رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مواعيد الله وهكذا فتحَنا الله على مواعيده. فإذا كان الرجاء هو الانتظار الأكيد للسعادة الآتية، كما يقول القدّيس توما في الخلاصة اللاهوتيَّة، فنحن لا نفهم الرجاء في الإطار اللاهوتيّ إلاَّ في العودة إلى مواعيد الله التي تحتلُّ هنا مكانة مميَّزة. كان العالم الوثنيّ ينظر إلى الزمن على أنَّه دائرة تعود فيها السنون إلى حيث انطلقت. أمّا الكتاب المقدَّس فينظر إلى الزمن على أنَّه خطٌّ مرتَّب في التاريخ، وهو تاريخ يتجلّى فيه الله على أنَّه سيِّد المستقبل وسيِّد البشريَّة كلِّها. واسم »يهوه« نفسه كما كُشف لموسى (خر 3: 14) يؤكِّد الزمن الآتي: الله فعل وهو يفعل. أنا هو اليوم وغدًا كما كنتُ في الماضي. هنا المعنى الأصليّ للوعد: يتكلَّم الله وما يقوله يُجريه، وما يعدُ به إنسانًا من الناس يُنيله ما وعد به. تلك كانت خبرة إبراهيم وسارة. قال الربّ: »سأرجع إليك في هذا الوقت من السنة المقبلة ويكون لسارة امرأتك ابن« (تك 18: 10). أمرٌ لا يصدَّق: إبراهيم كبير السنّ، وسارة خصوصًا »امتنع أن تكون لها عادة كما للنساء« (آ11). هذا غير معقول! لهذا ضحكت سارة. أمّا الربُّ فوعد ووفى: »فحملت سارة وولدت لإبراهيم ابنًا في شيخوخته، في الوقت الذي تكلَّم الله عنه« (تك 21: 2). وكان الكتاب قال: »وافتقد الربُّ سارة كما قال، وفعل كما وعد« (آ1). ففي الوعد التزام. أترى الله لا يفي بوعوده؟ بل هو الإله الثابت، الأمين. وهكذا يكون الوعد إحدى الكلمات المفاتيح في لغة الحبّ. فحين يَعد الله، فهو يُلزم في الوقت عينه قدرته وأمانته، ويؤكِّد أنَّ المستقبل في يده، كما يؤكِّد صدق كلامه. هذا ما يحرِّك عندنا تعلُّق القلب وسخاء الإيمان. وبالطريقة التي بها الله يعد وباليقين الذي يملك بأنَّه لا يخيِّب الآمال، فهو يكشف أنَّه العظيم والعظيم وحده. قال سفر العدد: »ليس الله بإنسان فيكذب. ولا كبني البشر فيندم. أتراه يقول ولا يفعل، أو يتكلَّم ولا يقيِّم كلامه؟« (23: 19). فحين يعد الله، فهذا يعني أنَّه سبق وأعطى. وخصوصًا أعطى إيمانًا يعرف الانتظار ويتأكَّد أنَّ الله هو الأمين الذي لا يمكن أن ينكر نفسه (2 تم 2: 13). وبولس حين اهتمَّ بأن يبيِّن أنَّ الإيمان هو أساس الإيمان المسيحيّ، دُفع لكي يُبيِّن أن جوهر الكتب المقدَّسة ومخطَّط الله يقوم في وعدٍ وعدَ به إبراهيم وأتمَّه في يسوع المسيح. هنا نقرأ الرسالة إلى غلاطية. فالغلاطيّون الذين بشَّرهم الرسول وعلَّمهم الحرِّيَّة في المسيح، عادوا إلى العالم اليهوديّ، يمارسون شعائره. فجاء كلام بولس قاسيًا: »أيُّها الغلاطيّون الأغبياء« (غل 3: 1). بل هم تحت اللعنة لأنَّهم »يتَّكلون على العمل بأحكام الشريعة« (غل 3: 10). ويطرح السؤال: لمن أعطيَت المواعيد؟ لأهل الإيمان أم لأهل الشريعة؟ والجواب واضح: »أهل الإيمان هم أبناء إبراهيم الحقيقيّون« (آ6). وبما أنَّ إبراهيم برَّره الله لإيمانه، فنحن أيضًا »ننال بالإيمان الروح الموعود به« (آ14). ويواصل الرسول برهانه للغلاطيّين، فيأخذ »مثلاً بشريٌّا«: من يقدر أن يبدِّل وصيَّة إنسان أعلنها قبل موته؟ والجواب لا أحد. وبالأحرى الله: وعد إبراهيم، فمَن يقدر أن يلغي وعد الله أو يبدِّله. لا أحد. حتّى ولا الشريعة التي »لا تقدر أن تنقض عهدًا أثبته الله، فتجعل الوعدَ باطلاً« (آ17). وبماذا وعدنا الله؟ بالميراث. نحن أبناء مع الابن، وورثة معه على ما قال الرسول في الرسالة إلى رومة: »وهذا الروح يشهد مع أرواحنا أنَّنا أبناء الله. وما دُمنا أبناء الله، فنحن ورثة: ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث، نشاركه في آلامه لنشاركه أيضًا في مجده« (رو 8: 16-17). فما الذي يحرمنا من هذا الميراث؟ إذا وُجد هذا الحرمان، فهذا يعني أنَّ وعد الله ليس بوعد (غل 3: 18). معاذ الله من هذا الكلام! وتأتي المقابلة بين هاجر وسارة من جهة، وبين إسحق وإسماعيل من جهة ثانية. إذا نحن وُلدنا »بحسب الجسد« (أو: اللحم والدم)، فنحن عبيد، لا أحرار. وبالتالي لسنا أبناء. أمّا الذي وُلد بحسب الروح، فنحن »أبناء الحرَّة« وقد وُلدنا »بفضل وعد الله« (غل 4: 23). ويعلن الرسول بعد أن يورد النصَّ الإشعيائيّ: »فأنتم، يا إخوتي، أبناء الوعد مثل إسحق« (آ28). مواعيد الله نتعرَّف إليها منذ العهد القديم. وعد بأرض وبنسل. وتواصلت مواعيدُه مع موسى وخصوصًا مع داود بالنسبة إلى الملكيَّة التي امتدَّت مع سليمان بحيث إنَّ الشعب »يثبت في مكانه فلا يتزعزع من بعد« (2 صم 7: 10). ووعد الربُّ بالخلاص في النهاية مع ذاك »الأب الأبديّ ورئيس السلام« الذي »سلطانه يزداد قوَّة، ومملكته في سلام دائم... غيرة الربِّ تعمل ذلك من الآن وإلى الأبد« (إش 9: 6). مواعيد أُعطيت. فأوجزها القدّيس بطرس في عظته الأولى يوم العنصرة: »الوعدُ لكم ولأولادكم ولجميع البعيدين، بقدر ما يدعو منهم الربُّ إلهنا« (أع 2: 39). ذاك ما جعله لوقا، تلميذ بولس، في أوَّل خطبة توجز مشروع الكنيسة في انطلاقتها. وجاء الرسول يُفهمنا أنَّ الجميع يدخلون في هذا المخطَّط الإلهيّ. قال للوثنيّين: »في الماضي، كنتم بعيدين عن رعيَّة إسرائيل، غرباء عن عهود الله ووعده، لا رجاء لكم ولا إله في هذا العالم. أمّا الآن...« (أف 2: 12-13). الذين لم يعرفوا الرجاء عرفوا الرجاء بيسوع المسيح الذي تجسَّد في »ملء الزمن« (غل 4: 4)، الذين لم يعرفوا وعد الله بأن »يجمع في المسيح كلَّ شيء في السماوات وفي الأرض« (أف 1: 10)، عرفوا الآن أنَّ هذا الوعد وصل إليهم وإلى أبنائهم، سواء كانوا بعيدين عن أورشليم أو كانوا قريبين. فالجميع صاروا شركاء في ميراث الله، وأعضاء في جسد واحد. »ولهم نصيب في الوعد الذي وعده الله« (أف 3: 6). وحين تفيض علينا النعمة في المسيح يسوع ونصير أغنياء في كلِّ شيء بحيث لا تعوزنا موهبة من المواهب (1 كو 1: 4-7)، لا يبقى لنا سوى أن ننتظر »ظهور ربِّنا يسوع المسيح... الذي يحفظنا ثابتين إلى النهاية« (آ7-8). أجل، القوَّة التي لا تأتي من البشر، بل من الله، تجعلنا نهتف مع الرسول: »إذا كان الله معنا، فمن يكون علينا؟« (رو 8: 31). ذاك هو أساس رجائنا. والربُّ وهب لنا ما وهب. ويواصل الرسول: »الله الذي ما بخل بابنه، بل أسلمه إلى الموت، كيف لا يهبُ لنا معه كلَّ شيء؟« (آ32). عندئذٍ »من يقدر أن يفصلنا عن المسيح؟« (آ35). فمعه ننتصر كلَّ الانتصار حتّى في قلب الشدائد (آ37). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
♡ قصة عن القدّيس توما الرسول المجيد |
إيقونة القدّيس توما العجائبيّة في هيراكليون |
القدّيس توما البار الميليوني |
القدّيس توما الرسول |
شاهد ماذا يقول الانبا بولا عن الدستور ؟ |