رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البعيدون والقريبون البعيد هو الذي لم يصل إليه ما وصل إليّ. والقريب هو من كان رأيُه مثل رأيي. ذاك كان موقف اليهود في زمن المسيح وفي زمن بولس. البعيدون هم »الوثنيّون« أي الذين صوَّروا آلهتهم (أو: إلههم) وصنعوا لها التماثيل. ويفترقون عن اليهود على مستوى »اللحم« (لا الجسد الذي هو للقيامة): هم قلفة واليهود هم ختان. قام اليهود بعمليَّة صارت اليوم »عمليَّة طبيَّة« فنزعوا القلفة أو الغشاوة، أمّا الأمم الوثنيَّة فما نزعوا هذه الغشاوة. يا للفرق الكبير! لهذا هم بعيدون. ونقول اليوم كلُّ من لا يمارس ما نمارس فهو بعيد، فصرنا محور العالم ونسينا أنَّ الله هو أبو الجميع. وفي تاريخنا الشرقيّ، فرضنا على »الغريب« أن يلبس لباسًا يختلف عن لبسنا، كما منعناه من أمور احتفظنا بها لنفوسنا. ولا نقول شيئًا عن عالم الهند حيث لكلِّ مقاطعة تقاليدها. بل هناك ملايين من الذين لا يحقُّ لنا أن نلمسهم أو نقترب منهم. هم »سفالة«. والصراع بين »البيض« و«السود« حاضر في أذهاننا، في الولايات المتَّحدة، في أفريقيا الجنوبيَّة وفي مواضع أخرى. الحمد لله أنَّ الإيمان المسيحيّ خطا خطواتٍ واسعة، ولكنَّها ليست كافية إلى الآن. والمبدأ نادى به الرسول: لا عبد ولا حرّ، لا يونانيّ ولا بربريّ (كو 3: 11). والبربريّ هو الذي لا يتكلَّم اللغة اليونانيَّة! وبقدر ما يبتعد الإنسان عن العالم اليونانيّ يبتعد عن الحضارة. فذكر الرسول »الإسكوتيّين«، تلك القبائل البدويَّة التي أقامت شرقيّ نهر الفولغا (روسيّا)، الذين اعتُبروا آخر الناس. وفي عالمنا العربيّ نلاحظ لفظ »عبد« تجاه »حر«. فالعبد هو الذي لون جسمه غير لون جسمنا. لهذا هو »الرقيق، المملوك من سيِّد بسبب مولده أو بالأسر أو بالبيع«، كما يقول القاموس العربيّ. ولهذا فالعبيد الذين »نشتريهم« في أيّامنا، يختلف لونهم عن لوننا. أما هم أيضًا على صورة الله ومثاله كما نحن؟ عنهم قيل في مجمع أورشليم الذي انعقد سنة 49-50: »نحن نؤمن أنَّنا نخلص بنعمة الربِّ يسوع كما هم يخلصون« (أع 15: 11). وقال الرسول: »نحن خليقة الله، خُلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي أعدَّها الله لنا من قبل لنسلك فيها« (أف 2: 10). العبد بعيد والحرّ قريبٌ! كلاّ. الاثنان قريبان من الله. فمنذ إشعيا قال الربّ: »السلام للقريب والسلام للبعيد« (إش 57: 19). فالذي هو في أورشليم لا يفترق عن الذي يكون في أقاصي الأرض. اليونانيّ بعيد عن اليهوديّ، لأنَّه غير مختون! وبالتالي هو »مُبعَد عن رعويَّة إسرائيل، غريب عن عهود الموعد، لا رجاء له في هذا العالم ولا إله« (مثل إلهنا) (أف 2: 12). ما هذا الكلام الذي نسمعه حتّى الآن؟ نحن نخلص. أمّا الآخرون فلا يخلصون. يجب أن يلحقوا بنا، أن يتبعونا، وإلاَّ هم هالكون لا محالة. ذاك ما قيل في المسيحيَّة: لا خلاص خارج الكنيسة. تركت الكنيسة هذا القول وعادت إلى كلام القدّيس بولس: »الله يريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحق« (1 تم 2: 4). وقيل: »أفضل الناس عند الله هم أصحاب التقوى والعاملون بمشيئته«. وأعلن إشعيا أنَّه يكون للعبيد (للخصيان) اسمٌ أبديّ لا ينقطع ذكره، والغرباء يأتون إلى الجبل المقدَّس فيكونون عبيدًا لله (وعبّادًا) لا عبيدًا للناس (إش 56: 3-7). والذروة: »بيتي بيت صلاة لجميع الشعوب«. كلُّ هذا تقدِّمه الرسالة إلى أفسس في توسُّع كبير، وذلك على ضوء ما حصل في أنطاكية: كان المؤمنون كلُّهم معًا حول المائدة الواحدة. ولمّا جاء أناس من أورشليم، تنحّى بطرس والذين معه وتركوا الآتين من العالم اليونانيّ وحدهم (غل 2: 11ي). »واذكروا أنَّكم كنتم فيما مضى...« (أف 2: 13). أمّا الآن، فلم يَعُد لذلك من أثر. »ففي المسيح يسوع صرتم قريبين بدم المسيح بعدما كنتم بعيدين« (آ13). ما الذي يُبعد شخصًا عن شخص أو شعبًا عن شعب؟ الدم، الحرب، القتل. أمّا المسيح فما أراد أن يسفك دم الآخرين، بل سفك دمه من أجل البشريَّة جمعاء، التي ضمَّها ببسط يديه على الصليب. لا موضع بعدُ للسيف ولا للعنف، بل للودعاء والمتواضعين على مثال الربِّ الذي قال: »تعلَّموا منّي، أنا وديع ومتواضع القلب« (مت 11: 29). وتواصلُ الرسالة: »فالمسيح هو سلامنا، جعل اليهود وغير اليهود شعبًا واحدًا وهدم الحاجز الذي يفصل بينهما« (آ14). من لا يتذكَّر الحواجز خلال الحروب. لا مجال للتحاور. الذين هم هناك لا يكونون مع الذين هم هنا. وفي النهاية، يصبح الحاجز »عداوة«. والعدوّ يجب أن يُقتَل. وكيف نُزيل الحواجز؟ بالحرب لكي نصل إلى السلام وأيُّ سلام؟ كانت الإمبراطوريَّة الرومانيَّة تقول: »إن شئت السلام فاستعدَّ للحرب«. وطرح أحدهم السؤال: »لماذا تنتظرون نهاية الحرب لتعقدوا معاهدة سلام؟ لماذا لا يكون تفاهم قبل الحرب؟« أمّا في المسيحيَّة، فالمسيح هو السلام. وكلُّ من يطلب الحرب، أيّا كان معتقده، لن يصل إلى السلام الحقيقيّ، السلام الذي يدوم. وهل يكون السلام لشعب دون شعب، والخير لفئة دون فئة؟ وكان الجواب: »جاء وبشَّركم بالسلام أنتم الذين كنتم بعيدين، كما بشَّر بالسلام الذين كانوا قريبين، لأنَّ لنا به جميعًا الوصول إلى الآب في الروح الواحد« (آ17-18). في الماضي »كنتم« ثمَّ »كانوا«. أمّا الآن فلا تمييز بعدُ، والعمل هو عمل الثالوث. فنهاية مسيرة كلِّ إنسان هي الآب الذي »أرسل ابنَه إلى العالم لكي يخلِّص به العالم« (يو 3: 17). وكلُّ هذا يتمُّ في الروح القدس، روح الآب والابن. إذا كان »الثالوث« هو عيلة الله الذي يستعدُّ أن يستقبل كلَّ الآتين إليه، فمن يحقُّ له أن يجعل هذا في حضن الآب، ويمنع ذاك عن السعادة؟ إذا كان الله لم يرسل ابنه »ليدين العالم« بل ليخلِّصه، فمن أنت أيُّها الإنسان؟ كان حاجز بين اليهوديّ واللايهوديّ: »شريعة موسى بأحكامها ووصاياها« (أف 2: 15). وألغاه يسوع بجسده الذي رُفع على الصليب »ليخلق في شخصه من هاتين الجماعتين إنسانًا واحدًا جديدًا«. لا موضع بعدُ للقديم. لا موضع بعد لجماعة تجاه جماعة، على مستوى الدين أو اللغة أو الطائفة. وقد وصلنا في المسيحيَّة إلى حواجز بين طائفة وطائفة: هناك مؤمنون وآخرون غير مؤمنين. هناك من يحتاجون إلى عمادٍ ثانٍ لأنَّ إيمانهم لم يكن »مستقيمًا«. يجب أن يدخلوا إلى طائفة ترتبط بفلان، لا إلى كنيسة المسيح الواحدة الجامعة المقدَّسة الرسوليَّة. كان خلاف، »فأحلَّ المسيح السلام بين فئة وفئة«. والربُّ نفسه جاء بهذه الطائفة وبتلك »فأصلح بينهما وبين الله بصليبه، فقضى على العداوة وجعلهما جسدًا واحدًا« (آ16). لا رعايا عديدة، بل »رعيَّة واحدة« (آ19). لا كنائس عديدة بل كنيسة واحدة هي عروس المسيح، و«بيت الله« واحد هو. فلا بيوت عديدة وكأنَّ لكلِّ طائفة بيتًا خاصٌّا بها. فالسماوات العديدة تعني الآلهة العديدة. أمّا نحن فإلهنا واحد، وربُّنا واحد. ذاك ما نقرأ في الرسالة الأولى إلى كورنتوس: »وإذا كان في السماء أو في الأرض ما يزعم الناس أنَّهم آلهة... فلنا نحن إله واحد وهو الآب الذي منه كلُّ شيء وإليه نرجع، وربٌّ واحد وهو يسوع المسيح الذي به كلُّ شيء وبه نحيا« (1 كو 8: 5-6). ذاك هو السرُّ الذي أرادت الرسالة إلى أفسس أن تُدخلنا فيه. |
|