رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الوصية العذبة والحكمة الأبدية بالتصاقنا بكلمة الله المتجسد تحولت حياتنا إلى نهارٍ دائمٍ، وصار اسمه حلوًا في أفواهنا، أما قادة اليهود فحملوا روح عداوة ضد السيد المسيح وكل خاصته، فاظلمت عيونهم عن معرفة الحق. كان يجب أن يكونوا معلمي المسكونة عن السيد المسيح، لكنهم رفضوه، أما الأمم فقبلته وتمتعت بحكمته الأبدية ونالت استنارة البصيرة. صار اليهود أعداءً للمؤمنين الذين من أصل أممي مع أنه كان يجب أن يكونوا معلمين وشيوخًا. "علمتني وصاياك أفضل من أعدائي لأنها ثابتة إلى أبد الأبد. أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت، لأن شهاداتك هي درسي. أكثر من الشيوخ فهمت، لأني طلبت وصاياك" [98-100]. ربما لم يكن يحمل داود كتابه المقدس في يديه منذ صباه، لكنه حمله في فكره كما في قلبه، فكانت الوصية الإلهية هي سنده وسرّ حكمته حين كان يرعي غنم أبيه في صباه، وهي معلمه حينما دهنه صموئيل النبي ملكًا في الخفاء، وكانت ترافقه كل أيام غربته. ارتبط بمدرسة الوصية في كل مراحل حياته، لهذا كان ينمو في الحكمة والنعمة. أحب الحق الإلهي الذي نقى قلبه وفكره، فصار أكثر من كل الشيوخ فهمًا. ليس في هذا إهانة للشيوخ بل فيه فرحهم ومجدهم، أن يسبقهم تلميذهم في المعرفة. فالمعلم الصالح الحيّ يريد أن يسبقه تلاميذه في كل شيء! * "علمتني وصاياك أفضل من أعدائي"... لأنه بالحقيقة كان "لهم غيرة الله ولكن ليس حسب المعرفة" رو2:10، أما المرتل فكان يفهم وصية الله أكثر من أعدائه، هذا الذي أراد أن يُوجد مع الرسول القائل: "ليس لي بري الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح، البرّ الذي من الله بالإيمان" في9:3. ليس أن الناموس الذي يقرأه الأعداء ليس من الله، إنما هم لا يفهمونه كما يفهمه هو أكثر من كل أعدائه، مرتبطًا بالحجر (المسيح) الذي تعثروا فيه، "لأن غاية الناموس هي المسيح" رو4:10، لكيما يتبرروا مجانًا بنعمته (رو4:3)، ظانين أنهم يطيعون قانون قوتهم الذاتية. لذلك وإن كانوا يتمسكون بناموس الله إلاَّ أنهم يسعون إلى إقامة برّهم الذاتي. إنهم لا يسلكون كأبناء للموعد، يجوعون إلى البرّ ويعطشون إليه (مت6:5) سائلين وطالبين وقارعين الباب (مت11:7)، متوسلين من الآب ليتمتعوا بالبنوة خلال الابن الوحيد... بل يطلبوا المكافأة الزمنية من نفس الوصية (التي خلالها يتمتع المرتل بالبركات الإلهية). القديس أغسطينوس * "أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت، لأن شهاداتك هي درسي"... من هو هذا الذي له فهم أكثر من كل معلميه؟ إنني أسأل: من هو هذا الذي يتجاسر ويفضل نفسه عن كل الآنبياء، الذي ليس فقط بالكلام علَّم بسلطانٍ عظيمٍ هكذا الذين عاش معهم، وأيضًا الأجيال المتعاقبة بكتاباتهم...؟ ما قد قيل هنا لا يمكن أن يكون عن شخص سليمان... إنني أعرفه بوضوح ذاك الذي يفهم أكثر من كل الذين يعلمون، فإنه إذ كان صبيًا في الثانية عشرة من عمره بقي يسوع في أورشليم ووجده والداه بعد ثلاثة أيام (لو 42:2-46). قال الابن: "كما علمني أبي أنطق بهذه الأمور". من الصعب جدًا أن نفهم هذا عن شخص الكلمة، ما لم ندرك أن الابن المولود من الآب... "أخذ شكل العبد" (في 33:5-36)، فإنه إذ اتخذ هذا الشكل، ظن من هم أكبر منه سنًا أنه يجب أن يتعلم كصبي، لكن ذاك الذي علَّمه الآب له فهم أكثر من كل معلميه، لأنه درس شهادات الله الخاصة به، وهو يفهمها أكثر منهم عندما نطق بالكلمات: "أنتم أرسلتم إلي يوحنا فشهد للحق، وأنا لا أقبل شهادة من إنسان" (يو 33:5، 34). القديس أغسطينوس * "أكثر من الشيوخ فهمت، لأني طلبت وصاياك"... إن كنا مهتمين أن نبحث في الإنجيل عن تعبير "الشيوخ" الذي يفهم (السيد) أكثر منهم، نجد ذلك عندما قال له الكتبة والفريسيون: "لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ؟ فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزًا" مت 2:15. انظروا تعدي تقليد الشيوخ الذي اعترض (المسيح) عليه. لنسمع إجابة هذا الذي هو أحكم من الشيوخ: "وأنتم أيضًا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم؟" مت3:15. القديس أغسطينوس * إننا نفهم نحن المؤمنون وصايا الله أكثر من اليهود، لأن ربنا يسوع المسيح حكَّمنا بروح قدسه لكي نفهم روح الكتاب. هم فهموا ظاهره وجسده... أما نحن المؤمنون فقد تمسكنا بفحواه ومعانيه الروحية التي تدوم لنا إلى الأبد. دعاهم النبي أعداء، لأنهم يعادوننا ويبغضوننا ويلعوننا، أما نحن فنحبهم، ونصلي من أجل خلاصهم، ونباركهم كما أمرنا الرب. الذين سبق فدعاهم النبي أعداء يدعوهم أيضًا معلمين، لأنهم أؤتمنوا على أقوال الله قبلنا، وهي شريعته. وكان عندهم موسى والأنبياء. ومن هذه الأسفار الإلهية اتخذنا نحن العلم، وفهمنا أكثر منهم، إذ قبلنا شهادات ربنا يسوع المسيح وندرسها على الدوام. كان عيسو أكبر من أخيه يعقوب؛ وأما بركة أبيهما إسحق فكانت عتيدة أن تكون للأكبر. ولكن لما طلب منه إسحق طعامًا، خرج إلى البرية ليصطاد ويفترس مثل الوحوش. هكذا كان الإسرائيليون (كشيوخ) أكبر منا نحن الأمميين؛ وكان مقامهم مقام شيوخ مختبرين. وكانت البركات مُعدة لهم، لأن الشرائع والآنبياء أُعطيت لهم. ولكنهم راموا أن يرضوا الله بسكب دماء حيوانية مثل الوحوش، فعندما خرجوا من بيت أبيهم الله أب كافة البشرية، تزينا نحن بمشورة أمنا الكنيسة المقدسة متجملين بالأسفار الإلهية التي كانت حلتهم وزينتهم، وتوشحنا بجلد الحمل الذي ذُبح لأجلنا، أعني بإيمان ربنا يسوع المسيح، وتقدمنا إلى أبينا ليهدينا، وأخذنا البركة وأوائل البكورية. أما هم فاعتزلوا منها، وصاروا في ويلٍ وأسفٍ وعبوديةٍ للشيطان إلى أن يرجعوا إلى الله بالتوبة والإيمان... أنثيموس أسقف أورشليم إذن تهب الوصية معرفة وعلمًا وحكمة، وكما يقول السيد المسيح: "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم" )يو17:7(. بالوصية الإلهية نعرف كيف نمارس البساطة كالحمام لكن بحكمة أكثر مما للحيات (مت 16:10). يقول المرتل: "أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت"، هذا ليس عن تشامخٍ أو كبرياءٍ، إنما هو اعتراف بعمل الله الذي وهب المرتل حكمة وعلمًا أكثر من معلميه. والمعلم الحقيقي الذي يحمل روح الأبوة يشتهي أن يكون تلاميذه أكثر منه علمًا ومعرفة وحكمة، إذ يفرح كل جيل أن يتقدم الجيل الجديد عليه، وإلا فلا نمو للبشرية ولا بنيان لكنيسة الله. هذا هو التقليد الحيّ الذي يتكئ على الماضي ليمارسه خلال خبرة الحاضر وبلغة العصر ليشهد للإيمان الحيّ في حياة نامية ملتهبة بالروح. هذا التقليد يقوم على كلمة الله التي عاشها الرسل وكل الأجيال التالية لتعيشها كنيسة الحاضر وتقدمها حيَّة بلا انحراف للأجيال المقبلة. |
|