رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شهرة سليمان الفائقة: 29 وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. 30 وَفَاقَتْ حِكْمَةُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةَ جَمِيعِ بَنِي الْمَشْرِقِ وَكُلَّ حِكْمَةِ مِصْرَ. 31 وَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنْ إِيثَانَ الأَزْرَاحِيِّ وَهَيْمَانَ وَكَلْكُولَ وَدَرْدَعَ بَنِي مَاحُولَ. وَكَانَ صِيتُهُ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ حَوَالَيْهِ. 32 وَتَكَلَّمَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ مَثَل، وَكَانَتْ نَشَائِدُهُ أَلْفًا وَخَمْسًا. 33 وَتَكَلَّمَ عَنِ الأَشْجَارِ، مِنَ الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ إِلَى الزُّوفَا النَّابِتِ فِي الْحَائِطِ. وَتَكَلَّمَ عَنِ الْبَهَائِمِ وَعَنِ الطَّيْرِ وَعَنِ الدَّبِيبِ وَعَنِ السَّمَكِ. 34 وَكَانُوا يَأْتُونَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ لِيَسْمَعُوا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، مِنْ جَمِيعِ مُلُوكِ الأَرْضِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِحِكْمَتِهِ. "وأعطى الله سليمان حكمة وفهمًا كثيرًا جدًا ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" [29]. سرّ مجد سليمان هو في الحكمة التي تقبُّلها عطيَّة من الله، أكثر من الغنى. اختبرها سليمان كعطيَّة إلهيَّة إذ يقول: "لأن الرب يُعطي حكمة؛ من فمه المعرفة والفهم" (أم 2: 6). وجاء في سفر أيوب: "من وضع في الطخاء حكمة أو من أظهر في الشُهب فطنة؟" (أي 38: 36). يرى البعض أن رحبة القلب هنا تُشير إلى اتِّساع معرفته وعلومه، كما تُشير إلى اتِّساع قلبه وكأنَّه لا يحمل ضيقًا، بل في كل شيء يسلك بشجاعة وجُرأة دون تخوُّف أو قلقٍ. ولعلَّ رحبة القلب تُشير إلى اتِّساعه ليقبل من يديّ الله كل شيء بفرحٍ وسرورٍ، فلا يضيق قلبه أمام أي حدث أو من جهة أي إنسان. يقول المرتِّل: "في طريق وصاياك أجري، لأنَّك تُرحب قلبي" (مز 119: 32). يشبه رحبة قلبه برمل شاطئ البحر. فإن الرمل حجمه يضم بحرًا متَّسعًا للغاية، هكذا يضم ذهن سليمان متَّسعًا فائقًا من المعرفة والحكمة. * نعم ليس فقط كمال الفن بل وأيضًا حكمة الله ساعدت في هذا البناء. القديس يوحنا الذهبي الفم "وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر" [30]. يُقْصَد بأبناء الشرق القبائل العربيَّة القاطنة في شرق كنعان المنتشرة حتى نهر الفرات (قض 6: 3؛ 7: 12؛ 8: 10؛ أي 1: 3؛ إش 11: 15)، وأيضًا الكلدانيُّون الذين كانوا يعتزُّون بمعرفتهم للفلك والتنجيم. كانت حكمة المصريِّين مضرب الأمثال(42) (إش 19: 11؛ 31: 2؛ أع 7: 22). فقد نبغوا في فروع كثيرة للمعرفة مثل العمارة والفلك والتنجيم والتحنيط والنحت بجانب شهرتهم بالأدوية النباتيَّة. "وكان أحكم من جميع الناس، من إيثان الأزراحي وهيمان وكلكول ودردع بني ماحول، وكان صيته في جميع الأمم حواليه" [31]. ربَّما كان هؤلاء الأشخاص معاصرين للملك سليمان، وقد اشتهروا بالحكمة. ربَّما كان الأربعة موسيقيِّين وواضعي أناشيد، وقد فاقهم سليمان في هذا المجال. إيثان الأرزاحي: إيثان اسم عبري معناه "ثابت" (1 أي 6: 44). يظهر من عنوان مزمور 89 أنَّه كاتب هذا المزمور. هيمان: اسم عبري معناه "أمين" (1 أي 15: 17-19). وهو ناظم المزمور 88. كلكول: اسم عبري معناه "قصير وسريع". دردع أو دارع:اسم عبري ربَّما كان معناه "شوك". ماحول: اسم عبري معناه "رقص"، وهو والد هؤلاء الثلاثة حكماء، من عشيرة زارح من سبط يهوذا. "وتكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفًا وخمسًا" [32]. من بين الأمثال لدينا ما ورد في سفر الأمثال، ومن بين الأناشيد لدينا مع سفر نشيد الأناشيد المزموران (72، 127). يرى القديس هيبوليتس الروماني أن سفر نشيد الأناشيد ليس أحد الكتب بين الخمسة آلاف أنشودة التي وضعها سليمان، بل هو أنشودة الأناشيد. لقد كتب سليمان في أمثاله وأناشيده عن النباتات والحيوانات والهواء والبحر وشفاء الأمراض. لكن الكنيسة بإعلان الروح القدس قبلت ما هو لشفاء النفس، ولم تضم ما يخص شفاء الجسد لئلاَّ ينشغل الشعب بشفاء أجسادهم ويهملون البحث عن شفائهم روحيًا من الرب. "وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط، وتكلَّم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك" [33]. تحدَّث عن كل النباتات من أرز لبنان المتشامخ إلى الزوفا وهو نبات ضعيف جدًا يتسلق على الجدران. كان الحكماء قديمًا يهتمُّون بالنباتات لمعرفة فوائدها الطبِّيَّة. يقسِّم اليهود مملكة الحيوانات إلى أربعة أصناف: الحيوانات، الطيور، الزواحف، والأسماك. جاء في كثير من الروايات أن سليمان كان يتحدَّث مع الحيوانات بلغتها. يَعتبر البعض سليمان الحكيم أول مؤرِّخ طبيعي أو عالم في الطبيعيَّات في العالم. لقد ضاعت أعماله الخاصة. أنَّها خسارة عظيمة. هكذا كان سليمان ملكًا، وقاضيًا عادلًا، وحكيمًا، شاعرًا، وموسيقارًا، وفيلسوفًا، وعالمًا في الطبيعيَّات، وكاتبًا. "وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته" [34]. اتَّسم سليمان بالحكمة والفهم الموهوبين له من قِبل الله، ونجح في عمله السياسي حيث استقرت إمبراطوريَّته واتَّسم عصره بالسلام مع الدول المجاورة له. كما كان أديبًا موهوبًا وموسيقارًا، فكتب أمثالًا ووضع أناشيد قام بعزفها، فنال شهرة عالميَّة فائقة. كانت مملكة سليمان كما استعرضها هذا الأصحاح تُشير إلى مملكة السيِّد المسيح: * من جهة اتِّساعها، من النهر إلى البحر (مز 72: 8-11)، تُشير إلى مملكة المسيح من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها، حيث قبل الأمم ميراثًا له ويسجد له الملوك (إش 49: 6-7، 53: 12). * اتَّسمت المملكة بالخير الكثير مع السلام والأمان. * من يلتصق بالملك يشبع ويرتوي ويمرح [20]. مملكة مفرحة، تُشبع نفوس المؤمنين. * مملكة مجيدة، يطوّبها كل من حولها. * ينبوع كل حكمة ومصدر كمالها. * جاء في الأصحاح العاشر أن ملكة سبأ إحدى القادمات للاستماع لسليمان وربَّما أعظم القادمين. إنَّنا نعجب أن عظماء وعامة من كل الأمم المحيطة يقدِّمون إلى شخص اتَّسم بالحكمة ليسمعوا له، الأمر الذي لا نجده حتى في الدول المتقدِّمة وبين الأشخاص المتعلِّمين، وإن وُجد فليس بهذه الصورة العجيبة. واضح أن القادمين إليه جاءوا لا حُبًا في الاستطلاع بل رغبة في التمتُّع بحكمته لبنيانهم. * يظهر سليمان هنا كرمزٍ للسيِّد المسيح الذي تختفي فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة، تختفي فيه لبنياننا، إذ يقول الرسول بولس: "صار لنا حكمة". |
|