رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دلماطية هي مقاطعة رومانيّة وصل إليها بولس الرسول دلماطية. هي مقاطعة رومانيّة. تُجاور الليريكون الواقع بين البحر الأدرياتيكيّ والساف، ذاك النهر الذي يولَد في سلوفينيا، ويصبّ في الدانوب في بلغراد، عاصمة يوغوسلافيا القديمة. هذه المقاطعة المتوسّطيّة التي تأثّرت باكرًا بالحضارة اليونانيّة (منذ القرن السابع ق. م.)ئ؟(6)، وصل إليها بولس الرسول الذي تحدّث عن امتداد الرسالة، رسالته والفريق العامل معه، من أورشليم إلى الليريكون. يبدو أنّ بولس بشّر هذه المنطقة السلافيّة خلال الرحلة الرسوليّة الثالثة (أع 20: 1-3). إلى هناك مضى بولس، وتمنّى أن يصل إلى حدود الأرض المعروفة إلى جبل طارق، الذي دُعيَ في الماضي عمود هرقل. هكذا تكون البشارة وصلت إلى أقاصي الأرض. هذه التسميات تدلّ على أنّ الرسول قضى زمن رسالته في رواح ومجيء، لأنّه ما أراد أن يبني على أساس غيره، ولا هو اعتبر نفسه يعمل عملاً عظيمًا حين يحمل البشارة. قال عن نفسه: »الويل لي إن لم أبشّر«. وهكذا رأيناه يبشّر حتى في سجن رومة، كما في السفينة التي كانت تُقلّه سجينًا بعد أن رَفع دعواه إلى قيصر. وها نحن نصل إلى أفسس. ذكريات في أفسس عاشها الرسول، وكأنّي به توقّف عن السفر، فلبث في تلك المدينة ثلاث سنوات، وهكذا امتدّت الرسالة إلى البعيد. أفسس هي سلجوك اليوم، في تركيا؛ مدينة تغوص في القدم، وتعود إلى الألف الثاني. عرفت باكرًا الحضارة اليونانيّة، وإن احتلّها الفرس فترة من الزمن. منذ سنة 129 ق. م.، هي عاصمة آسية(7) الصغرى المشهورة بغناها. تذكّر بولس خبرته الرائعة في هذه المدينة المشهورة بمعبدها المكرّس للإلاهة أرطاميس. قال رئيس الصاغة: »تعرفون، أيّها الإخوان، أنّ رخاءنا يقوم على هذه الصناعة« (أع 19: 25)، صناعة تماثيل صغيرة لأرطاميس يحملها »الحجّاج« إلى بيوتهم. وهكذا »سقطت« أرطاميس ومعها سائر الأصنام، إن لم يكن الآن، فبعد وقت قصير أو طويل. وستصبح أفسس مدينة العذراء مريم. وتذكّر بولس ما حدث له مع »أبناء سكاوا«: في الأصل، هو شرّ يضرّ بالرسالة. ولكن في النهاية، الله يحوّل الشرّ إلى خير. ماذا كانت النتيجة؟ »سمع أهل أفسس كلّهم، من يهود ويونانيّين بهذه الحادثة، فملأهم الخوف، وتعظّم اسمُ الربّ يسوع« (آ 17). هؤلاء الذين يتاجرون باسم يسوع ويستخدمون اسمه (آ 13) نالوا عقابهم. الربّ هو الذي دافع عن اسمه؛ فقال الروح الشرير: »أنا أعرف يسوع وأعلم من هو بولس« (آ 15). أمّا الخوف فهو خوف مقدّس من قدرة الله التي تعمل بواسطة مرسَليه. وفي أيّ حال، عاد المجد لله، لا للبشر. وكما »دُمّرت« الأوثان، سوف تزول أعمال السحر: »فجاء الكثير من المؤمنين يعترفون ويُقرّون بما يمارسون من أعمال السحر، وجَمَع كثيرٌ من المشعوذين كتبهم وأحرقوها أمام أنظار الناس كلهم، وحسبوا ثمن هذه الكتب، فبلغ خمسين ألف درهم« (آ 19). آمنوا فما تأخّروا في التعبير عن إيمانهم. أناس تركوا أصنامهم، وآخرون تركوا هذه »الترهّات« التي هي أعمال السحر بما فيها من كذب وتدجيل. زالت الحواجز أمام البشارة، فاستخلص القديس لوقا: »بقدرة الربّ، كانت الكلمة تنمو وتتقوّى« (آ 20). الكلمة هي يسوع المسيح كما نقرأ في أع 6: 7 في خطّ الإنجيل: »وكان الطفل يسوع ينمو ويتقوّى ويمتلئ حكمة« (لو 2: 40). طالت إقامة الرسول، ثلاث سنوات، ففتح »مدرسة«، وكان يعلّم كلّ يوم، »من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر إلى الساعة الرابعة بعد الظهر«، أي ساعة الغداء والقيلولة، وهو وقت لا يقدر صاحبُها أن يعلّم فيه. مدرسة تخصّ تيرانوس، أحد معلّمي البلاغة في المدينة، أو هو قدّمها، أو هو أجَّرها. ومهما يكن من أمر، كان لهذه »المدرسة« إشعاع كبير، »حتّى سمع جميع سكان آسية من يهود ويونانيين كلام الربّ« (أع 19: 10 ). كلّ هذا تذكّره بولس من غياهب سجنه. كما تذكّر أولئك الذين وسّعوا الرسالة، فما انحصرت في أفسس، بل امتدّت إلى كولوسّي، مع »إبّفراس رفيقِنا الحبيب في العمل والخادم الأمين للمسيح عندكم« (كو 1: 7). ولا شكّ في أن أرخبُّس كان أيضًا من كولوسي (فلم 13؛ كو 4: 17)، فعمل مع العاملين، وصولاً إلى لاودكية، تلك المدينة (التركيّة اليوم، قرب دنيزلي) التي بناها أنطيوخس الثاني خلال القرن الثالث، وربّما إلى هيرابّوليس القريبة. وفي النهاية، يتذكّر الرسول ترواس، تلك المدينة الواقفة على الشاطئ الآسيويّ لمضيق الدردنيل. أسّسها الإسكندر تذكّرًا لملحمة هومير (الألياذة، واسم المدينة: طروادة). كانت مدينة حرّة ومرفأ هامٌّا. أبحر منه بولس مرّة أولى (أع 16: 8، 11) من أجل الدخول إلى أوروبّا في نيابّوليس. ومرّة ثانية حين أراد الذهاب إلى كورنتوس، فإذا هو يُجبَر على الذهاب إلى مكدونية، لأنّه ما وجد تيطس أخاه (2 كو 2: 12). ذكرياتٌ في ترواس، ثمّ في ميليتس، تلك المدينة التي استوطنها منذ القدم أناس من جزيرة كريت. توقّف فيها بولس »لأنّه رأى أن يتجاوز أفسس في البحر لئلاّ يتأخّر في آسية، وهو يريد السرعة لعلّه يصل إلى أورشليم في يوم الخمسين« (أع 20: 15-16). في ترواس التأمت الجماعة يوم الأحد »لكسر الخبز«، أي للاحتفال بالإفخارستيّا. القسم الأول هو قسم الكلمة؛ تكلّم بولس »وأطال الكلام إلى منتصف الليل« (آ 7)؛ في ذلك الوقت، سقط »فتى اسمه أفتيخوس كان جالسًا عند النافذة وأخذه النعاس« (آ 8). هنا تصرّف الرسول كما تصرّف معلّمُه حين أتى إلى بيت يائيرس رئيس المجمع: »ما ماتت الصبيّة، لكنّها نائمة!« (مر 5: 39). وبولس قال: »لا تقلقوا، فهو حيّ« (أع 20: 10أ). وفعل كما فعل إيليّا: »ارتمى على الولد وحضنه« (آ 10ب). وتابع الرسول »القداس«، انتقل من »مائدة الكلمة« إلى »مائدة القربان«. »صعد إلى الغرفة العليا وكسر الخبز، وحدّثهم طويلاً إلى الفجر ومضى« (آ 11). في ذلك الوقت »جاؤوا بالفتى حيٌّا« (آ 12). وفي ميليتس مشهد الوداع ووصيّة بولس الأخيرة. »أنا أعرف أنّكم لن تروا وجهي بعد الآن« (آ 25). ذكّرهم برسالته بينهم، باندفاعه، بتجرّده. نبَّههم من التعاليم الضالّة: »أنا أعرف أنّ الذئاب الخاطفة ستدخل بينكم بعد رحيلي ولا تشفق على الرعيّة. ويقوم من بينكم أناس ينطقون بالأكاذيب ليضلِّلوا التلاميذ فيتبعوهم« (آ 29-30). »ولمّا ختم بولس كلامه، سجد معهم كلّهم وصلّى.وبكوا كثيرًا وعانقوا بولس وقبّلوه« (آ 36). كانت تلك آخر مرّة يلتقي شيوخ أفسس والمسؤولين فيها. وكانت كلمته الأخيرة: »والآن أَستودعُكم الله وكلمة نعمته« (آ 32). وهو الآن يصلّي معهم ولأجلهم. في الماضي، سلّمهم إلى الله، وهو اليوم يسلّمهم كما يسلّم جميع الكنائس التي مرّ فيها وأسَّسها، ولا سيّما كورنتوس حيث بقي أراستس (2 تم 4: 20)، أحد معاونيه (أع 19: 21)، والذي يُرسل سلامَه في نهاية الرسالة إلى رومة مع »غايس وكوارتُس« (رو 16: 23). |
|