رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مرقس أسقف أفسس لمع نجم هذا القديس، مرقس الأفسسي، في وقت من أصعب الأوقات التي مرّت بالامبراطوريّة البيزنطيّة. وضعها الاقتصادي كان شقيّاً والغزاة الأتراك على الأبواب. كان أمام الامبراطوريّة أحد خيارين: إما السقوط في أيدي الاتراك وإما الاستسلام للاّتين. هؤلاء عرضوا المساعدة المالية والعسكرية في مقابل إعلان الوحدة بين الكنيسة الارثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية. هذا عنى، في ذلك الزمان، خضوع الأرثوذكسية للبابويّة. وُلد مرقص في كنف عائلة تقيّة في القسطنطينية حوالي العام 1392م. درس على خيرة المعلّمين وكان لامعاً. أضحى، منذ سنّ مبكّرة، استاذاً في المدرسة البطريركية. ترك كل شيء وهو في السادسة والعشرين وترهّب في دير صغير قريب من نيقوميذية. انتقل الى دير بأسم القديس جاورجيوس في القسطنطينية بعدما اشتدّت وطأة الأتراك على تلك الناحية. وضع عدداً من المؤلّفات العقائديّة في خط القديس غريغوريوس بالاماس. كتب عن الصلاة. علمُه وفضله لفتا الامبراطور يوحنا الثامن باليولوغوس إليه. كان الامبراطور في صدد الإعداد لمجمع كبير بشأن الوحدة مع الكنيسة اللاتينية آملاً في الحصول على دعم البابا وأمراء أوروبا بالمقابل. جُعل مرقص أسقفاً على أفسس وضُمّ الى الوفد البيزنطي ممثّلاً بطاركة أورشليم وانطاكية والإسكندرية. كان في عداد الوفد البيزنطي الأمبراطور والبطريرك يوسف الثاني وخمس وعشرون أسقفاً. أبحر الوفد الى إيطا ليا بهمّة وحماس. كان يؤمَل أن تتحقق الوحدة المرتجاة بسرعة. وصل أعضاء الوفد إلى فرّاري. تبيّن، شيئاً فشيئاً، إنهم أدنى الى المساجين ولم يسمح لهم بمغادرة المدينة. افتتحت جلسات المجمع. جدول الأعمال تضمن البنود التالية: انبثاق الروح القدس، المطهر، الخبز الفطير والتكريس بكلمات التأسيس وحده و باستدعاء الروح القدس، وأوليّة البابا. عولجت، بدءاً، المسائل الأقل تعقيداً. طُرح موضوع المطهر. تكلّم مرقص عن الفريق الأرثوذكسي. قال: “لا شك أنّه يمكن لنفوس الموتى أن تنتفع وحتى للمدانين أن يتنيّحوا نسبياً بفضل صلوات الكنيسة ورأفة الله التي لا حد لها. أما فكرة العقاب قبل الدينونة الأخيرة والتطهير بالنار المحسوسة، فغريبة تماماً عن تراث الكنيسة”. انتقل البحث، بعد أسابيع، الى مسألة الفيليوكوي، أي انبثاق الروح القدس من الآب والإبن. مرقص كان واضحاً وحازماً. سبعة أشهر من المباحثات انقضت دون نتيجة. نقل البابا إفجانيوس الرابع المجمع الى فلورنسا. بيصاريون، أسقف نيقية، وإيسيدوروس أسقف كييف وسواهم كانوا مع الوحدة بأي ثمن. سعوا في الكواليس الى إقناع الفريق الأرثوذكسي بأن اللاتين ليسوا على خطأ فيما يختص بإنبثاق الروح القدس. زعموا أن العقيدة هي إيّاها، لكن اللاتين يعبّرون عنها بلغتهم وبطريقتهم الخاصة. اللاتين ضغطوا. كان الأرثوذكس في وضع صعب للغاية، لا سيما ومصير القسطنطينية والأمبراطورية البيزنطية في خطر والأتراك على الابواب. الاستعداد لدى الأكثرين كان الى التمييع والتساهل والتخفّي وراء كلامية تترك للجميع أن يفسّروا الأمور، كلاّ حسب هواه وعلى طريقته. المهم أن تتحقق الوحدة ولو كلاميّاً. هذا كان الجو المسيطر. كل الأرثوذكس بدوا مستعدّين للتنازل والرضوخ للأمر الواقع تحت ستار الوحدة إلاّ مرقص. ثبت على موقفه ولم يتزحزح. لسان حاله كان: “لا مسايرة في مسائل الإيمان!” قرّر أن ينسحب ويتالّم بصمت. أخيراً وقّع الجميع مرغمين اتفاق الوحدة المزعومة كما رغب فيه اللاتين. وحده مرقص امتنع. فلما علم البابا إفجانيوس بالأمر هتف: “أسقف أفسس لم يوقّع، إذاً لن نحقّق شيئاً!” دعا مرقص إليه وأراد الحكم عليه. تدخّل الأمبراطور وعاد الوفد إلى القسطنطينية بعد سبعة عشر شهراً من الغياب. في القسطنطينية، رفض الشعب المؤمن الوحدة المزعومة. الشعب، عند الأرثوذكس، هو حافظ الإيمان. اعتُبر مرقص بمثابة موسى جديد وعمود الكنيسة. خرج عن صمته. كان همّه أن يعيد اللحمة الى الكنيسة الأرثوذكسية. سعى إلى ذلك بالكتابة والوعظ والصلاة والدموع. البيزنطيون الوحدويون استمرّوا ولو نبذهم أكثر الشعب. قال مرقص: “انا مقتنع أني بقدر ما أبتعد عن الوحدويين بالقدر نفسه أدنو من الله وجميع قدّيسيه. وبقدر ما أقطع نفسي عنهم بقدر ذلك أتّحد بالحقيقة”. كان الصراع صعباً: أكثر السلطة الكنيسة في مواجهة أكثر الشعب المؤمن. لجأ مرقص الى جبل آثوس. قُبض عليه في الطريق وأودِع الإقامة الجبرية في جزيرة ليمنوس بأمر الأمبراطور. أُطلق سراحه سنة 1442م. عاد الى ديره ليواصل المعركة الى آخر نَفَس. رقد في الرب في 23 حزيران 1444م. سلّم مشعل الأرثوذكسية، قبل موته، لتلميذه جاورجيوس سكولاريوس الذي اضحى أول بطريرك على المدينة بعد سقوطها في يد الاتراك بإسم جنّاديوس. بقي فريق الوحدويين يأمل في وصول المعونات من الغرب وأعلن الوحدة من القسطنطينية رسميّاً في كانون الأول 1452م. لكن التوقعات خابت فسقطت القسطنطينية بيد الأتراك في 29 أيار 1453م وسقطت معها وحدة الزيف والقهر. (عن سير القديسين – السنكسار، وسائر الاعياد في الكنيسة الأرثوذكسية، الارشمندريت الراهب توما بيطار) تُعيد له الكنيسة في 19 كانون الثاني طروبارية باللحن الثالث إن الكنيسة وجدتك، في اعترافك بالإيمان الإلهي، غيوراً إليهاً يا مرقس الكلي المديح، مناضلاً عن المعتقد الأبوي، وداحضاً ادلهمام الظلام، فلذلك ابتهل إلى المسيح الإله، أن يمنح لنا الغفران نحن المعيّدين لك. قنداق باللحن الثالث أيها المتأله العزم، لما تقلّدت بالسلاح الكامل الذي لا يُحارب، ذللت تشامخ الاضطهاد الغربي، إذ قد حصلت آلة للمعزّي، وظهرت مناضلاً عن استقامة الرأي، فلذلك نهتف نحوك قائلين: السلام عليك يامرقس فخر المستقيمي الرأي. |
|