رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بُنية السفر وأقسامه لا يتَّفِق الدارسون على تقسيم واحد للسفر، ليس بسبب تشويش أو خلط داخل السفر، وإنما بسبب حيوية النص وثرائه، فقد جمع سيراخ بروح الله القدوس تعاليمه وسكبها في نصائح ينتقل بها من موضوع إلى آخر، ويحتوي سفره على الكثير من الاستطرادات والشروحات، استخدم الأمثال والقصص الطريفة، قيل عن السيد المسيح "وبدون مَثَلٍ لم يكن يكلمهم" (مت 13: 34؛ مر 4: 34). يمتاز السفر عن بقية أسفار الحكمة بأنه يضم عبارات طويلة تُرَكِّز على اقتناء الحكمة. تُعرَف بُنية السفر بثمان قطع شعرية، يراها كثير من الدارسين أنها مقدمات لثمانية أقسام رئيسية للسفر: القطعة الأولى (1: 1 -10): فهم الحكمة وأين توجد. القطعة الثانية (4: 11-19): تطبيق الحكمة شخصيًا. القطعة الثالثة (6: 18-37): تطبيقها اجتماعيًّا. القطعة الرابعة (14: 20-15: 10): الحكمة في الحديث والفكر. القطعة الخامسة (24: 1-33): الحكمة في الحياة المنزلية. القطعة السادسة (32: 14-33): استخدام الحكمة وأخذ قرارات صحيحة. القطعة السابعة (38: 24-39: 11): أصحاب الحرف اليدوية وأصحاب الأعمال الكتابية. القطعة الثامنة (42: 15-43: 33): تمجيد أعمال الله في الخليقة وفي التاريخ. ملحق (50: 25-51: 30). قصيدة ختامية (51: 13-30). ويقوم البعض بتقسيمه إلى ستة أقسام: القسم الأول (1: 1-16: 23): الحكمة والفطنة وأقوال متنوعة. القسم الثاني (16: 24-23: 27): الله؛ عمله في الخلق، خلقة الإنسان، العهد مع الله، عدله وعظمته ورحمته، التوبة. العطاء، تعلم الفطنة، الثرثرة وعدم الحُكْم على أحدٍ قبل معاتبته. الحكمة الحقيقية والحكمة الكاذبة، متى نتكلم ومتى نصمت، مناقضات وحكم متنوعة (20: 18-31). القسم الثالث (24: 17-3 3: 19): الحكمة والشريعة، ما نُحِبُّه وما نكرهه، إكليل الشيوخ، أمور بهيجة، المرأة الفاضلة والمرأة الشريرة، ما يُحزِن الحكيم، مخاطر التجارة، الكلمة تمتحن الإنسان، البحث عن البرّ، محادثة السفهاء، الفضول يقتل الصداقة، الخبث يُعاقب الإنسان حيث يخطئ، الحقود والخصومات وشر اللسان. القسم الرابع (33: 20- 42: 14). نصائح متعددة في الحياة. القسم الخامس (42: 15- 50: 24): مجد الله في الطبيعة وفي التاريخ. القسم السادس (50: 25- 51: 30) الخاتمة ومقصد الكاتب، نشيد شكر. ويقوم آخرون بتقسيمه إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: حكم وإرشادات (1-43). القسم الثاني: سير آباء أوّلين (44-50). القسم الثالث: خاتمة وصلاة (51). يرى آخرون أن السفر ينقسم إلى خمسة أقسام: 1. الحكمة في الشريعة (1-10). 2. الأسرة والأصدقاء (11-22). 3. الشاب المتسيِّب والنساء (23-32). 4. الصلاة (33-43). 5. أبطال الإيمان عبر التاريخ (44-51). استحسنتُ هذا التقسيم، لكونه يُحَقِّق رسالة السفر كما في ذهن الكاتب. كل قسم يُمَثِّـل معالجة جانب من جوانب الثقافة الهيلينية وعجزها عن تحقيق ما يُقَدِّمه الله للمؤمنين بفكرٍ إيجابي دون الهجوم العنيف على الثقافة الهيلينية أو التسخيف منها. 1. في حديثه عن الحكمة في الشريعة (ص 1-10)، يؤكد أن الحكمة هي هبة من الله تُقدَّم لخائفي الربّ أو أناس الله الأتقياء دون تجاهل عطية العقل والخبرة العملية والدراسة والتلمذة على الحكماء وتقدير مجهود الحكماء والعقلاء السابقين[20]. 2. في حديثه عن الأسرة والأصدقاء (ص 11-22)، يُقَدِّم الجانب الإيماني للأفكار الفلسفية، فإن أخذنا أفلاطون كمثالٍ لفيلسوف يوناني له شهرته وتقديره بين الفلاسفة اليونانيين القدامى، فقد ركَّز على رفع الفكر إلى المدينة المثالية، أي "الجمهورية"، كنموذجٍ حيّ يليق بالعالم أن يقتدي به. جاءت هذه المدينة خيالية يستحيل وجودها وتحقيقها عمليًا. أما شريعة الله فترفع قلوب المؤمنين وعقولهم إلى المدينة السماوية، أورشليم العليا أُمِّنا (غل 4: 26)، فنتمتَّع عمليًا بعربونها في قلوبنا كما في حياتنا الكنسية والأُسريّة وفي المجتمع، خلال تقديس الأسرة والأصدقاء، ونتذوَّق الشركة مع الله القدوس، ونتمتَّع بعذوبة الحياة السماويَّة خلال حياتنا اليومية. 3. بالنسبة للنساء (ص 23-32)، فقد وُجِدَت من بين الأصنام عبادة إلهة الجمال واهبة الخصوبة أفروديت. ومن الفلاسفة من احتقر المرأة وحسبها نجسة بطبيعتها. أما الشريعة الإلهية فتُقَدِّس الزواج وتُقِيم منه أيقونة لحياة العُرْسِ السماوي الأبدي. فالزوجة الحكيمة الصالحة لا تُقارَن بكائنٍ ما، أما الشريرة فتُدَمِّر زوجها وأسرتها. 4. الصلاة (ص 33-43) هي الوسيلة للالتصاق بواهب الحكمة السماويَّة، مُقدِّس الحياة البشرية على كل المستويات: قلب المؤمن والأسرة والكنيسة والمجتمع. 5. بالنسبة لأبطال الإيمان عبر التاريخ (ص 44-51)؛ لم يُهاجِم سيراخ الفلاسفة كما لم يبرز أخطاءهم في الفكر أو السلوك. وإنما قدَّم ما هو إيجابي، فاختار أمثلة رائعة من أناس الله الأتقياء المُتَّسِمين بالحكمة السماوية مع مخافة الربّ والتقوى. بدأ بأخنوخ الذي تأهَّل أن ينقله الربّ وهو في الجسد، كما قدَّم أمثلة من الآباء البطاركة مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف، ومن الأنبياء كموسى وإيليا وأليشع، ومن الكهنة كهرون وفينحاس وسمعان بن أونيا إلخ، وحكام وقضاة وملوك مثل داود الملك وسليمان وحزقيّا. مع تنوُّع دورهم في حياة المجتمع وتباين مواهبهم وقدراتهم، أبرز أن السماء تُرَحِّب بالكل، وتجمعهم معًا بروح الحب والوحدة والقداسة، وليس خلال الجدل الفلسفي، وتُقِيم منهم "أهل بيت الله" (أف 2: 19). |
|