رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
1 بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ آبنِ الله تشير كلمة "بَدءُ" في الأصل اليُونَاني Ἀρχὴ (معناها البداية) إلى خلق جديد وحياة جديدة، كما ورد في افتتاح سفر التَّكوين "في البَدءِ בְּרֵאשִׁית خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرض" (التَّكوين 1: 1)؛ وتذكِّرنا هذه العبارة في مُقدِّمة إنجيل يوحَنَّا " في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله" (يوحَنَّا 1: 1). كما كانت في البدء كلمة الله، التي بها خلق الله كلَّ شيءٍ من العَدم، كذلك توجد الآن الكلمة التي يوجّهها الله إلى ابنه، المسيح، في لحظة دخوله إلى العَالَم. قد ابتدأ تاريخ جديد بمَجِيء يسوع في العَالَم. أمَّا كلمة "بِشارَةِ" في الأصل اليُونَاني εὐαγγέλιον (معناها "إنجيل" أي بِشارَة أو خبر سار) فتشير إلى بِشارَة الله الذي أعْلنها يسوع (مرقس1: 14)، وهذه البِشارَة هي يسوع نفسه، وهكذا يتلاقى الإعلان والمُعلِن معًا. وردت هذه اللفظة 75 مرة في العهد الجديد، ولها ثلاثة معان ٍ: الأول: الخبر السَّار بملكوت الله على الأرض "كانَ يسوع يَسيرُ في الجَليلِ كُلِّه، يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارَةَ المَلَكوت"( متى 4: 23) ؛ والمعنى الثَّاني: خبر يسوع وعمل الفِداء شفاهًا وكتابة ً: "اذكُرْ يسوعَ المسيحَ الَّذي قامَ مِن بَينِ الأَموات وكانَ مِن نَسْلِ داوُد، بِحَسَبِ بِشارَتي" (2 طيموتاوس 2: 8)؛ والمعنى الثَّالثَّ: دين المسيح كله "أُذَكِّرُكم أَيُّها الإِخوَةُ البِشارَة الَّتي بَشَّرتُكم بِها وقَبِلتُموها ولا تَزالونَ علَيها ثابِتين" (1قورنتس 15: 1). ولفظة إنجيل هنا لا تدل على السِّفر ذاته، بل على مُحتوياته، أي البِشارَة السَّارة للعالم وسِرَّها الخلاصي الذي قدَّمه المسيح للبَشر؛ ومرقس هو الإنجيلي الوَحيد الذي أعطى لسِفره عنوان "إنجيل" ناسبًا إيَّاه ليسوع المسيح ابن الله. وهذا الإنجيل هو نفس البِشارَة التي أعلنها الرُّسُل بان الخلاص قد تمَّ عِبْرِ حياة يسوع المسيح وموته وقيامته، كما جاء في رسالة بولس الرَّسول "مِن بولُسَ عَبْدِ المسيحِ يسوع دُعِيَ لِيَكونَ رَسولاً وأُفرِدَ لِيُعلِنَ بِشارَة الله"(رومة 1: 1). فالإنجيل يُعلن خبر حضور الله بيننا، وهكذا لم نَعدْ وحدنا، لانَّ الله يسير معنا. أمَّا عبارة "يسوع" في الأصل اليُونَاني ιησους، (مشتقة من اللفظة العِبرية יֵשׁוּעַ أي الرَّبّ يُخلص) فتشير إلى الاسم التَّاريخي البشري، وتحديدًا يسوع النَّاصري، وقد سلم الملاك ليوسف مُهِمَّة إعطاء هذا الاسم للولد وكأنَّه أبوه، لا على المستوى الطَّبيعي، بل على المستوى الشَّرعي (تبنَّى يوسف الولد). فيسوع، كابن الله، هو علامة حضور الله الخلاصي في قلب البشرية: إنه المُخلص عمانوئيل أي الله معنا. أما عبارة "المسيح" فتشير إلى يسوع الذي مسحه الآب بروحه القدوس (متى 1: 1) لتتميم عمل الفداء وإعلان محبَّة الثَّالوث القدُّوس الواقعية خلال الصَّليب. وفي إنجيل مرقس، نجد أنَّ بطرس وحده اعترف أنَّ يسوع هو المسيح عندما سأَلَ يسوع رسله: ((ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟)) فأَجابَ بُطرس: أَنتَ المسيح" (مرقس8: 29)، أمَّا عبارة "ابن الله" فتشير إلى لقب يسوع والذي يَدلُّ على بنوَّته للآب، هو كلمة الله الأزليّة، ويُعلق القديس هيلاري أسقف بواتيه "شهد الإنجيلي أن المسيح هو ابن الله حسب الطَّبيعة اللائقة به، وليس بمجرد الاسم. نحن أبناء الله، لكنه هو ليس ابنًا مِثلنا، إذ هو الابن ذاته بالطَّبيعة لا بالتَّبني، هو الابن بالحَق لا بالاسم، بالميلاد لا بالخلقة". وكشف الله لقب "ابن الله " عند المَعْموديَّة إذ "انطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّمَواتِ يقول: أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت"(مرقس 1: 11)، والشَّياطين أذاعوا هذا اللقب "وكانتِ الأَرواحُ النَّجِسَة، إِذا رَأَته، تَرتَمي على قَدَمَيه وتَصيح: أَنتَ ابنُ الله! "(مرقس3: 11)؛ ويسوع وافق على هذا اللقب أثناء محاكمته عندما "سأَلَه عظيمُ الكَهَنَةِ: أَأَنتَ المسيحُ ابنُ المُبارَك؟ فقالَ يسوع: أَنا هو "(مرقس 14: 61-62). وقد أعلن قائد المائة هذا اللَّقب بعد موت يسوع على الصَّليب مُصرِّحًا "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقًّا! "(مرقس 15: 39). ولأنَّ إنجيل مرقس كُتب من اجل المؤمنين في روما، حيث كانوا يَعبدون آلهة كثيرة، فأرادهم مرقس أن يعرفوا حقيقة شخص يسوع، أنَّه ابن الله الحقيقي الوحيد. وعليه نوى مرقس الإنجيلي أن يروي بدء البِشارَة في التَّاريخ منذ كرازة يوحَنَّا المَعمَدانُ. وكان الهدف من كرازة يوحَنَّا المَعمَدانُ إعداد الشَّعب لقبول يسوع كابن الله. وهذه الآية هي عنوان لإنجيل مرقس كله علمًا أنَّ محور رسالة يوحَنَّا المَعمَدانُ هو يسوع (أعمال الرُّسُل 1: 22). ولم يفتتح القديس مرقس الإنجيل بعرض أحداث الميلاد أو نسب السَّيد المسيح، كما هو الحال في إنجيلي متى ولوقا، إنَّما هو يكتب للرُّومان أصحاب السُّلطة فقَدّم لهم السَّيد المسيح "ابن الله" صاحب السُّلطان الحقيقي على النَّفس (الحياة الدَّاخلية) والجسد (الحياة الخارجية) أيضًا، إذ من خلال يسوع نفسه، كونه اتخذ جسدًا بشريًا وأصبح إنسانًا تمَّ تدخل الرَّب النهائي لصالح شعبه والبشرية، وانكشف وجه الله بالكامل كما جاء شهادة بطرس (مرقس 8: 29)؛ وشهادة قائد المئة الوثني (مرقس 15: 39). |
|