رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بـــولـــــس وانتظار المجيء بعد القلق الفرح. أرسل الرسولُ تيموتاوس فجاءه بالأخبار الطيِّبة: »تذكروننا بالخير وتشتاقون إلى رؤيتنا كما نشتاق إلى رؤيتكم« (1 تس 3: 6). تلك هي عاطفة أبٍ تجاه أولاده (1 تس 2: 11-12). فهل ينساهم حين يُجبَر على تركهم؟ كلاّ. فهو يقول إلى جماعة كورنتوس: »فمن يضعف وأنا لا أضعفُ معه، ومن يقع في الخطيئة ولا أحترق من الحزن عليه« (2 كو 11: 29). أمّا مع جماعة تسالونيكي، فلا خوفَ بعد ولا همّ: »نحن نحيا الآن ما دمتُم ثابتين في الربّ. فأيُّ شكر نقدر أن نؤدّيه إلى الله من أجلكم على كلِّ هذا الفرح الذي نشعر به أمام إلهنا بفضلكم« (1 تس 3: 8-9). ارتاح الرسول وها هو يكمِّل تعليم الجماعة حول مجيء الربّ. فبعد أن امتدح التسالونيكيّين، طلب من الربِّ »أن يقوّي قلوبكم فتكونوا بقداسة لا لوم فيها، أمام إلهنا وأبينا، يوم مجيء ربِّنا يسوع المسيح مع قدّيسيه« (1 تس 3: 13). أجل، الربُّ يأتي قريبًا. والمؤمنون تذكَّروا قول يسوع قبل خبرة جبل التجلّي: »الحقَّ الحقَّ أقول لكم: في الحاضرين هنا من لا يذوقون الموت حتّى يشاهدوا ملكوت الله آتيًا في قوَّة« (مر 9: 1). هذا يعني أوَّلا: يأتي المسيح وهم بعدُ أحياء فيرافقونه في موكبه المجيد. واللفظ »بقوَّة« يدلُّ على تجلّي ملكوت الله وانتصاره تجاه الخفاء في بدايته. وهذه القدرة تُعطى للمسيح منذ قيامته (رو 1: 4). متى يكون هذا المجيء؟ بعضهم فكَّر في دمار أورشليم. وآخرون في ظهورات المسيح القائم من الموت: هو يأتي مثل ملك. وفئة ثالثة توقَّفت عند التجلّي حيث ظهر يسوع للتلاميذ يحيط به موسى وإيليّا. ذاك هو المعنى الذي أبرزه إنجيل لوقا: الإقرار بعظمة الربِّ القائم من الموت، كما تجلَّت أمام الرسل على الجبل (لو 9: 27). أمّا جماعة تسالونيكي فاعتبروا أنَّ هذا المجيء يتمُّ وهم بعدُ أحياء، يتمُّ في القريب العاجل. لهذا بدوا مستعدِّين محتملين كلَّ الصعوبات والاضطهادات. وتساءلوا: والذين رقدوا؟ كيف يكونون في موكب الربّ؟ هنا كان جواب الإيمان ثمَّ الجواب العمليّ. أمّا جواب الإيمان فيربط موتنا بموت المسيح وقيامتنا بقيامته. هو مات ونحن نموت. هو قام ونحن نقوم. والمسيح صعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب، وكذلك يكون لنا نحن المؤمنين: »نؤمن أنَّ الذين رقدوا في يسوع، سينقلهم الله إليه مع يسوع« (1 تس 4: 14). وكيف تتمُّ هذه »النقلة«؟ هنا يأتي الجواب العمليّ بالنسبة إلى جماعة تسالونيكي: يقوم الموتى أوَّلاً، والأحياء يُخطَفون في السحب. والجميع يمضون لملاقاة الربِّ في الفضاء (آ17). نحن هنا أمام صُوَر من العالم الجليانيّ: الربُّ يتجلّى، يجلو لمؤمنيه، يكشف لهم الأساس: أنتم تقومون. إذًا، لا تحزنوا كما يحزن الذين لا رجاء لهم. الموت بالنسبة إلى الأقدمين هو الظلمة. أمّا الموت للمؤمنين فهو نور، وهو نهار لا ليل فيه، كما قال سفر الرؤيا (رؤ 21: 25). يموتُ الناس فينامون. أمّا المؤمن فيموت ليقوم. ولكن كيف التعبير عن هذه الحقيقة التي لا نراها بالعين البشريَّة المجرَّدة، بل بالإيمان؟ تحدَّث الرسول عن »الصوت«، عن »هتاف البوق«، عن »النزول من السماء«، عن »السُحب«. نحن لا ننسى أنَّ ابن الإنسان يأتي على سحاب السماء. كما قال دانيال، وكأنَّه في مركبة. قال الرائي: »ورأيتُ في منامي ذلك الليل، فإذا بمثل ابن إنسان آتيًا على سحاب السماء« (دا 7: 13). وردَّد يسوع هذا الكلام فطبَّقه على نفسه أمام المجلس اليهوديّ: »سترون بعد اليوم ابن الإنسان جالسًا عن يمين الله القدير وآتيًا على سحاب السماء« (مت 26: 64). فالسحاب يدلُّ على حضور الله الذي يرافق شعبه في مسيرة البرِّيَّة. السحاب يُظهر اللهُ ويخفيه في الوقت عينه، لأنَّنا أمام سرٍّ يعطينا بعض الضياء ويخفي الكثير عن أعيننا البشريَّة. ويعود الرسول إلى خبرة جبل سيناء حيث »يُسمَع« صوت الله من خلال السحاب. قال الخبر: »وكان صوتُ البوق يرتفع جدٌّا، وموسى يتكلَّم والله يجيبه بقصف الرعد« (خر 19: 19). فالهتاف بالبوق يعلن مجيء الملك إلى مدينته. وأيُّ ملك مثل هذا الذي دعاه سفر الرؤيا »ملك الملوك وربّ الأرباب« (رؤ 17: 14). والنزول؟ كان الأقدمون يتصوَّرون الإله آتيًا إليهم من السماء التي هي فوق. هو ينزل على رأس الجبل الذي يبدو من بعيد وكأنَّه يلامس السماء. هذا إذا كانت المعابد تُبنى على رؤوس الجبال. وإن لم يكن جبل، كما في العراق، يُبنى هيكل عالٍ بسبعة طوابق، فينزل الإله على الطابق الأعلى. أمّا الربُّ فنزل على رأس جبل سيناء ونادى موسى إلى رأس الجبل فصعد (خر 19: 20). في هذا الامتداد قال الرسول: »لأنَّ الربَّ نفسه سينزل من السماء عند الهتاف ورئيس الملائكة وصوت بوق الله« (1 تس 4: 16). تلك الطريقة البشريَّة للكلام عن حضور الربِّ على الأرض تعود إلى خبر برج بابل، حيث نزل الربُّ ليرى ماذا يفعل البشر. ولكن مع يسوع صار معنى النزول التجسُّد. »هو في صورة الله، أخذ صورة العبد، ظهر في صورة الإنسان« (فل 2: 6-7). هو »لمَّا تمَّ الزمان وُلد لامرأة وعاش في حكم الشريعة« (غل 4: 4). والصعود كان العودة إلى الآب كما حصل يوم تركهم يسوع: »ارتفع إلى السماء وهم يشاهدونه، ثمَّ حجبته سحابةٌ عن أنظارهم« (أع 1: 9). وشرحت الرسالة إلى أفسس هذا الصعود فقالت: »وما المقصود بقوله ''صعد'' سوى أنَّه نزل أوَّلاً إلى أعمق أعماق الأرض. وهذا الذي نزل هو نفسه الذي صعد إلى ما فوق السماوات ليملأ كلَّ شيء« (أف 4: 10). المسيح ينزل مع قدّيسيه. هم الملائكة. هم المؤمنون. ماذا نفعل نحن؟ ننتظر. ولكن هل نعرف متى يكون هذا المجيء؟ قال الربّ: هو أمر لا يعرفه أحد، حتّى الملائكة في السماء (مت 24: 36). ويستعيد بولس صورة اللصّ الذي يجيء في الليل (آ43). قال: »تعرفون جيِّدًا أنَّ يوم الربِّ يجيء كاللصِّ في الليل. فحين يقول الناس: سلام وأمان، يفاجئهم الهلاكُ بغتة كما يفاجئ الحبلى ألم الولادة« (1 تس 5: 3). أنتم لا تعرفون، إذًا كونوا ساهرين. كونوا مستعدِّين. سواء جاء المسيح في مجده، في نهاية العالم، سواء أتى إلى لقاء كلِّ واحد منّا حين ينتقل من هذا العالم إلى العالم الآخر. لهذا قال الربّ: »كونوا على استعداد، لأنَّ ابن الإنسان يأتي في ساعة لا تنتظرونها« (مت 24: 44). سُئل القدّيس أنطونيوس الكبير: »ماذا نعمل من أجل خلاصنا؟« أجاب: »استعدُّوا ساعة قبل الوقت«. فقالوا له: »نحن لا نعرف الوقت«. فأجاب: »كونوا مستعدِّين في كلِّ وقت«. وكيف يكون الاستعداد؟ هل نترقَّبه كما يترقِّبون ظهور القمر، ونحن مكتوفو الأيدي؟ هل ننتظره على الجبل كما فعلت جماعة في كوريا الجنوبيَّة، فباعت كلَّ شيء وانتظرت على الجبل؟ هل نسأل السحرة والعرّافين لكي يقولوا إن كان عمرُنا يطول أو يقصر؟ وماذا يُنتظر من أحداث وكوارث؟ يقولون لنا: هو في المشرق، فنمضي إلى هناك. ويقولون لنا: هو في المغرب، فنمضي إلى هناك. هل ننتظر نهاية حياتنا لكي نتوب؟ ومن يعرف نهاية حياته؟ أخبر عن القدّيس لويس ده غونزاغا أنَّه كان يلعب مع رفاقه. فسألهم الكاهن: »إذا عرفتم أنَّكم تموتون بعد نصف ساعة، فماذا تفعلون؟ ''واحد قال: ''أمضي وأعترف بخطاياي''. وقال آخر: ''أذهب إلى الكنيسة وألتجئ إلى العذراء''. وقال ثالث، وقال رابع. أمّا لويس ده غونزاغا فلبث صامتًا. فسأله الكاهن: »وأنت يا لويس؟« فقال: »أتابع اللعب«. هكذا ننتظر مجيء الربِّ في حياتنا. نحن نأكل نتابع الأكل. نحن نعمل نتابع العمل. نحن ندرس نتابع الدرس. فلماذا الخوف والقلق من الغد وكأنَّ الربَّ رجل قاسٍ، ينتظرنا لكي يصبَّ علينا غضبه ويعاقبنا. المبدأ: نعيش بهدوء مع المبدأ البولسيّ: »إن أكلتم أو شربتم أو مهما عملتم، فليكن ذلك لمجد الله، وكونوا بلا عثار لأحد« (1 كو 10: 31). |
|