حبًّا للبشر وطاعةً لإبيك السّمائيّ (مت 26/ 39). وقد عرفتُ هذا جيّدًا، وآمنتُ به، منذ نُعُومَةِ أَظْفَارِي؛ بل ورغبتُ في أنْ أقتدي بك فيه. واخترتُ بإرادتي وحرّيّتي يومًا ما أنْ أحمل معكَ الصّليب حتّى المنتهى؛ بل وقبلتُ– بكلِّ سرورٍ وبهجة– أنْ أُولد مِن الصّليب، وأعيش في الصّليب، وأموت على الصّليب. ولكنّني اليوم لا أحيا ما تعلّمته وعرفته واخترته؛ فما أشقني أنا المسكين؟!
كنتُ أظنّ أنّني بعد سنين هذا عددها، سأزدَاد إيمانًا وحبًّا ورجاءً وتواضعًا ورأفةً ومسامحةً، بل وسأنمو أكثر في الفضائل الإلهيّة والإنسانيّة؛ ولكنّني الآن– وآسفاه– إنسان شَقِي يبدو أنّه يحصد حصاد السّنين قمحًا هزيلًا بدلًا مِن سنابل مكتظّة، وثمارًا فاسدة بدلًا مِن أشجار يانعة. أجل، تجرِي الرّياحُ بمَا لا ترغب وتَشتَهي السّفُنُ المُبْحِرة. لقد صرتُ حقًّا "شَقِيًّا بائِسًا فَقيرًا أَعْمى عُرْيانًا" (رؤ 3/ 17). إنَّ ما أقوله لكَ اليوم، يا مصلوب الجلجثة، ليس تواضعًا أو قُنُوطًا، وإنّما الحقيقة المرّة التي أحياها وأشعرها يوميًّا، وترهقني مِرارًا وتكرارًا.