رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْر25 وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي» (تك 32 : 24- 26). كان يعقوب إنسان مُخادع أعتاد التعامل مع الناس بمكر وحيلة.. . معتد بذاته، يسعى لغرضه مهما كلفه الأمر من استغلال لابوه ،و سرقة بكورية اخوه! أخذ البركة وهرب... ونسى أن الغاية لا تبرر الوسيلة. .. وأن اقحام خططنا في تدابير الله ، يتعبنا... وهرب يعقوب من انتقام اخيه عيسو ... هرب يعقوب في البرية ... وحيدًا وخائفًا، وبلا أية معونة.. بلا رعاية الأب .. ولا حنان الأم، ولا مشورة صديق... ولا سند قريب وليس أمامه مجال لاستخدام ذكائه البشري. أغٌلقت امامه كل الأبواب... ولم تنفع معه شتى الطرق.. لكنّ أبدًا طريق الله لا يرفض كل من يطرقه، حتى لمن لا يستحق... ولمن ترفضه كل الناس حتى أقرب الناس.. حنان الله ، يغلب ... ولا يشمت... ولا يعاملنا حسب استحقاقنا... يعقوب الذي نال البركة...لم ينل الراحة، فليس كل من دخل طريق الله في ارتياح...أنما هم " في حضور الله".. الله لا يمنع الضيق...لكنه يكون معنا وسط الضيق. والأفضل من أن يمنعنا من دخول الأتون، أن يدخل معنا الأتون! يعقوب أختبر الصلاة الحقيقية في الضيق.. .فما أجمل الضيق الذي يدفعنا للهَ! يعقوب تلامس مع الله ، عندما أنفطم عن كل الناس حوله... يعقوب بدء علاقة مع الله ، لما قطع كل العلاقات الهشة مع الناس... ولما تصالح وتصارع مع الله أنصلحت كل علاقاته مع الناس! يعقوب لم ير سلم إلى السماء ، إلا لما توسد الحجر! . .. ونحن لم نصل للسماء إلا بأحجار التجارب. يعقوب تعامل مع نفسه بقسوة فألقى بنفسه على الأرض، لكن محبة الله لم يسمح له بذلك فرفع أفكاره وأحلامه للسماء ...الله أحن علينا من أنفسنا ! يعقوب بعد ما كان كل حياته تعب من ثلاثه : اباه وأمه وأخاه... صار حياته راحة بثلاثه : الله، وملائكته ، وسماه... ألهنا إله تعويضات..إله سمائيات...فما يشغلنا على الأرض سلم الصلاة يصعده إلى السماء ، فتهبط عليه الملائكة لتعزينا! والآن، ”استفرد“ الله أخيراً بيعقوب في الوضع الذي كان يريده الله، أي أن يكون يعقوب ”وحده“... إلهنا إله غيور..يظهر ليعقوب وحده..ويكلم موسى وحده...و يرافق إيليا وحده...هو إله العلاقة الشخصية! وتصارع يعقوب مع الله.. تصارع باللجاجه...بالدموع...بالندم. ..بجهاد طوال الليل حتى طلوع الفجر.. فأراد الله أن يرفع نفسيته ...لأن الله يهمه روحياتنا ونفسيتنا ! فظهر وكأنه أنهزم أمام يعقوب... ولكن هل يغلب الله؟ في سفر النشيد نسمع "حولي عنى عينيك فإنهما قد غلبتاني نش 5:6" فالله يغلب بالدموع والتوبة ويعقوب هنا بكي واسترحمه...الله مغلوب من تحننه... وأخيراً، وبعد صراع طيلة الليل ولم يخضع يعقوب، ضرب الله (وفي بعض الترجمات: ”لمس“) حُقَّ فخذه، فجعله يكْسح. .. لئلا يتكبر يعقوب..و ليترك له علاممة طوال حياته تذكره بضعفه... ترك له الانكسار ليعلمه ألا يتكل على جسده ولا ذكاءه... حينما يفقد المصارع كل خططه ويفقد قواه، فهو على الأقل يلجأ إلى الهرب، لكنه الآن لم يقدر ولا حتى أن يهرب. وهكذا أتى به الرب إلى موقف الانكسار الكلِّي والكامل، وضاع منه كل مَهْرَب أو ملجأ! لكي يصنع به الله العمل العجيب الذي يريده. لو سألت أبي يعقوب ما اليوم الذي لا تنساه في حياتك. .لقال : يوم أنكسرت بيد الرب... لأنه اليوم الذي نلت فيه بركة فتغيرت حياتي...يوم ما آتى بعده مختلف تمامًا عما قبله. .. يوم ما تعلمت أن الانكسار ضروري من أجل البناء.. . يوم ما تعلمت أن أتكل على الله وليس على الناس ولا على نفسي.. فانظر كيف أن الله أراد أن يبارك يعقوب لا أن يُحطِّمه. لقد ”كسَّحه“ لكي يُتوِّجه، لكي يُباركه! وحتى نهاية عمر يعقوب، كان يتوكَّأ على عكاز ، وكان يحمل دائماً عصاه يتوكَّأ عليها. وفي رسالة العبرانيين (11: 21) يقول القديس بولس الرسول: «بالإيمان يعقوب عند موته بارك كل واحد من ابني يوسف، وسجد (متوكِّئاً) على رأس عصاه»، وكان عمره آنئذ 147 عاماً، وهو ما زال يتوكَّأ على عكازه. وتعلَّم يعقوب كيف يتوكَّأ، واكتشف أنه وهو يتوكَّأ كان أقوى مما كان وهو واقفٌ على رجليه. لقد سجد وعَبَدَ الله وهو يتوكَّأ، وهذه خير طريقة للسجود والعبادة لله ، أن يكون الإنسان مجاهداً من أجل محبة الله. ليتني انكسر بيد الله... فلا أتكل إلا عليه، لتنكسر ذاتي فأذوب فيك ، فتتغير حياتي لأحيا لا أنا بل أنت تحيا فيّ! |
|