النفوس المريحة
النفوس المريحة هي التي تريح غيرها.
السبت 14 يوليو 2012
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
قد يجلس إنسان معك فتستريح لوجوده معك, وتود لو أن جلسته تطول مهما مر الوقت بينما يجلس إليك آخر,فتظل تعد الدقائق وتتمني لو أنه رحل عنك,ذلك لأن أحدهما مريح والآخر متعب.
قد يجلس إنسان معك فتستريح لوجوده معك, وتود لو أن جلسته تطول مهما مر الوقت بينما يجلس إليك آخر,فتظل تعد الدقائق وتتمني لو أنه رحل عنك,ذلك لأن أحدهما مريح والآخر متعب.
إنسان يمر عليك كالنسيم الهاديء أو النسيم العطر.
وآخر يمر بك وكأنه عاصفة هوجاء.
فماهي إذن النفس المريحة؟وما هي صفاتها؟
ولماذا تكون نفوس بعض الناس متعبة وغير مقبولة؟
أول نفس مريحة في تاريخ كل إنسان هي أمه.
يري الطفل راحته في صدرها الدافيء, وفي رضاعته منها وفي نظراتها الحانية وفي ابتسامتها وفي استجابتها لاحتياجاته...ومعها يشعر بالاطمئنان والأمن.
والطفل الرضيع الذي نظن أنه لايدرك شيئا.. من العجب أنه يستطيع أن يميز أمه أو مرضعته-عن أي امرأة أخري فهي حينما تحمله تبش له ويبتسم هو لها في فرح وبشاشة وبراءة بينما تحمله إمرأة أخري فيصرخ..
الطفل حساس جدا من جهة ملامح الناس.
هو لايتضايق مما يقال له من كلام لأنه لايفهمه, ولكنه يفهم الملامح, يميز النظرة المريحة من النظرة المتعبة. ويميز الملامح البشوشة من الملامح المزعجة.
يطمئن إلي النفس المريحة من نوع النظرة, وشكل الملامح, ونبرة الصوت, ويميز النفس المريحة التي تداعبه وتلاعبه, لذلك احترسوا في ضبط ملامحكم حينما تقابلون الأطفال واحترسوا من جهة الانتهار والتوبيخ لأن الملامح فيه لاتكون مريحة.
وصدقوني نفس الأمر يكون في معاملة الكبار.
هم أيضا يحتاجون إلي التعامل مع النفوس المريحة, يريحهم شكل الإنسان كما تريحهم أيضا ملامحه ومعاملاته وربما تري شخصا لأول مرة فلا تستريح إليه.
لاتستريح إلي تعبيرات وجهه ولا إلي نبرة صوته ولا إلي حركاته ولا إلي شكله جملة..يوحي إليك بعدم الاطمئنان وعدم الثقة.
ويحدث هذا أحيانا في اختيار الأصدقاء هناك من تنجذب إليه وتشعر من أول مرة كما لو كنت تعرفه منذ زمان وآخر تنفر منه تلقائيا.
نفس الكلام نقوله أيضا عن الأطباء.
هناك طبيب يستريح إليه المريض في بشاشته من جهة وفي شرحه للمرض وللعلاج وفي إعطائه بريقا من الأمل والرجاء مهما كان خطيرا ويشعر المريض بالاطمئنان إلي أنه في أيد أمينة ومع قلب عطوف..بينما طبيب آخر بعد مقابلته للمريض,يخرج المريض منهارا.ونفس الوضع بالنسبة إلي أب الاعتراف.
أب الاعتراف المريح هو الذي يعرف نفسية المعترف وظروفه وحروبه ويعطيه من الإرشادات ما يمكنه تنفيذها ويقوده إلي التوبة وإلي الحياة الروحية في هدوء وفي تدرج معقول ويشعره بالحب والحنو ويفتح له باب الرجاء مهما كانت خطاياه ويقوده إلي فتح قلبه في الاعتراف بكل اطمئنان.
أما أب الاعتراف غير المريح فهو الذي يرتبك المعترف أمامه ولايدري ما يقول.
وربما يخاف ولايستطيع أن يكمل اعترافه يخشي انتهاره له,أو قسوته عليه أو تغيير فكرته عنه أو حرمانه من التناول أو قسوة عقوبته..
بينما أب الاعتراف المريح قد يعاقب ولكن في احتمال المعترف مقنعا إياه بأن العقوبة نافعة له في تقويم حياته وفي إراحة ضميره..
صفات النفوس المريحة:
1- من صفاتها البعد عن القسوة.
سواء القسوة في الألفاظ أو القسوة في الأحكام وفي التعامل مع الأخطاء بطريقة تتعب المخطئين دون أن تقومهم أو بأسلوب يحطم نفسياتهم ويتسبب في هبوط معنوياتهم.
وقد يحدث هذا من بعض الآباء والأمهات في توبيخهم ومعاقبتهم علي أخطائهم بأسلوب ربما يجعلهم يبحثون عن صدر حنون خارج البيت ما يترتب علي ذلك من نتائج خطيرة.
وربما تصدر هذه القسوة من الذين يقومون بأعمال الإدارة فيصدرون الجزاء علي أتفه الأخطاء أو قد تصدر هذه القسوة من الذين يشرفون علي أعمال التدريب أو علي الاختبارات الشخصية فيحكمون علي الشخص بعدم الصلاحية أو قد تصدر من بعض الأساتذة والمدرسين فيخشي الطالب أن يقع في يد أحد منهم.
ولكن من الأمثلة الصالحة ما قلناه عن الأرشيدياكون حبيب جرجس.
يا حكيما أدب الناس... وفي زجرة حب وفي صوته عطفا
لك أسلوب نزيه طاهر... ولسان أبيض الألفاظ عف
لم تنل بالذم إنسانا ولم... تذكر السوء إذا ما حل وصفا
إنما بالحب والتشجيع قد... تصلح الأعوج والأكدر يصفو
2-ومن صفات النفوس المريحة:البعد عن النكد
هناك أشخاص وبخاصة في المجال العائلي-يحاولون حل المشاكل عن طريق النكد,ويضفون علي المنزل جوا من الكآبة والحزن يبحث بعض أفراد الأسرة عن سلامهم القلبي بالهروب من البيت وقد ينتهي الأمر بالزوجين إلي محاكم الأحوال الشخصية أو إلي المجلس الإكليريكي ويشعر كل طرف في الأسرة أنه يتعامل مع نفوس غير مريحة.
3- ومن صفات النفوس غير المريحة:كثرة التحقيقات.
بحيث يشعر الشخص أنه محاصر بجو من الأسئلة تضيق الخناق عليه لتعرف تفاصيل التفاصيل,ماذا فعلت؟وأين كنت؟ومن قابلت؟ومتي؟وما موضوع الحديث؟وماذا قلت وماذا قال؟وما النتيجة؟وماذا فعلت؟ومهما بدا علي الشخص أنه تضايق تلاحقه التحقيقات بغير هوادة وبغير مراعاة لنفسيته وإحساساته مما يؤدي به الأمر إلي الهروب من أمثال هؤلاء الأشخاص الذين لهم هذا الأسلوب من التحقيق وربما لاتكون لبعضهم صفة تسمح له بكل هذه الأسئلة ويقودنا هذا إلي نقطة أخري وهي.
4- التدخل في خصوصيات الغير.
كل إنسان له خصوصياته التي يحب أن يحتفظ بها ولايحب أن يكشفها لكل أحد,بل يجب أن يحترمها الآخرون.
لهذا نجد في كثير من البلاد الغربية:إذا وصل خطاب لابن في البيت لايستطيع الأب والأم أن يفتحه وكذلك إن وصل خطاب للزوجة لايفتحه الزوج وإنما بالحب الذي بين أفراد الأسرة صاحب الخطاب يكشف ما جاء فيه أو بعضا مما جاء فيه لأسرته دون أن يطالبوه بذلك.ولكن المتعب أن بعضا من المعارف يتدخلون في خصوصيات غيرهم بطريقة يريدون بها أن يعرفوا كل شيء عنه سواء في حياته الخاصة أو حياته العائلية أو في مجال العمل,كما لو كانوا يترصدون حركاته ويرهقونه بالأسئلة أو يرسلون من يتتبع أخباره ويقولها لهم بحيث يشعر أن هؤلاء يتطفلون علي حياته وخصوصياته بغير وجه حق وبطريقة متعبة, وإن لم يخبرهم يتهمونه بعدم الحب وبعدم الإخلاص في صداقته ويسألونه:ما هذا الشيء الذي تكتمه؟وهل فيه خطر أو خطأ؟قل لنا ونحن ننصحك.
إنه لون من التطفل غير مقبول,ويتعب النفس ويسيء إلي العلاقات .
5- من صفات النفوس المتعبة أيضا:الشك
هناك نفوس من طبيعتها الشك:يشكون في صدق غيرهم وفي محبته ويشكون في أقواله وفي أخباره بل يشكون أيضا في سلوكه ويبدو الشك في طريقة كلامهم وفي لهجة صوتهم,وفي نظراتهم وفي نوع أسئلتهم ويندر أن يقبل أحد أن يكون موضع شك لذلك يعتبر الذين يشكون فيه من النفوس غير المريحة ويحاول أن يتجنبهم, ويعتبر شكهم نقصا في محبته فالكتاب يقولالمحبة لاتظن السوء1كو13:5.
6- وعكس ذلك الذي يقابل غيره بروح الثقة والاحترام.
إنها صفة من صفات النفوس المريحة والثقة تولد ثقة وتدل علي الاحترام كما أن الاحترام يولد احتراما وهكذا يعيش الناس مع بعضهم البعض بأسلوب سوي وكل إنسان يستريح للذي يثق به.
7- أيضا من صفات النفوس غير المريحة:الإلحاح والمجادلة.
هناك أشخاص -في كل ما يريدونه-يستخدمون أسلوب الإلحاح والضغط فإن أرادوا شيئا من أحد يلحون عليه بطريقة متواصلة متتابعة في كل يوم وربما مرات كل يوم ولايعطونه فرصة للتفكير أو التدبير ولا يعطونه مجالا للاعتذار وربما ما يطلبونه يكون فوق طاقته أو لايريح ضميره..ويتوالي إلحاحهم وضغطهم بطريقة متعبة ربما تجعل من يلحون عليه يهرب من لقائهم بكافة الطرق.
وربما يكون الإلحاح والضغط في معرفة بعض خصوصياته, كما حدث مع دليلة في معرفة سر قوة شمشون قض16.
8- ومن صفات النفوس غير المريحة أيضا:فرض الرأي.
وفي هذا ضغط علي الفكر, وضغط علي التصرف ومحاولة من هؤلاء أن يسير غيرهم في تيارهم الفكري أو السلوكي علي الرغم منه مما يشكل ضغطا علي حريته الخاصة بشيء من السيطرة.
وقد يحدث فرض الرأي من أحد الأبوين بالنسبة إلي زواج ابنتهما ضغطا عليها في الزواج بمن لاتحب مما يتسبب عنه تعاسة أو فشل في حياتها الزوجية.
وفي فرض الرأي نوع من السيطرة هو صفة أخري للنفوس غير المريحة.
9-ومن الصفات الأخري للنفوس غير المريحة :كثرة الجدل
بحيث لايمر أمر من الأمور سهلا مهما كان بسيطا كل فكر وكل تصرف يتخذونه موضوعا للجدل ربما يستغرق وقتا طويلا كما أنه يرهق الأعصاب ويضيع الوقت.
أمثال هؤلاء قد لايحاول أحد أن يفتح لهم موضوعا أو يبدي رأيا لأنه لن يخلص من مجادلاتهم العقيمة وإن تكلموا هم ربما يلجأ إلي الإجابات التقفيلية:مثل ربنا يعمل ما فيه الخيرنشكر ربنا علي كل حالأو أن يقولهذا الموضوع لا أعرفه,وليس فيه رأي يقينيكل ذلك يهرب من الجدال وصدق الكتاب حينما قالافعلوا كل شيء بلا دمدمة ولامجادلةفي2:14.
وقد يسأم الإنسان ويقول لمثل هؤلاءألا يمكن أن يتم شيء بدون مجادلة؟!أو يقول فيما بينه وبين نفسههل يستحق هذا الأمر البسيط كل هذا الجدل والنقاش.
نصيحتي لك:لاتجادل إلا في أمر هام أو أمر خطير يستحق ذلك وأيضا لاحظ في نقاشك هل الذي تناقشه يقبل الكلام أم لايقبله أو هو يريد النقاش لمجرد حب الجدل وتقضية الوقت,أم ينطبق علي هذا النقاش قول الرسول المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما أنها تولد خصومات2تي2:23.
وقد يكون الغرض من المجادلة هو فرض الرأي.
كإنسان يريد فرض رأيه في إدارة الأمور أو في تصريف أمور الكنيسة إن كان المناقش عضوا في لجنة ما في كنيسته أو مجرد فرض رأيه كشخص يقول إنه صاحب رأي وإنه باستمرار علي حق وذو علم ومعرفة وربما يكون فرضه لرأيه مصحوبا بالتهديد والتشهير.
10-ومن النفوس غير المريحة من لاتقدر ظروف الآخرين.
كأن يكلمك إنسان في وقت أنت مشغول فيه فتعتذر إليه بضيق الوقت وتؤجل الموضوع إلي موعد آخر فيصر إصرارا شديدا لأن الموضوع مهم ولايحتمل التأجيل ولايبالي بأهمية مشغولياتك مما يجعلك تستمع إليه.. مضطرا وأنت شاعر بضغطه عليك بينما الموضوع لايستحق ذلك كله وربما يأتيك شخص وأنت مريض ويطلب منك ما لاتحتمله ظروفك الصحية أو يظل يكلمك وأنت علي فراش المرض مما يؤذيك صحيا وهو غير مقدر لذلك مما جعل كثيرا من المستشفيات تحدد أوقاتا تمنع فيها زيارة بعض المرضي.
أو قد يكلمك إنسان في التليفون وقد تكون مشغولا ولكنه لايبالي ويظل يتكلم ويتكلم مهما طال الوقت ومهما حاولت أن تؤجل المكالمة أو تشرح ظروفك لايهمه ذلك ويستمر في حديثه فتشعر أنه من النفوس المتعبة التي لاتقدر ظروف الآخرين وتتخذ منه موقفا في أحاديثه التالية:
يذكرنا هذا الأمر بالذين يزورون العائلات في أوقات الامتحانات النهائية للتلاميذ..
ويتكلمون ويرفعون صوتهم ويوجدون جوا من الضوضاء لايساعد علي المذاكرة غير مبالين بمشاعر الطلاب وامتحاناتهم ويصبحون من النفوس المتعبة, وكذلك الذين يقيمون احتفالات ويرفعون أصوات الميكروفونات..
11- من النفوس المتعبة تتصف بالغضب.
سواء سرعة الغضب أو حدة الغضب أو الغضب بدون سبب معقول أو الغضب المصحوب بأخطاء أو إهانات أو اعتداءات أمثال هؤلاء الناس يتجنبهم غيرهم لاتقاء شرهم.. أو علي الأقل عملا بقول الكتاب:لاتستصحب غضوبا ومع صاحب سخط لاتجيءأم22:24.
من النفوس المريحة:
12- الإنسان البشوش نفسه مريحة.
الناس يحبون البشاشة ويستريحون للوجه البشوش الذي من فيض سلامه القلبي يفيض بالراحة والسلام القلبي علي كل من يقابله..
البشاشة هي فرح ينتقل من نفس.. إلي نفس لذلك فإن غالبية الناس يحبون أصحاب النفوس المريحة التي تدخل البهجة إلي القلب, ومن أمثلة ذلك الفنانون الذين يرسمون الرسوم الكاريكاتيرية مع فكاهات لطيفة طالما أن الفكاهة بريئة ولطيفة ولا خطأ فيها.ولأن البشاشة والفكاهة تريح النفس لذلك فإن المصورين قبل أن يلتقطوا الصور يطلبون إلي الناس أن يبتسموا أولا لأن الوجه المبتسم هو وجه مريح لمن يراه.
والبعض يبتسمون بطريقة مصطنعة أثناء التصوير.
غير أن البعض لهم بطبيعتهم وجوه مبتسمة بشوشة في كل المناسبات وبدون تصنع هؤلاء أصحاب نفوس مريحة.
13-كذلك الإنسان الوديع الهاديء هو من النفوس المريحة.
بهدوئهم يدخلون الهدوء إلي قلوب الآخرين ومهما كانت الأمور تبدو صعبة يعملون علي تهوينها وتخفيف وقعها وبهذا يريحون غيرهم وفي جو من الطمأنينة يبحثون معهم الأمور بهدوء للوصول إلي حل.
كذلك الإنسان الوديع هو إنسان مريح في معاملته لأنه يأخذ الأمور ببساطة لايغضب أحدا ولايغضب من أحد ويتعامل مع الناس في سهولة ويسر ولاتتعقد الأمور مطلقا في التعامل معه.
14- المبشرون بالخير هم أصحاب النفوس المريحة.
إن الناس يحبون من يبشرهم بخبر طيب..يعتبرونه بشرة خير ويستبشرون به.
ولذلك يقول الكتابما أجمل قدمي المبشر بالخيراتأش52:7نا1:15.
بعكس الذي يجلب الحزن للنفوس بأخبار سيئة ينقلها إليهم إنهم يعتبرونه كالبوم التي تنذر بالخراب ومن أمثلة هؤلاء من ينقلون أخبارا بتعليقات متعبة للنفوس.
إن الأخبار التي تنشر في الجرائد تختلف من واحدة إلي أخري فمنها ما تريح النفوس بأخبارها ومنها ما تزعج الناس وتخيفهم وتشعرهم بأخطار مقبلة ومصائب يتوقعونها.
15-صانعو الخير من أصحاب النفوس المريحة:
وفي ذلك ما أجمل ما قيل عن السيد المسيح أنه كان يجول يصنع خيراأع10:38.
كان يكرز بالإنجيل ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعبمت4:23وهكذا كان تلاميذه وهكذا كان القديسيون في كل زمان يصنعون الخير ويقومون بأعمال البر نحو كل واحد.
إن الناس يحبون من يعمل معهم خيرا.
عكس ذلك الذين يعقدون الأمور والذين يكون بإمكانهم أن يصنعوا خيرا ولايفعلون.
ما أخطر قول الكتابمن يسمع صراخ المسكين ولايستجيب,يصرخ هو أيضا ولايستجاب له.