رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قيامة المسيح في ضوء الإيمان (لوقا 24: 36-43) يُبيّن لوقا الإنجيلي أنَّه لم يكن بإمكان التَّلاميذ أن يعطوا جوابًا كاملاً عن قيامة يسوع المسيح، قبل أن يظهر لهم حيًا في عدة ظهورات بعد موته على الصَّليب. وقد أبطَأ التَّلاميذ أنفسهم طويلًا قبل أن يؤمنوا بالقيامة، في أوقات الظُّهورات، بسبب شدة رسوخ عدم الإيمان في قلب الإنسان، كما جاء في كلام يسوع لتلميذي عِمَّاوُس: "يا قَليلَيِ الفَهمِ وبطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ" (لوقا 24: 25). لكن يسوع استطاع أن يتغلب على قلة إيمان الاثني عشر بإعطائهم علامات على حقيقة قيامته وواقعها، كما يؤكد سفر أعمال الرُّسل "أَظهَرَ لَهم نَفْسَه حَيًّا بَعدَ آلامِه بِكَثيرٍ مِنَ الأَدِلَّة، إِذ تَراءَى لَهم مُدَّةَ أَربَعينَ يَومًا" (أعمال الرُّسل 1: 3). شكَّ التَّلاميذ الشُّهود على قيامة الرَّبّ أولا، لكنَّهم اقتنعوا في آخر الأمر بحقيقة قيامة الرَّبّ. لقد عرفوا أنه يسوع لأنَّهم رأوه وسمعوه واستطاعوا أن يلمسوه وان يروه يأكل. فليس القائم من الموت "روحًا" بل جَسَده حقيقي لكن بوضع جديد. ويُعلق البابا فرنسيس: " ليست مسألة ظهور نفس يسوع، إنَّما حضوره الحقيقي بالجَسَد القائم من الموت". يسوع القائم من الموت ليس روحًا، إنه إنسان بالجَسَد والرُّوح. وعندما صار التَّلاميذ على صلة بالمسيح الحَّي، أمكنهم أن يُعلنوا أن الله أقامه من بين الأموات، كما اكَّد ذلك بولس الرَّسول: " تَنتَظِروا أَن يَأتِيَ مِنَ السَّمَواتِ ابنُه الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَمْوات، أَلا وهو يسوعُ الَّذي يُنَجِّينا مِنَ الغَضَبِ الآتي" (1 تسالونيقي 1: 10)، ويعلق الطُّوباويّ غيريك ديغني "إن كان الرَّبّ يسوع حيًّا، فهذا يكفيني!". الإيمان بالمسيح القائم معناه أن نختار بين حكمتين، إمَّا أن نضع الثِّقة في حكمة الله، ومعناه الثِّقة بقدرة الله القادر على كل شيء (مزمور 115: 3) وبقدرته الذي أقام يسوع من بين الأموات. وإمَّا أن نعتمد على حكمتنا الذاتيَّة (أمثال 3: 5)، لانَّ عدم الإيمان يبلغ ذروته عندما لا يستسلم العقل للحكمة الإلهيَّة التي تختار الصَّليب طريقًا للمجد، كما جاء في تعليم بولس الرَّسول: " فلَمَّا كانَ العَالَم بِحِكمَتِه لم يَعرِفِ اللّه في حِكمَةِ اللّه، حَسُنَ لَدى اللّه أَن يُخَلِّصَ ألمُؤمِنينَ بِحَماقةِ التَّبشير؟ ولَمَّا كانَ اليَهودُ يَطُلبونَ الآيات، واليونانِيُّونَ يَبحَثونَ عنِ الحِكمَة، فإِنَّنا نُبَشِّرُ بِمَسيحٍ مَصْلوب، عِثارٍ لِليَهود وحَماقةٍ لِلوَثنِيِّين، وأمَّا لِلمَدعُوِّين، يَهودًا كانوا أَم يونانِيِّين، فهُو مسيح، قُدرَةُ اللّه وحِكمَةُ اللّه" (1 قورنتس 1: 21-24). لا نؤمن معناه ألاَّ نقول لله "آمين"، ونرفض العلاقة التي يريد الله أن يُقيمها مع الإنسان. ويُعبَّر عن رفض الإيمان بالشَّك في وجود الله، كما يقول صاحب المزامير " لِمَ تَقولُ الأُمَم: ((أَينَ إِلهُهم))؟ " (مزمور 115: 2)، أو بالشَّك في حضوره تعالى الفعَّال في مجرى التَّاريخ " لِيُبادِرْ ولْيُعَجِّلْ في عَمَلِه حتَّى نَرى ولْيَقتَرِبْ ويَحضُرْ تَدبيرُ قُدُّوسِ إِسْرائيلَ حتَّى نَعلَم " (أشعيا 5: 19)، أو بالشَّك في حُبِّه وقدرته الكليَّة، أو بالشَّك في سيادة إرادته وخاصة في قيامته. والخط الفاصل بين الإيمان وعدم الإيمان، يظهر في داخل قلب كلِّ إنسان، كما صرخ والد الصَّبي المصاب بالصَّرع بمّا شفى يسوع ابنه: "آمنتُ، فشَدِّدْ إِيمانيَ الضَّعيف" (مرقس 9: 24). يُوجد درجات مختلفة لعدم الإيمان في صفوف المؤمنين. فالبعض يظهرون أنَّهم "قليلو الإيمان"، مثل التَّلاميذ عندما اعتراهم الخوف أثناء العاصفة (لوقا 8: 25)، أو على الأمواج المندفعة (مرقس 4: 35)، وعندما لم يستطيعوا أن يصنعوا معجزة ما، في حين أنهم قد أُعْطوا هذا السُّلطان (متى 17: 17)، وعندما اهتمُّوا بالخبز الذي ينقصهم (متى 16: 8) إلا أن الصَّلاة تستطيع أن تعالج كل صعوبات قِلَّة الإيمان، كما حدث مع أَب الصَّبِيِّ المُصاب بالصَّرع عندما صاح: "آمنتُ، فشَدِّدْ إِيمانيَ الضَّعيف! " (مرقس 9: 24)، وعلى هذا النَّحو كفل يسوع إيمان بطرس قائلا: "دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ" (لوقا 22: 32). يُحدِّد الإنجيل عدم الإيمان بيسوع بموقفين أساسيين هما: التَّذمر، كما جاء في إنجيل يوحنا "تَذَمَّرَ اليَهودُ علَيه لأَنَّه قال: أَنا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء"(يوحنا 6: 41). والموقف الثَّاني هو انقسام القلب وازدواجيته (هوشع 10: 2). وعدم الإيمان يؤدي إلى قساوة القلوب كما صرّح يسوع "وتَراءَى آخِرَ الأَمرِ لِلأَحَدَ عَشَرَ أَنفُسِهم، وهُم على الطَّعام، فَوبَّخَهُم بِعَدَمِ إِيمانِهِم وقَساوَةِ قُلوبِهم، لأَنَّهم لم يُصَدِّقوا الَّذينَ شاهَدوه بَعدَ ما قام" (مرقس 116: 14)، وقد سبق وتنبَّأ أشعيا عن قساوة القلب بقوله: "اِسمَعوا سَماعًا ولا تَفهَموا، وآنظُروا نَظرًا ولا تَعرِفوا، غَلِّظْ قَلبَ هذا الشَّعْب (إشفيا 6: 9-10). يؤكِّد لنا إيمان الرُّسل والكنيسة أن حياة المسيح على الأرض لم تنتهِ بالموت. فالمسيح مات وقبر، لكنَّه قام من الموت إلى الحياة الجديدة الخالدة. ولقد عاش يسوع على الأرض بعد قيامته أربعين يومًا. وكان كل يوم يتراءى لتلاميذه ويُعلِّمهم ويأكل معهم حتى يُثبَّت لهم أنَّه هو نفسه، وقد قام من بين الأموات: "طوبى لِمَن لا أَكونُ لَه حَجَرَ عَثْرَة" (متى 11: 6). أمَّا وجود غير مؤمنين في مصاف شعب الله فيشكّل حجر عثرة للمؤمنين، ويسبّب "ألمًا ملازمًا" في قلب كل مسيحي، كما يصرِّح بولس الرَّسول لعدم إيمان الشَّعب "إِنَّ في قَلْبي لَغَمًّا شَديدًا وأَلَمًا مُلازِمًا" (رومة 9: 2). |
|