رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس عالم النفس أتُرى الرسول درس في جامعاتنا علم النفس والتحليل النفسيّ؟ كلاّ. فنقول: ولكنَّه تعلَّم في طرسوس تلك المدينة الجامعيَّة، واستطاع أن يجادل في أثينة تلاميذ الفلاسفة: أفلاطون، أرسطو، زينون الفينيقيّ، إبيقور... وأراد أن يصل بهم إلى يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات وهو يقيمنا معه. وما الذي دعا بولس إلى مثل هذا العمل؟ الوضع الذي يعيشه الإنسان. صار بالمعموديَّة إنسانًا جديدًا. ولكنَّه عمليٌّا ما زال إنسانًا قديمًا. ترك آدمَ الأوَّل وارتبط بآدم الثاني، ولكنَّه يعود يومًا بعد يوم إلى آدم الأوَّل، إلى الخطيئة التي تجرُّ إلى الموت. هو صراع في داخل الإنسان. جاءت الشريعة وأضافت على الإنسان الضعيف ثقلاً فوق ثقل. قال: »الشريعة مقدَّسة والوصيَّة مقدَّسة، عادلة، صالحة« (آ12). هذا ما لا شكَّ فيه. ولكنّي لا أستطيع أن أحمل الشريعة لأنّي مريض. فيجب أن أُشفى أوَّلاً وبعد ذلك أستطيع أن أعيش بحسب الشريعة ولو كانت ثقيلة. أمّا المسيح فحوَّل حياتنا وأعطانا شريعته الخاصَّة، حين قال: »نيري هيِّن وحملي خفيف« (مت 11: 30). ذاك هو الصراع، كما صوَّره الرسول في قلب الإنسان. قال: »الخير الذي أريدُه لا أفعله، والشرّ الذي لا أريدُه إيّاه أفعل« (آ19). ويتابع كلامه فيدلُّ على التمزُّق الذي يعانيه: »فإذا كنتُ أفعل ما لا أريد، فلستُ أنا أفعل ذلك، بل الخطيئة الساكنة فيَّ« (آ20). حرب قاسية جعلت الرسول يهتف: »ما أشقاني من إنسان! فمن يُنقذني من هذا الجسد الذي يصير بي إلى الخطيئة« (آ24). حالة تعيسة يعيشها المؤمن. حلَّلها بولس كما يحلِّل الفلاسفة، وما وجد جوابًا. أمّا الجواب فيأتي من الربِّ يسوع: »الحمد لله بربِّنا يسوع المسيح« (آ25). فيه نضع ثقتنا ونحن متيقِّنون أنَّنا معه نغلب نزواتنا وشهواتنا بل نغلب العالم (يو 16: 33). وسوف يقول يوحنّا في رسالته الأولى: »إيمانُنا هو انتصارنا على العالم« (1 يو 5: 5). ولكن من يوحِّد الإنسان المقسَّم بين العقل والفهم من جهة، وبين البدن أو العنصر البشريّ الذي نسمّيه »اللحم والدم« من جهة ثانية؟ هو الروح القدس. قال الرسول: »فها أنذا عبدٌ بالعقل لشريعة الله، وعبد باللحم والدم لشريعة الخطيئة« (آ25). وكان بولس سبق وقال: »أشعر في أعضائي بشريعة أخرى تحارب شريعة عقلي وتأمرني بشريعة الخطيئة« (آ23). فهل أنا مهدَّد بالهلاك؟ هل أنا ذاهب إلى الموت؟ وحدي، بدون شكّ. ولكن التحرَّر منفتح أمامي، تحرّر من الشهوات البشريَّة وعبوديَّة الشريعة. في هذا الإطار يعلن بولس: »فليس بعد الآن من حُكم للذين هم في يسوع المسيح، لأنَّ شريعة الروح الذي يهب الحياة في يسوع المسيح، حرَّرتني من شريعة الخطيئة والموت« (و 8: 1-2). في الماضي، كانت الشريعة تفرض نفسها من الخارج، وتملأ قلبي خوفًا أين منه خوف العبيد. أمّا مع الروح، فنداؤه نسيم خفيف بتغلغل في أعضائي ويدعوني إلى الطاعة الباطنيَّة. فنحن لم نعُد عبيدًا أمام سيِّد يغضب علينا ويهدِّدنا بالعقاب. بل نحن أمام أب (وأم معًا) ندعوه كالأطفال: »أبّا«. هي دالة الأبناء الأحبّاء. يكفي أن »ننقاد إلى روح الله لنكون حقٌّا أبناء الله« (آ14). ولكن من أنا حتّى أتجاسر وأدعو الله »أبّا«؟ الروح هو الذي يجعلني أناديه »أبّا«. هو يصرخ فيَّ. يصلّي فيَّ. يعمل فيَّ. أنا بوق يهتف فيه. أنا لسان يتكلَّم به. أنا يدٌ يعمل بها. إذا كانت »الخطيئة« قادَتني في الماضي إلى الموت، فالروح الآن يقودني إلى الحياة. قال الرسول: »فإذا كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالاٌّ فيكم، فالذي أقام يسوع من بين الأموات يحيي أيضًا أجسادكم الفانية بروحه الحالِّ فيكم« (آ11). أجل، »الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأنَّنا أبناء الله. فإذا كنّا أبناء الله فنحن الورثة: ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث. وإنّا نشاركه في آلامه لنشاركه في مجده« (آ17). |
|