في مثل هذا اليوم قد ترك لنا المسيح مثالاً ونموذجاً لكي نتبع خطواته في الخدمة العملية الحقيقية كيف لا وهو السيد والمعلم الذي لم يكن مجرد معلماً يقدم تعاليم راقية جليلة وسامية فقط، بل برهن على ذلك وترجمه عملياً مع تلاميذه.
في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الاصحاح الثاني والعدد التاسع يقول:
"بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»." (1 كو 2: 9).
هذه الكلمات لا تتحدث ولا تصف الأمجاد السماوية أو شكل السماء كيف يبدو كما نعتقد، بل في الحقيقة هو تصوير ووصف بديع ودقيق وقوي عن هذا المشهد الرائع الجميل وإنسكاب السماء والحب الإلهي العجيب على الأرض.
فلم يكن على بال أو خيال أي إنسان أن يأتي رب الإنسان والمعلم الأعظم للبشرية ليتكيء ويأكل ويشرب مع تلاميذه وهو مقبل على موت الصليب. بل والأكثر من ذلك أن يقوم عن العشاء ويخدمهم بغسل ومسح أرجلهم!!!
ياله من منظر فريد يصفه الرسول انه لم تره اي عين أو تسمع به اي أذن ما قد قام به وأعده الله لمن يحبونه.لم تر البشرية في كل تاريخها أن يكون العظيم خادماً لها!!
كيف يأتي الإله في صورة إنسان ويقوم عن العشاء ثم يخلع ثيابه ويأخذ منشفة ويصب الماء في المغسل حتى يغسل أقدام مخدوميه وتلاميذه ولا يكتفي بهذا فقط بل ويمسحها بهذه المنشفة!!
كيف يصبح السيد عبداً والمعلم العظيم خادماً لتلاميذ بعد قليل سيهرب منهم البعض ويخون أحدهم ويسلمه وينكره تلميذ آخر ويشك فيه ثالث؟!
كيف يتكيء يوحنا التلميذ المحبوب في حضن هذا الإله المحب؟!
كيف يغمس هذا المعلم اللقمة ويعطيها لتلميذ سيسلمه ويخونه بعد قليل؟!
هل كل هذا الحب للإنسان الضعيف الساقط الخاطيء؟!!
نعم يا له من درس بل دروس فريدة مجيدة نتعلمها في الخدمة المسيحية الحقيقية. فالخدمة الحقيقية هى القيام بالتضحية بالأمور والإحتياجاتا الضرورية الهامة، وخلع ثياب العظمة الوهمية، والإتزار بالتواضع وإنكار الذات ، وغسل عيوب الآخرين، ومسحها وسترها. كذلك هى السير المستقيم خلف السيد والمعلم العظيم.
ربما ونحن في هذا العالم الشرير نرى أو نسمع عن أشخاص قد تبرعوا بجزء من ثروتهم أو ممتلكاتهم أو وقتهم أو حتى كل ما لديهم لأعمال الخير أو قد يجسر البعض أن يضحي بحياته لأجل أحبائه، وفي مرات نادرة نجد رئيساً أو ملكاً أرضياً يقضي لحظات مع بعض الأشخاص. هذا شيء عادي وطبيعي جداً.
لكن الشيء المذهل والمدهش أن يقيم الله مع ابنائه وتلاميذه وهو ظاهر في جسد إنسان يعد لهم وليمة ويمكث معهم ويشاركهم كإنسان ويعلن لهم محبته وخدمته.
لم يصنع السيد والمعلم لتلاميذه وليمة عظيمة من أشهى وأطيب المأكولات والمشروبات التي نراها على سفرة الملوك والرؤساء والعظماء الأرضيين، بل أجلسهم في حضرته البهية والشهية ليس مع أكل وشرب بل مع جسده ودمه.
احتضنهم وخدمهم وهو على علم تام ومعرفة كاملة بنوايا ودواخل ودوافع كل تلميذ منهم.
لقد قدم السيد والرب في مثل هذا اليوم نفسه وهو الخادم الأعظم، شيء لم يكن في حسابات ومنطق البشر، ولم يجرؤ أي عقل بشري أن يضع هذا حتى في خياله.
ولكن الحقيقة صادمة دائماً لعجز وضعف البشر وأفكارهم المحدودة.
حقاً ما أعظم يا رب أعمالك نحو بني البشر وما أعظم خدمتك ومحبتك واتضاعك وتنازلك ونزولك اليهم في ضعفاتهم ومحدودياتهم لكي تجلسهم معك في محضرك ليس لوقت معين أو لحظات عابرة بل دائماً للأبد!!!