رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اشتعال النار في المَحَلَّة: 1 وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرًّا فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ. وَسَمِعَ الرَّبُّ فَحَمِيَ غَضَبُهُ، فَاشْتَعَلَتْ فِيهِمْ نَارُ الرَّبِّ وَأَحْرَقَتْ فِي طَرَفِ الْمَحَلَّةِ. 2 فَصَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى، فَصَلَّى مُوسَى إِلَى الرَّبِّ فَخَمَدَتِ النَّارُ. 3 فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «تَبْعِيرَةَ» لأَنَّ نَارَ الرَّبِّ اشْتَعَلَتْ فِيهِمْ. "كان الشعب كأنهم يشتكون شرًا في أذني الرب، وسمع الرب فحمي غضبه" [1]. هذه هي طبيعة الإنسان القديم فينا، إنه دام الشكوى والتذمر بلا سبب حقيقي. ففي الوقت الذي قدَّم فيه الرب الناموس وأوصى بعمل الخيمة وكل ملحقاتها وأدواتها ليسكن في وسطهم، ونظَّم لهم المَحَلَّة وأقام لهم طقس سيامة اللاويّين، وكان الكل فرحًا متهللًا، يأتون بالتقدمات للرب، صار في داخلهم شكوى. علة هذه الشكوى فراغ القلب، إذ أفقدته الخطيئة سلامه الداخلي، فيتلمس أي علة للتذمر والقلق. إن كان سفر العدد كما قلنا هو سفر البريّة، فإنه في البريّة إذ يلتقي الله بالإنسان يعلن له وصيته وإحساناته ورعايته المستمرة، وفي نفس الوقت ينفضح الإنسان أمام الله وأمام نفسه بكل ضعفاته الداخليّة. في البريّة تكررت حالات التذمر تارة بعد عبورهم البحر الأحمر وتقديمهم تسبحة النصرة مباشرة (خر 15: 24)، وأخرى بعد تحويل المياه المُرَّة إلى مياه عذبة، مُشتهين الموت في أرض العبوديّة بجوار قدور اللحم يأكلون خبزًا عن هذا العمل الإلهي (خر 16: 3)، وثالثة بعدما وهبهم المن المجاني (خر 17: 2) إلخ... وكأنه بعد كل عطيّة ما أن يفرحوا بها قليلًا حتى يشعروا بالجوع والفراغ فيسقطون في التذمر. بالحقيقة هذا السفر هو سفر الكشف عن ضعفات الطبيعة البشريّة ليس فقط في حياة الجماعة ككل لكن حتى في حياة أعظم قائد روحي العظيم موسى النبي الذي شهد له الرب نفسه أنه كان أمينًا في كل بيته (عد 12: 7)، وفي حياة أخته مريم المرنمة التي صارت برصاء وعطلت الموكب أسبوعًا كاملًا (عد 12)، وأيضًا هرون، بجانب قورح وداثان وأبيرام مع مئة وعشرين رؤساء الشعب (عد 16)، وأيضًا النبي الوثني بلعام (عد 22-25)... أقول أنه السفر الذي كشف عن جراحات الطبيعة البشريّة، لكي يسمع كل منا ما سمعه ملك بابل أنه وُزن في الموازين فوُجد ناقصًا. حقًا ما أحوجنا إلى البريّة لكي نتلمس معاملات الله معنا، ونتلمس أعماق ضعفاتنا في داخلنا فنلجأ إليه! يحدثنا الوحي عن ثمر هذا التذمر، قائلًا: "اشتعلت فيهم نار الرب وأحرقت في طرف المَحَلَّة، فصرخ الشعب إلى موسى. فصلى موسى إلى الرب فخمدت النار" [1-2]. كان الله قبلًا يترفق بهم جدًا يعطيهم طلبتهم دون تأديب، أما الآن فقد سمح أن تشتعل ناره في طرف المَحَلَّة، فمن قبل كانوا بلا خبرة طويلة مع الله، يعاملهم كأطفال صغار، أما وقد غمرهم بكل هذه البركات على مدى أكثر من عام ووهبهم سكناه في وسطهم خلال الخيمة المقدَّسة فقد حمي غضبه لتأديبهم! كان التذمر في بدايته خفيًا في القلب لكن الرب فاحص القلوب سمع أفكارهم الخفيّة، إذ قيل: "كأنهم يشتكون شرًا في أذني الرب، وسمع الرب" [1]، فسمح الرب بإشعال النار في طرف المَحَلَّة، وكأنه أراد أن يكشف بطريقة ماديّة ملموسة عمل نار الشر الداخلي في النفس. أراد أن يفضح الضعف لكي يعطي فرصة للتوبة، ولا يبقى الفساد كامنًا في الداخل بلا علاج. أما كون النار تشتعل في طرف المَحَلَّة فإنها في أبعد مسافة عن الخيمة، ولعله في ذلك الموضع انطلقت أول شعلة للتذمر، لأنه كلما ابتعد الإنسان عن الله انفتح قلبه للشر. وسط الضيقة يتجلى حب موسى النبي ورعايته الأمينة إذ صرخ للرب فخمدت النار. هذا هو عمل الراعي المُحب أن يشفع في أولاده لدى الله والرب يستجيب له! ولئلا ينسى الشعب هذا الحدث فيعود ويسقط تحت التذمر، دُعي الموضع "تبعيرة" التي تعني "اشتعال". |
|