رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ترجّى إبراهيم على خلاف الرجاء في الرسالة إلى رومة، توقَّف بولس بشكل خاصّ عند شخص إبراهيم مع هذه العبارة اللافتة: »وآمن إبراهيم بالله راجيًا حيث لا رجاء، فصار أبًا لأمم كثيرة« (رو 4: 18). يروي سفر التكوين كيف دعا الله إبراهيم فانتقل من مدينة يمكن العيش فيها بسلام ورفاه، هي أور الكلدانيّين، إلى المجهول من الوجهة البشريَّة. إلى أين يمضي إبراهيم؟ هو لا يعرف. قيل له: »اترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الموضع الذي أريك« (تك 12: 1). كلُّ الضمانات البشريّة هي هنا، ومع ذلك تخلّى عنها إبراهيم لأنَّ الربَّ طلب منه. ووعده بأن يعطيه »هذه الأرض كلَّها« (تك 13: 15) أي أرض كنعان، بين نهر الأردنّ والبحر. ولكن كيف ينال إبراهيم هذه الأرض »فيما الكنعانيّون والفرزيّون مقيمون هنا« (آ7). أمر مستحيل! ومع ذلك آمن إبراهيم وترجّى »على خلاف الرجاء«. إبراهيم لا يرى. ولكنَّ الله يرى ويزرع في قلبه الرجاء. قالت عنه الرسالة إلى العبرانيّين: »بالإيمان لبّى إبراهيم دعوة الله فخرج إلى بلدٍ وعده الله به ميراثًا، خرج وهو لا يعرف إلى أين يذهب وبالإيمان نزل في أرض الميعاد كأنَّه في أرض غريبة وأقام في الخيام... لأنَّه كان ينتظر المدينة الثابتة على أُسس، واللهُ مهندسُها وبانيها« (عب 11: 8-10). في الخيمة إقامة موقَّتة، سريعة العطب، تهدِّدها الرياح. هذا في المنظور البشريّ. أمّا المؤمن فيتطلَّع إلى »المدينة الثابتة«، أورشليم السماويَّة، التي أسَّسها الله فجاءت أقوى من كلِّ بناء بشريّ. إلى هناك امتدَّ نظرُ إبراهيم. آمن وما شكَّ »فبرَّره الربُّ لإيمانه« (تك 15: 6). في هذا المجال قال الرسول: »وماذا نقول في إبراهيم أبينا في الجسد وما جرى له؟ فلو أنَّ الله برَّره لأعماله لحقَّ له أن يفتخر، ولكن لا عند الله. فالكتاب يقول: آمن إبراهيم بكلام الله فبرَّره الله لإيمانه« (رو 4: 1-3). فيبقى على المؤمنين »أن يقتدوا بأبينا براهيم في إيمانه« (آ12). وعد الله إبراهيم بأرض، فوثق بوعد الله. ووعده بنسل منذ دعاه: »أجعلك أمَّة عظيمة، وأباركك، وأعظِّم اسمك، وتكون بركة« (تك 12: 2). أين هي هذه الأمَّة التي تخرجُ من صلب إبراهيم، وتتذكَّرُ اسمَه بعد موته؟ صار كبيرًا في السنّ، وسارة »امتنع أن يكون لها عادة كما للنساء« (تك 18: 11). وإبراهيم نفسه سوف يقول للربّ: »أنا سأموت عقيمًا« (تك 15: 2). الربُّ يَعِدُ ولكن أين البرهان؟ كلام الربِّ يكفي: »انظرْ إلى السماء وعُدَّ النجوم إن قدرتَ أن تعدَّها... هكذا يكون نسلك« (آ5). وترجّى إبراهيم على خلاف الرجاء. والربُّ أتى إليه في الوقت الذي حدَّده: »سأرجع إليك في هذا الوقت من السنة المقبلة، ويكون لسارة امرأتك ابن« (تك 18: 10). ضحكت سارة. هذا غير معقول. ولكنَّ الرجاء يتعدَّى المفهوم البشريّ. »أيصعبُ على الربِّ شيء؟« (آ14). ويواصل الكتاب: »وافتقد الربُّ سارة كما قال، وفعل لها كما وعد«. »فحملت سارة وولدت لإبراهيم ابنًا في شيخوخته، في الوقت الذي تكلَّم الله عنه« (تك 21: 1-2). تلك هي ثمرة الرجاء. استعاد بولس نصَّ سفر التكوين لكي يتكلَّم عن الإيمان والوعد، فانطلق من العبارة التي ذكرنا: »آمن إبراهيم راجيًا حيث لا رجاء، فصار أبًا لأمم كثيرة، على ما قال الكتاب: هكذا يكون نسلك« (رو 4: 18). كيف بان إيمان إبراهيم؟ »كان إبراهيم في نحو المئة من العمر، فما ضعُف إيمانه حين رأى أن بدنه مات وأنَّ رحم امرأته سارة مات أيضًا. وما شكَّ في وعد الله، بل قوّاه إيمانُه فمجَّد الله واثقًا بأنَّ الله قادر على أن يفي بوعده« (آ19-21). الخاتمة الرجاء هو انتظار أكيد للسعادة، يرتبط في اللاهوت البولسيّ بالإيمان والمحبَّة (1 كو 13: 13). وهو لا يُفهَم إلاَّ في إطار تحتلُّ فيه مقولة الوعد مكانة مميَّزة. كان العالم الوثنيّ ينظر إلى الزمن على أنَّه حلقة، ندور فيها لنعود إلى المكان الذي انطلقنا منه. أمّا الكتاب المقدَّس فنظرته إلى الزمن نظرة خطوطيَّة مرتَّبة في تاريخ. لا عودة إلى وراء، بل انطلاقة وانطلاقة في رفقة الربِّ إلى أن نصل إلى »الأرض الجديدة والسماء الجديدة«. في هذا التاريخ يتجلّى الله كسيِّد المستقبل ويُعدُّ الإنسان لهذا المستقبل. في هذا الإطار رافقنا القدّيس بولس في كلامه عن الرجاء المسيحيّ. مستقبل ننظر إليه. تمَّ كلُّه في يسوع المسيح وننتظر تتمَّته في الكنيسة وفي كلِّ مؤمن من المؤمنين. كان لنا مثالٌ بعيد في مسيرة إبراهيم وجدت كمالها في شخص المسيح معه انطلق بولس تاركًا ما وراءه منبطحًا إلى أمامه. »فجرى إلى الهدف ليفوز بالجائزة التي هي دعوة الله السماويَّة في المسيح يسوع« (فل 3: 14). ومعه تسير الكنيسة إلى مجيئه ومنتهى الدهر، بل الخليقة كلُّها التي »ستتحرَّر من عبوديَّة الفساد لتشارك أبناء الله في حرِّيَّتهم ومجدهم« (رو 8: 21). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كرّم إبراهيم الرجال عديمي الإيمان الذين باعوا له المغارة |
ما أروع أن نقدِّم كل ما لنا للرب دون تردّد |
ترجّي الربّ يا نفسي فهو مجيبك |
يا أم الكلمة المُتجسد لا تردّي طلباتي |
تردّد توما وثباتنا |