رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيُّها الأبناء أطيعوا والديكم ننتقل من الإطار الكنسيّ الذي أضاء عليه موقف يسوع، لنصل إلى البيت بما فيه من والدين وأولاد، من أسياد وعبيد. من جهة، واجب الأبناء تجاه الوالدين، ومن جهة ثانية، واجب الوالدين تجاه أولادهم. لأنَّ الطاعة لا تكون من جهة واحدة، وكأن الأصغر أو الأضعف يحمل كلَّ الواجبات ولا يكون له حقٌّ واحد. في الطاعة، لا يكون الهدف الخضوع كخضوع. يجب أن يركع الولد. وبالأحرى العبد. لا يحقُّ لهؤلاء الضعفاء أن يناقشوا ولا أن يسألوا. والولد في العالم الرومانيّ لا يفترق عن العبد، بل العبد هو الذي يقوده إلى المدرسة. لا شكَّ نحن أبناء الله، ولكن يتابع الرسول: »الوارث لا فرق بينه وبين العبد ما دام قاصرًا، مع أنَّه صاحب المال كلِّه. لكنَّه يبقى في حكم الأوصياء والوكلاء إلى الوقت الذي حدَّده أبوه« (غل 4: 1-2). وفي عالمنا الشرقيّ، الولد هو مُلك الرجل يفعل به ما يشاء، يرسله إلى العمل، يطلب منه ما هو في طاقته وما هو فوق طاقته. ولكن هذا لا يمكن أن يكون في تعليم القدّيس بولس. بدأ فطلب من الأبناء الطاعة. وأضاف: »هذا عين الصواب« (أف 6: 1). هذا ما يجب على الأولاد أن يقوموا به. عاد الرسول إلى الوصايا وتلك التي تقول: »أكرم أباك وأمَّك« وتلك أوَّل وصيَّة يرتبط بها وعد وهو: »لتنال خيرًا وتطول أيّامك على الأرض«. الأمثال عديدة في هذا المجال. قيل عن يعقوب »سمع لأبيه وأمِّه وذهب إلى سهل آرام« (تك 28: 7). أطاع فافترق عن أخيه عيسو: تزوَّج امرأة أولى من بني حثّ ثمَّ امرأة ثانية »فكانتا لإسحق ورفقة خيبة مرَّة« (تك 26: 35). وسوف تقول رفقه لإسحق: »سئمتُ حياتي من امرأتَي عيسو الحثّيَّتين. فإن تزوَّج يعقوب من بنات حثّ مثل هاتين أو من بنات سائر أهل الأرض، فما لي والحياة؟« (تك 28: 46). نحن لا ننسى أنَّ هذه الشعوب لا تعبد الإله الواحد، فكيف الزواج من امرأة لا تؤمن إيمان زوجها، فمن يربّي الأولاد التربية الصحيحة. سمع يعقوب. أمّا عيسو فتزوَّج مرَّة أولى ومرَّة ثانية كأنَّه يضيف عصيانًا على عصيان. بل هو عصى أمر الله نفسه الذي قال عن »الحثّيّين« وغيرهم: »لا تصاهروهم فتعطوا بناتكم لبنيهم وتأخذوا بناتهم لبنيكم، لأنَّهم يردُّون بنيكم عن اتِّباع الربّ، فيعبدون آلهة أخرى« (تث 7: 3-4). أمّا عقاب العصيان فيكون قاسيًا. قال سفر التثنية: »وإذا كان لرجل ابنٌ عقوق لا يسمع لكلام أبيه ولا لكلام أمِّه، ويؤدِّبانه ولا يصغي إليهما، يمسكه أبوه وأمّه ويخرجانه إلى شيوخ المدينة التي يقيم بها... فيرجمه جميع رجال مدينته حتّى يموت« (تث 21: 18ي). تدبير قاس. ربَّما لم يُعمَل به إلاَّ نادرًا نادرًا، ولكن هذا يبيِّن أهمِّيَّة الطاعة للوالدين. ويوسف أطاع أباه، فذهب إلى الإخوة مع أنَّه عارف أنَّ الخطر يتهدَّده (تك 37: 13-14). وطوبيّا أيضًا هو ابن الطاعة: »كلّ ما أمرتَ به أفعلُه« (طو 5: 1). وماذا قال طوبيت لابنه؟ »إذا متُّ يا ابني فادفنّي بكرامة. كذلك أكرِمْ والدتك، ولا تتركها في ضيق كلّ أيّام حياتها. أطعْها في كلِّ ما تعمل ولا تحزنها« (طو 4: 3). في هذا المجال قال سفر الأمثال: »الابنُ الحكيم يفرح أباه، والابن البليد حسرة لأمِّه« (أم 10: 1). تلك واجبات الأبناء (والبنات). وما هي واجبات الآباء (والأمَّهات)؟ »لا تُثيروا غضب أبنائكم، بل ربُّوهم حسب وصايا الربّ وتأديبه« (أف 6: 4). حين حدَّث الرسول الأبناء طلب منهم الطاعة »في الرب«. فالربُّ هو شاهد على هذه الطاعة. ومن عصى والديه عصى الله. قال الرسول: »أيُّها البنون، أطيعوا والديكم في كلِّ شيء، لأنَّ هذا يرضي الرب« (كو 3: 20). وفي الربِّ يهتمُّ الآباء بأولادهم. يسيِّرونهم »بحسب وصايا الرب«. دورهم هو دور الله، وتأديبهم يكون تأديب الله. لا بالغضب و»فشَّة الخلق« القريب من الانتقام. إن كان الأمر هكذا، فالأولاد يثورون ويرفضون، وفي النهاية ييأسون. كيف يؤدِّب الوالدون أولادهم؟ مثل الربّ. قال سفر الأمثال: »لا ترفض مشورة الربِّ ولا تكره توبيخه لك. فمن يحبُّه الربُّ يوبِّخه ويرضى به كأبٍ بابنه« (أم 3: 11-12). المحبَّة تسيطر في عمل الربّ، وبالتالي في عمل الوالدين. ومعاملة الله تشبه معاملة الأب، بحيث إنَّ الإنسان يكتشف تعامل الله معه انطلاقًا من تعامل والديه معه. هذا يعني واجبًا كبيرًا على الوالدين ومسؤوليَّة خطيرة في مجال التربية. استعادت الرسالة إلى العبرانيّين كلام سفر الأمثال هذا، وأضاف كاتبها: »فتحمَّلوا التأديب، والله إنَّما يعاملكم معاملة البنين، وأيُّ ابن لا يؤدِّبه أبوه؟« (عب 12: 7). ويواصل: إذا رفضنا التأديب لا نكون أبناء شرعيّين، بل أبناء زنى. وينهي الكلام في هذا الموضوع: »ولكن كلُّ تأديب يبدو في ساعته باعثًا على الحزن، لا على الفرح، إلاَّ أنَّه يعود فيما بعد على الذين عانوه بثمر البرِّ والسلام« (آ11). وفي هذا الإطار من الطاعة التي تسيطر في البيت، نتعرَّف إلى العلاقة بين الرجل والمرأة. الخضوع متبادل. الرجل يخضع للمرأة والمرأة تخضع للرجل. ذاك ما قال الرسول في معرض كلامه عن الزواج: »ليخضع بعضكم لبعض في مخافة المسيح« (أف 5: 21). أمّا الطريقتان فهما الخضوع والمحبَّة في تقابل متوازٍ. ارتبط الخضوع بالمرأة والمحبَّة بالرجل، وكأنَّ المرأة لا تقدر أن تحبَّ ولا الرجل أن يخضع. أمّا المثال الأعلى فهو خضوع الكنيسة للمسيح. قال: »وكما تخضع الكنيسة للمسيح، فلتخضع النساء لأزواجهنَّ في كلِّ شيء« (آ24). أمّا طاعة العبيد فتكون »بخوف ورهبة وقلبٍ نقيّ كما تطيعون المسيح« (أف 6: 5) والأسياد يعرفون أنَّ سيِّد العبيد هو سيِّد الأسياد وهو لا يحابي أحدًا (آ9). كيف تكون المعاملة؟ »بالعدل والمساواة« (كو 4: 1). فالدينونة تنتظر السيِّد والعبد، وكلُّ وحد يجازى بحسب أعماله. الخاتمة تلك كانت مسيرتنا لكي نتعلَّم ما هي الطاعة في أديارنا، في رعايانا، في الجماعات الكبيرة أو الصغيرة، في بيوتنا. كلُّ شيء يكون تحت نظر الربِّ وفي المسيح. والمثال الأعلى يبقى يسوع الذي تعلَّم الطاعة في بداية مجيئه إلى العالم، الذي كان طائعًا لوالديه (لو 2: 51)، مع أنَّه ابن الله. في خطِّه سار الرسول، ومثله فعل القدّيسون فتقدَّسوا بالطاعة المستندة إلى التواضع والمحبَّة من أجل بناء الكنيسة. في هذا المجال نُنهي ببعض ما قال الرهبان: »إنَّ الطاعة فخر الراهب، فمن اقتناها يسمع الله صوته، ويقف أمام المصلوب ربّ المجد بدالَّة، لأنَّ إلهنا من أجل طاعته لأبيه صُلب عنّا«. وقال أنطونيوس: »النسك والفقر يُخضعان الوحوش لنا«. وقال أيضًا للآتي إليه: »لا تكن قليل السمع لئلاّ تكون وعاء لجميع الأشرار. فضع في قلبك أن تسمع لأبيك (مرشدك الروحيّ) فتحلّ بركة الله عليك«. أمّا باخوميوس الذي رأى أربع مراتب في السماء فرأى أرفعها تلميذًا ملازمًا لطاعة أبيه من أجل الله. »فالطاعة لأجل الله أفضل الفضائل«. |
|