رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مُهِمَّة يُوحَنَّا المَعْمَدان الشِّهَادة ليسوع المسيح تستهل مقدمة إنجيل يُوحَنَّا بشَهَادَةٌ يُوحَنَّا المَعْمَدان التَّاريخية، فقد بشّر يُوحَنَّا المَعْمَدان بمجيء يسوع كلمة الله المُتجسد، وأكَّد يُوحَنَّا خضوعه "ليسوع -الكلمة" الذي ينبغي أن تكون له الأولوية. واخذ يشهد للمسيح ألآتي إلى العَالَم دالاً النَّاس إلى إيمانٍ حيٍ فيه (يُوحَنَّا 1: 6-7). 1) يُوحَنَّا شاهد للمسيح: ركز الإنجيلي يُوحَنَّا على شَهَادَةٌ يُوحَنَّا المَعْمَدان للمسيح، والشَّاهد مَنْ شاهد بأمّ عينيه. ليس هو الشَّخص الّذي يسمع ما يُقال، بل من كان حاضرًا، سمع ورأى وعرف الأمور، وعاشها واختبرها. المَعْمَدان شاهد للمسيح لأنه رأى الرُّوح القدس يستقر عليه، وسمع صوت الآب شاهدًا للمسيح أنه ابنه الحبيب وآمن به. والمسيح أشار لشَهَادَةٌ المعمدان عنه "هُناكَ آخَرُ يَشهَدُ لي وأَنا أَعلَمُ أَنَّ الشَهَادَةٌ الَّتي يَشهَدُها لي صادِقَة. أَنتُم أَرسَلْتُم رُسُلاً إلى يُوحَنَّا فشَهِدَ لِلحقَّ"(يُوحَنَّا 32:5-33). ويُعلق القدّيس ايرينيوس "بما أنّ يُوحَنَّا كان شاهدًا، قالَ الرَّبّ إنّه كان أفضل من نبيّ. أعلنَ الأنبياء الآخرون مجيء نور الآب وتمنّوا أن يستحقّوا رؤية ذاك الذي كانوا يبشّرون به. تنبّأ يُوحَنَّا مثلهم، لكنّه رآه حاضرًا، وأقنعَ الكثيرين بأن يؤمنوا به، إلى حدّ أنّه لعبَ دور النَّبيّ والرَّسُول في آنٍ معًا. لذا، قالَ الرَّبّ يسوع المسيح عنه إنّه "أفضل من نبيّ". وغاية شَهَادَةٌ يُوحَنَّا المَعْمَدان هي إيمان التَّلاميذ والشَّعب بيسوع المسيح. لم يلتفت يُوحَنَّا الإنجيلي إلى شخصيَّة يُوحَنَّا المَعْمَدان، وإنَّما ركّز على شهادته للمسيح. وقد بدأت شَهَادَةٌ يُوحَنَّا المَعْمَدان لمّا انتهى زمن وعود الأنبياء وبدء زمن الوفاء بالوعود، وذلك بحضور يسوع المسيح ابن الله على الأرض نورًا يُهدي خطواتنا. ومن هذا المنطلق، شَهَادَةٌ يُوحَنَّا المَعْمَدان مبنيَّةٌ على ما رأته عيناه وسمعته أذناه: "أَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ (يُوحَنَّا 34). فقدّم لنا نظرة شخصية عن يسوع المسيح ابن الله الوحيد الأبدي. وقد " سار يُوحَنَّا أمام الرَّبّ بروح إيليّا وقدرته" (لوقا 1: 17)، فكان "السِّراجَ المُوقَدَ المُنير" (يُوحَنَّا 5: 35)، ويُعلق القدّيس أوغسطينوس " كيف أتى الرَّبّ يسوع المسيح؟ لقد ظهر كإنسان. لأنّه كان إنسانًا إلى حدّ أنّ الطبيعة الإلهيّة اختفت فيه، أُرسل رجلٌ مُميّزٌ يُوحَنَّا ليسبقه ويُعرّفه للنّاس بأنّه أكثر من إنسان، بل هو الرَّبّ يسوع المسيح" (العظة الثَّانية عن إنجيل القدّيس يُوحَنَّا). عرّفنا يُوحَنَّا بمَن يُعطي النُّور ويُنير، بمَن هو مصدر كلّ عطاء، وهو يسوع المسيح. وقد قبل يُوحَنَّا المَعْمَدان أنَّ يكون شاهدًا للنور، وأن يترك نفسه في مهب الرُّوح ليقوده حيثما يشاء، ليُصبح خادمًا لحياة الله وكلمته وسط النَّاس. قد شهد للمسيح أمام الشَّعب اليهودي وأمام تلاميذه وأمام السُّلطات الدِّينية والسِّياسيَّة. أ) شَاهِد للمسيح أمام الشَّعب: مهَّد يُوحَنَّا المَعْمَدان الطَّريق بالتَّوبة للمسيح في البرِّيَّة، وأعاد قلوب الآباء إلى الأبناء وقلوب الأبناء إلى الآباء (لوقا 1: 17). إنّنا بِفَضِلِهِ تعرَّفنا إلى نور المسيح الّذي "يَشرِقُ في الظُّلُمات ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات" (يُوحَنَّا 1: 5). فهو أوّل مَن ثقَّفَ الكنيسة، وبدأ بتنشئتها على التَّوبة، وحضَّرَها من خلال المعموديَّة؛ وبعد أن انتهى من تهيئتِها على هذا الشَّكل، سلَّمَها للرّب يسوع المسيح (يُوحَنَّا 3: 29). لقد علَّمَها كيفيّة العيش في الزُّهد، وبموته منَحَها القوّة على الموت بشجاعة. بهذا كلِّه، أعدّ يُوحَنَّا "لِلرَّبِّ شَعبًا مُتأَهِّبًا" (لوقا 1: 17). ويُعلق القدّيس ايرينيوس "إنَّ يُوحَنَّا كان يُعِدُّ شعبًا من خلال إعلانه المُسبق لمُرافِقيه الّذين كانوا يَحيون في العُبوديّة من خلال تبشيرهم بالتَّوبة، لكي يكونوا مستعدّين لقبول المغفرة يوم مجيء المسيح ليَعودوا إلى ذاك الذي ابتعدوا عنه نتيجة خطاياهم". ب) شَاهِد للمسيح أمام تلميذيه اندراوس ويُوحَنَّا الإنجيلي (يُوحَنَّا 1: 35 – 37): وجَّه يُوحَنَّا المَعْمَدان أنظار تلميذيه اندراوس ويُوحَنَّا الإنجيلي إلى المسيح مُشيرًا إليه كحمل الله: "حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العَالَم" (يُوحَنَّا 1: 29، 36) ثم دُعيًا إياهما إلى البيت الذي كان المسيح ساكنًا فيه فصارا تلميذين للمسيح وشاهدا مُعجزاته فرأيا مجده (يُوحَنَّا 2: 11). ثم صارا فيما بعد رسولين، بل عمودين في الكنيسة المقدسة. ج) شَاهِد للمسيح أمام السُّلطات الدِّينية والسِّياسية: لم تقتصر شَهَادَةٌ المعمدان أمام الشَّعب اليهودي وتلاميذه، بل أمام مجمع السنهدريم الدِّيني وأمام هيرودس الملك. سُئل القديس يُوحَنَّا المَعْمَدان من قِبل السُّلطات الدِّينية اليهودية: " من أنت؟" (يُوحَنَّا 1: 19: 22). لأنَّ كانت مُهِمَّة السنهدريم حسب النَّاموس أن يتحقَّقوا من أيِّ إنسان يَدَّعي النَّبوءة (تثنية الاشتراع 1:13-2)، ويحقِّقوا معه. فأوضح يُوحَنَّا المَعْمَدان لهم أنه ليس المسيح، ولا إيليا (2 ملوك 11:2)، ولا النَّبي المُخلص (تثنية الاشتراع 15:18)، بل أعلن أنَّه مُجرَّد "صوت" (أشعيا 40:3)، وتنبأ عن مجيء المسيح (يُوحَنَّا 1: 23). عندئذ سألته السُّلطات: "إن كنت لا تحتل مركزًا رسميًا في الخدمة، فلماذا تعمد؟" كانت أجابته أن معموديته ليس غاية في ذاتها، بل هي تهيئة لعمل روحي أعظم يُحقِّقه ذاك الذي يأتي بعده وهو كائن قبله، وهو المسيح، وأنَّه غير مستحق أن ينحني ليَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. ويعُلق القديس يُوحَنَّا الذَّهَبي " لقد ظن السُّلطات الدِّينية أن خضوع يُوحَنَّا للمسيح شيء لا مُبرِّر له، لأن أمورًا كثيرة كانت تُظهر يُوحَنَّا عندهم بهيًا جليلاً، أولها جنسه وجلالته وظهور شرفه، لأنه كان ابنًا لرئيس كهنتهم، ثم طعامه وصعوبة طريقته، وإعراضه عن الممتلكات المَاديَّة كلها، ولأنَّه كان مُهابًا بثوبه ومائدته وسكنه وطعامه بعينه". وبالرُّغم من كل ذلك، اعترف يُوحَنَّا المَعْمَدان أنَّه ليس بالمسيح المنتظر "فاعتَرفَ ولَم يُنكِرْ، اِعتَرَفَ: "لَستُ المسيح " (يُوحَنَّا 1: 20). ونفي أنه المسيح، وكان نفيه قاطعًا، إذ أن كثيرون ظنُّوا أنَّه المسيح " كانَ الشَّعبُ يَنتَظِر، وكُلٌّ يَسأَلُ نَفسَه عن يُوحَنَّا هل هو الـمَسيح"(لوقا 3: 15). استمر يُوحَنَّا المَعْمَدان على هذا التَّأكيد، لأنَّ جماعة من تلاميذ ظلت تؤمن به وترفض المسيح. لم تكن شهادة يُوحَنَّا المَعْمَدان للمسيح بلسانه فحسب، إنما أيضا بموته واستشهاده على يد هيرودس انتيباس، إذ واجهه بحقيقة الفَحْشاء التي ارتكبها مع هيروديا، امرأة أخيه (متى 14: 3). وناضل من أجل الحقيقة حتّى الموت، ويعلق القدّيس مكسيمُس الطورينيّ " وموته أظهر الحقيقة وأدان علاقة هيرودس غير الشَّرعيّة بزوجة أخيه" (العظة 36)، وهكذا مهّد طريق الرَّبّ يسوع المسيح حتّى في مثواه، فكان شهيدًا للمسيح قبل آلامه في سبيل إحقاق الحق. فدوره هو أن يشعَّ نور يسوع في قلب كلّ إنسان، ويكفيه أن يكون شاهدًا للنور. وكان شاهدَ الإيمان وعلامة الرّجاء الّتي شكّلها العديد من شهود الإيمان في أيامنا الحاضرة في الشَّرق. عرف يُوحَنَّا المَعْمَدان أن يعيش حياة الإنجيل في ظروفٍ عدائيّة وظروف اضطهاد، أدّت إلى الشَهَادَةٌ الأخيرة بسفك دمه "الذَبيحَة الحَيَّة المُقَدَّسة المَرْضِيَّة عِندَ الله" (رومة 12: 1). كان واثقًا أنّه لا يستطيع أن يحيا من دون الرَّبّ يسوع المسيح، وأنّه مستعدُّ للموت من أجله وَفقًا لقناعته بأنّ يسوع هو الرَّبّ وهو مُخلّص البشر، وأنّ به وحده يستطيع الإنسان أن يجد ملء الحياة الحقيقيّة مُؤمنًا بما قاله الرَّبّ "مَن يَتبَعْني يكونُ له نورُ الحَياة" (يُوحَنَّا 8/12). ويتوقع شهود الإنجيل نفس المصير على هذه الأرض (رؤيا 11: 7). وما أكثر الذين يسفكون دمهم "في سبيل كلام الله والشَهَادَةٌ التي يشهدوها للمسيح"(رؤيا 6: 9). |
|