|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أَجابَهُم يُوحَنَّا: أَنا أُعَمِّدُ في الماء، وبَينَكم مَن لا تَعرِفونَه تشير عبارة " أَجابَهُم يُوحَنَّا " إلى جواب يوحنا إلى سؤال المرسلين من قبل الفِرِّيسِيِّين انه هو سابق المسيح وان عمله إنما هو تهيئة الطَّريق أمامه " وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس" (يُوحَنَّا 1: 33) وزاد يُوحَنَّا المَعْمَدان على ذلك في بعض الأحيان كما ورد في إنجيل متى " إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار " (متى 3: 11). أمَّا عبارة " أَنا أُعَمِّدُ في الماء " إلى تأكيد يُوحَنَّا أن طقس معموديته كان تطهيريًا. فهي إذًا معمودية تعتبر رمزية، تمهيدية، جسدية، وقتية وخارجية للتَّوبة. لكن معمودية المسيح بالرُّوح القُدس هي معمودية جوهرية، داخلية، روحية ودائمة. ويُعلق القديس يُوحَنَّا الذَّهَبي الفم "معمودية يُوحَنَّا هي مجرد ظل وصورة. لكن يأتي من يضيف إليها الحقيقة." أمَّا عبارة "بَينَكم مَن لا تَعرِفونَه" في الأصل اليوناني μέσος ὑμῶν ἕστηκεν (معناها في وسطكم حضر) فلا تشير إلى عدم معرفة شخص يسوع من حيث انه شخص بشري، بل عدم التَّحقق أنه هو المسيح المنتظر، ابن الله بالجوهر، والذات، والطَّبيعة. لم يعرفونه، لأنَّه كان في رأسهم تصوّر خاص، للتّعرّف عليه. فهم لا يعرفون يسوع انه صورة الله غير المنظور، وبهاء مجده، وصورة جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته. فكان غاية يوحنا هنا أن يُسلِّط النظر على يسوع المسيح. ويُعلق القدّيس غريغوريوس الكبير" قد باح يُوحَنَّا بسرٍّ حين كشف أنّ الرَّبّ يسوع المسيح موجودٌ بين البشر وهم لا يعرفونه، لأنّ الرَّبّ لمّا اتّخذ جسمًا، صار له جسدٌ مرئيٌّ للبشر بينما احتجب مجده الإلهي". لم يأت المسيح بمظهر الملوك، بل جاء وضيعًا، "لا صورَةَ لَه ولا بَهاءَ فنَنظُرَ إِلَيه " (أشعيا 53: 3)، جاء يُعمِّد بالرُّوح القدس لمغفرة الخطايا؛ وهو دور لا يقدر عليه سوى المسيح، ابن الله على إدائه وإتمامه. وكم كان جارحًا لهم أن يسمعوا من فم المعمدان هذه الكلمة: " لا تَعرِفونَه "، في وقت كانوا يدَّعون فيه أنهم "حملة مفاتيح المعرفة" (لوقا 11: 52)؛ والحقيقة فإن المسيح الذي يبحثون عنه هو بَينَهم الآن ولكنهم لا يعرفونه. هذه الكلمات تذكِّرنا بكلمات حزقيال النَّبي " يا ابنَ الإِنْسان، أَنتَ ساكِنٌ في وَسْطِ بَيتِ تمَرُّد، لَهم عُيونٌ لِيَرَوا ولا يَرَون، ولَهم آذان ليَسمَعوا ولا يَسمَعون، لأَنَّهم بَيتُ تَمَرّد" (حزقيال 12: 2). إن عدم خِبْرَة المعرفة هي خِبْرَة متكرّرة في الإنجيل: خِبْرَة نيقوديموس (يوحنا 3: 10)، والمَرأة السَّامرية (يوحنا 4: 29)، والرجل الأعمى منذ مولده (يوحنا 9: 36)، وخِبْرَة جميع التلاميذ بعد موت وقيامة السيد المسيح، بدءاً من مريم المجدلية التي لم تعرف الرب (يوحنا 20: 14)، حتى التلاميذ بعد قيامة الرب على بحيرة طبرية (يوحنا 21: 4). وكم مرَّة يكون المسيح في وسطنا ونحن لا نعرفه، كما ورد في إنجيل يُوحَنَّا “جاءَ إلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه" (يُوحَنَّا 1: 11) إمَّا لخطيئة فينا، أو لقساوة قلوبنا، أو بسبب الظُلمة في عيوننا. ويُعلق القديس يُوحَنَّا الذَّهَبي الفم "يا للعجب إنه خالق العَالَم بقدرته، وقد نزل إليه ليحلَّ في وسطنا، ويبعث بنوره إلينا وفينا، لكن العَالَم الشَّرير رفضه، مُفضِّلًا جهالة الظلمة عن معرفة النُّور". أثبت يُوحَنَّا المَعْمَدان أنَّ المسيح قد أتى والنَّاس جهلوه. ولا يزال يظهر المسيح نفسه، في المَرضى والعَطشى والجِياع والغُرباء والمَسجونين والمُهمَّشين والمُتألمين، إذ قال " أَيَّما مَرَّةٍ لم تَصنَعوا ذلك لِواحِدٍ مِن هؤُلاءِ الصِّغار فَلي لم تَصنَعوه" (متى 25: 45). هو دائما موجود بيننا، فهل نحن مستعدون أن نتعرف عليه؟ الإنسان لا يستطيع أن يعرف يسوع إلا بعين القَلب والإيمان. |
|