رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يوسف الدمشقي القديس الشهيد في الكهنة الخوري يوسف والروم الكاثوليك مشكلة التعاطي مع الروم الملكيين الكاثوليك – وهم الذين كانوا بالأمس (36) من ضمن الكنيسة الأرثوذكسية – كانت إحدى أصعب وآلم المشكلات التي واجهت أبناء الإيمان القويم في أيام الخوري يوسف. وقد انصبّ السعي، آنذاك، من قريب أو بعيد، على استعادة المنشقين. البعض نهج، في سبيل ذلك، نهج الإكراه والضغط السياسي والإداري، والبعض الآخر اعتمد التفاهم والإقناع. الخوري يوسف مهنا الحدّاد كان من الفريق الثاني (37a). كان يكره العنف ولا يوافق على الاتصال بالدولة العثمانية لضرب الروم الكاثوليك (38) والتضييق عليهم. هذا لا يليق ولا يجدي. يكرس الفرقة ولا يعيد اللحمة. لا نعرف مقدار نجاح الخوري يوسف في سعيه، في هذا الاتجاه. لكن ما جرى في السنة 1857 وما تبعه دلّ على أن رؤيته للأمور كانت أدقّ من رؤية غيره وأوفق وأجدى. ففي تلك السنة، حاول بطريرك الروم الكاثوليك، اقليموس أو اكليمنضوس، فرض التقويم الغربي على كنيسته فامتنع الكثيرون وشعروا بالغربة وبدأ بعضهم يشقّ طريق العودة إلى الكنيسة الأرثوذكسية الأم (39). وقد اجتمع من هؤلاء فريق بزعامة شبلي أيّوب الدمشقي ورفاقه أمثال جرجس العنحوري ويوحنا فريج وموسى البحري وسركيس دبّانة وبطرس الجاهل. هؤلاء اتصلوا بالخوري يوسف فاحتضنهم وشدّدهم واجتهد في تنوير أتباعهم، ثلاث سنوات متتالية. كما قدّم لكتاب وضعه شبلي وضمّنه احتجاجات هذا الفريق. اسم الكتاب كان “تنزيه الشريعة المسيحية عن الآراء الفلكية”، طبع بمطبعة القبر المقدّس سنة 1858 . وقد أخذ حجم هذا الفريق في الازدياد حتى قيل إنه لولا استشهاد الخوري يوسف، في مذبحة 1860، لنجح في استرداد البقية الباقية من الروم الكاثوليك، في دمشق، إلى الإيمان القويم (37b). الخوري يوسف ودعاة البروتستانتية وكانت للخوري يوسف أكثر من مواجهة مع دعاة البروتستانتية، أبرزها في حاصبيا وراشيا، ثم في دمشق بالذات. ففي حاصبيا لقي المرسلون البروتستانت الأميركيون (40) نجاحاً من خلال مدرستهم التي أقاموها هناك. وقد انضم إليهم مئة وخمسون شخصاً. إثر ذلك حصل خلاف حاد بين هؤلاء، ومعظمهم من الروم الأرثوذكس، وبقية الروم في حاصبيا وراشيا وتوابعهما. فأوفد البطريرك مثوديوس (41) الخوري يوسف إلى هناك، حيث أقام بضعة أشهر، وتمكّن من رد بعض القطيع الشارد إلى الحظيرة، كما أفحم المرسلين الأميركيين في أكثر من مناسبة، ونجح في إيقافهم عند حدّهم (37c). أما في دمشق فقد سعى الخوري يوسف بالرعاية والوعظ والإرشاد إلى توعية شعبه وتنبيهه وتحصينه ضد البدع والهرطقات الرائجة آنذاك. ومما يروى عنه بشأن التعامل مع المرسلين الأجانب، أن مرسلاً انكليزياً، اسمه جريم، لعلّه كبيرهم، كان يلتقي الخوري يوسف ويباحثه في مسائل الكتاب المقدّس (42). وفطن يوسف إلى أن جريم هذا بدأ يطرح عليه أسئلة ثم يحرّف أجوبته عليها، فطلب أن تكون أسئلة المرسلين خطية. وبعدما بعثوا إليه بعدة أسئلة لم يجبهم، فظنوا أنهم أفحموه. فجاؤوا إليه في الأسبوع الأول من الصوم الكبير، مرّة، فأجابهم على كل أسئلتهم، واحدة فواحدة، بتدقيق وإقناع حتى عادوا متعجبين من دقة بحثه وكثرة علمه وزادت منزلته في عيونهم. ويقال إنهم أقلعوا، مذ ذاك، عن حملاتهم، وصاروا من أصدقائه، يسرّون بزيارته ويسألونه لا كمحاججين بل كمستفسرين (37d). رجل النهضة الأول لا شك أن الخوري يوسف مهنا الحدّاد كان رجل النهضة الأول في الكنيسة الأنطاكية، في القرن التاسع عشر. فأنطاكية، يومذاك، كانت في حال شقية. انشقاق الروم الملكيين الكاثوليك أدّى إلى مضاعفات خطيرة على كافة الصعد، لا سيما الرعائي منها. المرسلون البروتستانت نشطوا في كل اتجاه، فيما سادت الكنيسة حالة من الوهن والضياع مقرونة بالفقر والجهل. الرعية كانت في واد والرعاة في واد آخر. البطاركة منذ السنة 1724 كانوا غرباء عن البلاد ومعاناة شعبها. وقعت أنطاكية تحت الوصاية أكثر من ذي قبل بحجة إمكان سقوطها في الكثلكة. الكرسي القسطنطيني والكرسي الأورشليمي تقاسما، باسم الأرثوذكسية، تحديد مسارها وتعيين أحبارها. لا كهنة قادرين ولا رعاية تذكر. هكذا ارتسمت صورة أنطاكية: سفينة تكدّها الأمواج وتهدّدها بالتفكّك والغرق… وسط هذه الأخطار والتحديات نبت الخوري يوسف فرعاً جديداً غيوراً على ما لله وكنيسة المسيح في هذه الديار… فانطلقت النهضة… سيرة الخوري يوسف، غيرته، تقواه، فقره، شغفه بالمعرفة، ومن ثم عمله الرعائي الدؤوب، وعظه وإرشاده، ترجماته ومقالاته، مدرسته وسهره، كل هذا وغيره خلق مناخاً نهوضياً حرّك النفوس من حوله، بعث الروح من جديد وشحذ الهمم. جيل جديد بدأ يتبرعم، فكر جديد، توجّه جديد. أخذت العظام اليابسة تتقارب، كل عظم إلى عظمه، وبدأ الروح يدخل فيها (حزقيال 37). أكثر من خمسين شخصاً من أبرز رجال الكنيسة الناهضة درسوا عليه وغاروا غيرته. البطريرك ملاتيوس الدوماني († 1906)، أول بطريرك محلي منذ السنة 1724، كان من تلاميذه، وكذلك السيد غفرائيل شاتيلا، مطران بيروت ولبنان (†1901)، والسيد جراسيموس يارد († 1899)، مطران زحلة وصيدنايا ومعلولا، علاّمة عصره، وما لا يقل عن عشرة مطارنة آخرين وعدد كبير من الكهنة، بينهم الإرشمندريت أثناسيوس قصير († 1863) مؤسس مدرسة البلمند الإكليريكية والخوري اسبيريدون صرّوف († 1858) مدير مدرسة المصلبة في القدس ومصحّح مطبوعات القبر المقدّس، والايكونوموس يوحنا الدوماني († 1904)، منشئ المطبعة العربية في دمشق. وبين الأسماء أيضاً ديمتري شحادة الصبّاغ، أحد أبرز أركان النهضة، ومخايل كليلة، مدير المدارس البطريركية في دمشق والدكتور ميخائيل مشاقة (†1888). إذن ما كان الخوري يوسف يرجوه تحقّق، بعضه في أيامه وبعضه بعد مماته، ولطالما ردّد “لقد زرعت في كرمة المسيح الحقيقية في دمشق، وأنا بانتظار الحصاد”. كل هذا وغيره يفسّر قولة السيّد غفرائيل شاتيلا، مطران بيروت، أن كواكب دمشق ثلاثة: بولس الرسول ويوحنا الدمشقي ويوسف مهنا الحداد. بقي أن يكلّل خادم المسيح حياته بخاتمة في مستوى غيرته وحبه الكبير يمجّد الله بها فكان استشهاده. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قانون الصوم في كنيسة الروم الكاثوليك |
شريعة الصوم في كنيسة الروم الكاثوليك |
10 معلومات عن «بطريرك الروم الكاثوليك» |
كنائس مارمرقس عند طائفة الروم الكاثوليك |
في كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك اليوم |