رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وصف لحال الشعب: 4 وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. 5 عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. 6 مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. 7 بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ. 8 فَبَقِيَتِ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ كَمِظَلَّةٍ فِي كَرْمٍ، كَخَيْمَةٍ فِي مَقْثَأَةٍ، كَمَدِينَةٍ مُحَاصَرَةٍ. 9 لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا بَقِيَّةً صَغِيرَةً، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ. بعد أن استدعى الطبيعة الجامدة والحيوانات غير العاقلة لتشهد محاكمة الله مع الإنسان، كشف عن الحال الذي بلغ إليه الشعب، كأنه عريضة اتهام، جاء فيها: أولًا: وصفهم بسبع سِمات في [4]، وكأنه يقول مع عاموس النبي "من أجل ذنوب يهوذا الثلاثة والأربعة... من أجل ذنوب إسرائيل الثلاثة والأربعة" (عا 2: 4، 6). الثلاثة تُشير إلى خطايا النفس الداخلية التي على صورة الثالوث، والأربعة تُشير إلى خطايا الجسد الظاهرة الذي أُخذ من الأرض (أربع جهات المسكونة). وكأن الشعب قد تدنس في الداخل والخارج، بخطايا خفية وظاهرة، في الجسد والروح. السِّمات الأربع الأولى هنا تُشير إلى الخطايا الجسدية الظاهرة: "ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين"؛ والسِّمات الثلاثة الأخيرة تمثل الخطايا الداخلية: "تركوا الرب، أستهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى الوراء". على أي الأحوال فإن رقم 7 يُشير إلى "التمام" Completeness، وكأن خطاياهم قد بلغت إلى تمام الحدّ. يلاحظ أن إشعياء مغرم بالرقم 7 فكثيرًا ما يُقدم 7 سمات في وضعه للأمور المختلفة. جاءت عريضة الاتهام تعلن هذه الخطايا، ملخصها: أ. خطايا جماعية: "ويل للأمة الخاطئة" [4]. إن كانت خطية عَخَانُ بْنُ كَرْمِي سببت هلاكًا للشعب (يش 7: 11) فكم بالحري إن انحرفت الأمة كلها إلى الشر؟! لقد دبَّ الفساد في الكهنة كما في الشعب، في الأشراف كما في العامة، فصارت الحاجة إلى رجوع جماعي إلى الله مثلما فعل أهل نينوى. لقد دُعِيَ هذا الشعب "الأمة المقدسة"، لكنه عزل نفسه عن القدوس فحمل سمة، "الأمة الخاطئة" مستخدمًا الكلمة العبرية goi، وهو تعبير خاص بالأمم لعدم التصاقها بالله. وكأن هذا الأمة انحرفت عن غايتها لتدخل في زمرة الأمم الغريبة عن الله. ب. ثقل إثمهم: "الشعب الثقيل الإثم" [4]. إذ يتنبأ إشعياء النبي عن المخلص والخلاص كان لا بُد أن يبرز ثقل الخطية التي تنحني تحت ثقلها النفوس... الله وحده يعرف ثقل هذا الإثم، فقد جاء كلمة الله المتجسد حمل الله الذي يحمل خطية العالم (يو 1: 29، 36). تحت ثقل الخطية تنحني النفس حتى تغوص كما في مياه العالم فتحمل طبيعة العالم لا السماء، لذا قيل عن فرعون وجنوده: "غاصوا كالرصاص في مياه غامرة" (خر 15: 10)، وقيل عن الشر: "طُرح ثقل الرصاص على فمها" (زك 5: 8). يرى القديس غريغوريوس النيصي أن الإنسان الذي يسلك في الحياة الفاضلة يكون خفيف الوزن روحيًا، أما الإنسان الشرير فيكون ثقيلًا يغطس في المياه. الفضيلة خفيفة تجعل الإنسان كالسحابة مرتفعًا إلى فوق وكالحمامة التي تطير بأجنحتها الصغيرة (إش 9: 8). وقد تحدث العلامة أوريجانوسفي ذلك بإسهاب، مظهرًا كيف كاد بطرس أن يغرق بسبب الخطية (الشك) وإذ وهبه الرب إيمانًا سار على المياه. ج. متأصلين في الشر: "نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين" [4]. دبَّت الخطية في حياة أسلافهم، فجاءت الأجيال متأصلة في الشر عن آبائهم وأجدادهم. وكما قال الرب للكتبة والفريسيين: "فاملأوا أنتم مكيال آبائكم، أيها الحيات أولاد الأفاعي" (مت 23: 32-33). د. تركهم للرب مصدر القداسة: "تركوا الرب؛ استهانوا بقدوس إسرائيل؛ ارتدوا إلى الوراء" [4]. ليس شيء أشر من أن يترك الإنسان إلهه، مصدر حياته وسرّ قداسته. يقول الرب على لسان إرميا: "لأن شعبي عمل شرين؛ تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارًا آبارًا مشققة لا تضبط ماءَ" (إر 2: 13). إن كان إشعياء قد رأى الله القدوس (إش 6)، فهو "قدوس إسرائيل" مصدر تقديس مؤمنيه، يهبنا سماته عاملة فينا! لقد كرر النبي هذا التعبير 20 مرة. ه. مرض مستعصي: "علامَ تُضربون بعد؟! تزدادون زيغانًا، كل الرأس مريض وكل القلب سقيم؛ من أسفل القدم إلى الرأس، ليس فيه صحة بل جرح وإحباط، وضربة طرية لم تعصر ولم تلين بالزيت" [5-6]. بقوله: "علامَ تُضربون بعد؟!" يعلن الله أن هذا الشعب قد رفض النبوة لله لذا لم يعد مستحقًا أن يكون موضع اهتمام الله وتأديبه. فقد سبق فأدبهم كأبناء له لكنهم ازدادوا زيغانًا، لذا يود أن يوقف التأديبات الأبوية تاركًا إياهم لنوال ثمر فسادهم الطبيعي، إذ يقول: "لم يسمع شعبي لصوتي، وإسرائيل لم يرضَ بي، فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم، ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم" (مز 18: 11-12). وجاء في إرميا: "لماذا تخاصمونني...؟! لباطل ضربت بنيكم؛ لم يقبلوا تأديبًا" (إر 2: 30)، "ضربتهم فلم يتوجعوا. أفنيتهم وأبوا قبول التأديب" (إر 5: 3). الآن يتركهم الله لفسادهم الذي اختاروه بإرادتهم فيدبُّ المرض في جسمهم من الرأس إلى القلب إلى القدم. يدبّ في الفكر فيصيروا عاجزين عن التدبير، وأيضًا في القلب فتتنجس عواطفهم وأحاسيسهم الداخلية، حتى القدمين من أسفل فيصيروا عاجزين عن التحرك نحو الله في طريق ملكوته الملوكي. دبّ الفساد بالرؤساء والعظماء (الرأس) كما بالخدام والكهنة (القلب)، وبعامة الشعب (الجسد) حتى بالمحتقرين منهم (أسفل القدم). صارت الجراحات قاتلة ونزف الدم غير متوقف... ليس من يتحرك لينقذ ويخلص، ولا من يُقدم زيت محبة ليلين الضربة القاسية! أصاب الفساد الطبيعة البشرية ذاتها وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [عظيم هو جرح طبيعة الإنسان، من القدم إلى الرأس لا توجد فيه صحة]. و. خراب مطبق: "بلادكم خربة؛ مدنكم محرقة بالنار، أرضكم تأكلها غرباء قدامكم وهي خربة كانقلاب الغرباء، فبقيت ابنة صهيون كمظلة في كرم، كخيمة في مقثأةٍ، كمدينة محاصرة" [7-8]. يتحدث النبي هنا عما سيحل بيهوذا بعد غزو سنحاريب الآشوري، حاسبًا ما سيحل بهم في المستقبل كأنه حاضر، لأنه أمر حادث لا محالة. يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [عاش إشعياء منذ قرابة 1000 عام، وقد رأى صهيون كسقفية (للمواشي)؛ كانت المدينة في ذلك الوقت قائمة وجميلة بمنافعها العامة وملتحفة بالعظمة... لكنه يقول: "فبقيت ابنة صهيون كمظلة (سقفية للمواشي) في كرم، كخيمة في مقثأةٍ". الآن نجد الموضع مملوء بزراعة مقثأة. أنظر كيف ينير الروح القدس القديسين]. الأرض التي تفيض عسلًا ولبنًا، أرض الموعد التي وهبها الله لشعبه، والتي من أجلها احتمل الشعب السير في البرية أربعين سنة صارت خربة. استولى سنحاريب على 46 مدينة حصينة فصارت أورشليم مهددة بخطر مباشر "كمدينة محاصرة " و"كخيمة" أو "مظلة" من السهل احتلالها... لقد شاهد أهلها ما فعله الغرباء (الأشوريون) بمدنهم، حيث أشعلوا النار فيها، فكانت تأكل محاصيلهم أمام أعينهم وهم عاجزون عن الحركة. صارت مدنهم خربة كانقلاب الغرباء، أي كما سبق انقلبت سدوم وعمورة، أو كما لو فاض عليها طوفان ماء شديد حطمها. هذا الخراب الذي حلّ هو علامة على ما ارتكبه يهوذا من آثام، وحتمية طبيعية لتركهم الله مقدسهم وارتدادهم عنه، وعدم طاعتهم لصوته، فقد قيل: "ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه... تأتي عليك جميع هذه اللعنات وتدركك؛ ملعونًا تكون في المدينة، وملعونًا تكون في الحقل" (تث 28: 15-16). هكذا كل نفس لا تلتصق بالله مقدسها يحل الخراب بكل مدنها: بالجسد والنفس والفكر والقلب مع كل الأحاسيس والمشاعر إلخ... تُنتزع عنها كل حصانة وتصير كمظلة أو خيمة في العراء، فريسة سهلة في أيدي الخطية. * هؤلاء هم الذين يدنسون أنفسهم ويحولونها عن كونها بيت الآب السماوي، أورشليم المقدسة، بيت الصلاة، إلى مغارة لصوص... يأخذون منها ما هو ثمين، ويسلبونها أفضل ما لديها لتصير كلا شيء. العلامة أوريجانوس يقول العلامة أوريجانوس:[أظن أن الزوج (الله) قد كتب كتاب طلاق لعروسه القديمة، وأعطاها إياه في يدها، وطردها من بيته]. وسط هذا الخراب المطبق يجد الله بقية قليلة أمينة تشهد له، بسببها لم يحطم شعبه الذي فسد، إذ قيل: "لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة" [9]. وقد اقتبس الرسول بولس هذه العبارة في (رو 9: 29). وكأن ما حدث في أيام إشعياء يتكرر في كل الأجيال حتى في العصر الرسولي حيث قبلت قلة أمينة من اليهود الإيمان بالسيد المسيح. لا يهتم الله بكثرة العدد وإنما بالبقية القليلة التي تتقدس له وسط الفساد الذي يحل بالكثيرين. هذه البقية هي "القطيع الصغير" الذي يسر الآب أن يعطيهم الملكوت (لو 12: 1)؛ هذه البقية أبقاها رب الجنود لنفسه بكونها عمله، يهبها روحه القدوس لتقديسها له فتكون خميرة مقدسة تخمر العجين كله. * انظر أن تنتمي إلى القلة المختارة، ولا تسلك ببرود متمثلًا بتراخي الكثيرين؛ عش كالقلة حتى تتأهل معهم للتمتع بالله لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون (مت 20: 16). القديس يوحنا كاسيان |
|