الضعيف القوي
ليس من تناقض او تلاعب بالالفاظ كما انه ليس مجرد عنوان وُضع ليسترعي الانظار ويشد الانتباه . إن العنوان يقدم طريقة خالصة بالاسلوب المباشر كما يشهد لها الرسول بولس بكل الوضوح والبساطة : " لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ ." ( 2 كورنثوس 12 : 10 ) . وكلمة حينئذ تعني ان الضعف والقوة قد تواجدا في آنٍ واحدٍ ، ولعلك لاحظت أن ذات المعنى يطالعنا في قوله المعروف " وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا." ( رومية 8 : 37 ) . وعبارة في هذه جميعها تعني ان بولس وصحبه كانا في قمة الانتصار في نفس الوقت الذي فيه احاطتهم عوامل الضعف من شك وضيق واضطهاد وجوع وعري حتى حُسبوا في عداد الأموات .
لماذا تعتبره سرا ً أو لغزا ً غامضا ً ، اليس هذا ما يحدث في كل مرة تحل فيها قوة الله على انسان ما فتلتقي تلك القوة المطلقة بضعف الانسان محدود الامكانية وعندها يستطيع ان يقول الضعيف بطل أنا بالرب ( يوئيل 3 : 10 ) .
مع ان قوة الله دائمة لا يعتريها تغيير الا انها تظهر بكمالها في ضعف الانسان كما اعلن الرب لبولس " فَقَالَ لِي : «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي ، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ " ( 2 كورنثوس 12 : 9 ) . ومن هنا كان ترحيب الرسول بولس بالضعفات ترحيبا ً عظيما ً " فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح لذلك اسر بالضعفات ….والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي " ( 2 كورنثوس 9 ، 10 ) . و يعلمنا الرسول يعقوب :" يقاوم الله المستكبرين ، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة فاخضعوا لله " ( يعقوب 4 : 6 ، 7) . وذات المعنى تردده العذراء المطوبة في نشيدها المعروف بعد ان تلقت البشارة التاريخية : " أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ .أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. " (لوقا 1 : 52 ، 53 ) .
في ضوء هذا نستطيع ان نفهم قول الرب يسوع " طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ " ( متى 5 : 3 ) . طوباهم لانهم اذ يستنفذون قواهم وتنقطع جميع الموارد التي يمكن ان يستعينوا بها ويتكلوا عليها فانهم يلجأون غالبا ً الى الله متكلين عليه فيمنحهم من فيض قوته . ولهم يوجه الوحي مزيدا ً من التطويبات " طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ. " ( مزمور 34 : 8 ) . " وَمَنْ يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ فَطُوبَى لَهُ. " ( امثال 16 : 20 ) . " طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ. " ( اشعياء 30 : 18 ) . عندما يُظهر الله قوته في ضعف الانسان فان المجد يعود اليه وحده الأمرالذي يحرص عليه لأنه " إِلهٌ غَيُورٌ " ( تثنية 6 : 15 ) . ومجده لا يعطيه لآخر ( اشعياء 42 : 8 ) . ونبوخذ نصر ارتفع قلبه وقست روحه تجبرا وكان متجاهلا ً الله فتحول الى ما يشبه الحيوان وأكل العشب كالثيران ( دانيال 5 : 21 ) . وهيرودس الملك لم يعطي المجد فصار يأكله الدود ومات ( اعمال الرسل 12 : 23 ) .أما انت فتستطيع ان تمجد الله في ضعفك اذا ما اتيت اليه مقرا ً بعجزك مؤمنا ً متكلا ً عليه مسلّما ً له ليظهر فيك بجلال قوته .
على أي حال فليس لك أن تنزعج أو ترتاع أو تيأس عندما تخور نفسك وحين تحيط بك عوامل الضعف من كل جانب لانك حينئذٍ تستطيع أن تكون بطلا ً بالرب إعتمادا ً على قوته التي تبعث فيك الأمل وتحفزك للعمل وبعدها يمكنك ان تقدم شهادة اختبارية مع بولس " لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ " ( 2 ك
ورنثوس 12 : 10 ) .