى ٢٣ كيف يطلب الرب منهم ألا تكون هناك آلية أو ميكانيكية في التحرك، بل يجب أن يكون هناك خضوع تام لإرشاد السحابة. وبالنسبة لنا كم ستكون اجتماعاتنا مُنعشة ومُشبعة حقًا لو أننا تخلينا عن الالتزام بأي نظام مُسبق عملناه نحن أو عمله غيرنا، أو حتى وضع سبق أن تعزينا منه، بل يتحتم أن يكون كل شيء في الاجتماع خاضعًا لقيادة روح الله. ظل في الحر، ونور في الظلام: ومن أعمال السحابة الهامة التي أود الآن أن أختم الحديث بها أنها كانت ظلاً للشعب من الشمس الحارقة، تمامًا كما كانت تُنير لهم الظلمة الحالكة. وفي هذا قال المرنم: «بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا (أي غطاء - الترجمة التفسيرية)، وَنَارًا لِتُضِيءَ اللَّيْلَ» (مز١٠٥: ٣٩). وهذه أيضًا واحدة من أهم أعمال الروح القدس، المعزي، التي نحن في أمس الاحتياج إليها. فعندما نجتاز في ليل حالك، كم نكون في احتياج إلى النار لتُضيء الليل؟ نعم، كم نحتاج إلى الدفء والنور اللذين يمنحهما لنا المُعزي؟ ثم عندما تُشرق الشمس بالحر (يع١: ١١ قارن متى ١٣: ٦، ٢١)، وعندما يلفحنا الحر، كيف يُمكننا مواجهة تلك الظروف بدون السحابة التي تُظلل؟ لهذا فإن الرسول بطرس بعد أن تحدث عن البلوى المحرقة الحادثة بين المؤمنين لأجل امتحان إيمانهم، فإنه أشار بعدها فورًا إلى سجف السحابة إذ قال: «لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ» (١بط٤: ١٤). وهكذا فإن البركة التي سبقت الإشارة إليها في الفصل الأول الذي ورد فيه ذكر السحابة، يتكرر مرة أخرى أمام قلوبنا «لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً» (خر١٣: ٢١). نعم لا توقف عن المسيرة في الصحو أو في الغيم، في النهار أو في الليل، بل نقول مع المرنم: «أَنْتَ فَجَّرْتَ عَيْنًا وَسَيْلاً. أَنْتَ يَبَّسْتَ أَنْهَارًا دَائِمَةَ الْجَرَيَانِ. لَكَ النَّهَارُ، وَلَكَ أَيْضًا اللَّيْلُ. أَنْتَ هَيَّأْتَ النُّورَ وَالشَّمْسَ. أَنْتَ نَصَبْتَ كُلَّ تُخُومِ الأَرْضِ. الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ أَنْتَ خَلَقْتَهُمَا» (مز٧٤: ١٥-١٧). |
|