فقالَ كَثيرٌ مِن تَلاميذِه لَمَّا سَمِعوه: هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟
" هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟" فتشير إلى قول يسوع " أَنا خُبزُ الحَياة" (يوحنا 6: 35) وقوله "من أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه " (يوحنا 6: 56). كان صدى هذا الكلام صدمة لكثير من التَّلاميذ بلحم يُؤكل ودم يُشرب، لأنَّهم توقّفوا عند المعنى المادي، وتناسوا إلى ما يشير إليه الخبز والخمر: هي حياة (الدَّم) يسوع التي تُعطى لنا، وجسده الذي يُقدّم من أجلنا. فالجسد رمز موته، والدَّم رمز قيامته المجيدة.
وحده الكلام العسير يمكن أن يلمس قلب الإنسان ويلهم مسيرة نحو الحقيقة والحرية. وعلى ضوء إعلان يسوع لسرِّ الإفخارستيا، وتقديم جسده ودمه حياة أبديَّة أعرض معظم تلاميذه عنه. ولكن المسيح لم يقدم تنازلات ولم يتراجع عن كلامه، بل لمَّح إلى سبب رفض كلامه بقوله: " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ: إنَّنا نتكلَّمُ بِما نَعلَم، ونَشهَدُ بِمَا رَأَينا ولكِنَّكُم لا تَقبَلونَ شَهادَتَنا" (يوحنا 3: 11).
ويُعلق القديس أوغسطينوس:
" ربما كُتب هذا لتعزيتنا. لأنَّه أحيانًا يحدث أن يعلن إنسان
الحق فلا يُفهم قوله، فيعارضه سامعوه ويتركوه.
يتأسف الإنسان أنَّه قال الحق، ويقول في نفسه:
"كان يليق بي ألا أتكلم هكذا، كان يلزمني ألا أقول هذا".
ويبدو في كل الأزمنة أن تعليم يسوع عسير ويصعب قبوله وتنفيذه،
وكثيرون اليوم ما زالوا مُشكِّكين إزاء مفارقة الإيمان المسيحي،
فهناك أشخاص رفضوه وآخرون عمدوا إلى مطابقة
الكلام مع أنماط الأزمنة وتجريده من معناه وقيمته.