رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رؤيا إشعياء في الهيكل: 1 فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. 2 السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. 3 وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». 4 فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ، وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا. "في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" [1]. تمتع النبي بهذه الرؤيا في سنة وفاة عزيا الملك، ربما بعدما أعلن نبواته السابقة والتي حملت تهديدًا للشعب، فقابلها الشعب بنفور واستخفاف، لهذا كشف له هذه الرؤيا ليعلنها للشعب مؤكدًا أنه يحمل رسالة إلهية، يقدم كلمة الله. ولعل هذه الرؤيا قد تحققت قبل النبوات وإنما أعلنها النبي بعد ذلك ليؤكد للشعب أن ما ينطق به ليس من عندياته، وذلك كما فعل القديس بولس حين أراد تأكيد رسوليته بالحديث عن الرؤيا التي شاهدها في بداية خدمته (2 كو 12). ظهرت الرؤيا في سنة وفاة عزيا الملك الذي ملك على يهوذا وهو ابن 16 سنة لمدة 52 عامًا وعمل المستقيم في عيني الرب، وقد نجح في كل أعماله: في الحروب وبناء مدن تعميرها إلخ... لكنه إذ ارتفع اسمه جدًا سقط في الكبرياء وأراد أن يوقد للرب على مذبح البخور فضربه الرب بالبرص وهو في الهيكل، وطرده الكهنة، وكان أبرصًا إلى يوم وفاته، معزولًا في بيت بعيد عن قصر الملك. لعل إشعياء كان يتابع بفرح نجاح عزيا مع استقامة قلبه ونموه في الروح لكنه أغتم جدًا لسقوطه في أيامه الأخيرة، وموته هكذا معزولًا عن شعب الله، مطرودًا من هيكله المقدس، ممثلًا بطلان المجد الزمني. تطلع النبي إلى الشعب في سنة موت عزيا ليراه منطرحًا كغنم بلا راعي، خاصة وأن الملك كان قد اعتزل الشعب زمانًا قبل موته بسبب برصه. أدرك إشعياء أن الشعب في حاجة إلى رعاية سماوية، لأن ذراع البشر يعجز عن إشباع احتياجات الشعب، وكما يقول المرتل: "لا تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص، تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم" (مز 146: 3). وسط هذه المرارة أعلن الرب هذه الرؤيا لإشعياء من أجل تعزيته: تحققت الرؤيا في الهيكل غالبًا في وقت انفرد فيه النبي للعبادة الخاصة، يصرخ إلى الله ليتسلم رعاية شعبه. ظهر له السيد جالسًا على كرسي عالٍ، ومرتفع ليؤكد له أنه هو راعي شعبه السماوي، أفكاره تعلو عن أفكار البشر، وطرقه عن طرقهم. يجلس في الأعالي لكي يحمل كنيسته معه تشاركه أمجاده العلوية. رأى أذياله تملأ الهيكل، إذ حال في كنيسته ينتظر كل نفس تقبل إليه لتتمتع بالإتحاد معه. لقد رأى السيد المسيح في مجده (يو 12: 41) يملأ السماء والأرض بلاهوته ورعايته. يرى القديس يوحنا الذهبي الفمإن إشعياء وغيره من الأنبياء لم يروا جوهر اللاهوت كما هو إنما يظهر الله لهم خلال تنازله قدر ما يحتملون الرؤيا وذلك من أجل محبته لخليقته؛ حتى بالنسبة للسمائيين وحاملي عرشه فان كل منهم يراه قدر احتماله أما الجوهر في ذاته أي في كماله المطلق فلا يمكن إدراكه. * يصيح السيرافيم قائلين: قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت... إن القوات العلوية يأخذ منها الرعب كل مأخذ بغير انقطاع، فهي تدير وجهها وتبسط أجنحتها كحائط، يقيها من الإشعاع غير المحتمل الصادر من قبل الله، ومع ذلك فما تراه إنما هو صورة مصغرة للحقيقة... بينما لا يقوى السيرافيم حتى على مشاهدة الله الذي لا يتجلى لهم إلاَّ كتنازل منه حسب ضعفهم، نرى أناسًا تجاسرون متصورين في عقلهم الطبيعة عينها التي يعجز السيرافيم عن إدراكها. إنهم يزعمون أنهم قادرون على التطلع إليها بوضوح وبغير حدود! ارتعدي أيتها السموات واندهشي أيتها الأرض. * حقًا إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مُدرَك، ولا يمكن الدنو منه. لهذا فهو يتنازل ليظهر بالطريقة التي وردت في الرؤيا. الله الذي لا يحده مكان ولا يجلس على عرش... من قبيل محبته لنا يظهر جالسًا على عرش وتحيط به القوات السمائية. * هذه (رؤى الأنبياء) إعلانات، كلها أمثلة عن تنازله، وليست رؤى لجوهره بالكشف عنه. لأنهم لو نظروا جوهره ذاته لما رأوه تحت أشكال مختلفة، إذ هو بسيط، بغير شكل ولا أعضاء ولا أساليب محددة، طبيعته لا تجلس ولا تقف ولا تمشي... القديس يوحنا الذهبي الفم لعل ما يُعزى نفس الخادم هو أن يرتفع قلبه ليرى الخدمة الملائكية، فيتحقق أن كل متاعب الكنيسة وضعفاتها تنتهي يومًا ما لتشترك مع السمائيين في التسبيح أبديًا. وأن الكنيسة هنا -كأيقونة السماء- تتمتع بعربون الخدمة السمائية. ففي إحدى العظات القبطية تُعّرف الكنيسة أنها: [موضع تعزية، هي اجتماع الملائكة وموضع الشاروبيم والسيرافيم]. قيل إن القديس باخوميوس المصري كان يرى الكنيسة مملوءة بالملائكة. السيرافيم هم خدام العرش الإلهي، يحملون الرب بفرح وتهليل، يسبحونه بلا انقطاع. وكأن عمل كل خادم أو نبي في الكنيسة هو جذب كل نفس إلى الرب كعرش له يسكنه، ويقيم ملكوته داخله، فيصير أشبه بالساروف الناري السماوي. لكل ساروف 6 أجنحة، باثنين يُغطي وجهه علامة اتسامه بالمخافة الإلهية، لا يقدر أن يدرك كل البهاء الإلهي، وباثنين يُغطي رجليه علامة الحياء -إن صَحَّ هذا التعبير- وباثنين يطير مُحلقًا في السمويات. هكذا يليق بنا أن نتشبه بالساروف ننعم بالمخافة الإلهية في احتشام مع نمو دائم وارتفاع مستمر نحو السمويات. أما بالنسبة للتسبحة الساروفيمية "الثلاث تقديسات" فقد وردت في كتابات العلامة أوريجانوس؛ وربما يرجع تاريخ استخدامها بالإسكندرية إلى تاريخ سابق. جاء في التقليد الكنسي إن يوسف الرامي ونيقوديموس اللذين اهتما بجسد الرب بعد إنزاله من على الصليب سمعًا هذه التسبحة وهما يضعان الحنوط على جسد الرب قبل دفنه. يقول الساروفيم: "مجده ملء كل الأرض" [3]، لا يملأ السموات فحسب وإنما الأرض كلها. أنه حال على الأرض ليُقيم من الأرض سماء. وكما يقول القديس إكليمندس السكندريإن الأرض تصير سماءً بالنسبة للمؤمن الحقيقي. إن كان جسدنا في أصله ترابًا، فقد قبل كلمة الله طبيعتنا البشرية ليُقدسها، فصار جسدنا ممجدًا فيه، لا نعود نستخف به لأنه يشارك النفس تعبدها لله وجهادها وإكليلها. يلاحظ في هذه التسبحة الآتي: أ. أن كلمة "السيد" جاءت بالجمع Adonai وليس المفرد Adon. ربما لهذا السبب مع تكرار كلمة "قدوس" ثلاث مرات رأى القديس غريغوريوس أسقف نيصصتُعلن عن مجد الثالوث، بينما ينسبها الرسول بولس للروح القدس (أع 28: 25-26)، والقديس يوحنا للابن (يو 12: 41) بينما التقليد اليهودي قديمًا ينسبها للآب. * بواسطة (السيرافيم) أُعلن سرّ الثالوث بوضوح، عندما نطقوا بتلك الصيحة العجيبة "قدوس" بكونها تحمل جمالًا مع مهابة لكل أقنوم من الثالوث. القديس غريغوريوس النيصي ب. دُعي الله "رب الجنود"، وهو لقب الله في معركته ضد الشر أو ضد قوات الظلمة، له معنى تعليمي، لم يظهر في أسفار موسى ويشوع والقضاة وأيوب والأمثال والجامعة، إنما ظهر بصورة نادرة في صموئيل وملوك وأخبار الأيام والمزامير؛ استخدم بكثرة في أسفار الأنبياء، ففي إرميا استخدم حوالي 80 مرة وحجي 14 مرة، وزكريا 50 مرة، وملاخي أكثر من 24 مرة. أول من استخدمه حنة أم صموئيل في تسبحة النصرة التي نطقت بها إذ شعرت بأن الله هو سرّ نصرتها في معركتها الداخلية. ج. تُستخدم هذه التسبحة في القداس الإلهي علامة شركة المؤمنين مع السمائيين في العبادة على مستوى سماوي، بروح الوحدة والانسجام معًا: * ليتنا نجتمع معًا بضمائرنا في اتفاق ونصرخ إليه بغيرة كما بفم واحد، فنشترك في مواعيده العظمية المجيدة. القديس اكليمندس الروماني القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس |
|