رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ثُمَّ يَقولُ المَلِك لِلَّذينَ عن يَمينِه: تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلِكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم تشير عبارة " المَلِك " إلى المسيح الذي سُمي في هذا الفصل من الإنجيل أيضًا ابن الإنسان والرَّاعي والدَّيَّان. وكثيرَا ما تكلم المسيح قبل ذلك عن ملكوته، وهي المرَّة الأولى التي سُمَّى يسوع بها نفسه ملكًا، ودعاه غيره بذلك (لوقا 19: 38)، وذلك قبل صَلبه بأقل من ثلاثة أيام. ولمَّا سأله بيلاطس " أَجابَ يسوع: ((هوَ ما تَقول، فإِنِّي مَلِك. وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العَالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إلى صَوتي "(يوحنا 18: 37)، وهو معروف في السَّماء ملكًا (رؤيا 17: 14). فالمسيح يجلس في يوم الدَّين ملكًا وديانًا ليمتحن ويحكم بالثَّواب والعِقاب ويُجري قضاءه، ولا يكون ملك اليهود وحدهم، كما كُتب على الصَّليب، بل ملك العَالَمين “ورَبُّ الأَرْبابِ ومَلِكُ المُلوك" (رؤيا 17: 14). أمَّا عبارة " تَعالَوا" فتشير إلى اليوم الذي يدعو يسوع النَّاس " تَعالَوا إِليَّ " للخلاص" تَعالَوا إِليَّ جَميعًا أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم"(متى 11: 28) فالذِين يسمعونه ويأتون إليه يقول لهم في ذلك اليوم " تعالوا" للمجد (يوحنا 17: 24). وهذا هو اعتراف المسيح بهم أمام وجه أبيه والمَلائكة القِّديسين. أمَّا عبارة " يا مَن بارَكَهم أَبي " فتشير إلى هؤلاء الذِين زهدوا في نفوسهم (متى 16: 24) وبذلوا حياتهم في سبيل المسيح (لوقا 18: 29). فأصبحوا مُباركيه وهم أحياء على الأرض؛ وعلامات كونهم انهم مباركي الآب أنَّهم منتخبون للخلاص " إِنَّ الرَّبَّ يَعرِفُ الذِين لَه "(2 طيموتاوس 2: 19)، وأنَّهم عطيَّة الآب للمسيح، كما ورد في صلاة يسوع الكهنوتيَّة " إِنِّي أَدعو لَهم ولا أَدعو لِلعالَم بل لِمنَ وَهبتَهم لي لأَنَّهم لَكَ" (يوحنا 17: 6)، وان الله قَدَّرهم على صالح الأعمال بوساطة الرُّوح القُدُس، وأخيرًا إنَّ الله أحبّهم ومجّدهم في السَّماء. أمَّا عبارة "رِثوا" فتشير إلى الميراث النَّاشئ عن كون الشَّخص عضو في أسرة. لذلك لم يقل يسوع لتلاميذه خذوا بل "رثوا "، فهم أبناء يرثون مجد أبيهم وليسوا غرباء. وفي هذا الصدد يقول بولس الرَّسول "فإِذا كُنَّا أَبْناءَ الله فنَحنُ وَرَثة: وَرَثَةُ اللهِ وشُرَكاءُ المسيحِ في المِيراث، لأَنَّنا، إِذا شارَكْناه في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أيضًا"(رومة 8: 17)، ويُعلق القِديس أوغسطينوس "أنتم الذِين كنتم المَلِكوت لكن بغير سلطان لتحكموا، تعالوا لكي تملكوا! أنتم الذِين كنتم قبلًا في الرَّجاء وحده، أمَّا الآن فتنالون السُّلطان كحقيقة واقعة"؛ أمَّا عبارة " المَلِكوتَ " فتشير إلى الحقوق والبركات المختصَّة بالمَلِكوت الذي المسيح راسه، وبدليل ذلك قال بولس الرَّسول" فلَيس مَلَكوتُ اللهِ أَكْلًا وشُرْبًا، بل بِرٌّ وسَلامٌ وفَرَحٌ في الرُّوح القُدُس" (رومة 14: 17). أمَّا عبارة "المُعَدَّ " فتشير إلى طول المدَّة التي شُغلت بإعداده ووفرة كنوز حكمة الله وغِناه التي أُنفقت عليه. أمَّا عبارة "لَكُم" فتشير إلى كلِّ فرد منكم على قدر حاجته، فلم يُعدْ للبشر عمومًا ولا للكنيسة بجملتها، بل لكلِّ نفسٍ من المؤمنين. أمَّا عبارة "المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم " فتشير إلى المكافأة عظيمة وأبدية، وهي المَلِكوت المُعدٌّ قبل وجود أي عمل صالح، انه معَّدْ للإنسان منذ الأزل وليس من بدء الخليقة، وذلك في قصد الثالوث الأقدس وقضائه، ويُوكَّد بولس الرَّسول هذه الكلام "ذلِك بِأَنَّه اختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحَبَّة" (أفسس 1: 4). ولم يكمل الإعداد للملكوت إلاّ بعد موت المسيح، لان موته كان الجِزء الأعظم من الإعداد، والمسيح صعد إلى السَّماء ليكمله بدليل قوله " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقامًا" (يوحنا 14: 2)، وإعداد المَلِكوت للمؤمنين منذ الأزل يؤكِّد أنَّه هبة من الله تعالى لا أجرة، لأنَّه اعدَّ قبل أن يخلق المؤمنون، كما جاء في تعليم بولس الرَّسول: "أَمَّا هِبَةُ اللهِ فهي الحَياةُ الأَبَدِيَّةُ في يسوعَ المَسيحِ ربِّنا" (رومة 6: 23). تبدأ مسيرة الإنسان إلى المَلِكوت المُعَدّ بأعمال المَحَبَّة والرَّحمة للإخوة على الأرض. القريب المُحتاج هو الباب المفتوح الذي نرى من خلاله الرب يسوع قادمًا، وهو جسر لملكوت السَّماء. |
|