منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 09 - 2024, 03:38 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

يعطي ذاته في الابن ويقول ذاته في الابن





الثالوث الأقدس في النفس البشرية

“لا تخرج من ذاتك، بل ادخل إلى أعماقك: الحقيقة توجد في الإنسان الباطني. وإذا وجدت أن طبيعتك ليست وطيدة، تسامى على ذاتك. ولكن اذكر أنك بتسامي ذاتك، أنت تتسامى على نفس عقلية: تُق، إذًا، إلى حيث يضيء نور العقل”. عن أي نور يتحدث القديس أغسطينوس في هذا المقطع الشهير من كتابه “الدين الحق”؟

إذا ما شرحنا هذا المقطع من فكر أغسطينوس على ضوء نصوص لاحقة، يمكننا أن نجيب بهذا الشكل: النور هو حضور الله في النفس وإشعاعه فيها.

بالنسبة لأغسطينوس، الطريق الأفضل للوصول إلى الله هو الإنسان: “اجعل من الإنسان طريقك – يقول لنا القديس الفيلسوف – فتصل إلى الله”.

كل فكر أغسطينوس في هذا الموضوع ينطلق من آية سفر التكوين التي تتحدث عن الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله (راجع تك 1، 26 – 27). ويفكر أغسطينوس بهذا الشكل: إذا كان الإنسان مخلوقًا على صورة الله فمثاله، لا بد أن يكون فيه أثر، بصمة ولمسة (إذا جاز التعبير) من الثالوث الأقدس.

الذاكرة، العقل والإرادة

يتحدث أغسطينوس عن ثلاث ملكات موجودة في الإنسان وهي بحسب أسقف هيبونا تذكرنا بالثالوث الأقدس: الذاكرة، العقل والإرادة.

ويشرح أغسطينوس: كل إنسان يملك نوعًا من ذاكرة عن وجوده وحياته. لا يجب أن نعتبر الذاكرة بالمعنى العام. الذاكرة ليست حاسة نتذكر فيها الأحداث أو ننساها. بالمعنى الأغسطيني، الذاكرة هي أقرب إلى الإدراك الذاتي أو الوعي، هي حدسنا لـ ’أنا‘ نا. هذه الذاكرة هي بشكل مجازي صورة للآب. من هذا الوعي الذاتي يتولد الفكر أو العقل أو المعرفة. بهذا الشكل نرى أن العقل هو ابن الوعي الذاتي، وهو بشكل مجازي صورة للآب الذي يلد الابن (بالطبع الولادة هي تعبير مجازي، لسنا نتحدث هنا عن ولادة جسدية تتطلب ممرضات ومياه ساخنة وأوجاع مخاض!!!! اعتذر للنهفة، ولكنها تفي التفسير).

هذا وإن وعينا الذاتي وفكرنا يرتبطان أحدهما بالآخر بفعل إرادة. بكلمة أخرى نحن نحب ونريد ذاتنا (وإلا لقمنا بالانتحار) ونحب الفكر الذي يعبّر عن ذاتنا بشكل حقيقي. وكذلك بشكل مجازي، الروح القدس يولد من الآب والابن ويشكل رباط الحب بينهما.

هذا وإن هذه الحواس أو الملكات الثلاث هي متمايزة ولكنها واحدة في الإنسان الواحد، وكذلك بشكل مجازي يمكننا أن نقول أو نفهم بعض الشيء الثالوث الأقدس الإله الواحد.

ويعود أغسطينوس مرات عدة إلى موضوع صورة الله في الإنسان، لافتًا إلى أن “الروح البشري الذي يذكر نفسه، يفهم نفسه ويحب نفسه: إذا ما تمعنا في هذا الأمر، رأينا ثالوثًا، بالطبع، لسنا بعد بصدد ثالوث الله، ولكن بصدد صورة الله”.

ويقول في موضع آخر: “إليكم صورة عن الثالوث الأقدس: الروح، معرفة ذاته التي هي ’ابنه‘ والكلمة المولود منه، وفي المقام الثالث المحبة”.

خبرة الثالوث الأقدس في النفس. ولادة الابن الأزلية ليست جسدية بل روحية

كان لفكر أغسطينوس حول صورة الثالوث الأقدس في النفس البشرية أتباعٌ مهمين في تاريخ الفكر اللاهوتي. نلفت إلى شخصيتين بارزتين بينهم: غييوم دو سان تياري والقديس بونافنتورا.

كلا اللاهوتيين يبينان كيف أن الثالوث الأقدس يشع في النفس البشرية ويحثاننا على تأمل الثالوث الأقدس في النفس كما في مرآة.

يكتب القديس بونافنتورا: “أدخل إلى ذاتك، وتأمل في نفسك. فهي تحبّ ذاتها بشكل عميق؛ ولكنها لم تكن لتحب ذاتها لو لم تعرف ذاتها؛ ولم تكن لتعرف ذاتها لو لم يكن لديها ذكر لذاتها، لأننا لا نستطيع أن نفهم إلا ما هو محفوظ في ذاكرتنا؛ وعليه بعين العقل – وليس بعين الجسد – يمكنك أن تفهم أن للنفس قدرات ثلاث. أنظر في هذه القدرات فترى الله من خلال ذاتك كونك صورة الله: وبهذا الشكل تنظر إلى الله كما في مرآة”.

هذا ويقدم القديس يوستينوس، وهو من مدافعي المسيحية الأولين تشبيهًا يبين لنا أن ولادة الابن ليست ولادة جسدية، كما لو كان في الله مخاض وحبل، إلخ. فالفيلسوف المرتد إلى المسيحية بعد أن اختبر العديد من التيارات الفلسفية والدينية، يدحض تفاهة من يتهم المسيحيين بأنهم ينسبون لله خصائص وصفات تتعلق بالمرأة الحامل. يستعمل يوستينوس تشبيه العقل الذي يولد الفكر، ويقول أنه بشكل مماثل يمكننا أن نفكر بالآب الذي منذ الأزل يحمل اللوغوس (الكلمة، الفكر، الحكمة، إلخ) في ذاته. اللوغوس هو كلمة الله الموجودة في حضن الله، في فكر الله، وحرمان الله من حكمته هو جعل الله جاهلاً. فيسوع هو كلمة من الله، وكلمة الله ليست زمنية بل هي أبدية من أبديته. كلمة الله ليست كلمة مائتة أو زائلة، بل هي أبدية هي حية لدى الله وفي الله.

وهذا ما يقوله مطلع إنجيل يوحنا. في البدء كان اللوغوس، واللوغوس كان لدى الله واللوغوس كان الله. لقد تركت الكلمة اليونانية قصدًا لأنها تتضمن الكثير من المعاني التي تفوق مجرد تعبير “الكلمة”. اللوغوس هو في الوقت عينه: الروح، الحكمة، الفكر، العقل، المعنى، الكلمة، إلخ.

وعليه فالتثليث هو تعبير عن سمو الله، عن حكمته الأبدية. الله منذ الأزل وإلى الأبد متحد بحكمته الأزلية. وكما أن هناك تمايز واتحاد بين الإنسان وفكره في الوقت عينه، كذلك في كيان الله – كما كشفه لنا يسوع المسيح – هناك تمايز واتحاد بين الآب والابن.

بالعودة إلى تشبيه يوستينوس، يتوضح لنا أن “ولادة” الابن هي تعبير مجازي، وليست ولادة جسدية مع آلام المخاض وبحضور الدايات.

يوضح أغسطينوس هذا التبشبيه عندما يقول: “وكأن الآب قال نفسه عندما ولد الكلمة، المساوي له في كل شيء”. الآب يعطي ذاته للابن، يعطي ذاته في الابن ويقول ذاته في الابن.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
لم يبذل الابن ذاته بدون إرادة الآب
يعطي الابن ذاته حتى أنه هو نفسه بكونه البرّ
تقديم الابن ذاته هبة لنا
أخلى الابن ذاته
"انه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة في ذاته."


الساعة الآن 11:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024