|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ان مريم تريد ان تفهم ما الذي يحاول الله ان يكشف من خلال تلك المتاعب والضيقات، فهى ليس عندها الإجابات لكل ما يحدث؟، فلماذا يولد ابنها تحت ظروف مضغوطة من إحصاء روماني؟ ولماذا لم توجد حتى غرفة له في الخان عندما جاءت ساعته ليولد؟ ولماذا يدخل هذا العالم بمثل هذا التواضع والفقر؟ تبحث مريم لتفهم خطة الله لكي يمكنها ان تحيا طبقا لما يريده الله وما الذي يحاول ان يعلمها إياها من خلال تلك الضيقات. ان انجيل لوقا في الحقيقة يستعمل كلمتان هما مفتاح لتسحيل الإرتباط ما بين ميلاد المسيح في بيت لحم وموته على الجلجثة وكيف ان الظروف لواحدة هي ظل لظروف للأخرى. يسوع عند ميلاده “قَمَّطَتْهُ” في ملابس ممزقة “وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ”(لوقا7:2)، وعند موته أنزلوا جسده من على الصليب ولفّوه بلفائف من الكتان “وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْر”(لوقا53:23). واظهر لوقا كيف ان المسيح رُفض مع مريم أمه منذ البداية عندما ذكر “إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ”(لوقا7:2)، فكلمة “لهما” يمكن ان تفهم وتعود الى يوسف ومريم وعدم وجود موضع لهما لتلد الطفل ولكن كل التركيز كان على مريم والطفل يسوع :” فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ”(لوقا7:2). وهنا بذكر احد المفسرين ان مريم هي موضوع تلك الآيات والطفل هو المستقبِل لكل الأفعال في تلك الآية، فمريم هي التي ولدت ابنها البِكر ومريم هي التي قمطته ولفته ومريم هي التي وضعته في مزود. هنا ثلاث أفعال نشطة تصف تلك الحوادث وكل منها مريم هي الموضوع والطفل هو الهدف وأيضا هنا مريم تعمل منفردة على الرغم من وجود يوسف والذي لم يظهر في تلك الحوادث. لذلك عندما يقول لوقا في نهاية تلك الآية “لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ” فهذا يرجع خاصة لمريم والطفل. اذا ما كانت هذه هي الحالة فربما لوقا على الفور يظهر كيف ان مريم في الميلاد تشارك معاناة ابنها – موضوع يصبح واضح مع كلمات سمعان الشيخ عند تقدمة الطفل في الهيكل عن سيف يجوز في نفسها “يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ(لوقا35:7). وهذا ما فسّره البابا يوحنا بولس الثاني:” لم يكن لهم موضع في المنزل (لوقا7:2)، فهذه المقولة تذكرنا بما جاء في انجيل يوحنا إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ”(يوحنا11:1) والمتوقع كما ان هناك العديد من مواقف الرفض ليسوع طوال حياته الأرضية. ان لفظ “لهما” يربط الإبن مع الأم معا في ذلك الرفض ويظهر كيف ان مريم اشتركت مع ابنها في المعاناة والألم. فورا عقب مهمتها في الولادة والأمومة حصلت مريم على بعض مذاق الرفض والمعاناة التي ستقابل ابنها فرسالة الميلاد هي ظل لرسالة الصليب وهذه الرسالة هي التي ظلت مريم تحفظها متفكرة بها في قلبها طوال حياتها وحياة ابنها. انه أيضا يستحق ان نلاحظ رد فعل مريم بالمقارنة بهؤلاء الناس الذين سمعوا تقرير الرعاة عن رؤيا الملائكة، فلقد تعجبوا ولكنهم لم يأخذوا الوقت ليتأملوا في أهمية ما قد حدث. ان انجيل لوقا وضح الفرق ما بين رد فعلهم واستجابة مريم:” وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا”(لوقا18:2-19). مريم عكست ما يحدث بداخلها متأملة فيما معنى الحدث في حياتها لكي تكشف مالذي يعلمه إياها الرب فهي “كَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا”. هذا التعبير استخدم في الكتاب المقدس كما قلنا ليصف شخص قد استقبل رؤيا فوق فهمه وينتظر الله لكي يريه معنى ذلك في وقت مناسب. يمكن ان يكون هناك لغز عن رؤيا ظاهرة وواضحة ولكن هو او هي لا يستطيع فهمها بدقة وفي مثل ذلك الوضع يمكن للشخص ببساطة ان يستعجب ثم يمضي في طريقه مثل “ وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ”(لوقا18:2)، او يمكنه ان يضعها ككنز في قلبه.اللغز يمكن ان يؤخذ الي أعماق الإنسان ويحفظ ويتأمل فيه في قلبه، فالإنسان المؤمن ببساطة ينتظر وقت الله وخطته ليكشف له تمام ومعنى ذلك اللغز او الرؤية او الحلم. هذه هي الحالة عند مريم فبصبر تنتظر اكثر لتتفهم وتعي الأحداث التي تمر في حياتها، ولكن ليس عليها ان تنتظر طويلا فبعد أربعون يوما من ميلاد يسوع ستستقبل اعلان آخر مربك من سمعان الشيخ والذي سيلقي ضوء اكثر على معاناة ابنها والرفض الذي سيلقاه. |
|