ذبيحة الخطية
في الذبائح والتقدمات السابقة كما نرى وجهًا معينًا للصليب أنه "موضع سرور الآب" أما في ذبيحتي الخطية والإثم فنرى الجانب الآخر القاتم إذ لا نسمع هذا النغم العذب بل نرى في الصليب الكلمة المتجسد حاملًا خطايانا على كتفيه ليدفع عنا الثمن، أو بمعنى آخر حاملًا لعنة الناموس التي سقطنا نحن تحتها، وكأنه يقبل وهو الابن المحبوب أن يحتل مركزنا نحن الذين تحت الغضب الإلهي لكي يرفعنا ويسندنا. هذا هو نغم ذبيحتي الخطية والإثم.
وقد جاء تقسيم أنواع ذبيحة الخطية لا حسب نوع التقدمة كما في الذبائح والتقدمات السابقة إنما حسب مركز الخاطئ ودورة في الجماعة.
مقدمة في ذبيحة الخطية:
أولًا: يكشف عن غاية هذه الذبيحة بقوله: "إذا أخطأت نفس سهوًا في شيء من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها وعملت واحدة منها" [2]. فهي ذبيحة مقدمة عن الخطاة الذين يسقطون عن ضعف أو جهل أو سهو في إحدى المناهي مخالفين أوامر الرب ووصاياه لكن ليس عن عناد أو مقاومة متعمدة.
يعلق العلامة أوريجانوس على تعبير "نفس" هنا، فيقول أنه يدعو الخاطئ نفسًا، وليس روحًا ولا إنسانًا، فبالخطية لا يسلك الإنسان بالروح فلا يدعى روحًا، كما يفقد صورته لله التي خلق عليها فلا يدعى "إنسانًا"، إنما يدعى نفسًا بكونه يسلك كإنسان طبيعي كما سبق فرأينا في تفسير الأصحاح الثاني.
يتساءل البعض ما الفارق بين ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم؟
أ. يرى بعض الدارسين أن ذبيحة الخطية تمثل بالأكثر تكفيرًا عن مقدم الذبيحة أكثر منها ذبيحة عن خطية معينة، حتى وإن قدمها الإنسان بمناسبة ارتكابه خطأ معين. أما ذبيحة الإثم فهي تمثل تكفيرًا عن إثم معين ارتكبه مقدم الذبيحة. لذلك نجد ذبيحة الخطية تُقدم في الأعياد عن كل الشعب كتكفير عام وجماعي ولا تقدم ذبيحة إثم (عد 28-29).
ب. يرى بعض من الدارسين أن ذبيحة الخطية تقدم عن إنسان ارتكب خطأ لا يحتاج الأمر إلى تعويض لآخر أصابه خسارة، أما ذبيحة الإثم فتقدم عمن ارتكب خطأ يحتاج إلى تصحيح بتقديم تعويض مادي، سواء كان هذا الخطأ ضد الهيكل أو ضد إنسان.
ثانيًا: لا نسمع في هذه الذبيحة إنها للرضى، فمن جانب لا يقدمها الخاطئ أو الخطاة برضاهم إنما عن إلتزام لأجل تقديسهم، وفي نفس الوقت لا تمثل سرورًا للرب بل تكشف المرارة التي ذاقها المخلص، الذي دخل إلى الموت لأجلنا (1 بط 2: 24). إنها رمز للحمل الإلهي الذي لم يعرف خطية فصار خطية لأجلنا، لذا يصرخ "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 38، مر 14: 34).
ثالثًا: إن كنا كلنا كبشر ساقطين تحت الضعف، لكن ذبيحة الخطية تكشف عن خطورة الخطية في حياة المسئولين والقادة الروحيين، حسب دورهم. فالكاهن إن أخطأ يعثر الشعب، والرئيس يعثر مرؤوسيه، أما أحد العامة فعثرته أقل. الكاهن الممسوح (رئيس الكهنة) يقدم ثور بقر صحيحًا، وأيضًا إن أخطأت الجماعة ككل، أما الرئيس العلماني فيقدم تيس ماعز ذكرًا، وأحد العامة يقدم أنثى ماعز أو أنثى ضأن... الكل محتاج إلى دم ربنا يسوع للكفير عن خطاياه لكن عثرة كل واحد تختلف عن الآخر.