رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المحافل المقدسة كانت الأعياد المقدسة تمثل جزءًا حيًا ورئيسيًا في العبادة اليهودية، خلالها يجتمع الشعب معًا في محافل مقدسة، يذكرون أعمال الله المستمرة معهم. كما يعلن الله فرحه بهم إذ يود لهم راحتهم الحقة وفرحهم الأبدي غير المنقطع. وكانت هذه المحافل تمثل ترمومترًا يكشف عن العلاقة المتبادلة بين الله وشعبه، فإن انحراف الشعب أدَّى إلى رفض الله أعيادهم بل وكرهها (إش 1: 14)، ومتى رجعوا إليه بالتوبة حسبها الله أعياده وأفراحه يسكب فيها من فيض نعمته. السبت: 1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَوَاسِمُ الرَّبِّ الَّتِي فِيهَا تُنَادُونَ مَحَافِلَ مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ مَوَاسِمِي: 3 سِتَّةَ أَيَّامٍ يُعْمَلُ عَمَلٌ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتُ عُطْلَةٍ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلًا مَا لاَ تَعْمَلُوا. إِنَّهُ سَبْتٌ لِلرَّبِّ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ. كان حفظ السبت وصية هامة يلتزم بها الشعب، لذا جاء الحكم قاسيًا على أول من كسر الوصية بجمعه حطبًا، إذ مات رجمًا (عد 15: 32-36)... وقد تعرضنا لهذه الوصية كثيرًا إذ لم يخل سفر من أسفار العهد القديم من الحديث عنها تقريبًا بصورة أو أخرى، إنما ما نريد أن نؤكده هنا أن وصية حفظ السبت لم تكن وصية ثقيلة يسقط تحتها المؤمنون، ولا واجبًا ينحنون تحته في شكليات وحرفية وإنما كان السبت عيدًا وفرحًا، عطية إلهية لشعبه. حقًا لقد قدم لنا الكتاب المقدس "حفظ السبت" من جوانب كثيرة، لكنه ركز عليه كعيد مفرح وراحة في الرب القدوس. فمن الجانب الظاهري كان السبت امتناعًا عن العمل، حتى عن جمع المن النازل كهبة إلهية (خر 16: 21-30). من يعمل يتعرض للغضب الإلهي. وجاء السبت يحمل فكرًا اجتماعيًا روحيًا فقدم كراحة للغرباء والأجراء والعبيد حتى الحيوانات، فيه يذكر الشعب أنه كان قبلًا متغربًا في مصر تحت العبودية فلا يقسوا على خليقة الله (خر 23: 12، تث 5: 12-15). وحمل السبت فكرًا أخرويًا إنقضائيًا بكونه رمزًا للراحة المقبلة (إر 17: 21-27، عب 4). وأخيرًا فإن السبت هو فرصة لا للخمول والتوقف عن العمل بل للتمتع بالعبادة لله القدوس لينعم الكل بشركة الحياة الإلهية (لا 23: 3، عد 28: 9-10). وكأن السبت كما يحدثنا عنه سفر اللاويين هو التقاء مع الله خلال العبادة المقدسة والذبيحة لا لنكرم الله بعبادتنا لكن ما هو أعظم لكي ننعم بعمل الله فينا واهبًا إيانا الشركة معه لندخل به إلى قداسته. إذن تقديس السبت في جوهرة هو تمتع بالراحة، إذ كلمة "سبت" في العبرية تعني "راحة"، سرها اتحادنا مع ربنا يسوع المسيح القدوس لننعم به بالحياة الجديدة المقدسة. لقد دعاه إشعياء النبي: "مسرة"، "مقدس يهوه"، "المكرم" (إش 58: 13)، وقدم لنا سفر المزامير تسبحة خاصة بالسبت هي تسبحة فرح وحمد لله (مز 92). السبت هو عيد التمتع بالراحة في الرب السماوي. فيه نذكر راحة الله في اليوم السابع (تك 2: 3) كرمز ليوم الرب الأبدي. كما يقول القديس أغسطينوس الذي فيه [نستريح ونرى، نرى ونحب، نحب ونسبح، هذا ما سيكون في النهاية التي بلا نهاية]. هو عيد الراحة لا من عبودية فرعون (تث 2: 15) وإنما من عبودية الشر كقول القديس أكليمندس الإسكندري: [إننا نتمسك بالسبت الروحي حتى مجيء المخلص، إذ إسترحنا من الخطية]. هو عيد مفرح ننعم به هنا كعربون للحياة السماوية كعيد تسبيح لا ينقطع، وكما يقول القديس جيروم معلقًا على مزمور يوم السبت (مز 92): [لا يمكن أن يوجد سبت ما لم يسبقه ستة أيام. نحن نعمل الستة أيام لنستريح في السابع. لا نقدر أن نسبح الرب إلاَّ في يوم السبت (مز 92) مادمنا مشغولين بأعمال العالم، أي مادمنا في الستة أيام لا نستطيع أن نُغني للرب... ليس أحد في يوم السبت أي في راحة الرب يعمل عملًا دنيئًا، أي يرتبك بأعمال العالم، إنما يلزمه أن يعمل ما يخص السبت. أتريد أن تعرف أنه في السبت يعمل الكهنة في هيكل الرب بينما لا يسمح لأحد أن يقطع فيه حطبًا، ففي الحقيقة الرجل الذي اكتشف أنه يجمع حطبًا في البرية رُجم للموت (عد 15: 32-36). في السبت لا يشعل أحدًا نارًا ولا يمارس أي عمل... إذن لنرى أنه يليق بنا أن نسبح في السبت عندما نترك أعمال هذا العالم]. كان اليهود يتطلعون إلى السبت كرمز لقداسة الله ولحفظ العهد معه، لكن عوض تمتعهم به كعيد مفرح للقلب حولوه في مهابته إلى مباحثات فكرية وجدلية نحو الأعمال الممنوعة يوم السبت حتى لنجد مدرسة شمعي اليهودية تطلب الراحة يوم السبت لا للإنسان والحيوان فحسب بل تمتد إلى الجماد، فلا يجوز للإنسان أن يبدأ عملًا يوم الجمعة لتستمر فاعليته يوم السبت حتى وإن توقف الإنسان عن العمل، مثال ذلك لا يطرح الكتان في الشمس يوم الجمعة ليجف يوم السبت. ولا يوضع صوف في مصبغة يوم الجمعة ليمتص الصوف مادة الصبغة يوم السبت. هذا الفكر وإن رفضته مدرسة هليل لكنه يكشف عن حرفية اليهود في فهمهم للسبت. وقد بلغ بهم الأمر أن يمتنعوا عن الدفاع عن بلدهم إذا ما هاجمهم عدو حتى يعبر السبت، الأمر الذي رفضه الكابيون، ووضعوا حق الدفاع عن النفس والوطن في يوم الرب. لذلك عندما جاء المسيح كشف عن كرامة يوم السبت كعيد مفرح، فقدم فيه أعمال للشفاء ليعلن أن السبت تحرر من الضعف والخطية (لو 6: 9)، مؤكدًا أنه يوم عمل إلهي (يو 5: 19-20). لقد كشف عن نفسه أنه رب السبت (مت 12: 1-6) يقدم شريعة السبت بفهم جديد لم يكن الفكر اليهودي قادرًا على إدراكه. وقد اختار السيد أن يُقبر في يوم السبت ويقوم في فجر الأحد، لكي يقبر حرفية الفكر القديم مقيمًا لنا الأحد سبتًا جديدًا فيه تمتع الكثيرون بالرب القائم من الأموات (لو 24: 34؛ يو 20: 11-18)، وفيه تمتعت الكنيسة بحلول الروح القدس عليها كيوم ميلادها الحق، وفيه صارت تجتمع الكنيسة الأولى للعبادة الأسبوعية كيوم الرب الحقيقي (أع 20: 7). أخيرًا فإن سبتنا الحقيقي هو ربنا يسوع المسيح، هو عيدنا وراحتنا، فيه نعيد بالإتحاد مع الآب القدوس وفيه نستريح بالنبوة لله وسكنى روحه القدوس فينا وتمتعنا بالعضوية في جسد المسيح. إنه راحة للآب إذ يجدنا في المسيح يسوع أولاده متبررين بدم صليبه وراحة لنا فيه. ولكي نتعرف على السبت كعيد مفرح باتحادنا في السيد المسيح القدوس نقدم طقس يوم السبت عند اليهود في نقاط مختصرة: أولًا: كان اليهود يتطلعون إلى السبت بفرح، فيترقبونه كعروس مزينة تنتظر عريسها، فلم يكن الصوم والحزن ممنوعين تمامًا فيه فحسب وإنما كان اليهود يتمتعون فيه بالطعام والملبس وكل ما يليق بعيد مفرح. فيه كان يجوز إعداد طعام فصح، وفيه يمارس الكهنة أعمالهم في الهيكل، وفيه يشعلون نار الموقد في الهيكل... إلخ، كأنهم كانوا يلتقون لا بيوم راحة جسدية إنما بالسيد المسيح نفسه خلال الرمز. يتزينون له ويبتهجون دون صوم أو حزن لأن العريس معهم، ويمارسون الأعمال الإلهية خاصة في الهيكل، إذ بالسيد المسيح تنطلق حياتنا لممارسة الأعمال الإلهية الفائقة. ثانيًا: يبدأ السبت من غروب يوم الجمعة ويستمر حتى غروب السبت، يختلف حساب الغروب ليس فقط حسب اختلاف فصول السنة وإنما أيضًا حسب مواقع البلاد وجغرافيتها، فالبلاد المنخفضة تبدأه قبل البلاد المرتفعة، وكان الوقت يُحسب عندما تنطلق الطيور نحو أعشاشها. يبدأ السبت في غروب الجمعة حيث يدعى "عشية السبت" أو "الاستعداد" (مر 15: 42، يو 19: 31). ونحن أيضًا نتمتع بالسبت هنا في هذا العالم كما في عشية إذ ننعم بسبتنا المسيح كمن في مرآة خلال الإيمان، حتى متى جاء صباح السبت أي مجيئه الأخير ننعم به في سبت أبدي خلال العيان... إننا في عشية السبت المفرحة نترقب بشوق شديد الصباح الحقيقي للسبت الأبدي. ثالثًا: يصل الكهنة الذين عليهم نوبة العمل في الأسبوع الجديد إلى أورشليم بعد ظهر الجمعة ليستعدوا بالأحتفال بالسبت في الهيكل مع الكهنة الذين تنتهي نوبتهم. ويعلن عن الاحتفال بثلاث نفخات من أبواق الكهنة ليتوقف الكل عن العمل ويُشعل مصباح السبت، ويرتدي الكل ملابس العيد. في هذا العمل صورة رمزية لرجال العهد الجديد (الكهنة القادمون لأسبوع الجديد)، الذين التقوا مع رجال العهد القديم يتسلمون منهم الأسفار المقدسة والنبوات والعهود وكل ميراث روحي. أما ضرب الكهنة بالأبواق ثلاث نفخات فيُشير إلى أبواق الرموز والنبوات التي أعلنت عن حلول السبت الجديد أي مجيء ربنا ليتوقف الكل عن أعمال الجسد ويلتهب بمصباح الروح القدس ويرتدي السيد المسيح نفسه ثوب عيد مفرح! رابعًا: مرة أخرى يضرب الكهنة بالأبواق بثلاث نفخات لإعلان بدء السبت فعلًا حيث يكون الكهنة الجدد قد بدأوا بغسل مذبح المحرقة من آثار الدم، ويسلم الكهنة الخارجون للداخلين مفاتيح الهيكل والأواني المقدسة وكل ما في عهدتهم. إن كانت الأبواق السابقة تُشير إلى صوت الآباء والأنبياء والناموس التي أعدت للسبت، فإن هذه الأبواق التالية هي إعلان الكرازة بالإنجيل، فقد التزم رجال العهد القديم بتسليم كل ما في عهدتهم لرجال العهد الجديد، الذين غسلوا المذبح من الحرفية ودماء الحيوانات ليتقبلوا ذبيحة المسيح الفريدة. خامسًا: يلقي رؤساء العشائر قرعة لمعرفة دور كل واحد منهم في أيام الأسبوع في الخدمة... وكأن العيد الروحي هو انطلاقة عمل روحي في الهيكل وليس تراخيًا وكسلًا! سادسًا: أول عمل يقوم به الكهنة هو تجديد خبز الوجوه الذي أُعد يوم الجمعة، فإن كان يوم الجمعة عيدًا يعد بعد ظهر الخميس. هذا هو عمل كهنة العهد الجديد تقديم جسد ربنا يسوع المسيح خبز حياة سماوي، أعده الرب بنفسه يوم الجمعة حين علق على الصليب باذلًا إياه لأجلنا، كما قدمه بعد ظهر خميس العهد... سابعًا: يحضر الكهنة القادمون والخارجون السبت معًا، فيقدم الخارجون ذبيحة الصباح والجدد ذبيحة المساء. ولعل في هذا العمل رمزًا لوحدة العمل بين رجال العهد القديم والعهد الجديد، فالكل يلتقون معًا في المسيح يسوع، السبت الواحد. الأولون يلتقون خلال الرمز، والجدد خلال الحقيقة! ثامنًا: تمارس العبادة اليومية مع إضافة ذبائح محرقة إضافية والطعام والسكيب (عد 28: 9-10)، إذ هو يوم لقاء مع الله القدوس خلال الذبيحة وبشبع (الطعام)، وفرح روحي (السكيب). تاسعًا: عند سكب السكيب العادي يرنم اللاويون تسبحة السبت (مز 92) على ثلاث مراحل، ويقترب الكهنة من بعضهم البعض، وينفخون بالأبواق، ثم يبدأ الشعب في العبادة. إنه يوم فرح للكنيسة كلها، الكل يشترك إما بالتسبيح أو النفخ بالأبواق أو العبادة. يشترك الكهنة مع الشعب في العبادة المفرحة وبهجة القلب. عاشرًا: في نهاية ذبيحة السبت الإضافية وسكيبها يغني اللاويون مزمور موسى (تث 32) في ستة أقسام (1-6، 7-12، 13-18، 19-28، 29-39، 40 إلخ)، يتخللها نفخات من أبواق الكهنة مع اشتراك الشعب في العبادة. هذا ويلاحظ أنه إن جاء السبت في العيد الشهري أي رأس الشهر، فتغنى تسبحة السبت مفضلة عن تسبحة رأس الشهر. وإن كان الوقت عيدًا فتقدم ذبيحة السبت قبل ذبيحة العيد. الحادي عشر: أخيرًا يختتم الاحتفال بعيد السبت بترنم تسبحة موسى الواردة في خروج 15 ليعلنوا أن السبت هو عبور من عبودية فرعون (إبليس) وانتصار روحي على جنوده للانطلاق خلال البرية إلى أرض الموعد أو أورشليم العليا. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نظام الأعياد والأصوام اليهودية |
الشهوات الجسدية تمثل جزءًا أساسيًا في الجسد |
المياه في العبادة اليهودية |
تأكيد إبطال الأعياد اليهودية |
الأعياد في العهد القديم – لمحة سريعة عن الأعياد اليهودية |