رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يتحدث يسوع عن الله كآب. ونتساءل: هل يضحي الله أبًا في الزمن؟ أم هو هو، آب في أزليته؟ – بالطبع، إن الله ليس كأشجار الخريف التي تبدل أوراقها وتتحول مع الزمان. الله لا يُضحي آبًا في الزمن، ليس هناك تحوّل في الله. وعليه لا يضحي الله آبًا مع وجود الخليقة. فالخليقة موجودة من مليارات السنين، إلا أن الديانات السماوية جميعها – اليهودية، المسيحية والاسلام – تتفق على أنها ليست أزلية بأزلية الله. وعليه، لو كانت أبوة الله مرتبطة بالخليقة، لكانت واقعًا زمنيًا، وهذا لا يليق بالله تعالى! لذا لا يجوز أن نربط أبوة الله بالخليقة الزمنية. الله لا يُضحي آبًا. الله آب في حد ذاته، لا يتحول ولا يتغيّر. وهذا هو كنه الوحي بالثالوث الأقدس الذي نحوزه في يسوع المسيح: الله آب “منذ البدء”، لا بدء الخليقة كما قلنا، بل ذلك البدء قبل كل بدء الذي يتحدث عنه الإنجيلي يوحنا “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة كان الله” (يو 1، 1). في البدء – ونتحدث بلغة تصويرية لفهمنا البشري المحدود – كان الكلمة، الابن في حضن الآب السماوي (يو 1، 18). لا بل إن اللاهوتي البروتستانتي كارل بارت يوضح لنا أن إمكانية أن يكون الله أبًا للخليقة ينبع من جوهره كيانه الأبوي منذ الأزل، من كونه آب للابن الكلمة. يعلّم القديس توما الأكويني أن الشخص الإلهي (المسمى في اللاهوت “أقنوم”) هو “علاقة جوهرية”. هذه الفكرة تُدخل ثورة فلسفية في الفكر الأرسطوي. فبحسب أرسطو، “العلاقة” لم تكن واقعًا جوهريًا بل عرضيًا يرتبط بالكائنات التي تتبدل مبدلة علاقاتها المتبادلة. ليس الأمر كذلك مع الثالوث الأقدس. العلاقات بين الأقانيم الإلهية هي علاقات جوهرية. بكلمة أخرى، ليس هناك مجرد علاقات بين الأقانيم الإلهية، بل إن الأقانيم الإلهية هي بحد ذاتها علاقات (حب). فلنوضح الفكرة أكثر: الآب هو آب في علاقته التامة مع الابن وفي هبة الروح القدس. والابن هو ذاته في علاقته الجوهرية مع الآب ومع الروح القدس. بهذا المعنى يمكننا أن نقول أن الله “نسبي”: الله نسبة مطلقة، علاقة حب مطلقة وأزلية بين الآب، الابن والروح القدس. ألوهية الله وعظمته لا تكمن في تحجيمه وراء قضبان سجن الرقم 1 ظنًا منا أن هذا دفاع عن التوحيد. هذا توحيد صنمي منغلق ويابس. الرقم 1 ليس أكبر من الله، ولا يصف الله. الله أكبر من الأرقام وجداول الطرح والجمع والضرب والتقسيم. نقول الله “تعالى” لأنه يعلو قدرتنا على إدراكه وتحجيمه إلى أفكارنا. ألوهية الله هي ألوهية محبته اللامتناهية، والمحبة علاقة وانفتاح. محبة الله أزلية، إذا الله علاقة، اتحاد وانفتاح منذ الأزل. الله اللامتناهي ليس لامتناهيًا في المساحة، هو لامتناهٍ في قدرته على عطاء الذات، على العلاقة. يقول لنا اللاهوتي فالتر كاسبر كلمات قوية في هذا الشأن: “إن ألوهية الله تكمن في عظمة محبته. وعليه يستطيع الله أن يهب ذاته دون أن ينقص. بل هو يبقى ذاته من خلال عطاء الذات إلى الآخر. يُبين عن كيانه الإلهي من خلال التجرد عن الذات”. بالطبع هذه كلمات على حدود التعبير البشري، ولكنها تفي بالغرض لكي ترمي عرض الحائط أفكارنا الأنتروبومورفية (المطبوعة على صورة الإنسان) بشأن الله. عندما نتصور عظمة الله كعظمة سلطان متغطرس يملأ الأبدية بأناه المتورم المنطوي على تتيم نرسيسي بأنا منفرد مستوحش، يحتاج إلى الخليقة لكي يتخلص من صدى أبدية منفردة! |
|