رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شَاهِد للمسيح أمام السُّلطات الدِّينية والسِّياسية: لم تقتصر شَهَادَةٌ المعمدان أمام الشَّعب اليهودي وتلاميذه، بل أمام مجمع السنهدريم الدِّيني وأمام هيرودس الملك. سُئل القديس يُوحَنَّا المَعْمَدان من قِبل السُّلطات الدِّينية اليهودية: " من أنت؟" (يُوحَنَّا 1: 19: 22). لأنَّ كانت مُهِمَّة السنهدريم حسب النَّاموس أن يتحقَّقوا من أيِّ إنسان يَدَّعي النَّبوءة (تثنية الاشتراع 1:13-2)، ويحقِّقوا معه. فأوضح يُوحَنَّا المَعْمَدان لهم أنه ليس المسيح، ولا إيليا (2 ملوك 11:2)، ولا النَّبي المُخلص (تثنية الاشتراع 15:18)، بل أعلن أنَّه مُجرَّد "صوت" (أشعيا 40:3)، وتنبأ عن مجيء المسيح (يُوحَنَّا 1: 23). عندئذ سألته السُّلطات: "إن كنت لا تحتل مركزًا رسميًا في الخدمة، فلماذا تعمد؟" كانت أجابته أن معموديته ليس غاية في ذاتها، بل هي تهيئة لعمل روحي أعظم يُحقِّقه ذاك الذي يأتي بعده وهو كائن قبله، وهو المسيح، وأنَّه غير مستحق أن ينحني ليَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. ويعُلق القديس يُوحَنَّا الذَّهَبي " لقد ظن السُّلطات الدِّينية أن خضوع يُوحَنَّا للمسيح شيء لا مُبرِّر له، لأن أمورًا كثيرة كانت تُظهر يُوحَنَّا عندهم بهيًا جليلاً، أولها جنسه وجلالته وظهور شرفه، لأنه كان ابنًا لرئيس كهنتهم، ثم طعامه وصعوبة طريقته، وإعراضه عن الممتلكات المَاديَّة كلها، ولأنَّه كان مُهابًا بثوبه ومائدته وسكنه وطعامه بعينه". وبالرُّغم من كل ذلك، اعترف يُوحَنَّا المَعْمَدان أنَّه ليس بالمسيح المنتظر "فاعتَرفَ ولَم يُنكِرْ، اِعتَرَفَ: "لَستُ المسيح " (يُوحَنَّا 1: 20). ونفي أنه المسيح، وكان نفيه قاطعًا، إذ أن كثيرون ظنُّوا أنَّه المسيح " كانَ الشَّعبُ يَنتَظِر، وكُلٌّ يَسأَلُ نَفسَه عن يُوحَنَّا هل هو الـمَسيح"(لوقا 3: 15). استمر يُوحَنَّا المَعْمَدان على هذا التَّأكيد، لأنَّ جماعة من تلاميذ ظلت تؤمن به وترفض المسيح. لم تكن شهادة يُوحَنَّا المَعْمَدان للمسيح بلسانه فحسب، إنما أيضا بموته واستشهاده على يد هيرودس انتيباس، إذ واجهه بحقيقة الفَحْشاء التي ارتكبها مع هيروديا، امرأة أخيه (متى 14: 3). وناضل من أجل الحقيقة حتّى الموت، ويعلق القدّيس مكسيمُس الطورينيّ " وموته أظهر الحقيقة وأدان علاقة هيرودس غير الشَّرعيّة بزوجة أخيه" (العظة 36)، وهكذا مهّد طريق الرَّبّ يسوع المسيح حتّى في مثواه، فكان شهيدًا للمسيح قبل آلامه في سبيل إحقاق الحق. فدوره هو أن يشعَّ نور يسوع في قلب كلّ إنسان، ويكفيه أن يكون شاهدًا للنور. وكان شاهدَ الإيمان وعلامة الرّجاء الّتي شكّلها العديد من شهود الإيمان في أيامنا الحاضرة في الشَّرق. عرف يُوحَنَّا المَعْمَدان أن يعيش حياة الإنجيل في ظروفٍ عدائيّة وظروف اضطهاد، أدّت إلى الشَهَادَةٌ الأخيرة بسفك دمه "الذَبيحَة الحَيَّة المُقَدَّسة المَرْضِيَّة عِندَ الله" (رومة 12: 1). كان واثقًا أنّه لا يستطيع أن يحيا من دون الرَّبّ يسوع المسيح، وأنّه مستعدُّ للموت من أجله وَفقًا لقناعته بأنّ يسوع هو الرَّبّ وهو مُخلّص البشر، وأنّ به وحده يستطيع الإنسان أن يجد ملء الحياة الحقيقيّة مُؤمنًا بما قاله الرَّبّ "مَن يَتبَعْني يكونُ له نورُ الحَياة" (يُوحَنَّا 8/12). ويتوقع شهود الإنجيل نفس المصير على هذه الأرض (رؤيا 11: 7). وما أكثر الذين يسفكون دمهم "في سبيل كلام الله والشَهَادَةٌ التي يشهدوها للمسيح"(رؤيا 6: 9). |
|