رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التَّحَرُّر مِنَ الخطيَّة رسالة رُومية والأصحاح السَّادس. لِنَفتح كُتبَنا المقدَّسة على ذلك الأصحاح ونَرى إن كُنَّا نستطيع أن نُنهي دراستنا لهذا الأصحاح الرَّائع؛ على الأقلِّ في هذه السِّلسلة. وما نَرجوه هو أن نُتابع دراستَنا الشَّخصيَّة لسنواتٍ وسنواتٍ قادمة. والآن، نحنُ نتأمَّل في رسالة رومية 6: 15-23. واسمحوا لي أن أقرأَ هذه الآيات على مَسامِعِكُم: "فَمَاذَا إِذًا؟ أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟ حَاشَا! أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ: إِمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟ فَشُكْراً للهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ. أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. "لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ. وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدًا للهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". في الأصحاحات الثَّلاثة السَّابقة مِن رسالة بولس إلى أهل رومية، تَحدَّثَ بولس عن أنَّ الخطيَّة خاطئة جدًّا. وقد رَسمَ صورةً مُروِّعة. وهذا هُوَ أقَلُّ ما يُقالُ عنها. فيجب على النَّاسِ أن يَفهموا خطيَّتَهُم. ويجب عليهم أن يَفهموا أنَّ الخطيَّة خاطئة جدًّا؛ وإلَّا فإنهم لن يَتمكَّنوا يَومًا مِن فَهْمِ نِعمة اللهِ الغَفورة. والآن، عندما يَصيرُ الإنسانُ مسيحيًّا، فإنَّ سُلطان الخطيَّة يَنكسِر، وطُغيان الخطيَّة ينتهي. وقد رأينا ذلك هُنا في الأصحاح السَّادس مِن رسالة رُومية. فبعدَ أن يَستعرِض بُولس العقيدة العظيمة للتَّبرير بالإيمان في الأصحاحين الثَّالث والرَّابع، فإنَّهُ يَنطلِق في شَرح نتائجها في الأصحاحات 5 و 6 و 7 و 8. وَواحدة مِن تلك النَّتائج هي انكسار سُلطان الخطيَّة، وانكسار طُغيان الخطيَّة، وانكسار قَيْد الخطيَّة. فعندما تَصيرُ مسيحيًّا فإنَّ قَيدَ الخطيَّة يَنكسِر. لِذا فإنَّنا نَقرأ مَرَّتَيْن في هذا المقطع العِبارة: "وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّة"...أُعتِقتُم مِنَ الخطيَّة. والخَبَرُ السَّارُّ في العدد 18 وفي العدد 22 هو أنَّنا أُعْتِقْنا مِن الخطيَّة. والطَّريقة الوحيدة الَّتي يَصيرُ فيها ذلك الأمر ذَا مَغزى بالنِّسبة إلينا هو أن نَعلم أنَّنا كُنَّا عبيدًا للخطيَّة؛ وَهُوَ أمرٌ تَحدَّثَ عنه في العدد 17، ومَرَّة أخرى في العدد 20. واسمَحوا لي أن أُذَكِّرَكُم بذلك. فالخطيَّة، بِكُلِّ تأكيد، هي القُوَّة الأكثر تَدميرًا، والأكثر تَحطيمًا، والأكثر سَحْقًا في حياةِ الجنسِ البشريّ. فهي تَقتُل كُلَّ شخص. ولولا نِعمة الله فإنَّها تُرسِل كُلَّ شخص في النِّهاية إلى جَهنَّم الأبديَّة. والكتاب المقدَّس يَصِفُها بأنَّها "الحَرَام" في سِفْر هُوشَع 7: 13. وهي تُشَبَّه في الكتابِ المقدَّس بِسُمِّ الأفاعي وشَوكةِ الموت. وهي تُوصَف في رسالة يوحنَّا الأولى 3: 4 بأنَّها "التَّعَدِّي" على شَريعة الله. والكتابُ المقدَّسُ يَصِف الخطيَّة بأوصاف كثيرة. وأنا لا أُريدُ أن أُعيدَ ذِكْرَ ما قُلتُهُ سابقًا. ولكن لِهَدَفِ التَّذكير، اسمحوا لي أن أذكُرَ بعضَ الأوصافِ الَّتي يُطلِقُها الكتابُ المقدَّسُ على الخطيَّة: أوَّلاً، يَقولُ الكتابُ المقدَّسُ إنَّ الخطيَّة تُنَجِّس. فهي تُدَنِّس النَّفس. ويمكنكم أن تَنظروا إليها كما يَلي: إنَّها تَعملُ في النَّفسِ نَفسَ عَملِ الصَّدأ في الذَّهب. وهي تَعملُ في النَّفس ما تَعملُهُ الجُروحُ في وَجْهٍ جميل. وهي تَعملُ في النَّفسِ ما تَعملُهُ بُقعة في ثوبٍ حَريريّ، وما يَفعلُهُ الدُّخانُ في سماءٍ صافية. فهي تَلَوُّث. وهي تَجعلُ النَّفس سوداء بسبب الذَّنب. وهي خِرْقَة مُلَوَّثة بالدَّمِ (بحسب ما جاءَ في سِفْر إشعياء 30). وهي قُروحٌ ناجمة عن وبأ مُهلِك في سِفْرِ المُلوكِ الأوَّل والأصحاح الثَّامِن. وهي خِرَق بالية في سِفْر زكريَّا والأصحاح الثَّالث. وحتَّى إنَّ اللهَ يقول: "وَضَاقَتْ نَفْسِي بِهِمْ" في سِفْر زكرِّيا 11: 8. وبولس يقول عنها في رسالة كورنثوس الثَّانية 7: 1: "دَنَس الجَسَد وَالرُّوح". لِذا فإنَّ الخطيَّة تُدَنِّس. ثانيًا، يخبرنا الكتابُ المقدَّس أنَّ الخطيَّة هي تَمَرُّد. فهي تَستَخِفُّ بِكلمةِ الله. وهي تتمرَّدُ على شريعةِ الله. فالخطيَّة، كما قالَ أحدُ الأشخاص تَسعى إلى قَتْل الله. فلو استطاعتِ الخطيَّة أن تَفعل ما تُريد لَكانت قد قَتَلَت الله. فاللهُ سيزولُ عنِ الوجود لو كان بمقدورِ الخاطئ أن يَفعل ما يُريد. ثالثاً، الخطيَّة هي جُحود. فنحنُ نَقرأ في رُومية 1: لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ...يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ". فكما هي حالُ أبشالوم الَّذي كانَ ابنًا لداود. وقد قَبَّلَهُ أبوهُ المَلِك واحْتَضَنَهُ، ولكنَّهُ خَرجَ خارجًا وتآمَرَ بالخيانة ضِدَّ أبيه. فبعدَ أن حصل على كُلِّ كُنوز أبيه، انقلبَ عليهِ وَخانَهُ. لِذا فإنَّ الخاطئَ يَستمتِع بخيراتِ اللهِ، ويَستمتع بِغنى الله، ويستمتع بالبركاتِ في العالمِ مِن حَولِه؛ ثُمَّ إنَّهُ يَخونُ اللهَ بأن يَخدِمَ الشَّيطانَ الَّذي هُو أَلَدُّ عَدُوٍّ لله. لِذا فإنَّ الخاطئَ يَعيشُ حياةً يَزْدَري فيها بِنِعَمِ الله. رابعًا، الكتابُ المقدَّسُ يقول إنَّ الخطيَّة ليسَ لها عِلاج. فنحنُ نقرأ في سِفْر إرْميا 13: 23: "هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُونَ الشَّرَّ!" بعبارة أخرى، إنَّ فُرصَتَكُم في تغيير طبيعَتِكُم لا تَختلِف في شيء عن فُرصةِ النَّمِرِ في تَغييرِ رُقَطِهِ أو فُرصةِ الحَبَشِيِّ في تَغييرِ لَونِ جِلْدِهِ. وقد كَتبَ بولس إلى تيطُس (في الأصحاح الأوَّل والعدد 15) فقالَ إنَّ ضَميرَهُم (أيِ الجُزءِ الدَّاخليِّ مِنهُم الَّذي يَحْفِزُهُم على التَّصرُّفِ السَّليم) "قَدْ تَنَجَّسَ". وقد قالَ "جون فليفل" (John Flavel) قبل سنوات: "كُلُّ الدُّموع الَّتي قد يَذرِفُها الخاطئ التَّائِب حَتَّى لو بَلَغَتْ مِقدار قَطراتِ المَطَرِ الَّتي تَساقطت منذُ الخَلْق لن تستطيعَ أن تَغسِلَ الخطيَّة. والاحتراقُ الأبديُّ في جَهنَّم لا يستطيعُ أن يُطَهِّرَ الضَّميرَ المُعَذَّبَ مِن أقَلِّ الخطايا شَأنًا". فالخطيَّة مُهْلِكَة جدًّا. وهي مُدمِّرة جدًّا. وهي لا عِلاج لها حَتَّى إنَّ النَّارَ الأبديَّة لا تستطيعُ أن تُزيلَها. والكتابُ المقدَّسُ يَقولُ أيضًا إنَّ الخطيَّة مَكروهة لدى الله. ففي سِفْر إرْميا والأصحاح 44، يقولُ اللهُ: "لاَ تَفْعَلُوا أَمْرَ هذَا الرِّجْسِ الَّذِي أَبْغَضْتُهُ". والخطيَّة تَطغى بقوَّة هائلة. فهي مُلتصقة بالإنسانِ كما يَلتصِقُ السَّوادُ بالظُّلمة. وهي تُهيمِنُ على الذِّهْن (كما جاءَ في رسالة رُومية 1: 21). وهي تُهيمِنُ على الإرادة (كما جاءَ في سِفْر إرْميا 44: 15-17). وهي تُهيمِنُ على العاطفةِ (كما جاءَ في إنجيل يوحنَّا 3: 19-21). ثُمَّ إنَّ الخطيَّة تُعطي الشَّيطانَ سَيطرةً. فنحنُ نقرأ في رسالة أفسُس والأصحاح الثَّاني أنَّ الإنسانَ الخاطئَ يَسلُكُ "حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ". فهو ابنُ المَعصِيَة. وقد قال يسوعُ في إنجيل يوحنَّا 8: 44 إنَّ الخاطئَ هو ابنُ الشَّيطانِ نَفسِه. كذلكَ فإنَّ الخطيَّة تَجعلُ حياةَ الإنسانِ بائسةً. فنحنُ نقرأ في سِفْر أيُّوب 5: 7: "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاح". وفي رسالة رُومية والأصحاح 8، نَقرأُ أنَّ الخليقة قد أُخْضِعَتْ للبُطْلِ والعَدَم. وهي تَسلُبُ الإنسانَ كَرامَتَهُ، وتَنزِع سَلامَهُ، وتَحْرِمْهُ مِن مَغزى حياتِهِ. وأخيرًا، الخطيَّة تَلعَنُ النَّفسَ وتُرسِلُها إلى جَهَنَّم. فنحنُ نَقرأ في سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 20 أنَّ جميعَ الأشخاصِ الَّذينَ لا يَعرفونَ اللهَ والمسيحَ طُرِحُوا في بُحيرةِ النَّار. وهذا الحَديثُ كُلُّهُ يَرمي فقط إلى تَذكيرِكَ بمعنى أن تكونَ عَبدًا للخطيَّة. فهي حياة مُريعة! وبالرَّغمِ من ذلك فإنَّ هذه حقيقة تَصِحُّ على كُلِّ إنسانٍ يأتي إلى هذا العالم بسببِ لَعنة آدَم (كما رأينا في الأصحاحِ الرَّابع...أو بالحَرِيِّ في الأصحاحِ الثَّالث) بسببِ لَعنة آدَم. وعندما تَفهم الخطيَّة وأنَّها خاطئة جدًّا، ستُقَدِّر مَعنى أن تُعْتَقَ مِنَ الخطيَّة. ويا لها مِن حُريَّة رائعة! وهذه هي رسالة بولس في الأعداد مِن 15 إلى 23. ولا أُريدُ أن أرجِعَ وأقولَ كُلَّ ما قُلناهُ في الأصحاحِ السَّادس، ولكِن يجب عليكم أن تَعرِفوا الأصحاحَ كُلَّهُ. لذا، إن لم تكونوا مَعنا في الأسابيع الماضية، احصلوا على التَّسجيلات وادرسوا كلمةَ اللهِ مِن خلالِ دراسة هذا الأصحاح الرَّائع. وينبغي أن تتذكَّروا ما يَلي: أنَّ نِقاشَ بولس ابتدأَ بسبب سؤالِ مُعتَرِضٍ في العدد 15. وقد قُلنا إنَّ هذا هو سُؤال المُعتَرِض. وقد سَمِعَ بولس هذا السُّؤالَ مِن قَبل. فَهُوَ يَكرِزُ عنِ النِّعمةِ، ولكِنْ لا بُدَّ أن يأتي شخصٌ ويقول: "آه، النِّعمة! أنتَ تَعني أنَّهُ يجب علينا أن نُخطئ لأنَّنا لسنا تحت النَّاموس بل تحتَ النِّعمة. هل هذا صحيح؟ فنحنُ أحرارٌ الآن. ونحن تحت النِّعمة. فاللهُ يَغفر خطايانا. لذا، يمكننا أن نذهبَ ونُخطئ كَما يَحلو لَنا". وهذا هو دائمًا انتقاد المُعترِض لرسالة النِّعمة إذْ إنَّهُ يقولُ إنَّ النِّعمة تُؤدِّي إلى الإثم، وإنَّ النِّعمة تُؤدِّي إلى اللَّاناموسيَّة، وإنَّ النِّعمة تؤدِّي إلى الحُريَّة الجَامِحَة، وإنَّ النِّعمة تؤدِّي إلى إساءة استخدامِها. لِذا فإنَّ النَّاسَ يقولون: "لا يُمكنُكَ وحَسْب أن تَكرِزَ بالنِّعمة. ولا يُمكنُكَ أن تُطلِقَ العِنانَ للنَّاس. يجب أن تَكرِز عنِ النَّاموسِ والقوانين"، وَهَلُمَّ جَرَّا. لذا فإنَّ السُّؤالَ المطروح هو: "هل يجب علينا أن نُخطئ لأنَّنا لسنا تحتَ النَّاموس بل تحتَ النِّعمة؟ وهي يُمكن للأشخاصِ الَّذينَ تحتَ النِّعمة أن يُطلِقوا العِنانَ لأنفُسِهم مِن خلالِ اقترافِ الخطيَّة". والجوابُ هو: "حَاشا لله!" لا، لا، لا! وهذه هي النُّقطة الثَّانية: "الرَّدّ". ورَدُّ بولس هو: لا! قَطْعًا لا! فالنِّعمة ليست مُبَرِّرًا للخطيَّة. والنِّعمة لا تُغَيِّر الإنسانَ إلى خاطئٍ جَامِح. بل إنَّ العَكسَ هو الصَّحيح. وهذا يَقودُنا إلى القاعدة البديهيَّة في العدد 16. ونَجِدُ هُنا مبدأً يُثبِتُ نَفسَهُ بنفسه. فهو مبدأٌ أساسيٌّ جدًّا. "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ". ويُمكنكم أن تتوقَّفوا هُنا قليلاً. فكُلُّ ما يَقولُهُ هو ما يَلي: "انظروا! إن قَدَّمْتَ ذاتكَ عبدًا للهِ في المسيح، فإنَّ ذلكَ سيُفْضِي إلى إطاعَتِكَ لَهُ. فأنتَ لم تُقَدِّم نفسكَ طَوْعًا للمسيح كي تَعصيه، بل إنَّكَ قَدَّمتَ نَفسَكَ إليهِ طَوعًا كي تُطيعَهُ". لِذا، فقد صار لدينا سَيِّدٌ جديد. ومِنَ البَديهيِّ في تلك القاعدة البديهيَّة، أو في ذلك المبدأ الواضح، أنَّهُ عندما تُقَدِّم نفسكَ إلى المسيح فإنَّكَ تصيرُ مُطيعًا للبِرّ (كما يقولُ العدد 16). وسواءٌ قَدَّمتَ ذاتَكَ للخطيَّة كما هي الحالُ في حياتِكَ السَّابقة (وَهُوَ أمرٌ يُفْضِي إلى الموت)، أو قَدَّمتَ ذاتَكَ للطَّاعة (وَهُوَ أمرٌ يُفْضِي إلى البِرّ)، مِنَ البَديهيِّ جدًّا أنَّكَ حين تُقدِّمُ نفسكَ عَبدًا لشخصٍ مَا فإنَّكَ تُخَصِّص نفسكَ للطَّاعة. لِذا، عندما تَصيرُ مَسيحيًّا، فإنَّكَ لا تُخَصِّص نفسكَ لحياةِ العِصيان، بل تُخَصِّص نفسكَ لحياةِ الطَّاعة. فهذه قاعدة رئيسيَّة لا جِدالَ فيها. إذًا، لم تَعُد الخطيَّة (بحسب العدد 16)، لم تَعُد سَيِّدًا علينا. فسيِّدُنا الجديدُ هو الطَّاعة. ونحن نَخضَعُ للرَّبِّ الَّذي أنشَأَ فينا طاعةً للبِرّ. والآن، استمعوا مَرَّة أخرى إلى شيءٍ قُلتُهُ في الأسبوعِ الماضي وأودُّ أن أُعيدَ التَّركيزَ عليه. إنَّ هذا ليسَ التزامًا أخلاقيًّا وحسب، بل هو مُعجِزَة خَلقيَّة. بعبارة أخرى، عندما تصيرُ مسيحيًّا، أنتَ لا تصيرُ مُلتزمًا أخلاقيًّا فقط بأن تكونَ شخصًا مُطيعًا، بل إنَّ اللهَ يَجعَلُكَ شخصًا مُطيعًا. لِذا، فإنَّهُ ليسَ شيئًا ينبغي أن تَفعلَهُ كواجب، بل هو حقيقة. فالمسيحيُّ يَتَّصِفُ بالطَّاعة. وقد قالَ يسوعُ ذلك: "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي [فافعَلوا ماذا؟] احْفَظُوا وَصَايَاي". والمسألةُ الَّتي يَطرحُها العهدُ الجديدُ هي أنَّكَ إن لم تَفعل ذلك، فإنَّكَ (بالرَّغمِ مِن كُلِّ ادِّعاءاتِكَ) لا تَعرِفهُ. لأنَّكَ حينَ تأتي إلى المسيح فإنَّكَ تُؤكِّدُ هُوِيَّتَكَ معَ السيِّد الجديد وتتغيَّر بمُعجزةٍ لتصيرَ شخصًا مُطيعًا. لذا، فإنَّ الأمرَ لا يَقتصِر على الواجبِ الأخلاقيِّ، بل إنَّها مُعجِزَةُ خَلْقٍ. فالأمرُ لا يَقتصِر فقط على وُجوبِ طَاعَتِك، بل إنَّكَ سَتُطيع. فهي حَالَة. والآن، إنْ كُنَّا تحتَ عُبوديَّة الخطيَّة قبلَ أن نأتي إلى المسيح، فإنَّنا الآن تحتَ عُبوديَّة الطَّاعة. فالنِّعمة، إذًا، تُعطينا سَيِّدًا جديدًا. والآن، لكي نَفهمَ هذه النُّقطة، نَنتقل مِنَ القاعدة البديهيَّة في العدد 16 إلى الحُجَّة في الأعداد 17-22. وقد تَحدَّثنا عن هذه الحُجَّة قليلاً في المرَّة السَّابقة. وسوفَ نَرى إن كُنَّا سنتمكَّنُ مِن إنهاءِ هذا المقطَع. وإليكُم الحُجَّة. وإليكُم طريقَة بولس في شَرح الشَّيء الَّذي شَرَحَهُ في العدد 16. وهي مُبايَنة مُوَسَّعة بين العُبوديَّتَيْن. فأنتُم إمَّا أن تكونوا عبيدًا للخطيَّة، وإمَّا أن تكونوا عبيدًا لله. وأنتُم إمَّا أن تكونوا عُصاةً، وإمَّا أن تكونوا مُطيعين. وأنتُم إمَّا أن تَفعلوا ما تَقولُهُ الخطيَّة لكُم، وإمَّا أن تَفعلوا ما يَقولُهُ اللهُ لكم. وسوفَ نَتوسَّع في الحديثِ عن ذلك في أثناء دراسَتِنا. ولكِن لننظُر أوَّلاً إلى المَقام. فالتَّبايُنُ يَتدرَّج مِنَ المَقام إلى التَّطبيق إلى الوعد. انظروا إلى مَقامِ الفَريقَيْن. فهذه هي مَكانَتُهما. العدد 17: "فَشُكْراً للهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ". وما يَقولُهُ هنا هو أنَّ هناكَ مَقامَيْنِ بصورة رئيسيَّة: فأنتَ إمَّا أن تكونَ عبدًا للخطيَّة، وإمَّا عَبدًا للبِرّ. فهذا هو المَقام. فهناك عائلتان فقط. فكُلُّ شخصٍ يَنتمي إلى واحدة مِن هَاتين العائلتين. فَسِمَةُ حَياتِكَ هي إمَّا أن تكونَ مُطيعًا للخطيَّة، وإمَّا أن تكونَ سِمةُ حياتِكَ هي أن تكونَ مُطيعًا للبِرّ. وهذه هو الهُوِيَّة. والآن، لاحظوا مَرَّةً أخرى في العدد 17 الشَّيءَ الَّذي رأيناهُ في المَرَّة السَّابقة. فقد سُكِبتُم في قَالَبٍ: في صُورةِ ذلك التَّعليم. والصُّورة تَحْملُ مَعنى القَالَب. فعندما صِرتَ مسيحيًّا، أُذيبَتْ ذاتُكَ القديمة وَسُكِبْتَ مَرَّةً أخرى في قَالَبٍ جديد وَهُوَ القَالَبُ الَّذي يَتَشَكَّل مِن العقائدِ الكِتابيَّة. لِذا، فقد سُكِبتَ في قَالبٍ كِتابيٍّ وَسُكِبْتَ لتكونَ خليقةً جديدة. ونَمَطُ حَياتِكَ الآن سَيُظهِر مُعجزةَ الخَلْقِ تلك. وأنتَ لن تَتجاوبَ بعد ذلك كشخصٍ يعيش تحتَ رُبوبيَّة الشَّيطان، بل ستتجاوب كشخصٍ يعيش تحتَ رُبوبيَّة الله. فهذا هو مَعنى الآية أفسُس 2: 10 عندما نقرأ أنَّنا قد خُلِقْنا لأعمالٍ صالحة. فقد سُكِبْتَ في قالَبٍ جديد. والأشياءُ العتيقةُ قد صُهِرَتْ واختفَت. وقد تَمَّ تَشكيلُكَ مِن جديد. وهذا لا يعني أنَّنا نُعْجَبُ بالبِرّ، ولا أنَّنا نَرغبُ في البِرّ، ولا أنَّنا نُحاولُ أن نكونَ أبرارًا، ولا أنَّنا نُحاولُ أن نُمارسَ البِرَّ في حياتِنا اليوميَّة. بل إنَّ المقصودَ هو أنَّنا صِرنا تحتَ سُلطانِ وسَيطرةِ وتأثيرِ البِرّ. فقد تَغَيَّرنا. ويجب عليكم أن تَفهموا هذا الأمر. فالنَّاسُ يَتشوَّشونَ كثيرًا عندَ قراءةِ هذا المقطعِ إن لم يَفهموا هذه النُّقطة. فقد كُنتُم في السَّابقِ تحتَ سُلطانِ وسَيطرةِ وهَيمنةِ الخطيَّة. والآن، أنتُم تحتَ سُلطانِ وسيطرةِ وهيمنةِ البِرّ. فاللهُ يَزرع فينا زَرعَ البِرِّ غير القابل للفساد. والبِرُّ يَصيرُ سَيِّدَنا. ونحنُ نقرأ في رسالة يوحنَّا الأولى 3: 9-10 إنَّنا لا نستطيعُ أن نستمرَّ في الخطيَّة بالطَّريقة الَّتي اعتدنا عليها. لذا فإنَّ السُّؤالَ سَخيف. هل نَستمرُّ في فِعلِ الخطيَّة لأنَّنا تحتَ النِّعمة؟ قَطْعًا لا! فحقيقةُ أنَّنا تحت النِّعمة تَحُولُ حَتَّى دونَ احتِمالِ حُدوثِ ذلك. فلا بُدَّ أنْ نَنفصل عنِ حياةِ الخطيَّة. ونحنُ نَشكُرُ اللهَ على عائلَتِنا لأنَّهُ عندما صِرنا عائلةَ طاعةٍ وبِرٍّ، أي عائلةَ الرَّبِّ، أُعْتِقْنا مِن سُلطان الخطيَّة. وهذا مُهمٌّ جِدًّا لأنَّ ما يعنيه ذلك عمليًّا هو أنَّكَ لستَ مُضطرًّا إلى اقترافِ الخطيَّة. فهذا هو مَعنى ذلك. فالخطيَّة لا تَسودُكم. هل فَهِمتُم ذلك؟ فأنتم لستُم مُضطرِّين إلى اقترافِ الخطيَّة بعدَ الآن. وهذا هو ما يَجعلُ الأمرَ حَماقةً بِحَقّ عندما نَفعل ذلك. فنحنُ لسنا مُضطرِّين إلى القيام بذلك. والآن، قبلَ أن تصيرَ مسيحيًّا، كُنتَ مُضطرًّا إلى اقترافِ الخطيَّة لأنَّ الخطيَّة كان تَسودكَ، ولم يكن لديكَ خِيارٌ آخر. لذا فإنَّ كُلَّ ما كنت تَفعلُه، حَتَّى أفضلَ ما لديك، كان خِرَقًا بَالِيَة. فقد كُنتَ تُخطئ، وتُخطئ، وتُخطئ، وتُخطئ وَحَسْب. وحتَّى عندما كنتَ تَعمل عملاً صالحًا، كان دافعُكَ سَيِّئًا لأنَّهُ لم يكن يَهدِفُ إلى تَمجيدِ الله، بل رُبَّما كانَ يَهدِفُ إلى جَعلِكَ تَشعُر بمشاعر أفضل تُجاهَ نَفسِك، أو إلى مُراعاةِ الأعرافِ الأخلاقيَّة. وأيُّ شيءٍ يُعْوِزُهُ مَجْدُ اللهِ هو خطيَّة. لذا فقد كانَت حياتُكَ هي خطيَّة تِلو الخطيَّة تِلو الخطيّة تِلو الخطيَّة. وعندما صِرتَ مسيحيًّا، لم تَعُد الخطيَّة تَسودُ عليكَ، كما رأينا. وهذه فكرة عظيمة! والآن، نحنُ عَبيدٌ لله. ونحنُ الآنَ عبيدٌ للبِرّ. ونحنُ مَدعُوُّونَ الآنَ إلى الطَّاعة. فهل سنستمرُّ في الخطيَّةِ والإثم؟ هذا سُخْف. استَمعوا إلى هذا: قبلَ أن تَصيرَ مَسيحيًّا، لم تَكُن حُرًّا. فالنَّاسُ يقولون: "أنا لا أريدُ أن أتخلَّى عن حُريَّتي. أنا لا أريدُ أن أصيرَ مسيحيًّا وأن أصيرَ مُقيَّدًا وما إلى ذلك". ولكنَّكَ لم تكن حُرًّا. هل تَعلم ماذا كُنتَ؟ لقد كُنتَ عَبدًا تمامًا للخطيَّة. فهذا هو كُلُّ ما كُنتَ تَفعلُه. فالنَّاسُ يَظُنُّون أنَّهم أحرار، ولكنَّهم ليسوا أحرارًا. فهذه ليست حُريَّة. ولكِنْ عندما صِرْتَ مسيحيًّا، صِرْتَ حُرًّا. فهذه هي أوَّلُ مَرَّة تَصيرُ فيها حُرًّا في حياتِك. ولكنَّكَ لستُ حُرًّا في أن تَفعل الخطأ، بل أنتَ حُرٌّ في أن تَفعلَ ماذا؟ الصَّواب. أوَّلَ مَرَّة. هل فَهمتُم ذلك؟ اكتُبوا ذلكَ في مكانٍ مَا. فهذا مُهمٌّ جِدًّا، وأساسيٌّ جِدًّا. فقد تصيرُ مسيحيًّا وتقول: "أنا لديَّ الحُريَّة في المسيح. والآن، يُمكنُني أن أفعل ما أشاء". لا، لا! لا، فأنتَ لستُ حُرًّا في أن تَقترف الخطيَّة الآن، بل إنَّ هذه أوَّل مَرَّة تكونُ فيها حُرًّا في حياتِكَ كي تَفعلَ الصَّواب. وهذه حُريَّة رائعة. والمقصودُ بذلك هو أنَّهُ قبل أن تَنالَ الخلاصَ، لم يكن لديكَ أيُّ خِيار. أمَّا الآن، فقد صار لديكَ خِيار. ولأنَّ الخطيَّة لا تَسودُ عليك، يمكنك أن تختار الصَّواب. أليسَ هذا الأمرُ رائعًا؟ لذا فإنَّ المسيحيِّينَ هُم ليسوا أشخاصًا أُعتِقُوا كي يَفعلوا الخطأ، بل هُم أُناسٌ اختبروا أوَّلَ مَرَّة الحُريَّة كي يَفعلوا الصَّواب. والآن، هل هذا يُعطيكُم نَظرة مُختلفة عن الحُريَّة المسيحيَّة؟ فالنَّاسُ يقولون: "أتدري أنَّكَ الآنَ، بعدَ أن صِرتَ مسيحيًّا، أنَّكَ تحتَ النِّعمة. لِذا، لا حاجةَ إلى القلقِ بهذا الخُصوص، ولا حاجةَ إلى القلقِ بذلكَ الخُصوص. فيمكننا أن نَفعلَ ما نَشاء". ولكنْ ليس هذا هو الهدف. والحقيقة هي أنَّكَ إن كُنتَ تعيشُ هكذا، فإنَّني أَشُكُّ في أنَّكَ تحتَ النِّعمةِ أصلاً. فالحُريَّةُ العظيمةُ النَّاجمةُ عن إيمانِكَ المسيحيِّ هي الحُريَّة في أن تَفعلَ الصَّوابَ أوَّلَ مَرَّة في حياتِك. لذا، هُناكَ عُبوديَّتان. وقد رأينا مَكانتهُما. فالأُولى تَبتدئُ عند الولادة، والثَّانية تبتدئُ عند الولادة الجديدة. وأنتَ إمَّا أن تكونَ تحتَ عُبوديَّة الخطيَّة، وإمَّا أن تكونَ تحتَ عُبوديَّة البِرّ. وإن كُنتَ مسيحيًّا، فقد أُعتِقْتَ مِنَ الخطيَّة ولم تَعُد تَنتمي إلى ذلك السَّيِّد القديم، بل إنَّ البِرَّ هو سَيِّدُك، والطَّاعة هي سَيِّدُك، والرَّبُّ هو سَيِّدُك. وقد خُلِقْتَ كي تُطيع. وأنتَ مُلزَمٌ أخلاقيًّا أيضًا بأن تُطيع. فيُمكنكَ أن تُطيع، ويجب عليك أن تَفعلَ ذلك. والآن، لننتقِل مِنَ المَقامِ إلى التَّطبيق (في العدد 19). وهذهِ بداية مُدهشة نَوعًا ما. فهو يقول: "أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ". وهذه جُملة مُدهشة جدًّا. فهو يقول: "أريدُ منكم أن تُدركوا أنَّني أستخدِمُ تَشبيهًا هُنا عنِ الأسيادِ والعبيدِ لكي تَفهمَوا المبدأَ بَشريًّا. بعبارة أخرى، يا أحبَّائي: مِنَ الصَّعبِ أن نَضَعَ معلوماتٍ أبديَّة خارقة للطَّبيعة ولا يُمكِن استيعابُها في هذه العُقول الصَّغيرة. وبولس يقول: "أنا أُحاولُ أن أَشرحَ لكم ذلك بِكُلِّ طَاقتي. لذا فإنَّني أتكلَّمُ إنسانيًّا". بعبارة أخرى، أنا أُبَسِّطُ ذلكَ الأمر مِن خلال استخدام تشبيهِ العبدِ والسَّيِّد كي أتمكَّنَ مِن شَرحِ ذلكَ بما يُوافِقُ ضَعفَكُم البشريّ". وأعتقد أنَّهُ مِنَ المُهمِّ أنْ يَقولَ بولسُ ذلك لأنَّهُ في أيِّ تشبيه تَجِدونَهُ، هناكَ دائمًا تبسيطٌ مِن خلالِ تَشبيهٍ بَشريٍّ. أليسَ كذلك؟ وهناك أشخاصٌ سيَسمعونَ هذا التَّشبيهَ المُختصَّ بالعبدِ والسَّيِّد وسيحاولونَ أن يُطَبِّقوا ذلكَ التَّشبيه حَرفيًّا فيَشعرونَ بالتَّشويش. لِذا فإنَّهُ يقول: "انظروا! هذه تَشبيهٌ أُقَدِّمُهُ لتبسيطِ الفكرة لأذهانِنا السَّاقطة. فنحنُ نُحاولُ أن نَفهمَ الأمرَ بأفضل طريقة مُمكنة". وكُملاحظة فقط، فإنَّهُ يقول: "أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ". وهذه كلمة مُهمَّة جدًّا. وسوفَ نَراها مَرَّة أخرى في أثناء دراستنا لرسالة رومية. فهي كلمة مُهمَّة جدًّا. وهي تعني: "قابليَّتَكُم للفَناء". فهي كلمة مُرادفة للَّفظة الَّتي رأيناها في العدد 12: "جَسَدُكُمُ المَائِت". جَسَدُكُم المائِت. وهذا هو الموضِعُ الَّذي تَجِدُ الخطيَّةُ فيهِ مَوطِنًا لها. لذا فإنَّهُ يقول: "بسبب جَسَدِكُم المائِت، أو جَسَدِ الخطيَّة، أو بشريَّتِكُم، حيثُ تَسكُنُ الخطيَّة". لا طَبيعَتُكم الجديدة، ولا طبيعَتُكم المقدَّسة الَّتي تحدَّثنا عنها، ولا أنتُم المُقامونَ كي تَسلكوا في جِدَّةِ الحياة، ولا الخليقة الجديدة الَّتي تَليقُ بالأبديَّة، بل الخطيَّة الَّتي تَسكُن في جَسَدِكُم المائِت؛ أي في بَشريَّتِكُم أو أجسادِكُم. فالجسدُ هو الجُزءُ البشريُّ الَّذي يتأثَّرُ بالخطيَّة. وبالرَّغمِ مِن أنَّنا مُؤمِنين، ما دُمنا نَمتلكُ طبيعة بشريَّة، وما دُمنا نعيشُ في هذه الأجسادِ السَّاقطة، سنبقى نُصارع معَ الخطيَّة. لا الخطيَّة في الخَليقة الجديدة، بل الخطيَّة في الجسد والتي تُغَلِّف الخليقة الجديدة إلى أن نُمَجَّد. وقد رأينا ذلكَ سابقًا في دراستِنا. فنحنُ ضُعفاء في فَهمِنا. ونحنُ ضُعفاء بسبب سُقوطِنا. لذا فإنَّ بولسَ يُبَسِّطُ الأمرَ لنا مِن خلالِ تَشبيهٍ بَشريٍّ. والآن، يُتابع بولس حَديثَهُ في العدد 19: "لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ". وهذا حَقٌّ عظيمٌ جدًّا. وَهُوَ لا يتحدَّث عن مقامِنا، بل يتحدَّث عن مُمارَسَتِنا. فقد تحدَّثَ للتَّوّ عن أنَّهُ يوجد سَيِّد جديد لنا (في العدد 18). فقد تَحرَّرنا مِنَ الخطيَّة وصِرنا عبيدًا للبِرّ. وهذا هو مَقامُنا. فنحنُ عَبيدٌ للبِرّ. ونحنُ نَتجاوب معَ البِرّ. ونحنُ نَتجاوب معَ الطَّاعة، ونتجاوبُ معَ الله. والأمرُ الأكثرُ رَوعةً مِن ذلك هو أنَّه يقول في العدد 19: "لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ". بعبارة أخرى، فإنَّهُ يقول: "هذه هي هُويَّتُكم" (في العدد 18). وَهُوَ يقولُ الآن، في العدد 19: "والآن، اسلُكوا هكذا". والآن، اسلُكوا هكذا. اجعلوا سُلوكَكُم مُتوافقًا معَ مَقامِكُم. فهو لا يتحدَّثُ عنِ الطَّبيعة، أي طبيعةِ الإنسانِ في العدد 19. فقد تَحَدَّثَ عن ذلك في العَددين 17 و 18. فأنتَ (بِحُكْمِ طَبيعَتِكَ) إمَّا أن تكونَ عبدًا للخطيَّة، وإمَّا أن تكونَ (بِحُكْمِ طَبيعَتِكَ) عبدًا لله. ولكنَّهُ يتحدَّثُ الآن عن نَمَطِ حياتِكَ فيقولُ إنَّ نَمطَ حياتِكَ يجب أن يُوافِق طبيعَتَك. فحيثُ إنَّكَ لم تَعُد مُضطرًّا إلى أن تكون عبدًا للخطيَّة، وبعدَ أن صِرتَ عبدًا للبِرّ، تَصَرَّف وَفْقًا لذلك. ولا شَكَّ في أنَّ الجسدَ يُريدُ أن يَقِفَ عَثْرَةً في الطَّريق. وسوفَ نَعرِف عندما نَدرُس الأصحاح الثَّامن كيفَ نَتعامَل معَ الجسد. وبولُس يقولُ بصورة أساسيَّة: "أَميتوه". وسوفَ نَعرِف كيفَ نُميتُ الجسدَ عندما نَصِل إلى الأصحاح الثَّامن. ولكنَّهُ يقولُ هنا: "حيثُ إنَّكُم لستُم مُضطرِّينَ إلى اقترافِ الخطيَّة، لا تُخطئوا. والصُّورة واضحة جِدًّا. فأوَّلاً، "كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ". ففي الماضي، كانَ هذا الكلامُ يَصِفُ العائلةَ الأولى؛ أيِ العائلةَ الَّتي يَنتمي إليها الأشخاصُ الَّذينَ هُمْ في الخطيَّة مِن جِهةِ مَقامِهم. فسُلوكُهُم يَقومُ على تَقديمِ أعضائِهم بصورة مُستمرَّة (أيْ كُلَّ مَلَكاتِكَ الجسديَّة وبَشريَّتِكَ) للخطيَّة. فقد كانَ هذا هُوَ نَمَطُ حياتِهم. وهذا هو كُلُّ ما يُمكنُهم أن يَفعلوه. فَهُم يُقَدِّمونَ أعضاءَهُم عَبيدًا للنَّجاسة. فهذا هو ما يَفعلونَهُ بصورة أساسيَّة. فهذه هي الحياةُ بالنِّسبة إليهم. والكلمة "أعضاء"...مَرَّةً أخرى...لَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّها تَعني: "الأجزاءَ الجسديَّة، أو الجسد، أو الجَسَدَ المائِت". وكما تَرَوْنَ، فإنَّ الشَّخصَ الَّذي هُوَ في الخطيَّة مِن جِهَةِ المَقامِ لا يَملِكُ خِيارًا. فهو مُضطَرٌّ إلى تَقديمِ أو تَسليمِ أو عَرضِ ذاتِهِ. فهو يُقَدِّمُ جَسَدَهُ للخطيَّة. والآيةُ تَستخدِمُ الكلمة "نَجاسَة". وهذه كلمة تُشيرُ إلى التَّلَوُّثِ الدَّاخليِّ. ثُمَّ إنَّها تَستخدِمُ الكلمة "إثْم"، وهي كلمة تُشيرُ إلى الآثامِ الخارجيَّة. لِذا فإنَّهُ يقولُ إنَّكَ قبل أن تَصيرَ مَسيحيًّا، أي عندما كُنتَ تَنتمي إلى عائلةِ الخطيَّة، كُنتَ مُلوَّثًا مِن الدَّاخل، وكُنتَ شِرِّيرًا مِنَ الخارج. فقد كُنتَ تُقَدِّم ذاتَكَ باستمرار لذلك...داخليًّا وخارجيًّا. فَلا يوجد خِيارٌ أمامَكَ...لا يوجد خِيارٌ البَتَّة. وجسدُ الخطيَّة في الإنسانِ الَّذي لم يُولد ثانيةً...اسمعوني الآن: مُتوافقٌ تمامًا مع طبيعةِ الإنسان. وطبيعةُ الإنسانِ هي الخطيَّة. وجسدُ الإنسانِ خاطئ. لذا فإنَّ طبيعَتَهُ وجَسدَهُ مُتوافقانِ تمامًا. فنفسُهُ وجسدُهُ مُتَّفقان على الخطيَّة لأنَّها سَيِّدُه. لذا فإنَّهُ يُخطئ وحَسْب، ويَفعلُ الشَّرَّ بصورة مستمرَّة...بصورة مُستمرَّة. والآن، لاحِظوا التَّقهقُر. فأنتَ تُقَدِّم أعضاءَ جَسَدِكَ عبيدًا للخطيَّة...للنَّجاسةِ والإثم. ثُمَّ إنَّنا نَقرأُ: "للإثم". وهذا مُدهش جدًّا. احزَروا ما الَّذي تَقودُ إليهِ الخطيَّة. ماذا؟ الخطيَّة. المَزيد مِنَ الخطيَّة. فالخطيَّة تَلِد خَطيَّة. فهي سَرطان، يا أحبَّائي. إنَّها سَرطان. فهي تَتكاثَر تِلقائيًّا. وهي سَيِّدٌ مُتوحِّش. كان "أوسكار وايلد" (Oscar Wilde) كاتبًا عظيمًا، ورَجُلاً ذكيًّا وَيَحظى بالتَّقدير، ولكنَّهُ كانَ مُنغَمِسًا في الخَفاءِ في علاقاتٍ جنسيَّة مِثليَّة وسُلوكيَّاتٍ مُنحرفة. وقد افْتُضِحَ أمرُه. وقد كَتَبَ: "لقد نَسَيْتُ أنَّ الأشياءَ الَّتي يَفعلُها الإنسانُ في الخَفاء سَتُعلِنُ عن ذاتِها بأعلى صَوتٍ مِن فوقِ السَّطْح". فالخطيَّة تَلِد خطيَّة. وهي سَتُفضَح. فَمِنَ المُستحيلِ أن تُوقِفَها. وأنا أُفَكِّرُ دائمًا في "سِنكلير لويس" (Sinclair Lewis) الَّذي كانَ مَشهورًا جدًّا في عالمِ الأدب. وقد أرادَ أن يَهزأ بالمسيحيَّة فَكَتَبَ رِواية "إلمَر غانتري" (Elmer Gantry). وقد كانت رِواية "إلمَر غانتري" ضَربة إلى الوُعَّاظ المسيحيِّينَ والكِرازة إذْ إنَّهَ صَوَّرَ الشَّخصيَّة الرَّئيسيَّة في الرِّواية بأنَّهُ واعظٌ يَكرِزُ بالكِتابِ المُقدَّسِ وبيسوعَ؛ ولكنَّهُ مُدمِنٌ، ومُجَدِّفٌ، ولِصٌّ، وكُلُّ شيءٍ سَيِّء. ولكِنَّ هذا الكاتِبَ العالميَّ اللَّامعَ (كما يَعلمُ أُناسٌ قلائل) ماتَ مُدمِنَ كُحولٍ في عيادةٍ مِنَ الدَّرجة الثَّالثة في مكانٍ مَا خارجَ مدينةِ رُوما في حالةِ دَمارٍ تَامٍّ. فأنتَ لا تَنجو مِن عَواقبِ الخطيَّة، بل إنَّها تَستمرُّ في التَّوالُد. وهذا هو ما يَقولُه. فقد كُنتُم تحتَ الخطيَّة. ومَقامُكُم هو تحت عُبوديَّة الخطيَّة. وسُلوكُكُم كانَ مُوافِقًا لذلك. والخطيَّة وَلَدَتْ خطيَّة، تِلو الخطيَّة، تِلو الخطيَّة، تِلو الخطيَّة، تِلو الخطيَّة، تِلو الخطيَّة. وكما سنرى بعد قليل، هناك نهاية محتومة لِكُلِّ ذلك. ولكنَّهُ يقولُ ما يَلي: "والآن، لقد انتقلتُم إلى سَيِّدٍ آخر". فكما فَعلتُم ذلكَ في الماضي (انظروا إلى العدد 19)، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا [أو سَلِّموا، أو أَخْضِعُوا] أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لأجلِ ماذا؟ لِلقَدَاسَة. فكما أنَّ أعضاءَكُم كانت خاضعةً مِئة بالمئة للخطيَّة قبلَ إيمانِكُم بالمسيح، كذلك، يجب عليكم أن تكونوا الآنَ خاضعينَ مِئة بالمئة للبِرّ بعدَ إيمانِكُم بالمسيح. والآن، تَذَكَّروا أنَّ النَّفسَ في الخليقة الجديدة هي بلا خطيَّة. لا أنا، بلِ الخطيَّة الَّتي فِيَّ...في بَشَرِيَّتي. فأعضاؤنا الجسديَّة، أو أجسادُنا المائِتَة، أو طبيعَتُنا السَّاقطة، أو بشريَّتُنا الفاسدة يجب أن تُخْضَع. وكما قُلتُ سابقًا، هذه هي أوَّلُ مَرَّة نَمتَلِكُ فيها القُدرة على الاختيار. وهذه هي حُرِّيَّتُنا. لِذا، نأتي إلى الأصحاح 12 مِن رسالة رُومية لإلقاءِ نَظرة خاطفة فَنسمعُ الكلماتِ المألوفة التَّالية: "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا [ماذا؟] أَجْسَادَكُمْ". فأينَ تَكمُنُ المُشكلة؟ في الجسد. أليسَ كذلك؟ لِذا فإنَّهُ لا يَقول: "قَدِّموا أنفُسَكُم". فنفسُكَ هي الخليقة الجديدة. ولكنَّهُ لا يَقولُ: "قَدِّموا إنسانَكُم الباطِن". فالنَّفسُ قد تَغيَّرت. قَدِّموا ماذا؟ أجسادَكُم. لأنَّ هذه هي أرضُ المعركة: طبيعَتُكُم السَّاقطة أو طَبيعَتُكُم البشريَّة. لِذا فإنَّ بولسَ يقول أيضًا إلى أهلِ كورِنثوس: "بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ". فيجب عليكَ حَقًّا أن تُسيطرَ عليه. اقرأوا رسالة تسالونيكي الأولى والأصحاح الرَّابع لِتَروا كيفَ أنَّ الجسد يَميلُ إلى جَذبِنا إلى فِعْلِ الشَّرّ. لِذا، فإنَّهُ يقولُ: "لقد قَدَّمتُم ذواتِكُم بتلكَ الطَّريقة. والآن، قَدِّموا أعضاءَ أجسادِكُم عَبيدًا للبِرّ". وسوفَ تَفعلُ ذلك لأنَّكَ صِرتَ إنسانًا جديدًا. ولكِن يجب عليكُم أن تَفعلوا ذلكَ دائمًا لأنَّكُم تَستطيعُونَ ذلك. هل تفهمونَ ذلك؟ فأنتُم ستفعلونَ ذلك. ولكِن افعلوا ذلكَ طَوالَ الوقت. فسوفَ تفعلونَ ذلكَ أحيانًا. وسوفَ تفعلونَ ذلكَ لأنَّكُم وُلِدتُم ثانيةً. ولكن افعلوا ذلكَ طَوالَ الوقت. بعبارة أخرى، اسمعوني الآنَ جيِّدًا: عندما خَلُصتُم بيسوعَ المسيح، لم تُعْطَ لَكُم نِعمةُ اللهِ كي تُتيحَ لكم أن تَفعلوا الخطيَّة وتَنْجُوا بذلك، بل كي تُعتِقَكُم فلا تُضطرُّونَ إلى اقترافِ الخطيَّة بعدَ ذلك. هل تفهمونَ ذلك؟ إنَّهُ فَرقٌ كبير. ولا أعتقد أنَّ أُناسًا كثيرينَ يَفهمونَ ذلك. لِذا، فإنَّ فَكرةَ أن تكونَ مَسيحيًّا بِرُمَّتِها لا تَعني أنَّكَ صِرتَ مُحَصَّنًا ضِدَّ الخطيَّة، بل إنَّ فِكرةَ كَونِكَ مسيحيًّا تعني فقط أَلَّا تُخطئ. وقد تقول: "مَهلاً. هل يُمكنُنا أن نَفعلَ ذلك؟" اصطلاحيًّا، أجل! ولكِن عمليًّا، لا! لأنَّ طَبيعتَنا السَّاقطة تَقِفُ لنا بالمِرصاد. ولكنَّنا نُريدُ أن نفعلَ ذلكَ أكثر فأكثر. وانظروا إلى التَّقَدُّمِ هُنا: "قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ [لأجلِ ماذا؟] لِلْقَدَاسَة". فالبِرُّ يعني أن تَفعلَ الصَّواب. البِرُّ يعني أن تَفعلَ الصَّواب. والقداسةُ هي حَالَةُ الكَمال. وكما أنَّ الإثمَ يَقودُ إلى الإثم، فإنَّ القيامَ بالأمورِ الصَّائبة يُؤدِّي إلى الكَمالِ الرُّوحِيّ، والنُّضجِ الرُّوحيِّ، والانفصالِ التَّامِّ عنِ الخطيَّة. فهذا هو مَعنى القداسة. ويقول "مارتن لويد-جونز" (Martyn Lloyd-Jones)، الَّذي كانَ غالبًا ما يُعَبِّر عنِ الأفكارِ بطريقة وَصفيَّة: "عندما تَستمرُّ في عيشِ الحياةِ البَارَّة ومُمارستِها بِكُلِّ قُوَّتِكَ وطاقَتِك، وتُخَصِّص لها كُلَّ وقتِك وكُلَّ شيءٍ آخر، ستجد أنَّ العمليَّة الَّتي تَمَّتْ مِنْ قَبل والتي أدَّتْ إلى أنَّكَ تَغَيَّرتَ مِن شخصٍ سَيِّئٍ إلى شخصٍ أَسوأ، وَصِرتَ شِرِّيرًا أكثرَ فأكثر...ستجِد أنَّ هذه العَمليَّة قدِ عُكِسَتْ تمامًا. فأنتَ ستصيرُ طاهرًا أكثر فأكثر، ونَقيًّا أكثر فأكثر، ومُقدَّسًا أكثر فأكثر، وأكثرَ شَبَهًا بصورةِ ابنِ الله". وكما تَرَوْن، هذا هو الفَرق. أليسَ كذلك؟ فهذا هو الفَرقُ بين تَفَوُّق تلك الطَّبيعة الجديدة وَتَفَوُّق الطَّبيعة القديمة. وهذا هو الفَرق بين النِّصفِ الثَّاني مِن رُومية 6 حينَ نكونُ تَحتَ سُلطانِ الرَّبِّ، وبين أن نكونَ تحتَ سُلطانِ الخطيَّة. لِذا فإنَّنا نَتقدَّمُ إلى طَهارة أكثر فأكثر، وإلى قداسة أكثر فأكثر؛ في حين أنَّ الخُطاة يَنحدرون، ويَنحدرون، ويَنحدرون، ويَنحدرون. واسمحوا لي أن أُضيفَ مُلاحظةً. فلا أحدَ يَبقى في مَكانِه. فالمسيحيُّون الَّذينَ يَسمحون لأنفُسهِم أن يُخطئوا بسببِ فَهمِهِم الخاطئ للنِّعمة، أو لأنَّهم يَستسلِمونَ للجسد، سيجدونَ أنَّ الخطيَّة تَعمل عَمَلَها فيهم بذاتِ الطَّريقة الَّتي تَعمل بها في غير المؤمنين إذْ إنَّ الخطيَّة ستقودُ إلى الخطيَّة تِلْوَ الخطيَّة، تِلْوَ الخطيَّة، تِلْوَ الخطيَّة. لِذا فإنَّ كُلَّ عُبوديَّة هي عُبوديَّة مُتزايدة. فهي لا تَبقى في مكانِها. عندما كانَ بنو إسرائيل في مِصر (وأنا أُحاولُ أن أستخدِمَ هذا كتشبيه إنِ استطعت) أعطَى اللهُ أمرًا لفِرْعَوْن. وأغلبيَّةُ النَّاسِ يَعرفونَ الأمر: أَطْلِقْ [مَنْ؟] شَعْبِي". هل تَعرفونَ بقيَّةَ الآية؟ فهو لم يَقُل ذلكَ فقط. استمعوا إلى ما قالَهُ الله: "أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي". فأنتُم لن تَفهموا الأمرَ إن لم تَفهموا ذلك الجُزء. "أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي". فَلا أحدَ أُعْتِقَ يومًا مِنَ العُبوديَّة كي يَفعلَ ما يَحلو لَهُ. فعندما أُعْتِقْنا مِنَ العُبوديَّة، كان الهَدَفُ هُوَ أن نَفعلَ ما يُريدُهُ الله. فهو لم يَقُل: "أَطْلِقْ شَعْبِي كي يَعيشوا كما يَشاؤون بقيَّةَ حياتِهم". فهو لم يأمُرْهُ أن يُطلِقَهُم لكي يَعيشوا كما يَشاءون ويَفعلوا ما يَحلو لَهُم. فقد كانت خُطَّةُ اللهِ لَهُم تَقتضي أن يَتِمَّ تَحريرُهم مِنَ عُبوديَّةِ أسيادِهم القُساة في مِصر لكي يَصيروا مُكَرَّسينَ لسَيِّدٍ جديد ويَعبُدونَهُ. وبالمُناسبة، لقد هَلَكَ جِيْلٌ كامِل قبلَ أن يَتعلَّموا هذا الدَّرس. إذًا، نحنُ لم نَتحرَّر مِنَ الخطيَّة لكي نَفعل ما نَشاء، بل تَحرَّرنا مِنَ الخطيَّة لكي نَفعل ما يَشاءُ اللهُ. لذا فإنَّ السُّؤالَ المَطروح في العدد 15 هو سُؤالٌ سَخيف. والآن، أخيرًا، يَتقدَّم بولس في عَرْضِ هذا التَّبايُن خُطوة أخرى إذْ يَتحدَّث عن الوَعْد. فَما هي نَتيجةُ هَذين النَّوعَيْنِ مِنَ العُبوديَّة؟ مِنَ المؤكَّدِ أنَّهُما يَقودان إلى مَكانَيْنِ مُختلفَيْن. انظروا إلى العدد 20. أوَّلاً، ما هي نِهايةُ الخطيَّة؟ "لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ [ماذا؟] الْمَوْتُ". لاحِظ هاتين الآيتين. فَهُما بسيطتان جدًّا، ولكنَّهما عَميقتان جدًّا. فهو يقول: لَمَّا كُنْتُمْ خُدَّامَ (أو عَبِيدَ) الخَطِيَّة في حياتِكُم السَّابقة، في ذلكَ المَقام، ولَمَّا استسلمتُم إلى تلكَ الحياة، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرّ. فقد تَحرَّرتُم تمامًا مِنَ البِرّ. ولم يكن لديكم أيُّ سَبَبٍ يَدعوكُم إلى التَّجاوُبِ معَ البِرّ. فلم تَكُن لديكم حاجة. والبِرِّ لم يَكُن يُطالِبُكُم بشيءٍ لأنَّكُم لم تكونوا قادرينَ على القيام بذلك. ويا لها مِن جُملة مُدهشة! فلا يُمكنُكُم أن تتجاوبوا معَ مَطالِبِ البِرّ. فَهي ليست مُلزِمَة بالنِّسبة إلَيكُم. فنحنُ لا نَجوبُ الشَّوارِعَ قائِلين: "يجب عليكم، أيُّها النَّاس جميعًا، أن تَخضعوا لناموسِ الله". فليسَ هُناكَ سَبَب يَدعوهُم إلى ذلك. وَهُمْ لا يَشعرونَ بوجود حاجة لديهم للقيام بذلك. وهل تُريدون أن تَعلموا شيئًا آخر؟ أنَّهُم لا يَجِدونَ أيَّ فائدة في القيامِ بذلك. فَهُم أحرارٌ مِنَ البِرّ. وَهُم ليسوا مَسؤولينَ تُجاهَ البِرّ. فَهُم مُنقادونَ وَمُنساقونَ وراءَ الخطيَّة. وكُلُّ ما يُمكنُهم أن يَفعلوه هو أن يَقترفوا الخطيَّة. فَهُمْ لَديهم سَيِّد واحد. أمَّا البِرُّ فلا يُمارِسُ أيَّ ضَغطٍ عليهم لأنَّهُ لا يوجد في طبيعَتِهم أيُّ شيءٍ يَجعلُهم يَتجاوبونَ معَهُ. هل تَفهمونَ ذلك؟ وهذه جُملة رائعة! فهناكَ أشخاصٌ لا يَعرفونَ المسيحَ ولكنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّهم أشخاص صَالِحون. والحقيقة هي أنَّهُم عبيدٌ للخطيَّة وأنَّهم أحرارٌ تَمامًا مِنَ البِرّ. فالبِرُّ لا يَملِك أيَّ سَبَب يدعوهم إلى التَّجاوُب مَعَه. ويا لها مِن جُملة! فالعالَمُ مُمتلئ بأُناسٍ يَظُنُّون أنَّهُم صالِحون. فَهُمْ يَظُنُّونَ أنَّهُم يَفعلونَ أمورًا صالحةً، وأشياءَ جيِّدةً، وأمورًا نَبيلة. وعلى المُستوى البشريِّ، هذا صحيح. ولكِن عندما يَبتدئُ اللهُ بالتَّحدُّثِ عنِ مَعاييرِهِ هُوَ، فإنَّهُم أحرارٌ تمامًا مِنَ البِرّ. فَهُم ليسوا مُلْزَمينَ بإطاعةِ البِرّ، وليسوا مُلزَمينَ بِحِفْظِ النَّاموسِ البَارّ. ولا حاجة إلى مُطالبتهِم بذلك لأنَّهم لا يَستطيعونَ ذلك. والحقيقة هي أنَّ بولُس يَستخدِمُ كلمة مُناسِبَة للإشارة إلى "البِرِّ الذَّاتيِّ" أو إلى الشَّخصِ الَّذي يَفعلُ أفضلَ ما لَديهِ بِمَعْزِلٍ عنِ الله. وهل تَعلمونَ ما هي هذه الكلمة؟ "نُفاية". وهذا مُدهش. أليسَ كذلك؟ وإذا كُنتُم تتساءلونَ أين وَرَدَتْ هذه الكلمة، فإنَّها تَرِدُ في رسالة فيلبِّي 3: 7-8. لِذا فإنَّ الآية 20 في نَظري هي جُملة صادِمَة وصاعِقة. فالنَّاس مِن دون يسوع ليسَ لديهم أيُّ التزام تُجاه البِرّ لأنَّهم لا يستطيعون أن يُطيعوه. ويا للعَجَب! لذا، عندما أقولُ إنَّكَ إمَّا أن تكون عبدًا للخطيَّة وإمَّا أن تكونَ عبدًا للبِرّ، فإنَّ هذا هو تمامًا ما يقولُهُ بولس هنا. ولا يوجد أحدٌ في المنطقة الوُسطَى. ثُمَّ انظروا إلى ما يَقولُهُ في العدد 21: "لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟" فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ؟ إنَّ الجوابَ على هذا السُّؤال هو: لم يوجد أيُّ ثَمَر. فالثَّمَر الوحيد الَّذي كان لَكُم قبلَ أن تختبروا الولادة الثَّانية هو ثَمَرٌ ماذا؟ تَستحونَ بِهِ. وكما تَعلمون، أنتُم تَرَوْنَ شخصًا مِن دونِ المسيح. وَهُوَ يَقولُ كلامًا كَبيرًا: "يجب أن أقولَ لكَ ماذا فَعلت. فقد فَعلتُ كَذا". وَهُوَ يُخبِرُكَ عن كُلِّ خطاياه ويَفتَخِر بِكُلِّ هذه الأشياء: "لقد خَدَعْتُ فُلانًا وفُلانًا. وقد فَعلتُ كَذا. وقد فَعلتُ كذا وكذا بِفُلان". وَهُوَ يَفتخرُ بخطاياه. ولكِنْ عندما يأتي إلى يسوعَ المسيح فإنَّ كُلَّ نتائج وثَمَر خطاياه يَدعوهُ إلى ماذا؟ الخَجَل! لِذا فإنَّ بولسَ يَقول: "انظروا! لا تَسألوا سُؤالًا غَبيًّا كهذا: ’الآن، بعدَ أن صِرنا تحتَ النِّعمة، هل نَستمرُّ في الخطيَّة؟‘ فنحنُ نَنظر إلى تلكَ الفترة الزَّمنيَّة، ونَنظر إلى كُلِّ ثَمَر خطايانا فنَجِدُ أنَّ الشَّيءَ الوحيدَ الَّذي نَشعُرُ بهِ هو ماذا؟ العَار". وأنا أُقَدِّر دائمًا أن يأتي أشخاصٌ، ويُشاركوا شَهادَتَهُم، ويَحْكُوا كيفَ أنَّهُم جاءوا إلى يسوعَ المسيح، وكيفَ أنَّهُم خَرَجُوا مِن بيئة خاطئة ومُريعة وقَذِرَة. وعندما يأتي أُناسٌ حقًّا إلى يسوعَ المسيح، فإنَّ هذا الأمرَ هو آخرُ شيءٍ يَرغبونَ في التحدُّثِ عنه. صحيحٌ أنَّهُم قد يَرغبونَ في التحدُّثِ عن كيفَ أنَّ الرَّبَّ خَلَّصَهُم مِنَ المُخَدِّراتِ، أو مِنَ الجَريمة، أو مِن خطيَّة شرِّيرة أو ما شَابَهَ ذلك، ولكنَّهُم لا يِجِدونَ مُتعةً في تلكَ الخطيَّة بعدَ إيمانِهم. فهي عَارٌ عليهم. لِذا، إن كانَ ذلكَ صحيحًا، لماذا تُريدُ أن تأتي إلى المسيحِ ثُمَّ تَعودُ إلى الخطيَّة في حين أنَّ الثَّمرَ الوحيدَ لذلك الشَّيء هو أنَّنا كُنَّا نَخجَل مِنه؟ وقد قالَ "جون كالفن" (John Calvin): "حَالما يبتدئ الإنسانُ التَّقِيُّ بالحُصولِ على الاستنارةِ بروحِ المسيحِ والكرازةِ بالإنجيل، فإنَّهُ يُقِرُّ تِلقائيًّا بأنَّ حياتَهُ السَّالفةَ كُلَّها الَّتي عاشَها مِن دونِ المسيح تَستحقُّ الدَّينونة. فَهُمْ أبعدُ ما يكون عن إيجادِ العُذرِ لأنفسِهم. بل إنَّهُم في الحقيقة يَخجلونَ مِن أنفسهم. والحقيقة هي أنَّهم يعيشونَ وَهُمْ يَشعرون دائمًا بالعَارِ في أذهانِهم حَتَّى إنَّ ذلكَ الشُّعورَ بالعارِ يَجعلُهم حقًّا مُتواضعينَ أكثر أمامَ الله". إنَّها جُملة رائعة. فثمرُ الخطيَّة لا يَفعل شيئًا سوى أنَّهُ يَملأهم بالشُّعورِ بالعار. ولا بُدَّ أنَّكَ شَعرتَ بذلك في حياتِك. فيُمكنكَ أن تَنظر إلى حياتِكَ السَّابقة، قبلَ أن تَعرِفَ يسوعَ المسيح، وأن تَرى الكثيرَ مِنَ الأشياءِ الَّتي تَخجَل مِنها. وأنتَ لا تَرغب في التَّحدُّثِ عن ذلك. وأنتَ لا تَفتخِر بذلك. ولكنَّ النَّاسَ الَّذينَ لا يَعرفونَ المسيح يَفتخرونَ بالشَّيءِ الَّذي تَخجلونَ أنتُم مِنه. وإلى ماذا يَقودُ هذا كُلُّه؟ نَقرأ في العدد 21 أنَّ نهاية تلكَ الأشياء هي الموت. فلماذا سيختار المؤمِن الَّذي تَبَرَّرَ بالنِّعمةِ بالإيمان، والذي جاءَ إلى يسوعَ المسيح وأُعطِيَ الخِيارَ في أن يَفعلَ الصَّواب، لماذا سيختارُ أن يُخطئ في حين أنَّ الخطيَّة لا تَلِد سوى الخطيَّة والموت والعار؛ وهي أمورٌ أُعتِقَ مِنها جميعها؟ ولِعِلمِكُم، لقد كانَ بولسُ يُقيمُ حُجَّةً هُنا، يا أحبَّائي. فإن أخطأنا، نكونُ أغبياء حقًّا. لذا فإنَّ الطَّريقةَ الَّتي يَستخدِمُها الشَّيطانُ لإغوائنا بأن نُخطئ هي أن يَمنَعَنا مِن ماذا؟ التَّفكير. فالخطيَّة تُؤدِّي إلى الموت. وما هو هذا الموت؟ الموتُ الثَّاني، أوِ الموتُ الرُّوحيُّ وجَهَنَّم، أو موتُ النَّفس. فهذهِ هي نِهايةُ الخطيَّة. وهذا هو ثَمَرُها. والآن، إذا كانَ كُلُّ الثَّمرِ الَّذي يُمكنكم أن تُثمروه عندما تُخطئون هو ثَمَرٌ يُنتِجُ عَارًا وموتًا روحيًّا وأبديًّا، وإن كانت الخطيَّة هي قاتِلٌ قَبيحٌ للنَّفس، ما السَّبب الَّذي يَدفَعُكُم إلى أن تُقدِّموا أجسادَكُم للخطيَّة؟ لا يوجد سبب. لا يوجد سبب. ولكِن ماذا عنِ السَّيِّد الثَّاني؟ انظروا إلى العدد 22: "وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّة". ويُمكنني أن أقولَ لكم إنَّني تَرعرعتُ على حُبِّ هذه الآية. فقد قرأتُها مرَّات كثيرة. وقد عَلَّمْتُ رسالة رُومية (كما يَذكُرُ البعضُ مِنكُم) في سنة 1969 هُنا. فقد دَرَسناها دراسة سريعة أصحاحًا أصحاحًا. وقد كُنتُ في تلكَ الأيَّامِ شَابًّا وأحمَق. وقد استنفذتُ كُلَّ معرفتي بِسُرعة كبيرة. ولكِن عندما دَرستُ هذا النَّصَّ وذاكَ النَّصَّ وقرأتُ هذه الكلمات: "وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّة"، شَعرتُ بالفرحِ يَملأُ قلبي. وقد كُنتُ أُفَكِّرُ في آيةٍ سابقة. انظروا معي إلى الأصحاح 4 والعدد 6 إذْ يَقولُ بولس: "كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضًا فِي تَطْوِيبِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرًّا بِدُونِ أَعْمَال: «طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً»". وهذا هو الجزء الأوَّل. ويا لها مِن بَرَكَة عظيمة أنْ نَعلمَ أنَّ اللهَ لا يحسِب لنا خطيَّة. وهذا جانبٌ واحدٌ فقط. أمَّا هُنا في الأصحاحِ السَّادس، يا لها مِن بَرَكة مُضاعَفة أن نَعلمَ أنَّ الأمرَ لا يَقتصر فقط على أنَّ اللهَ لا يَحسِب لنا خطيَّة، بل أنَّهُ يُحَرِّرُنا أيضًا مِن سَطْوَتِها. فَيَكفي أن أَعلمَ أنَّني لستُ مُضطرًّا إلى اقترافِ الخطيَّة، وأنَّني لستُ خاضعًا لها. فهذه حقيقة رائعة جدًّا. لذا، نَقرأ في العدد 22: "وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ"...وهذا لا يعني أنَّكُم لم تَعودوا تُخطئونَ البَتَّة، بل يعني أنَّكُم أُعتِقتُم مِن سُلطانِها. فأنتُم لستُم مُضطرِّينَ إلى اقترافِ الخطيَّة. "وَصِرْتُمْ عَبِيدًا للهِ". ونَجِدُ هُنا الكلمة "عَبْد" مَرَّةً أخرى. "فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ"...وَهُوَ ثَمَرٌ مُختلفٌ تمامًا. والكلمة "ثَمَر" تَعني "فائدة" أو "نَتيجة". وما هو ثَمَرُنا؟ ما هو؟ "القَدَاسَة". ونَقولُ مَرَّةً أخرى إنَّ هذه ليست فقط نَتيجة إلزاميَّة بِمَعنى أنَّكُم مُلزَمونَ بالقيامِ بذلك، بل هي حقيقة. فأنا أُوْمِنُ بأنَّكَ إذا كُنتَ مُخَلَّصًا حقًّا، وأنَّ حَياةَ اللهِ تَسكُنُ فيكَ، وأنَّكَ خَليقة جديدة، فإنَّ القداسة ستَظهَر. فأنا أُوْمِنُ بذلك. وأنا أُوْمِنُ بأنَّكَ لا يُمكن أن تكونَ مَسيحيًّا مِن دُونِ ثَمَر البَتَّة. صَحيحٌ أنَّكَ قد تُضطرُّ إلى البحثِ طَويلاً عن ثَمَر إلى أن تَجِد حَبَّةَ عِنَب ذَابِلَة هُنا أو هُناك، ولكِن لا بُدَّ مِن وُجود ثَمر. لا بُدَّ مِن وُجود ثَمَر. وَثَمَرُكُم هُوَ للقداسة. ولا أدري ماذا تَشعرونَ عندما تَقرأونَ الكلمة "قَداسة"، ولكنَّها كلمة جميلة. وأعتقد أنَّني أُحِبُّها لأنَّها أَروعُ صِفَةٍ مِن صِفاتِ الله. ففي إشعياء 6، نَقرأُ أنَّ اللهَ قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوس. ولا شَكَّ في أنَّ مُجَرَّدَ التَّفكيرِ في أنَّهُ يجب علينا أن نَكونَ قِدِّيسينَ كما أنَّ اللهَ قُدُّوسٌ هي فكرة رائعة. صحيحٌ أنَّنا لا نستطيعُ أن نكونَ آلهةً، ولكنَّنا نستطيعُ أن نَتَمَثَّلَ بِهِ عندما نَسْلُكُ في القَداسة. إذًا، فقد أُعْتِقْنا مِنَ الخطيَّة. فهي لا تَستطيعُ أنْ تُطالِبَنا بأيِّ شيء. وقد صِرنا عَبيدًا للهِ ولنا ثَمَر جديد ونهاية جديدة وهي: القداسة. والى ماذا يُفْضِي ذلك؟ "والنِّهايةُ حَياةٌ أبديَّة". فالنِّهاية في العدد 21 هي ماذا؟ نِهايةُ هذه الأشياء هي ماذا؟ موت. العدد 21. والنِّهاية في العدد 22 هي حياة أبديَّة. وهذا هو ما أُسَمِّيهِ: "الوُعود". فالأمرُ يَبتدئُ بالمَقام. فأنتَ إمَّا أن تكونَ عَبدًا للخطيَّة وإمَّا أن تكونَ عَبدًا لله. والتَّطبيقُ هو أن تَعيشَ حياةً تَتقَهقَرُ فيها فتَصيرُ شِرِّيرًا أكثرَ فأكثرَ فأكثر، أو تَنمو فيها فتصيرُ قِدِّيسًا أكثرَ فأكثرَ فأكثر. ثُمَّ يأتي الوعد. فالنِّهاية في الحالةِ الأولى هي الموت. والنِّهاية في الحالة الثَّانية هي حياة أبديَّة. والآن، هل يُمكنُني أنْ أُشيرَ هُنا إلى أنَّ الحياة الأبديَّة لا تُشيرُ إلى مُدَّةِ هذهِ الحياةِ بِقَدْرِ ما تُشيرُ إلى نَوعيَّتِها؟ فهي لا تَعني في المقامِ الأوَّل أنَّكَ ستعيشُ حياةً إلى الأبد لأنَّهُ لا يوجد مَغزى للحياةِ إلى الأبد ما لم تَكُن نوعيَّةُ الحياةِ تَستحقُّ العيشَ إلى الأبد. أليسَ كذلك؟ لذا، فإنَّها تُشيرُ إلى نَوعيَّةِ تلكَ الحياة. فنحنُ نَدخُلُ إلى حياةٍ تَتَّسِمُ بأنَّها أبديَّة. وهذا يعني أنَّها حياة مِن نوعٍ خارقٍ للطَّبيعة، وحياة مِن نوعٍ أبديٍّ يَنتمي إلى الله. فحياةُ اللهِ ستكونُ فينا، وهي حَياة فَيَّاضة. لِذا، هذه هي الطَّريقة الَّتي يَستخدِمُها بولسُ لإظهارِ التَّبايُن. لذا فإنَّهُ يَنتقل مِنَ المُعتَرِض إلى الرَّدّ، ثُمَّ إنَّهُ يَذكُر القاعدة البديهيَّة في العدد 16، ثُمَّ يأتي إلى الحُجَّة في الأعداد مِن 17 إلى 22. وأخيرًا، نأتي إلى الحَقيقة المُطلَقة...الحَقيقة المُطلَقة. وأنتُم تَعرفونَ هذه الآية...رُبَّما مُنذُ الطُّفولة. العدد 23. والآن اسمعوني: إنَّهُ يقولُ هنا إنَّ هناكَ سَبَبًا يَجعلُ الخطيَّة تَسودُ في حياةِ الإنسان، وتُهيمِن عليه، وتَقودُهُ إلى أن يصيرَ شرِّيرًا أكثرَ فأكثرَ فأكثر إلى أن يَنتهي الأمرُ بالموتِ الأبديّ. وهُناكَ سَبَبٌ في أنَّ البِرَّ في حياةِ الإنسانِ يَقودُهُ إلى أن يكونَ بارًّا أكثر فأكثر فأكثر، وأن يَدخُلَ إلى مِلْءِ الحياةِ الأبديَّة. والسَّببُ هو أنَّهُ يوجد ناموسٌ مُطْلَقٌ، وأنَّ ذلكَ النَّاموسَ يَعملُ دُونَ هَوادَة. أمَّا النَّاموسُ فَهُوَ: "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ"، ثُمَّ نَجِدُ خُلاصةَ هذا الأصحاحِ كُلِّه: "بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". فهذه هي الحقيقة الإلهيَّة المُطلقة والحَتميَّة. فلا يوجد أيُّ احتمالٍ بِخَرْقِها. فهذه هي الطَّريقة الَّتي تَعمل بها دائمًا. ولا يُمكن لأيِّ شخصٍ أن يَتحايَلَ على القانونِ المُطلَق. فالسَّببُ في أنَّ الخطيَّة تُؤدِّي إلى الخطيَّة ثُمَّ إلى الخطيَّة، ثُمَّ تَفْضِي إلى الموت هو أنَّ أُجرةَ الخطيَّة هي موت. والآن، ما مَعنى ذلك؟ إنَّ الكلمة "أُجرة" هي كلمة مُدهشة جدًّا. وهي تَعني ما تَقول. فهي تعني: "شيئًا تَكسَبْهُ". والحقيقة هي أنَّ هذه الكلمة كانت تُستخدَم عادةً للإشارة إلى الطَّعام الَّذي كان يُعطَى للجُنود في أثناء خِدمتهم العسكريَّة مُقابل قيامِهم بواجبهم. فهو مُجَرَّد تعويض عن الخدمة الَّتي يُقَدِّمونها. أُجرة. فهي تَعني ببساطة أن تَتقاضَى أَجْرَكَ. والفكرة هي كما يَلي: أنتَ تَستحقُّ الموت. أجل، أنتَ تَستحقُّه. فعندما يَحكُمُ اللهُ على إنسانٍ بالموتِ الأبديِّ، أو بجهنَّم الأبديَّة، فإنَّ السَّببَ في ذلك هو أنَّ ذلكَ الإنسان استحقَّ ذلك. فهذهِ أُجرة عادلة، وهي تَعويضٌ مُناسبٌ عن خطيَّته لأنَّ هناكَ قانونًا ثابتًا في الكَوْن يقول إنَّ أُجرةَ الخطيَّة هي موت. وَهُوَ مِثلُ أيِّ قانونٍ آخر...كقانون الجاذبيَّة. فقانون الجاذبيَّة يقول إنَّكَ إن قَفزتَ مِن مكانٍ مُرتفع فإنَّكَ ستَسقُط إلى أسفل. فهذا قانون. فهكذا خُلِقَ الكَون. وكما أنَّ اللهَ وَضَعَ قوانينَ في هذا الكونِ الماديِّ، فإنَّهُ وَضَعَ أيضًا قوانينَ في النِّطاقِ الرُّوحيِّ. وهذا واحدٌ مِنها. فأُجرةُ الخطيَّة هي موت. فأُجرةُ الخطيَّة هي الموت؛ أي الموت الأبديّ أو الموت الرُّوحيّ. فهذا هو ما حَصلتَ عليهِ بِجدارَتِك. والحقيقة هي أنَّني سأقولُ ذلك بطريقة أخرى: إنَّ العَدالة مُلْزَمَة بِدفعُ الأُجرة؛ وإلَّا فإنَّها تَحْرِمُ الأجيرَ أَجْرَهُ. فعندما يُعطي اللهُ الموتَ الأبديَّ لأحدِ الأشخاصِ، فإنَّهُ يُعطيهِ ما تَعِبَ لأجلِهِ، وما كَسِبَهُ، وما استحقَّهُ، وما رأى اللهُ أنَّهُ الأجْرُ المُناسِبُ لحياةِ هذا الشَّخص. بعبارة أخرى، إنْ لم يُعْطِ اللهُ هذا الشَخصَ جَهَنَّمَ الأبديَّة، سيكونُ ذلكَ ظُلْمًا. واللهُ لا يُمكنُ أن يكونَ ظالمًا. فإن كُنتَ تَستحقُّ الموتَ بسببِ خطاياك، يجب أن تحصل عليه. وأولئكَ الَّذينَ يَأملونَ في الحُصولِ على الغُفران، وأولئكَ الَّذينَ يَرْجُونَ الحُصولَ على التَّحرير مِن دونِ المسيح إنَّما يَأمَلونَ في أن يكونَ اللهُ ظَالِمًا. واللهُ لا يُمكنُ أن يكونَ ظالمًا. وهناكَ جانب آخر في هذه الحقيقة المُطلَقة...مُبارَكٌ اللهُ! فالآية تقول: "وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ". فالحياةُ الأبديَّة هي ليست أُجرة. هل لاحَظتُم التَّغيير؟ فهي ماذا؟ هِبَة. وهل يُمكنُكَ أن تَكسَبَ الحياةَ الأبديَّة؟ لا. فهي هِبَة. والحقيقة هي أنَّ الكلمة تعني حرفيًّا: "هِبَة مَجَّانيَّة". ويمكنكم أن تَكتُبوا ذلكَ في كِتابِكُم المُقدَّس. فالآية تقول: وأَمَّا هِبَةُ اللهِ المَجَّانيَّة...". فلكي نَتَجَنَّبَ أيَّ تشويش: إنَّها هِبَة مَجَّانيّة. فلا يمكنك أن تكسبها بأعمالِك. ولا يمكنكَ أن تحصل عليها بِتَدَيُّنِك. فلا يمكنكَ أن تَكسبها. نُقطة! وهذا يُذَكِّرُنا بما جاءَ في رسالة أفسُس 2: 8-9: "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ". فلا يوجد استحقاق. ولا يوجد كَسْب، ولا توجد جَدارة. بل إنَّها هِبَة. إذًا، إنْ أردتَ الحُصولَ على ما تَستحِقُّهُ فإنَّ اللهَ سيُعطيكَ إيَّاه. أمَّا إن أردتَ أنْ تَحصُلَ على ما لا تَستحقُّهُ فإنَّ اللهَ سيُعطيكَ ذلكَ أيضًا. وقد تقول: "وكيفَ أحصُل على ذلك؟" يا لَهُ مِن أصحاح؟ أنا لا أريدُ أن أكونَ عَبْدًا للخطيَّة. وأنا لا أريدُ أن أَتحرَّرَ مِن أن أكونَ قادرًا على فِعْلِ الصَّواب. وأنا لا أريدُ أن أنتقلَ مِن خطيَّة إلى خطيَّة إلى خطيَّة، وَمِن أن أكونَ شِرِّيرًا إلى شخصٍ أكثر شَرًّا فأكثرَ شَرًّا إلى أنْ أذهبَ في النِّهاية إلى الموتِ الأبديّ. فأنا لا أريدُ أن أفعلَ ذلك. بل أُريدُ هِبَة الحياة الأبديَّة. فكيفَ أحصُل عليها؟" حسنًا! كيفَ يَنتهي الأصحاح؟ ما الَّذي يَقولُه؟ "بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". وهذه هي الذُّروة العُظمى لهذا الأصحاح. وما أعنيه هو أنَّ هذا الأصحاح قويٌ جدًّا. وأنتُم تَعلمونَ ذلكَ مِن خلالِ ما جاءَ في نهايةِ الأصحاح، ولكنَّكُم بحاجة فقط إلى التَّذكيرِ بكيفيَّة الحُصول على ذلك. "بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". فهل توجد طريقة أخرى؟ لا توجد طريقة أخرى. "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أعمال الرُّسُل 4: 12). لأنْ ليسَ اسمٌ آخر...لأنْ ليسَ اسمٌ آخر. فقد قالَ يسوع: "أَنَا هُوَ الباب". فالطَّريقُ الوحيدُ للدُّخولِ هُوَ مِن خِلالي. وقد قالَ يسوع: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي". وهذه أكثر جُملة ضَيِّقَة الأُفُق قِيْلَتْ يَومًا. أجل! ولكنَّها صحيحة. وقد تكونُ ضَيِّقَ الأُفُق عندما تكونُ على حَقّ. فقد قالَ يسوع: "أنا هو الطَّريق". فأنا الطَّريقُ الوحيد. "بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". ولا يُمكنُني ... أنا لا أدري ما الَّذي يُمكنني أن أقولَهُ للعالم كي أُقَدِّمَ لهم هِبَةَ الخلاص سِوى أن أُخبرهم بما جاءَ في هذا الأصحاح. فهو مُدهشٌ جدًّا في نَظري: أن أُعْتَقَ مِنَ الخطيَّة، وأنْ أَرِثَ الحياةَ الأبديَّة، وأن أُعْتَقَ مِن سُلطانِ الخطيَّة، والشُّعورِ بالذَّنب، وكُلِّ تلكَ الأشياء، وأن أصيرَ حُرًّا مِن أجلِ القيامِ بما هُوَ صَائبٌ ويُمَجِّد الله. وعوضًا عنِ النَّظرِ إلى حياتكَ السَّابقة والشُعورِ بالعَار، فإنّكَ تَنظُر إلى حياةٍ مُمتلئة بالأشياءِ الَّتي تَستطيعُ أن تَشكُرَ اللهَ عليها. وعوضًا عن أن تَتَرقَّبَ الموتَ، أيِ الموتَ الأبديَّ، فإنَّكَ تَتَرقَّبُ حياةً...حياةً أبديَّة بيسوعَ المسيحِ رَبِّنا. إذًا، لقد عَلَّمَنا الأصحاحُ السَّادسُ في الأعداد الأربعةَ عَشر الأولى أنَّنا مُتَّحِدونَ بالمسيح لأنَّنا مُتْنا معهُ، وقُمنا معهُ. وبوصفِنا خَلائق جديدة نَتمتَّع بحياة القيامة، فإنَّنا نَسلُكُ في جِدَّةِ الحياة. لذا، يجب علينا أن نَخضَعَ لذلك المبدأ الحياتيّ الجديد؛ أيْ أنْ نُخضِعَ طبيعَتَنا السَّاقطة، أو بشريَّتَنا، أو أجسادنا المائتة لتلكَ القوَّة الحياتيَّة الجديدة. ثُمَّ في النِّصفِ الثَّاني مِنَ الأصحاح، يَستخدِم بولس تَشبيهًا آخر لِقولِ الشَّيءِ نَفسِه. فقد كُنَّا عَبيدًا للخطيَّة، ولكنَّنا صِرنا الآنَ عَبيدًا للبِرّ. لذا، مِن جِهَة، لقد مُتنا كي نَسلُكَ في جِدَّةِ الحياة. ومِن جِهَة أخرى، لقد صَارَ لدينا سَيِّدٌ جديد. والأمرانِ وَجْهانِ لِعُملة واحدة. فالخطيَّة لا تُعْتِقُكَ كي تُخطئ، بل تُعتِقُكَ مِنَ الخطيَّة أوَّلَ مَرَّة في حياتِكَ كي تَعملَ الصَّواب. فالخلاصُ يأخُذُ أشخاصًا غير مُقَدَّسين ويَجعَلُهم مُقَدَّسين. والخلاص هو دَعوة مِنَ الخطيَّة إلى القداسة. ولا يُمكن لأيِّ كِرازة أن تَصمُد مِن دونِ هذا النَّوعِ مِنَ التَّأكيد. فأيُّ شيءٍ غير هذا النَّوع مِن عَمَلِ الكِرازة هو في نَظري: نِعمَة رخيصة. فأنا أعتقد أنَّهُ يجب علينا أن نقولَ للنَّاس: "انظروا! احْسِبوا النَّفَقة. فعندما تأتونَ إلى يسوعَ المسيح فإنَّهُ يَدعوكُم إلى تَركِ الخطيَّة والعيشِ بقداسة. وإن لم تكونوا مُستعدِّينَ للمجيءِ إليهِ وفقًا لهذه الشُّروط، لا توجد شُروط أُخرى مُتاحَة". فيسوعُ لا يَبحث عن أشخاصٍ يريدونَ أن يُضيفوهُ إلى خطاياهُم. وهو لا يَبحث عن أشخاصٍ يريدونَ أن يُضيفوهُ إلى نَمَطِ حَياتِهم. بل إنَّهُ يَدعو أُناسًا يريدونَ أن يموتوا ويقوموا ثانيةً. وَهُوَ يَدعو رجالاً ونساءً يُريدونَ أن يقولوا "لا" للسيِّد الحاليّ وَ "أجل" للسيِّد الجديد. النِّعمَة تَستُرُ الخطيَّة. هذا صحيح، ولكنَّها لا تَتهاوَن معَها. كذلك، فإنَّها تُغَيِّر الخاطئ. واسمحوا لي أنْ أَخْتِمَ كَلامي بما يلي. فقد كَتَبَ "ديتريك بونهوفر" (Dietrich Bonhoeffer)، اللَّاهوتيُّ والمُفَكِّرُ الألمانيُّ الَّذي كانَ يَحيدُ أحيانًا عنِ الهدف، ويُصيبُ أحيانًا الهدف...كَتَبَ ما يلي: "النِّعمة الرَّخيصَة تعني تَبرير الخطيَّة مِن دونِ تَبرير الخاطئ الَّذي ينبغي أن يَبتعِد عنِ الخطيَّة وأن تَبتعِدَ الخطيَّةُ عنه. فالنِّعمة الرَّخيصة هي ليست نوعَ غُفرانِ الخطيَّةِ الَّذي يُحرِّرُنا مِن عواقبِ الخطيَّة. فالنِّعمة الرَّخيصة هي نعمة مِن دونِ تَلمذة، ونِعمة مِن دونِ الصَّليب، ونِعمة مِن دونِ يسوعَ المسيح. أمَّا النِّعمة المُكْلِفَة فإنَّها النَّعمة الَّتي يُسبِغُها المَسيحُ نَفسُهُ والَّتي تُغْدَقُ الآنَ على التِّلميذ كي يَتركَ الكُلَّ ويَتبَعَهُ". وعندما كانَ "لوثر" يتحدَّثُ عنِ النِّعمة، كانَ يُلَمِّحُ دائمًا إلى أنَّ ذلكَ استَلزَمَ بالضَّرورة أن يُكَرِّسَ كُلَّ حياتِهِ...الحياةَ الَّتي أُخضِعَت أوَّلَ مَرَّة إلى الطَّاعةِ المُطلقةِ للمسيح. وَيا لِغِبْطَةِ أولئكَ الَّذينَ يَعلمونَ أنَّ النِّعمة تُعطينا القُدرةَ على أن نعيشَ في العالمِ مِن دون أن نكونَ مِنْهُ، والَّذينَ بسبب اتِّباعِهم ليسوعَ المسيح فإنَّهُم مُتيقِّنينَ جِدًّا مِن مُواطَنَتِهم السَّماويَّة حتَّى إنَّهُم يعيشونَ حياتَهُم أحرارًا بِحَقّ في هذا العالم. وهذه هي النِّعمة الَّتي يَدعونا اللهُ إليها في المسيح. فما مَعنى أن تكونَ مَسيحيًّا؟ لقد قالَ الأصحاحُ الخامسُ إنَّها تَعني أن تكونَ مُتيقِّنًا. والأصحاحُ السَّادسُ يقول إنَّها تَعني أن تَتحرَّرَ مِنَ الخطيَّة. والأصحاحُ السَّابعُ سيُخبرنا أنَّهُ ما تزالُ هناكَ مَعركة. والأصحاحُ الثَّامنُ سيُخبرنا كيفَ نُحَقِّق النَّصْر. دَعونا نُصَلِّي معًا: يا رَبّ، نَشكُرُكَ جِدًّا في هذا المساء على كَلِمَتِك. فيا لِغِناها! نَشكُرُكَ لأنَّنا قد أُعْتِقْنا مِنَ الخطيَّة. وإنْ لم نَكُن نُبالي بذلكَ في هذا المساء، سامِحنا. يا لها مِن هِبَة مَجيدة! ولكِنْ ما أكثرَ ما نَستَخِفُّ بهذا الكَنزَ الَّذي لا يُقَدَّر بثمن! وما أسهلَ ما نَسمحُ للجسدِ أن يَفعلَ ما يَشاء وأن يَهزأَ بحُريَّتِنا! نَشكُرُكَ على تَذكيرِنا، يا رَبّ، بأنَّنا عَبيدٌ للطَّاعة (كما يقولُ بولس في إحدى الآيات)، وعبيدٌ للبِرّ (كما يَقولُ في آية أخرى)، وعبيدٌ لله (كما يَقولُ في آية أخرى). وهذه كُلُّها تَعني الشَّيءَ نَفسَهُ. ونحنُ قد أُعتِقنا مِن هَيمنةِ الخطيَّة. نُبارِكُكَ على ذلك. ويا لَيتَنا نَعيشُ عَمليًّا بحسب مَقامِنا مِن دونِ أن نَعودَ إلى الأشياءِ الَّتي جَلَبَتِ العارَ والموت، بل أن نَعودَ دائمًا إلى الأشياءِ الَّتي تُثمِرُ بِرًّا وقداسةً وحياة. فيما تَحْنونَ رُؤوسَكُم قليلاً، إنْ لم تأتِ حتَّى الآن إلى يسوعَ المسيح، ولم تَقبلهُ مُخَلِّصًا ورَبًّا، فإنَّكَ لم تُعْتَق بعد مِنَ الخطيَّة، بل إنَّها ستَقتُلُك. ولكِنَّ يسوعَ يُقدِّم حُرِّيَّتَهُ إليكَ إنْ أبديتَ استعدادَكَ لأن تُقَدِّم لهُ حَياتَك، وإنْ آمنتَ بأنَّهُ هُوَ اللهُ الظَّاهِرُ في الجسد الَّذي ماتَ وقامَ ثانيةً لأجلك. افتَح قلبَكَ الآنَ لَهُ وَقُل: "أُريدُ أن أتحرَّر مِنَ الخطيَّة، وأريدُ أن أكونَ عَبْدًا للبِرِّ وأن أنالَ الحياةَ الأبديَّة". وإن كُنتَ مُؤمِنًا، أَكِّد للهِ شُكرَكَ على الحُريَّة الَّتي وَهَبَكَ إيَّاها. وَقُل لَهُ أنَّكَ شاكِرٌ لأنَّكَ لستَ مُضطرًّا إلى اقترافِ الخطيَّة، ولأنَّكَ أُعتِقْتَ مِن عُبوديَّةِ وسَطْوَةِ ذلكَ السَّيِّد القَديم. ثُمَّ اطلُب مِنهُ الغُفرانَ على الأوقاتِ الَّتي أَطعتَ فيها سَيِّدًا لم يَكُن قادرًا على إلزامِكَ بأيِّ شيء؛ ولكنَّكَ أخطأتَ بسببِ ضَعفِكَ البشريِّ. ثُمَّ اطلُب مِنهُ أن يَقودَكَ في طَريقِ القداسةِ كي تُحَقِّقَ في حياتِكَ كُلَّ ما يُريدُ مِنكَ مِن جِهَةِ الطَّهارةِ والطَّاعة. يا أبانا، نَسألُكَ أن تَعملَ عَمَلَكَ في كُلِّ قلبٍ كي نَفهمَ حَقًّا مَعنى أن نكونَ أحرارًا، وكي نَفرَح بتلكَ الحُريَّة، وأيضًا كي يُعْتَقَ أُناسٌ في هذا المساء. نُصَلِّي هذا باسمِ المسيح. آمين! |
|