رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مَثلُ العَذارى العَشْرِ والسَّهر لِمُلاقَاة الرَّبّ (متَّى 25: 1 -13) النُّص الإنجيلي (متَّى 25: 1 -13) 1 ((عِندَئِذٍ يكون مَثَلُ مَلكوتِ السَّمَوات كَمَثلِ عَشْرِ عَذارى أَخَذنَ مَصابيحَهُنَّ وخَرَجنَ لِلِقاءِ العَريس، 2 خَمسٌ مِنهُنَّ جاهِلات، وخَمسٌ عاقِلات. 3 فأَخذَتِ الجاهِلاتُ مَصابيحَهُنَّ ولَم يَأخُذنَ معَهُنَّ زَيتاً. 4 وأمَّا العَاقِلات، فَأَخَذنَ معَ مَصابيحِهِنَّ زَيتاً في آنِية. 5 وأَبطَأَ العَريس، فنَعَسنَ جَميعاً ونِمْنَ. 6 وعِندَ نِصْفِ اللَّيل، عَلا الصِّياح: ((هُوذا العَريس! فَاخرُجْنَ لِلِقائِه!)) 7 فقامَ أُولِئكَ العَذارى جميعاً وهَيَّأنَ مَصابيحَهُنَّ. 8 فَقالتِ الجاهِلاتُ لِلعاقِلات: ((أَعطينَنا مِن زَيتِكُنَّ، فإِنَّ مَصابيحَنا تَنطَفِئ)). 9 فأَجابَتِ العَاقِلات: ((لَعَلَّه غَيرُ كافٍ لَنا ولَكُنَّ، فَالأَولى أَن تَذهَبنَ إلى الباعَةِ وتَشْتَرينَ لَكُنَّ)). 10 وبينَما هُنَّ ذاهِباتٍ لِيَشتَرينَ، وَصَلَ العَريس، فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّات إلى رَدهَةِ العُرْس وأُغلِقَ الباب. 11 وجاءَت آخِرَ الأَمرِ سائرُ العَذارى فقُلنَ: ((يا ربّ، يا ربّ، اِفتَحْ لَنا)). 12 فأَجاب: ((الحَقَّ أَقولُ لَكُنَّ: إِنِّي لا أَعرِفُكُنَّ!)) 13 فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة. المقدمة يُسلط إنجيل هذا الأحد الأضواء على مَثل العَذارى العَشْرِ (متَّى 25: 1-13) ليٌلفِت انتباهنا إلى واجب الاستعداد الشَّخصي بالسَّهر لمُلاقَاة الرَّبّ لدى مجيئه الثَّاني المُفاجئ كي " يُنقذنا من الغَضِب الآتي" (1تسالونيقي 9:1). وانتظارًا للحدث العظيم الذي هو مجيء الرَّبّ يسوع المسيح، لا يكفي أن نؤمن فقط بل أن نسهر؛ ولا أن نُحِبَّ فقط، بل أن نسهر. ولا أن نطيع فقط، بل أن نسهر للرّبِّ يسوع المسيح ومعه. فهدف كل مؤمن وجوده مع العريس إلى الأبد يوم القيامة. ولكن، يختلفون في كيفية الاستعداد للملكوت. فهناك من يستعدون بإيمان دون أعمال، وهناك من يستعدون بإيمان مع أعمال صالحة (يعقوب 2: 14-26). وهذا المثل هو تشجيع لمتابعة الانتظار والبقاء على استعداد لمجيء المسيح الثاني (متى 44:24). كان هذا المثل موضوعًا شائعًا للرسم والنحت والموسيقى والدراما. وهو أحد الأمثال الأكثر شعبية في العصور الوسطى، مع تأثيره الهائل على الفن القوطي والنحت والهندسة للكاتدرائية الألمانية والفرنسية. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النُّص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النُّص الإنجيلي: (متَّى 25: 1-13) 1 عِندَئِذٍ يكون مَثَلُ مَلكوتِ السَّمَوات كَمَثلِ عَشْرِ عَذارى أَخَذنَ مَصابيحَهُنَّ وخَرَجنَ لِلِقاءِ العَريس تشير عبارة "مَلكوتِ السَّمَوات" إلى المَلكوت الذي أتى به المسيح لإقامته على الأرض، والمَلكوت يعني هنا مُلك الله السماوي على قلوب أولاده في كنيسته المَنظورة (متَّى 22: 2) استعدادا للملكوت الأبدي. أمَّا عبارة "عَشْرِ" فتشير إلى العادة المُتَّبعة آنذاك (راعوت 4: 2). والعَشْرِة عدد حسبه اليهود أقل ما يلزم لاجتماع قانوني في الصَّلاة أو لاجتماع فرقة لأكل الفِصح أو لشهادة عرْس. ورقم عشر هي مجموعة الأعداد الأربعة (1+ 2+ 3+ 4) وهي رمز الكمال في التَّقليد اليهودي حيث تختصر الوَصَايا العشر واجبات اليهودي والمسيحي نحو الله والقريب. تدل أيضًا على أصَابع اليَدين، وهو رمزٌ إلى العدد الكامل، فالجميع مَدعوُّون لمُلاقَاة العَريس. أمَّا عبارة " عَذارى " فتشير إلى الفَتيات اللواتي يرمزن إلى النُّفوس المؤمنة أي الكنيسة، لان الجميع من هم في الكنيسة مَدعوون لمُلاقَاة العَريس الرَّبّ يسوع، كما جاء في تعليم بولس الرَّسُول عن الكنيسة عامة "خَطَبتُكُم لِزَوْجٍ واحِد، خِطبَةَ عَذْراءَ طاهِرَةٍ تُزَفُّ إلى المسيح" (2 قورنتس 11: 2). ويُعلّق القديس أوغسطينوس "أنَّ مثل العَذارى الحكيمات والعَذارى الجَاهِلات ينطبق على الكنيسة كلها". فالجماعة المسيحية هي عروس الحمل (رؤيا 21: 2). أمَّا عبارة "مَصابيحَهُنَّ" في الأصل اليوناني λαμπάς (مصابيح في العربي الدراج "لمبا" مشتقة من اليوناني)، فتشير إلى أطباق تحتوي على فتيلة من قماش مغموسة في الزَّيت، محمولة على حاملات خشبية قصيرة، وهي تختلف عن السَّراج λύχνος الذي هو بمثابة وعاء كان يصنع من فخار أو نحاس ويضع فيه سائل زيت، ثم يوضع فيه فتيلة يشعلونها لتنير الظَّلام (متَّى 5: 15). وكانت عادة اليهود أن يحتفلوا بالعُرس ليلاً مما اقتضى حمل المَصَابيح المُضاءة والزَّينة. والمُراد بها هنا السَّهر، كما ورد في إنجيل لوقا " لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة (لوقا 12: 35)، المصابيح التي يحملونها تمثل كلمة الله كما ورد في المزمور "كَلِمَتُكَ مِصْباح لِقَدَمي ونورٌ لِسَبيلي" (مزمور 119: 105)، ورمزٌ للحكمة بحسب مثل العَذارى الحكيمات والجَاهِلات. وتدل المَصَابيح أيضًا على الاعتراف المسيحي من حيث انه أداة الإضاءة، كما ورد في الإنجيل "لْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة، وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس" (لوقا 35:12)؛ فالمَصَابيح لا تشتعل بدون الزَّيت حيث أنَّها دون الزَّيت تُصبح عديمة الفائدة. وهكذا الإنسان المسيحي إذا لم يختبر خلاص الله وحلول الرُّوح القدس في داخله، يكون كالمِصْباح من دون الزَّيت. والمَصَابيح تدلّ على أنَّنا في الليل. والليل يدلُّ على إنَّنا بين مجيء المسيح الأول ومجيئه الثَّاني. هذا هو زمن الانتظار والسَّهر. أمَّا عبارة "لقاء العَريس" فتشير إلى الملاقاة حيت إنَّنا نحن نذهب إليه، وهو يجيء إلينا. وأمَّا عبارة "خَرَجنَ لِلِقاءِ العَريس" فتشير إلى حفل زفاف. وهي عادة شرقية لا زال معمولاً بها حتى يومنا هذا، إذ تُخرج العَذارى بعد أن يسود الظَّلام في عَشية يوم العُرس، إلى بيت العَروس ليرافقنها في مُلاقاة العَريس عند مجيئه ليأخذها من بيت أبيها إلى بيته حيث الوليمة ويذهبْن معها إلى هناك. فيذهب العَريس مع العَروس إلى بيته مصحوبًا بأصدقاء الطَّرفين، وينضم إليهم في الطَّريق آخرون يحملون المَصَابيح تكريمًا للعَريس والعَروس. وهذا يتطلب منهنّ السَّهر والانتظار والتَّدبير. والعَذارى هنّ صورةٌ عن الكنيسة، المدعوّة إلى الحفاظ على مخطط الرَّبّ في العَالَم، وإلى عيش الحبّ الذي يغذي الرجاء المؤكّد لعودته، بغرض الاتحاد به. والكنيسة مدعوّة للقيام بذلك، ليس من أجل نفسها فقط، بل من أجل الجميع وباسم الجميع. أمَّا عبارة "العَريس" فتشير إلى المسيح يسوع، مكررًا صورة العهد القديم عن الرب باعتباره عريسًا، كما ورد في نبوءة ارميا 2: 2)، كما اتَّضح أيضا من سفر الرُّؤيا" ورَأَيتُ المَدينَةَ المُقَدَّسة، أُورَشَليمَ الجَديدة، نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله، مُهَيَّأَةً مِثلَ عَروسٍ مُزَيَّنَةٍ لِعَريسِها" (الرُّؤيا 21: 2). وقد شَبَّهَ يسوع َنفْسَهُ صَرَاحَةً بِعَرِيسٍ بقوله " أَبِوُسعِكُم أَن تُصوِّموا أَهلَ العُرسِ والعَريس بَينَهم؟ ولكِن سَتَأْتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعُ العَريس مِن بَينِهم، فعِندَئذٍ يصومونَ في تِلكَ الأَيَّام " (لوقا 5: 34-35)، وهكذا ملكوت السَّماوات يُشبه العُرس. 2 خَمسٌ مِنهُنَّ جَاهِلات، وخَمسٌ عاقِلات. تشير عبارة "خَمسٌ" إلى بَركتين هامتين من بَركات الله لبني البَشر: فالرقم 5 رمز إلى حَواس الإنسان الخَمْس، أعني بها: النُّظر، والسَّمع، والشَّم، والذوق، والحِس. والرَّقم 5 يُمثل أيضًا عدد الأصَابع في كل من أطرافه الأربع: في كلَّ يدٍ هناك خمسةُ أصَابع، وكذلك في كل قَدم. وفي الكتاب المقدس نحن نجد هذا الرَّقم من بداية الكتاب، وذلك في أسفار موسى الخَمسة. وفي العهد الجديد نقرأ عن خمسة أرغفة وسمكتين، منها أشبع الرَّبّ الآلاف، وفضَل عنها اثنتي عشرة قُفة ملآنة (يوحنا6: 9-13)؛ والرقم هو عدد جروحات المسيح المصلوب: اثنان في يديه، واثنان في رجليه، وواحد في جنبه! وهذ الرَّقم يُمثل المسئولية. فإن كان الله يعطينا بركاته فهذا يجعلنا مسؤولين عن الاستفادة منها، وإلا صارت دينونة علينا، كما حدث مع مثل العَذارى. العَذارى هنا صورة لكل من اعترف بالمسيح وتبعه، فإن كان مُخلِصًا كان من فريق الحكيمات، وإن كان مرائيًا كان من فريق الجَاهِلات. لكن على أي حال فإن كل من عرف المسيح صار مسؤولاً. أمَّا "جَاهِلات" فتشير إلى العَذارى اللواتي يحتقرن الحِكمة ويَنكرن الله ولا يعملن الأعمال الصَّالحة، كما يوضِّح ذلك صاحب المزامير " قالَ الجاهِلُ في قَلبه: ((لَيسَ إِله)) فَسَدَت أَعْمالُهم وقبحت ولَيسَ مَن يَصنعُ الصَّالِحات"(مزمور 14: 1)؛ الجَاهِلات إذًا هنَّ فتيات موصوفات بعدم وجود نعمة الله الحقيقية فيهِنَّ. فاظهرن جهلهن وقُصْرَ النُّظر في أحكامهنّ فلم ينتبِهن لأمور المستقبل، وما تقتضي من الاستعداد. أمَّا عبارة "عاقِلات" فتشير إلى عَذارى يتميَّزن بالحِكمَة والفطنة، ويَحفظن وصايا الله. وهذا ما يؤكِّده صاحب المزامير "رَأسُ الحِكمَةِ مَخافَةُ الرَّبّ"، (مزمور 111: 10)، والحِكمَة هي معرفة الرَّبّ، (أمثال 2: 5) من ناحية، وبُغض الشَّر والكبرياء والأكاذيب من ناحية أخرى، كما يقول صاحب الأمثال "مَخافَةُ الرَّبّ بُغضُ الشَّرّ" (أمثال 8: 13)؛ وبكلمة أخرى الحِكمَة هي العمل بوصاياه. واظهرن حكمتهنّ هنا بانهنَّ اهتممن بأمور المستقبل واستعدتن له. والفَرق بين العَاقِلات والجَاهِلات كالفرق بين الذي بنى بيته على الصَّخر والذي بنى بيته على الرَّمل (متَّى 7: 24-27). 3 فأَخذَتِ الجَاهِلات مَصابيحَهُنَّ ولَم يَأخُذنَ معَهُنَّ زَيتاً. تشير عبارة "الجَاهِلات لم يأخُذنَّ معهُنَّ زيتًا" إلى قِلَّة تبصّر وتَدارك الأمور؛ وفي الواقع تدلُّ الجَاهِلات على المسيحيين بالاسم لا بالعمل؛ فهُنَّ بمنزلة الحَبِّ المزروع في الأَرضِ الحَجِرة في مَثل الزَّارع (متَّى 13: 20-21). فهنَّ لا يمتلكن زيت نعمة الرُّوح القدس في القلب، ولا ينتظرن رجوع سيِّدهّن بالأعمال الصَّالحة. ويُعلق القدّيس غريغوريوس البابا الكبير "العَذارى الجَاهِلات لم يأخذنَ معهنّ زيتًا، لأنّهنّ لا يحملنَ مجدهنّ في أعماق قلبهنّ، هذا يعني أنّهنّ يطلبنَه من تمجيد الآخَرين"(عظات حول الإنجيل: 12). أمَّا عبارة "زَيتاً" في الأصل اليوناني ἔλαιον وفي العبِرية שָׁמֶן فتشير بحسب الكتاب المقدس إلى زيت الزَّيتون الذي يحصلون عليه حين يعصرون حَبَّ الزَّيتون في المَعْصَرة. "والزَّيت يرمز إلى الأعمال الصَّالحة التي تُميّز الإيمان الحيّ من الإيمان الميّت" كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم. ويرمز الزَّيت أيضًا إلى أعمال النُّور والقوَّة والمَحبَّة. إن وُجد الزَّيت دلالة على حياتنا التي هي نور في العَالَم بأعمالنا الصَّالحة، كما قال المسيح: "فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة" (متَّى 5: 14)، وتكمن أعمالنا الصَالحة بالتعرّف على الرّب عبر واقع الحياة. وبهذه الأعمال ننال المكافأة في الدينونة الأخيرة كما أعلن يسوع "تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني، وعُرياناً فَكسَوتُموني، ومَريضاً فعُدتُموني، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ، الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه " (متى 25: 34-36). أمَّا دون زيت الأعمال الصَّالحة فتكون حياتنا ظُلمة، فالإيمان بدون أعمال ميت، كما يُعلن يسوع في الدَّينونة الأخيرة: "إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه: أِنِّي جُعتُ فَما أَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فما سَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فما آوَيتُموني، وعُرياناً فما كَسوتُموني، ومَريضاً وسَجيناً فما زُرتُموني" (متى 25: 41-43). والزيت أيضا يرمز إلى الروح القدس (زكريا 1:4-14). 4 وأمَّا العَاقِلات، فَأَخَذنَ معَ مَصابيحِهِنَّ زَيتاً في آنِية تشير عبارة "فَأَخَذنَ معَ مَصابيحِهِنَّ زَيتاً في آنِية" إلى العَاقِلات اللواتي توقَّعن تأخُّر العَريس فاحتطن بالزيت. وهذا رمز أن لهنَّ نعمة في الباطن. أمَّا عبارة "الزَّيت في الآنية" فتشير إلى نعمة الله في القلب بواسطة الرُّوح القدس (أعمال الرُّسل 10: 38) أو هو الولادة بالرُّوح (يوحنا 6:3). ويُحصل على تلك النِّعْمَة بوساطة الأعمال الصالحة سيما الصَّلاة، كما جاء في تعليم بولس الرَّسُول "إِنَّ الَّذي يُثَبِّتُنا وإِيَّاكُم لِلمسيح والَّذي مَسَحَنا هو الله" (2 قورنتس 1: 21)، ويستطيع المسيحيَّون بتلك النِّعْمَة أن "يُضيئُوا ضِياءَ النَّيِّراتِ في الكَون" (فيلبي 2: 15). أمَّا عبارة "آنِية" فتشير إلى وعاء كان يصنع من فخار أو نحاس ويُضع فيه سائل زيت. ويعلق القدّيس غريغوريوس البابا الكبير ""يشير الزَّيت هنا إلى بهاء المجد؛ والآنية هي قلوبنا التي نحمل فيها كلّ أفكارنا. حملت العَذارى الحكيمات زيتًا في آنيتهنّ، لأنّهنّ يحفظنَ في ضميرهنّ كلّ بهاء مجدهنّ، كما يقول القدّيس بولس: "فإِنَّ فَخرنَا إِنَّما هو شَهادةُ ضَميرِنا" (2كور 1: 12) "(عظات حول الإنجيل: 12). 5 وأَبطَأَ العَريس، فنَعَسنَ جَميعاً ونِمْنَ تشير عبارة "أَبطَأَ العَريس" إلى حدوث أزمة. وهذه نقطة التحول التي تؤدي إلى كارثة. تأخر العريس هو محور المثل، ويدل على تأخر الرَّبّ، كما قال الوكيل في نفسه "إِنَّ سيِّدي يُبطِئ" (متَّى 24: 48). الوقت هو محنة للإيمان. عندما يطول الانتظار يخسر الإنسان حماسه. هذا ما شعر به المؤمنون في أيام متَّى الإنجيلي، فنسوا أن الرَّبّ يأتي في أيَّة ساعة يشاء، وليس حسب ما يشاؤون هم. وفي الواقع تأخر العريس يرمز إلى طول المدَّة بين مجيء المسيح الأول ومجيئه الثَّاني. أمَّا عبارة "فنَعَسنَ جَميعاً ونِمْنَ" فتشير إلى النُّوم الذي هو طبيعي لمن يطيلون السَّهر، والعَاقِلات نمن كالجَاهِلات فلا بأس من النُّوم بعد تكميل الاستعداد. فالنوم امر طبيعي، لا ينتقد يسوع نومهنَّ، لأن كلتا المجموعتين تفعلان بذلك، لكن لكونهن غير مستعدات كعدم جلبهن للزيت، إلاَّ أنَّ المفاجأة انه يدعو الجمعي للسَهر "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ" (متَّى 25: 13). 6 وعِندَ نِصْفِ اللَّيل، عَلا الصِّياح: ((هُوذا العَريس! فَاخرُجْنَ لِلِقائِه! تشير عبارة "نِصْفِ اللَّيل" إلى نهاية يوم وبداية يوم آخر، وهو وقت لا يُنتظر فيها أحدٌ. وهو الوقت الذي تشتدُّ فيه الحَاجة إلى المَصَابيح المُعدّة للإضاءة، ويَعسر فيه الحصول الزَّيت. ومن هنا جاء رمز نِصْفِ اللَّيل الذي يُذكِّرنا بعيد الفصح، عندما اتحدت السَّماء بالأرض، والتقى الإنسان بالله، ساعة مُلاقَاة نهائي مع المسيح المُنتصر على الموت، وعلى موته وموتنا. يُعلن يسوع بُشرى الفِصح والقِيامة حتى عودته الثَّانية؛ وترمز عبارة "نِصْفِ اللَّيل" أيضا إلى المجيء الثاني للمسيح بعد رقاد النفوس، واستعلان دينونته العادلة، حيث يكافئ الأبرار، ويجازي من الأشرار. وأمَّا عبارة "عَلا الصِّياح" فتُشير إلى الصَّوت الذي يوقظ النُّاس من نومهم في نِصْفِ الليل ويكون غالبا مفاجئا ومرعبا، كذلك نبأ مجيء المسيح يكون فجأة لكل العَالَم فتسمعه كل أُذن ويكون مرعبا إن لم نستعد له. وهذ الصَّوت يرمز إلى أصوات الملائكة التي تنادي الأبرار بالخَلاص والأشرار بالدَّينونة يوم المجيء الثَّاني للمسيح كما أعلن بولس الرَّسُول "لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَه، عِندَ إِعْلانِ الأَمْر، عِندَ انطِلاقِ صَوتِ رَئيسِ المَلائِكة والنَّفْخِ في بُوقِ الله، سيَنزِلُ مِنَ السَّماء" (1 تسالونيقي 4: 16). أمَّا عبارة "هُوذا العَريس! فَاخرُجْنَ لِلِقائِه!" فتشير إلى قدوم السَّاعة الأخيرة تلك التي تُنْبئنا عنها الأمراض والكوارث والحروب قبل عودة ربنا يسوع المسيح. في هذا المثل يتم الحديث عن العَريس، وليس عن العَروس. فالعَروس هي البشرية جمعاء التي يريد الرَّبّ أن يبرم معها عهدا أبديا. 7 فقامَ أُولِئكَ العَذارى جميعاً وهَيَّأنَ مَصابيحَهُنَّ. تشير عبارة "فقامَ" إلى قول بولس الرَّسُول "تَنبَّهْ أَيُّها النَّائِم وقُم مِن بَينِ الأَمْوات يُضِئْ لَك المسيح" (أفسس 5: 14). أمَّا عبارة "هَيَّأنَ مَصابيحَهُنَّ " فتشير إلى إضاءة المَصَابيح للتأهب والاستعداد للعمل في الليل كما فعل العبرانيون وهم يحتفلون بالفصح "تَكونُ أَحقاوُكم مَشْدودةً ونِعالُكُم في أَرجُلِكُم وعِصِيُّكُم في أَيديكُم، وتأكُلونَه على عَجَلٍ فإِنَّه فِصحٌ لِلرَّبّ" (خروج 12: 11). وأمَّا عدم الاستعداد فيُدمِّر الفرح المسيحاني. فالمثل يعكس قلق المسيحيين الأوَّلين تجاه عودة ربّهم الذي ينتظرونه. فهناك لفت يسوع الانتباه العَذارى إلى واجب الاستعداد "لِذلِكَ كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها يأَتي ابنُ الإِنسان"(متَّى 24: 44). كما تُهيا العَذارى المَصَابيح لدى مجيء العَريس كذلك يلزم كلُّ واحدٍ يوم الموت لدى مجيء الرَّبّ أن يمتحن نفسه ليرى أساس إيمانه ورجائه لتجديد ثقته. 8 فَقالتِ الجَاهِلات لِلعاقِلات: ((أَعطينَنا مِن زَيتِكُنَّ، فإِنَّ مَصابيحَنا تَنطَفِئ)). تشير عبارة "الجَاهِلات" إلى "مَثَلِ رَجُلٍ جاهِلٍ بَنى بَيتَه على الرَّمْل" (متَّى 7: 26)، فهنّ غير مستعدَّات لمُلاقَاة الرَّبّ في مجيئه الثَّاني. أمَّا عبارة "العَاقِلات" فتشير إلى "مَثَلِ رَجُلٍ عاقِلٍ بَنى بيتَه على الصَّخْر" (متَّى 7: 24)، فهنّ مستعدات للأبدية. أمَّا عبارة "أَعطينَنا مِن زَيتِكُنَّ" فتشير إلى عدم استعداد الجَاهِلات لجهلهنَّ، إذ ليس لديهَّن احتياط كاف من الزيت، ولم يتوقعن تأخر العريس، وانه لا يمكن لأحد أن يستعير زيتًا من آخر، لأنه أتى الليل حيث لا مجال للعمل. أمَّا عبارة "فإِنَّ مَصابيحَنا تَنطَفِئ " فتشير إلى الفرق في المَصَابيح وفي نقصان الزَّيت في المصابيح، أي الأعمال الصَّالحة والحياة الباطنية. فعند مجيء الرَّبّ ينتهي زمن العمل والتَّوبة والنِّعْمَة ويبدأ زمن العدل والدَّينونة. فيعلق عليها القدّيس غريغوريوس البابا الكبير "لكنّ مصابيح العَذارى الجَاهِلات انطفأت لأنّ أعمالهنّ، الّتي تبدو باهرةً في عيون البشر، لم تَعُد في الدَّاخل سوى ظلام عند مجيء القاضي؛ ولن يَنَلنَ من الله أيّ مكافأة، لأنّهنّ يَكُنَّ قد نِلنَ من البشر هذا المجد الّذي كنّ يُحبِبنَ"(عظات حول الإنجيل: 12). 9 فأَجابَتِ العَاقِلات: ((لَعَلَّه غَيرُ كافٍ لَنا ولَكُنَّ، فَالأَولى أَن تَذهَبنَ إلى البَاعَةِ وتَشْتَرينَ لَكُنَّ تشير عبارة "لَعَلَّه غَيرُ كافٍ لَنا ولَكُنَّ " إلى قول العذارى الحكيمات أنه لن يكون هناك ما يكفيهن للمشاركة. يعلق "الباحث سبنس دبليو-كميل "كيف يمكن للمرء مشاركة الإيمان أو الشهادة؟ كيف يمكن للمرء مشاركة المواقف والعفة" (Faith Precedes the Miracle, p. 255). كلٌّ يجب عليه أن يحصل على هذا النوع من الزيت لنفسه. مسؤولية كلِّ إنسانٍ عن نفسه وعن تنظيم مستقبله. إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش على حساب الآخرين مفوِّضًا أموره إليهم. فنحن لا نستطيع أن نتّكل على الآخرين في لقائنا الشَّخصي مع المسيح، لأنَّنا مسؤولين عن نفوسنا، كما جاء في تعليم بولس الرَّسُول. "إنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَّا سيُؤدِّي إِذًا عن نَفْسِه حِسابًا لله" (رومة 14: 12). الزَّيت ليس أمرًا يُمكن تحصيله في لحظة من الزَّمن، بل هو ثمرة عمل يومي دؤوب. وأمَّا عبارة "الباعَةِ" فتشير إلى مساعدة العَاقِلات أن يدلنّ الجَاهِلات إلى المصدر الذي اخذ منه. وتُمنح مجانًا لمن يطلبها في الوقت المقبول. أمَّا عبارة " تَشْتَرينَ لَكُنَّ " فتشير إلى الرَّغبة في تحصيل المطلوب وترك كل شيء لأجله، كما ورد في سفر أشعيا " أَيُّها العِطاشُ جَميعاً هَلُمُّوا إلى المِياه، والَّذينَ لا فِضَّةَ لَهم هَلُمُّوا آشتَروا وكُلوا، هَلُمُّوا آشتَروا بِغيرِ فِضَّةٍ ولا ثَمَن خَمْراً ولَبَناً حَليباً (أشعيا 55: 1). فالنِّعْمَة لا تُباع لأنها هبة الله. إن كل ما في الأمر هو عامل الوقت، وهذا ما أراد المسيح أن يوصله إلى تلاميذه في أنه يجب عليهم ليس فقط أن يكونوا تلاميذ بل أن يكونوا تلاميذ مُستعِدِّين. 10 وبينَما هُنَّ ذاهِباتٍ لِيَشتَرينَ، وَصَلَ العَريس، فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّات إلى رَدهَةِ العُرْس وأُغلِقَ الباب تشير عبارة "وصَلَ" في الأصل اليوناني ἦλθεν إلى مَجِيئِهِ، أَو وُصُولِهِ، مُسْتَعْمِلًا الفعل اليوناني نَفْسَهُ بِصِيَغٍ مُخْتَلِفَة. لا بُدَّ من أن يأتي المسيح وإن أبطأ قدومه. وقد أَشَارَ يَسُوعُ إلى هذا الفعل فِي نُبُوَّتِهِ على الدَّينونة الأخيرة في الفصلين 24-25 ثَمَانِيَ مَرَّات. أمَّا عبارة "رَدهَةِ العُرْس" فتشير إلى الملكوت الأبدي، ويُعلق القديس قبريانس "المسيح نفسه، أيها الإخوة الأحباء، هو ملكوت الله الذي نشتاق إليه من يوم إلى يوم لكي يأتي". أمَّا عبارة "العُرْس" فتشير إلى احتفالات الزَّفافُ والتَّزويجُ التي قد تدوم أحيانا سبعة أيام. أمَّا عبارة "فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّات" فتشير إلى الحكيمات اللواتي وصلن إلى الهدف، وأصبحن في أمَّان ولا يستطيع أحد أن يخطفهن، وقد أكّد ذلك يسوع بقوله "فَقدِ اختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأّفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها" (لوقا 10: 42). سيأتي العَريس ويأخذ عروسه لتكون معه (يوحنا 17: 24). فالعَذارى الحكيمات يرمزن إلى الذين هم أهلٌ لمُلاقَاة العَريس؛ لأنَّهم يحبونه ويلتمسونه ويسهرون من أجله. فمشاهدة العَريس مُتيسرة لهنَّ ووجدانه سهل عليهنَّ. والعَريس يتمثل لهنَّ ويلقاهنَّ، كما يُوضِّح سفر الحكمة "لأَنَّ الَّذينَ أَهلٌ لَها هي الَّتي تَجولُ في طَلَبِهم وفي سُبُلِهم تَظهَرُ لَهم بِعَطْف وفي كُل خاطِرٍ يَخطر لَهم تأتي لِمُلاقاتِهما" (الحكمة 6: 16). إن الحكيمات مستعدات لملاقاة العَريس، إذ غسلنا ثيابهن بدم الحمل ولبسنّ ثوب برَّه وتجدَّدن بروحه القدوس "فمَن آمَنَ واعتَمَدَ يَخلُص، ومَن لَم يُؤمِنْ يُحكَمْ عَليه " (مرقس 16: 16)؛ تتمتّعن الحكيمات بالحياة الدَّاخليّة الجديدة كحياة شركة واتّحاد مع العَريس. وأمَّا عبارة "أُغلِقَ الباب" فتشير إلى فرح الدَّاخلين وراحتهم وامْنهم ومنع دخول غيرهم. وهو يدل أيضا على ثبات القرار وانتهاء زمن التَّوبة وطلب الغفران، ويعلق القدّيس ثيودورس الأستوديّ بقوله "ينبغي إذاً السَّهر وترويض النُّفس على الرَّصانة وتأنيب الضَّمير والتَّقديس والتَّنقية والاستنارة، لتفادي أن يُغلِق الموتُ البابَ أمَّامنا وألّا نجد أحدًا ليفتح لنا ويساعدنا". فقد قلبَ إبطاء العَريس فرح العُرس إلى مأساة. أمَّا عبارة " الباب" فتشير هنا إلى مدخل الرَّحمة بربنا يسوع " أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص يَدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرْعًى" (يوحنا 10: 9)، وهو الذي يدخل به الإنسان من الخَطيئة إلى القداسة، ومن العداوة إلى المصالحة، ومن الموت إلى الحياة، ومن الشَّقاء إلى السَّعادة. ويظل هذا الباب مفتوحًا للعالم بأجمعه إلى مجيء المسيح ثانية، ويبقى مفتوحا لكل إنسان إلى ساعة موته. ويستثنى من ذلك من جذَّف على الرُّوح القدس "أمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلَن يُغفَرَ لَه"(لوقا 12: 10). ويسمًّى هذا الباب أيضا "باب الرَّحمة وباب الرَّجاء وباب الخَلاص" وللمسيح سلطان عليه بدليل قوله " مَن يَفتَحُ فلا أَحَدَ يُغلِق، ويُغلِقُ فلا أَحَدَ يَفتَح" (رؤيا 3: 7). ويُغلق أمَّامَ كلِّ إنسانٍ عند موته، ويُغلق أمَّام العَالَم يوم الدَّينونة "فيَذهَبُ هؤُلاءِ إلى العَذابِ الأَبديّ، والأَبرارُ إلى الحَياةِ الأَبدِيَّة " (متَّى 25: 46). والآية تلفت الانتباه إلى واجب السَّهر والاستعداد لمجيء العَريس. وهو لبُّ القصيدة وجوهر المَثَل. 11 وجاءَت آخِرَ الأَمرِ سائرُ العَذارى فقُلنَ: ((يا ربّ، يا ربّ، اِفتَحْ لَنا)). تشير عبارة "وجاءَت آخِرَ الأَمرِ سائرُ العَذارى" إلى الجاهلات اللواتي ذهبن لشراء الزيت في اللحظة الأخيرة ولم يتمكن الحضور لدى وصول العريس. أمَّا عبارة "آخِرَ الأَمرِ" فتشير إلى بعد فوات الأوان والحكم عليهن بالدينونة. أمَّا عبارة "يا ربّ، يا ربّ، اِفتَحْ لَنا" فتشير إلى عمل من يطلب الرَّحمة بعد فوات الأوان، لأنه ابتدأ يوم الدَّينونة. وهذ يذكرنا إلى ما ورد في إنجيل لوقا "وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا ربُّ افتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم، حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وِشَرِبنْا أمَّامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا. فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنَّي يا فاعِلي السَّوءِ جَميعاً " (لوقا 13: 25-26). 12 فأَجاب: ((الحَقَّ أَقولُ لَكُنَّ: إِنِّي لا أَعرِفُكُنَّ!)) تشير عبارة "لا أَعرِفُكُنَّ" إلى عدم معرفة العَريس للعَذارى الجَاهِلات كتلميذات وتابعات له أثناء وصول العَريس بسبب مكوثهنّ في الظَّلام، إذ لا يعرف الله من لا يعمل إرادته، كما جاء في قول الرَّبّ " ما عرَفْتُكُم قَطّ. إِلَيْكُم عَنِّي أَيُّها الأَثَمَة!" (متَّى 7: 23)، أو من لا يقبل يسوع مخلصًا " لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنَّي يا فاعِلي السَّوءِ جَميعاً! "(لوقا 13: 26)، أو من لا يتعرف على المسيح في القريب المحتاج من خلال الأعمال الصالحة كما أعلن يسوع "إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه: لأِنِّي جُعتُ فَما أَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فما سَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فما آوَيتُموني، وعُرياناً فما كَسوتُموني، ومَريضاً وسَجيناً فما زُرتُموني. الحَقَّ أَقولُ لَكم: أَيَّما مَرَّةٍ لم تَصنَعوا ذلك لِواحِدٍ مِن هؤُلاءِ الصِّغار فَلي لم تَصنَعوه "(متى 25: 41-45). المسيح لا يعرف التَّلاميذ المُرائين. والمعرفة هنا إقرار وقبول، كما جاء في قوله " أَنا الرَّاعي الصَّالح أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني " (يوحنا 10: 15). فيجب أن تبدئ معرفة المسيح لنا في هذه الحياة من خلال القريب لكي يعرفنا عند الموت وبعده إلى الأبد. الانتماء إلى الكنيسة لا يكفي، بل يجب على الإنسان أن يقبل يسوع ويكون معروفًا من يسوع، وذلك بأعماله الصَّالحة (لوقا 13: 25-27). ولا داعي للاستغراب، لأنَّ الأعمال الصَّالحة والسَّعي للحصول على زيت نور النِّعْمَة لا يكون إلاَّ في هذه الحياة الدَّنيا، وقتُ العمل والجَهد والتَّقوى ومحبَّة الرَّبّ. فمن مات بدون الأعمال الصَّالحة يكون محرومًا من زيت النِّعْمَة ويبقي محرومًا منه مدى الأبديَّة. لا يُفتح للخاطئ باب السَّماء، وعبثاً قول العَذارى "يا رب يا رب افتحْ لنا". فمن أنطفا مصباحه، ونضب زيته وغاب حبُّه واظلم قلبه فهو غريب على العَريس، والعَريس لا يعرفه ويطرده من جماعته، ويغلق أبوابه في وجهه إلى الأبد؛ فهو يشبه الرَّجل الذي لم يكن عليه لِباس العرس فطُرح خارجًا في الظَّلام (متَّى 22: 11). وهذا هو وصف الدَّينونة. لا شيء ينفع الإنسان ليدخل السَّماء بعد الموت إلاَّ أعماله الصَّالحة. فلننتبه قبل فوات الأوان. 13 فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ تشير عبارة "اسهَروا" إلى العدول عن النُّوم ليلاً بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو تحاشيًا للمواجهة المفاجأة مع العدو (مزمور 127: 1-2). وأمَّا فيما يتعلق بهدف المؤمن من السَّهر هو أن يكون مستعدًا لمُلاقَاة الرَّبّ لدى مجيئه فَجْأة. وفي موضع آخر يوضِّح يسوع سبب السَّهر بقوله "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم"(متَّى 24: 42)؛ فالوصيَّة إذن هي السَّهر الدَّائم " فَاحذَروا واسهَروا، لِأَنَّكم لا تَعلَمونَ متى يَكونُ الوَقْت " (مرقس 13: 33)، والاستعداد الرُّوحي لتلبية نداء "المسيحِ يسوعَ الَّذي سَيدينُ الأَحْياءَ والأَموات" (2 طيموتاوس4: 1). أمَّا عبارة " لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة " فتشير إلى وقت غير مُحدَّد. نحن لا نختار السَّاعة، بل الله الذي يختار السَّاعة متى يشاء، وكيفما يشاء. لذا يحثُّ يسوع التَّلاميذ على السَّهر في انتظار عودته المَجيدة، لأنَّه يأتي في ساعة لا ينتظروها. فموعد مجيء الرَّبّ لا يُعلن عنه مقدمًا بل انه يأتي في وقت غير متوقع، كما جاء في تعليمه " فكونوا أَنتُم أَيضاَ مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تتَوقَّعونَها يَأتي ابنُ الإنسان" (لوقا 12: 40). وقال لنا الرَّبّ في موضع آخر "فَأمَّا ذلكَ اليومُ وتلكَ السَّاعَة، فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُها، لا مَلائكةُ السَّمَوات ولا الابنُ" (متَّى 24: 36)، وذلك لتفادي كلّ سؤال عن وقت مجيئه الثَّاني "لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ" (أعمال رسل1: 7). ويُعلق القديس أفرام السِّرياني "أخفى عنّا ذلك لكي نسهر ويفكّر كلّ واحد منّا في أنّ المجيء الثَّاني قد يكون خلال حياته على الأرض..." فأي محاولة أو اجتهاد عن معرفة السَّاعة أو تحديد وقت مجيء الرَّبّ هي تضيع وقت وبحث بلا طائل، بل بلبلة ولغو كلام باطل ضد مشيئة الله التي أعلنها لنا في الكتاب المقدس. لا أحد يعلم متى ينقضي الدَّهر ويضمحلُّ الكون، ويأتي يسوع، وتدقُّ ساعةُ الدَّينونة. إنَّه سرُّ الرَّبّ الآب وحدَهُ". أمَّا عبارة "الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ" فقد أسقطت الآية في الترجمة اليونانية بمعنى إنها كانت موجودة وسقطت سهوا من ناسخ ". فقد تقرر حذفها من النُّص اليوناني لإنجيل متَّى معتمدين في ذلك علي شهادة أقدم المخطوطات (P353rd, 01, A, B, C*, D, L, W ) . إنَّ يسوع الدَّيَّان سيعود إلى العَالَم، مهما طالت المدَّة لعودته. ثانياً: تطبيقات النُّص الإنجيلي: (متَّى 25: 1-13) بعد دراسة موجزة عن وقائع النُّص الإنجيلي (متَّى 25: 1-13)، نستنتج انه يتمحور حول السَّهر للاستعداد الشَّخصي من خلال الأعمال الصَّالحة التي تجعل المَصَابيح مملؤة بالزَّيت لاستقبال العَريس الرَّبّ. ومن هنا نتناول ظروف مَثلُ عَشْرِ عَذارى ومقومات السَّهر. 1) الظُّروف في مَثلُ العَذارى العَشْرِ يتكلَّم مَثلُ العَذارى العَشْرِ عن العُرْس أي الزَّفافُ والتَّزويجُ. وفي العُرف اليهودي كانت الخُطوبة بين الاثنين تستمر وقتًا طويلاً قبل أن يتمَّ الزَّواج، وكان وَعْدُ الخُطوبة مُلزماً مثل عهود الزَّواج تمامًا. وفي يوم العُرْس، يذهب العَريس إلى بيت العَروس للاحتفال بالزَّفاف، ويقوم العَريس والعَروس في مسيرة احتفالية بالعَودة إلى بيت العَريس حيث تُقام وليمة، وغالبًا كانت تستمر أسبوعًا كاملاً. ولمَّا يحين وقت العُرس يأتي العَريس إلى بيت العَروس، وهو مُطيَّب بالزَّيوت (مزمور 45: 6)، وعليه لِبَاس العُرْس وعمامته (أشعيا 61: 10) وحوله أصدقاؤه (متَّى 9: 15). وكانت تتطَّيب هي أيضا بالطِّيب (نشيد الأناشيد 4: 10 و11). وتتحلى بالجواهر، وتلبس الأكاليل، وتُحاط بالعَذارى، وتلثم وجهها (مزمور 45: 13 -14). يأخذ العَريس عروسه إلى بيته بحفل كبير، وتُضاء المَصَابيح وتُعقد الولائم، وتدوم الاحتفالات مدة أسبوع (متَّى 22: 1-10). وإذا كان العَريس غنيا كان يُوزّع على الضُّيوف ألبسة ليلبسوها أمَامه، ومن لم يلبس ذلك من المدعوِّين اعتبر عمله إهانة للعَريس (متَّى 22: 11-13). لا زالت بعض قرانا الفلسطينية تتّبع هذه العادات. وكانت أولئك العَذارى ينتظرن المسيرة على رجاء أن يكون لهنِّ نصيبٌ في وليمة العُرْس. ولكن لمَّا لم يأت العَريس في الوقت الذي ينتظرنه، تركت خَمسٌ منهنَّ مصابيحهنَّ فارغة من الزَّيت، ولمَّا ذهبن لشراء الزيت، ضاعت فرصة دخولهنَّ إلى الوليمة. الفرق هو أن العَذارى الحكيمات احتفظن بكمية من الزَّيت دامت حتى وصول العَريس، بحيث استطعنَ الصَّمود في حالة تأخُّره، بينما الجَاهِلات فلا. يمثِّل العَذارى العَشْرِ، العَاقِلات والجَاهِلات، جماعة المسيحيين العقلاء والجهلاء. فالعقلاء يموتون وهم في حالة النِّعْمَة ومصابيحهم مُتَّقدة، حيث يستقبلون يسوع الدَّيَّان ونفوسهم مُزيَّنة بنور النِّعْمَة الإلهيَّة. والجهلاء يموتون وهم في حالة الخَطيئة ومَصابيحهم غير مُوقدة فلا يشتركون في استقبال يسوع، لأنَّ نفوسهم مظلمة بظلام الإثم والشَّرّ. شبَّه الكتاب المقدس علاقة الله مع شعبه، ثم علاقة المسيح مع كنيسته، بالعُرْس، وبعلاقة العَريس بالعَروس، في أسفار عدة (أشعيا 54: 5 وهوشع 2: 19 ومتَّى 9: 15 ويوحنا 3: 29 7). وان حياة المسيحيَّة بحسب إنجيل متَّى هي مسيرة نحو المُلاقَاة مع من نحب، المُلاقَاة النهائي مع المسيح المُنتصر على المَوت، مُلاقَاة يسوع العَريس الهائم بحبِّ البَشرية الخَاطئة الذي يريد أن يُدخلنا في مَلكوته، كما يُدخل العَريس عروسه في عائلته. وفي الواقع، خُلق الإنسان ليدخل في علاقة حميمة مع الله ليبادله المَحبَّة. صرِّح بولس الرَّسُول أنَّنا مدعوُّون للسير في الطَّريق لمُلاقَاة المسيح في المجد "فأَسْعى إلى الغاية، لِلحُصولِ على الجائِزَةِ الَّتي يَدْعونا اللّهُ إِلَيها مِن عَلُ لِنَنالَها في المسيحِ يسوع" (فيلبي 14:3)، وهي مسيرة العَروس نحو عَريسها. إنَّها مسيرة حُبٍ وموعدٍ وأخيرًا مُلاقَاة مع الرَّبِّ. لكن الموعد غير معروف وغير مُتوقَّع والسَّاعة غير مُحدَّدة، ودون إخطار سابق (مرقس 13: 35) شأن مجيء لصِّ الليل (متَّى 24: 43). نحن كلُّنا مَدعوُّون إلى أن نستقبل يسوع العَريس الإلهي للدخول معه قاعة العُرْس السَّماوي. وهذ الأمر يتطلب منا أن نحيا حياة الإيمان الوطيد والرَّجاء الثَّابت والمَحبَّة الصَّادقة لنحافظ على النِّعْمَة الإلهيَّة التي قبلناها يومَ المعموديَّة. المشكلة في لقاء الرّبِّ هو تأخر العَريس، لذلك يطلب منَّا المسيح السَّهر: "َاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ" (متَّى 25:13)، وهنا يدخل عنصر المفاجأة، وهي إنَّنا لا نعرف متى يأتي العَريس. وهذا ما يُعلمنا معنى الوقت، والوقت هو محنة الإيمان وعندما يطول الانتظار يخسر الإنسان حماسه، فالسَّهر والاحتياط هما مُهمَّان، فلا بُدَّ منهما لمُلاقَاة المسيح العَريس يوم مجيئه الثَّاني، شأن العَذارى الحكيمات المُستَعِدَّات. الاستعداد الرُّوحي لا يمكن شراؤه أو استعارته في اللحظة الأخيرة، فعلاقتنا بالله، علاقة شخصية مَحضة، والاستعداد يؤهلنا لدخول ردهة العرس (متَّى 25: 10). ويقوم الاستعداد على السَّهر لمُلاقَاة الرَّبّ يسوع، فماهي مقوماته؟ 2) ما هي مقومات السَّهر لمُلاقَاة الرَّبّ؟ إن لفظة "يسهر" بالمعنى المعروف عند النُّاس هو اليقظة وعدم النُّوم في الليل. وقد يفيد المعنى أيضًا مواصلة العمل أو اليقظة أو الانتباه لكل هجوم قد يُشنُّ من العدو أو مباغتة قد يُفاجأ بها الجُندي في المَعركة، وهنا السَّهر يأتي بغرض الحِماية والحِراسة كدفاع عن النُّفس، أو تأتي بغرض السَّهر في انتظار السَّارق لئلا يأتي ويسرق. ويُرشدنا مثل العَذارى العَشْرِ عن الخطوات التي يجب يتَّخذها المُؤمن في السَّهر للبلوغ حالة النضوج الرُّوحي. ومن هنا نشأ المعنى المجازي في الكتاب المقدس عن السَّهر في المقومات التَّالية: أولا: السَّهر بمعنى إعداد التَّدابير لمواجهة احتمال طويل الأمد بانتظار عودة الرَّبّ ما دامت ساعة العودة غير متوقِّعة، "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة" (متَّى 113: 52). فالحكمة تتطلب من الإنسان التَّفكير في عواقب الأمور والانتظار بالسَّهر لمُلاقَاة العَريس الرَّبّ. وربَّما لا يعرف الإنسان المنتظِر متَى سيأتي الشَّخص المنتظَر (متَّى 25: 13)، ولا يعرف طول مدة الانتظار، لكنه، مع ذلك، ينتظر لأنه يريد أن يكون حاضرًا عند وصول الشَّخص المُنتظَر في نهاية المَطاف. والانتظار كلمة أساسيّة في رحلة إيماننا. هو فن لا يمكن ارتجاله، ويتطلب صبر يومي متواضع وأمل. في الواقع، القادر على الانتظار هو فقط ذلك الذي يثق بأنّ الشَّخص المُنتظر سوف يأتي حتمًا. نستنتج مما سبق انه ينبغي على أتْباع يسوع أن يكرِّسوا كلَّ حياتهم لله ويخدمونه بدافع المَحبَّة والولاء مهما طال انتظار الرَّبّ. لأنه لا أَحَدَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى ٱلْأمَّانَةِ أَوْ يُدَاوِمَ عَلَى السَّهَرِ نِيَابَةً عَنَّا. إن كل ما في الأمر هو عامل الوقت، فالحكمة مقرونة بالوقت، والحكماء يفتدون الوقت. وهذا ما أراد المسيح أن يوصله إلى تلاميذه في أنه يجب عليهم ليس فقط أن يكونوا تلاميذ بل أن يكونوا تلاميذ مستعدِّين بالأعمال الصَّالحة. أعطانا الرَّبّ المَصَابيح، ولم يُعطنا الزَّيت، والزَّيت هي أعمالنا الحسنة، التي بها يبقى مصابيحنا مشتعلة. لا نستطيع أن نطلب واجباتنا من الغير، كما فعلن العَذارى الجَاهِلات بطلب الزَّيت من العَاقِلات. لقد وضع الرَّبّ علينا مسؤوليّة الحفاظ على مصابيحنا مشتعلة، لنستقبله؛ ومسؤوليّتنا هي أن تبقى مصابيحنا مشعّة من نور الأعمال الصَّالحة والمَحبَّة. ويدعونا مَثل العَذارى إلى هذه المسؤولية من خلال أعمالنا الصَّالحة استعدادًا لملاقاة الرَّبّ، لأنّ ما نحمله بين يدينا يكون مقياس دينونتا، ومن هذا المنطلق لنشتري زيت المَحبَّة والرَّحمة والأعمال الصَّالحة قبل مجيئه. ثانياً: السَّهر بمعنى الالتزام لمجيء الرَّبّ في حياتنا اليوميّة، استعدادًا لمجيئه في ساعة موتنا، ولمجيئه بالمَجد في نهاية الأزمنة. حثّ المسيح التَّلاميذ على عَيش حياة لا غبار عليها، موصيًا إياهم بالسَّهر على أنفسهم دون كَلل؛ وهذا الالتزام يتطلب التماس العون الإلهي، ليس في زمن صراع آخر الأزمنة فحسب، إنَّما أيضًا في الحياة اليوميَّة، كما ورد في الصَّلاة الرَّبّية "أُرْزُقْنا اليومَ خُبْزَ يَومِنا ولا تَترُكْنا نَتَعرَّضُ لِلتَّجربة بل نَجِّنا مِنَ الشَّرِّير" (متَّى6:11-13). ويبيِّنُ بولس الرَّسُول الأسلحةَ التي يستخدِمُها المؤمن في مقاومةِ الخَصمِ فيقول: "جَهدٌ وَكَدٌّ، سَهَرٌ كَثِيرٌ، جُوعٌ وَعَطَشٌ، صَومٌ كَثِيرٌ، بَردٌ وَعُرْيٌ" (2 قورنتس 11: 27). ويعلق القدّيس مكسيمُس الطورينيّ " إنّ الصَّومَ يشفي الرُّوحَ الضعيفة، والصَّلاة تغذّي النُّفس المتديّنة، والسَّهر يُبعِد مكائدَ الشَّيطان"(العظة 28). طُّوبى "أولَئِكَ الخَدَمِ الَّذِينَ إذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ وَجَدَهُم سَاهِرِينَ" (لوقا 12: 37). ثالثا: السَّهر بمعنى الحَذر أي البَقاء في حالة الاحتراس، وهذا الأمر يتطلّب الانسلاخ عن المَلذَّات والخَيرات الأرضية والشَّهوات "فاحذَروا أَن يُثقِلَ قُلوبَكُمُ السَّكْرُ والقُصوفُ وهُمومُ الحَياةِ الدُّنيا، فَيُباغِتَكم ذلِكَ اليَومُ" (لوقا 21: 34). لذلك تتطلب خدمة الله التَّخلي عن المُغريات المادية التي يقدّمها عَالَم الشَّيطان. وفي هذا الصَّدد يقول القديس أنطونيوس الكبير:"أنا أطلب إليكم باسم ربنا يسوع المسيح أن لا تتوانوا عن حياتكم وخلاصكم، ولا تَدَعوا هذا الزَّمان الزَّائل يسرق منكم الحياة الأبدية، ولا هذا الجسد اللحمي الفاني يُبعدكم عن المملكة النُّورانية، ولا هذا الكرسي الفاني الهالك ينُزلكم عن كراسي محفل الملائكة". رابعا: السَّهر بمعنى اليقظة، عندما ينامُ الجسدُ يسيطرُ الضعفُ على طبيعتِنا. وليس ذلك بإرادتِنا، ولكنَّه يتِمُّ بقوَّةِ دفعِ الطَّبيعةِ نفسِها. وعندما يسيطرُ على النُّفسِ سباتٌ عميقٌ مثلُ الضعفِ أو القلقِ والاضطِّرابِ يسيطرُ عليها العدوُّ. فأمرَ السيِّدُ المسيحُ بالسَّهرِ نفسًا وجسدًا: للجسدِ لِيحذَرَ النعاس، وللنفسِ لتحذرَ النعاسَ والضعفَ، كما قال بولس الرَّسُول: "اصحُوا، أيُّها الأبرَارُ" (1 قورنتس 15: 34). تقوم اليقظة على الحَيطة من أي شيء يُطفئ حرارة عمل الرُّوح القُدس في القلب، كما يقول بولس الرَّسُول "لا تُخمِدوا الرُّوح" (1 تسالونيقي 5: 19). وتتطلب اليقظة البقاء في يقظة القلب الدَّاخلي، كما يقول صاحب نشيد الأناشيد " إِنِّي نائِمَةٌ وقَلْبي مُستَيقِظ" (نشيد الأناشيد 5: 2)، وذلك لمُقاومة الظُّلمات والشَّر، لان ضَعْفَ ٱلْجَسَدِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَثِّرَ سَلْبًا عَلَى ٱنْدِفَاعِ ٱلرُّوحِ، لذا قد يتعرّض المسيحي بان يداهمه مجيء المسيح الثَّاني، كما يقول القديس بولس الرَّسُول " فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النُّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون " (1 تسالونيقي 5: 6). ويحثّنا الرَّبّ على إبقاء نفوسنا في تيقّظ مُستمرّ، وعلى طرد ذاك الخُمول المُغري من عيوننا. ويُعلق القديس غريغوريوس النيصيّ "الفتور والنعاس يشدّان المرء إلى ارتكاب الأخطاء ويختلقان صورًا خياليّة: الشَّرف والثَّراء والقوّة والعظمة واللذّة والنُّجاح والفائدة والشَّهرة". لنصرخ مع التَّلاميذ: يا معلّم، تعال أيقظنا كما فعلت مع تلاميذك الذين كانوا نائمين أثناء آلامك في بستان الزَّيتون: ما بالُكُم نائِمين؟ قُوموا فصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبَة " لوقا 22: 46). خامساً: السَّهر بمعنى سماع صوت الرَّبّ بحكمة. الفرق بين الحكيمات والجَاهِلات لم يكن في القدرة على الانتظار، بل كان في الحِكمة الرُّوحيّة. قال الرَّبّ يسوع: "فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا العَريس مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ"! (متَّى 25: 6). يُظهر لنا الرَّبّ أن العَذارى الحكيمات كان لديهن قلبًا حكيمًا يسمع صوت الرَّبّ وقدرةً على التَّعرف عليه وتمييزه والتَّرحيب بعودته، وحضور وليمته. ويُذكرنا صاحب سفر الرُّؤيا بقدرتنا على سماع صوت الله، "مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسمع ما يَقولُ الرُّوحُ لِلكَنائِس" (رؤيا 3: 6)، وفي موضع آخر "هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي" (رؤيا 3: 20). لذلك يناشد بولس الرَّسُول المؤمنين " تَبَصُّرًا حَسَنًا في سيرتِكم فلا تسيروا سيرةَ الجُهَلاء، بل سيرةَ العُقَلاء، مُنتَهِزينَ الوَقتَ الحاضِر، لأَنَّ هذِه الأَيَّامَ سَيِّئَة. فإِيَّاكم أَن تَكونوا مِنَ الأَغبِياء، بلِ أفهَموا ما هي مَشيئَةُ الرَّبّ " (أفسس 5: 15-17). سادسا: السَّهر بمعنى القناعة: يتطلب السَّهر القناعة، أي التَّخلّي عن كلّ ما من شأنه أن يُلهي عن انتظار الرَّبّ. وفي الواقع، يدعو بولس الرَّسُول إلى القناعة بالتَّخلي عن أَعمالَ الظَّلام، وهي: " لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد " لاستقبال الخَلاص النهائي (رومة 13: 11-14). ويعلق القدّيس غريغوريوس النيصي "الشَّخص المُحصّن بالقناعة يعيش وسط نور ضمير نقيّ، لأنّ الثِّقة البَنويّة تُنير حياته كسراج. فبعد إضاءة نفسه بالحقيقة، لا يُمكن أن تستسلم تلك النُّفس لنُعاس الوَهم، لأنّها تبقى بعيدة عن كلّ حُلم باطل". سابعا: السَّهر بمعنى الجِهاد الرُّوحي: الجِهاد الرُّوحي هو الكفاح ضد التَّجارب اليوميَّة عن طريق المُثابرة والانتظار لعودة يسوع، وذلك من خلال الصَّلاة. "فالصَّلاة، قال البابا بندكتس "تساعد على تخطّي تجارب الحياة". ومن هنا تكمن أهمية العمل بوصيَّة يسوع: " إِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبَة. الرُّوحُ مُندَفع وأمَّا الجَسدُ فضَعيف" (متَّى 25: 41). الجِهاد الرُّوحي هو عكس الإهمال الرُّوحي، ويأتي بمعنى النهوض من السَّقوط مع عدم الكسل والتَّراخي مع ترقُّبٍ دائم ٍومستمرٍ لئلا يسقط الإنسان مرة أخرى "طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم"(لوقا 12: 37). فالجِهاد الرُّوحي صراع متواصل، وجُهد لا يعرف الكلل. ويعلق القدّيس غريغوريوس الكبير "لا نُفكِّرنَّ فقط في عمل الخَير، بل لنَسهرَنَّ أيضًا على أفكارنا كي نُبقيها نقيّة في أعمالنا الصَّالحة. فإن كانت مصدر غرور أو كبرياء في قلوبنا، هذا يعني أنّنا نجاهدُ من أجل مجدٍ باطلٍ فقط، وليس من أجل مجدِ الخَالق" (الأخلاقيات). ثامنا: السَّهر بمعنى الحِراسة. تتطلب الحراسة أن يكون الإنسان مُتيقظًا منتبهًا لأيِّ هُجوم ٍ قد يُشن عليه أو مُباغتة يُفاجأ بها. إنّ طريقة الشَّيطان هي أن يمزج دائمًا الحقيقة في الخَطأ المُتخفّي وراء مظاهر وألوان الحقيقة، كي يتمكَّن بسهولة من الإيقاع بالذين ينخدعون بسهولة. ومن هنا ضرورة قيامنا بحراسة شديدة التَّيقّظ. لذا، قال الرَّبّ "والَّذي يَثبُتُ إلى النِّهاية فذاكَ الَّذي يَخلُص" (متَّى 10: 22). ويُعلق الطوباويّ يوحنّا هنري نيومان "لم يقل في هذه المرّة متَى يكون ذلك، بل تركنا سَاهرين في حراسة الإيمان والمَحبَّة... ذلك بأنّه علينا، لا أن نؤمن فقط، بل أن نسهر. ولا أن نحب فقط، بل أن نسهر. ولا أن نطيع فقط، بل أن نسهر. لماذا نسهر؟ انتظارًا للحدث العظيم الذي هو مجيء الرَّبّ يسوع المسيح. يبدو أنّ هناك واجب خاصّ يُعطى لنا، فلا يكفي أن نؤمن ونخاف ونحبّ ونطيع، بل يجب أن نسهر، وأن نسهر للرّبِّ يسوع المسيح ومعه". (عظات عظة بعنوان السَّهر). ليس من المهم الخَوف أو القلق من أن نتفاجأ في عودة يسوع، المُهم السَّهر في المَحبَّة، إذ ليس هناك ساعة متأخرة لقلب عاشق ينتظر محبوبه في منتصف الليل أو بعد ذلك. تاسعًا: السَّهر بمعنى الرُّسوخ في الإيمان. لا بُدَّ من الرُّسوخ في الإيمان إزاء أخطار الحياة الحاضرة، والسَّهر يقتضي إيماننا لا ييأس من طول الانتظار؛ وقد عبّر عن ذلك القديس بطرس بقوله: "كونوا قَنوعينَ ساهِرين. إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه، فقاوِموه راسِخينَ في الإِيمان" (1 بطرس 5: 8). فان الشَّيطان ومعاونوه يرصدون المسيحي المؤمن باستمرار، والحقد عليه تغلي فيهم، ليحملوه على إنكار المسيح. ويعلق القدّيس أوغسطينوس " يتحضّر حتمًا الّذين يسهرون في العفّة والطَّهارة والإيمان ليحيوا حياة كالملائكة؛ وفي مواجهة عبء الموت يجدون في الحياة الأبديَّة نِعمةً" (العظة الثَّانية عن العشيّة الفصيّحة). عاشرًا: السَّهر بمعنى التَّنبّه من الذئاب الخَاطفة. يوصي بولس الرَّسُول المؤمنين بقوله: " تَنَبَّهوا لأَنفُسِكم ولِجَميعِ القَطيعِ الَّذي جَعَلَكُمُ الرُّوحُ القُدُسُ حُرَّاسًا لَه لِتَسهَروا على كَنيسَةِ اللهِ " والدَّفاع عنها ضد "الذئاب الخَاطفة " (أعمال 20: 28-31). وهو تنبيه إلى واجب التَّوبة استعدادًا للقاء الرَّبّ " إِنِّي لا أَعرِفُكُنَّ! فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة" (متَّى 25: 12-13). وليس مجي المسيح في وقت غير متوقع مصيدة يقنصنا به الله ونحن في غفلة، إنَّما يريد الله أن يتيح فرصة للتوبة، كما جاء في تعليم بطرس الرَّسُول " إِنَّ الرَّبَّ لا يُبطِئُ في إِنجازِ وَعْدِه، كما اتَّهَمَه بَعْضُ النُّاس، ولكِنَّه يَصبرُ علَيكم لأَنَّه لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النُّاسِ إلى التَّوبَة " (2 بطرس 3: 9). لذلك يقول الرَّبّ " لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة، وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم. طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين " (لوقا 12: 35-36). فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم". ويعلق القدّيس البابا يوحنّا بولس الثَّاني "تُذكّرُني هذه الكلمات بالنِّداء الأخير الذي سيحلّ في اللحظة التَّي يريدها الرَّبّ. أرغب في أن أستجيب لذلك النِّداء وأن يكون كلّ ما في حياتي على هذه الأرض سبيلاً لأستعدّ لتلك اللحظة. لا أعلم متى سيأتي ولكنِّي أضع تلك اللحظة بين يَدَيْ والدة معلّمي، تمامًا كما أضع كلّ شيء بين يديها: "كُلّي لك" (Totus Tuus). في هاتين اليدين الأموميّتين، أستودع كلّ ما لديّ وكلّ من تقرّبْتُ منهم في خلال حياتي ودعوتي. وفوق كلّ شيء، أضع بين يديها الكنيسة وأمّتي والإنسانيّة جمعاء. وأتوجّه بالشَّكر لكلّ فرد. وأعتذرُ من كلّ فرد. كما أطلب الصَّلاة لكي تكون رحمة الله أعظمَ من ضُعفي وعدم جدارتي" (الوصيّة) حادي عشر: السَّهر بمعنى القيامة من بين الأموات إذ يحمل السَّهر قوة القيامة ليُبصر الإنسان نورَ الله، كما جاء في تعليم بولس الرَّسُول " تَنبَّهْ أَيُّها النُّائِم وقُم مِن بَينِ الأَمْوات يُضِئْ لَك المسيح" (أفسس 5: 14). فالرَّبّ يحثُّنا على البحث عن الحقائق العُلويّة "أمَّا وقد قُمتُم مع المسيح، فاسعَوا إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله" (قولسي 3: 1). فنحن كلنا نهتف مع الكنيسة في كل قداس كعلامة الاستعداد الدَّاخلي وترقب مجيء الرَّبّ في أي لحظة قائلين" إننا نُبشِّر بموتك، ونعترف بقيامتك، إلى أن تأتي، يا رب". ويعلق القديس كيرلس الاورشليمي "نحن لا نتوقَّفُ عندَ مجيئِه الأوّل، بل ننتظرُ مجيئَه الثَّاني. قُلْنا في المجيءِ الأوَّل: "مبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبِّ"، ونُردِّدُ في المجيءِ الثَّاني الهتافَ نفسَه، حتى إذا ذهَبْنا لمُلاقَاة الرَّبِّ مع الملائكةِ سجَدْنا له قائلين: "مباركٌ الآتي باسمِ الرَّبِّ" (تعليم 15، 1-3). فلنُرنِّم مع صاحب المزامير "ظَمِئَت نَفْسي إلى الله، إلى الإِلهِ الحَيّ متى آتي وأَحضُرُ أمَّامَ الله؟" (مزمور 42: 3)، ويُعلق القديس أوغسطينوس "لقدّ جعلتنا لك، يا رب، ولن يهدأ قلبنا إلى أن يرتاح فيك!". وباختصار، حياتنا استعدادٌ دائمٌ للقاء الرَّبّ والدخول في علاقة حبِّ أبديّ معه. 3) تحذيرات إن لم نقم من السَّهر بكل ما يحمله من معاني من أعداد والتزام وحذر ويقظة وقناعة وجهاد روحي وحراسة ورسوخ في الإيمان وتنبيه وقيامة، لا بُدَّ أن نكون أمام تحذيرين: التَّحذير الأول: يُحذِّرنا يسوع من عواقب الإهمال بحياتنا الرُّوحيّة، وعدم استعدادنا لمواجهة الرَّبّ يسوع يوم مجيء. كتب ريتشارد توماس فرانس أن المثل "تحذير موجَّه خصِّيصًا إلى أولئك داخل الكنيسة الذين لا يتوقعون أن مستقبلهم مضمون دون قيد أو شر", 349) An introduction and commentary). إنّها لمأساة حقّاً أن يظلّ المرء ساهيًا عن الأعمال الصَّالحة التي تُهيِّاه لاستقباله تعالى، لأنّه لا يعرف اليَوم ولا السَّاعة، فعندئذٍ فقد نسمع صوت المسيح يقول لنا " ما عرَفْتُكُم قَطّ " (متَّى 7: 23). لذلك قال يسوع: "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة"(متى 13:25). في غضون ذلك، علينا السماح للروح القدس بتنقية أرواحهم بطاعة الحق وإنعاش إيماننا من خلال الأعمال الصالحة للآخرين (متى 31:25-46). التَّحذير الثَّاني: كما انه لم يكن ممكناً للعذارى الجَاهِلات أن يقترضن زيتاً من الحكيمات عندما اكتشفن حاجتهنّ إلى الزَّيت، هكذا هي علاقتا مع الرَّبّ، هي علاقة شخصيَّة لا نستطيع أن نستعير هذه العلاقة من غيرنا، بل ينبغي أن يمتلكها كل واحدٍ منا شخصيّاً بأعماله الصَّالحة. وقد صدق الشاعر “لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً إنما أصلُ الفَتى ما قـد حَصَلْ". هكذا يأتي مثل العَذارى العَشْرِ كرسالة تشجيع ومُثابرة، للبقاء أوفياء ثابتين في انتظار يوم الرَّبّ، وكرسالة تحذير وتأنيب، كما يقول بولس " فافعَلوا كُلَّ ما تَفعَلون مِن غَيرِ تَذمُّرٍ ولا تَرَدُّد لِتَكونوا بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد تُضيئُونَ ضِياءَ النُّيِّراتِ في الكَون" (فيلبي 2: 14-15). فكلّ شخص مسؤولٌ عن حالته الرُّوحيّة، وعن نفسه وعن تنظيم مستقبله، ولا يستطيع أن يعيش على حساب الآخرين ويفوِّض أمره إليهم. فالاستعداد الرُّوحي لا يمكن شراؤه أو استعارته. فمتى يجيء الرَّبّ يسوع ليقودنا إلى وليمته السَّماويّة، هل سوف نكون ساهرين ومصابيحنا متَّقدة من زيت الإيمان والأعمال الصَّالحة كالعَذارى الحكيمات لاستقباله؟ أخيراَ يحُثُّ يسوع أتباعه على السَّهر الرُّوحي والاستعداد الدَّائم والتشبُّه "بالعَذارى الحكيمات" اللواتي احتفظن بمصابيحهن مضيئة. وهكذا يجب أنّ تكون حياتنا متسربله بروح قداسة العَذارى، شبيهة بحياة الملائكة، كي نعيش بعيدًا عن الرَّذيلة والوهم، مستعدّين للطاعة حين يقرع الرَّبّ الباب عند مجيئه ِ ونكون -كما يطلب منا صاحب المزامير – "الحافِظينَ عَهدَه الذَّاكِرينَ أَوامِرَه لِيَعمَلوا بِها " (مزمور 103: 18) لذلك "لْيُشَدِّدْ بَعضُكم بَعضاً بِهذا الكَلام" (1 تسالونيقي 4: 18). الخُلاصة: يعزز مثل العذارى العشر الدعوة للاستعداد في مواجهة الوقت غير المحدد للمجيء الثاني للمسيح، إذ يؤكِّد يسوع في مثل العَذارى العَشْرِ مجيئه وعدم تحديد وقت مجيئه، ويُطالب بوجوب السَّهر والاستعداد بالنِّعْمَة الإلهية، لذلك لا بُدَّ من اغتنام كل فرصة للقيام بالوجبات والاستعداد. والطَّريق الوحيد للاستعداد ليوم مجيء المسيح هي أن نستعد كل يوم. لذلك يُوصي سيدنا يسوع المسيح الجماعة المسيحية أن تسهر، على مثال العَذارى الحكيمات، واللواتي رأى فيهنَّ الرَّبّانيون رمز التَّلاميذ الذين يَحملون نور الشَّريعة ويسهرون في انتظار المسيح. والعَذارى الحكيمات هنّ اللاتي ينتظرن مجيء الرَّبّ متيقِّظات، ويجهّزن زيتًا مسبقًا لمِصابيحهن، وفي النهاية يرحبن بعودة الرَّبّ ويحضُرن وليمة ملكوت السَّماوات. الاستعداد الرُّوحي لا يمكن شراؤه أو استعارته، فكل شخصٍ مسؤول عن حالته الرُّوحية. لذلك لا نستطيع أن نتَّكل على الآخرين في لقائنا الشَّخصي مع المسيح، فنحن مسؤولون عن نفوسِنا وعن تنظيم مستقبلنا. ومن هذا المنطلق، إن علاقتنا مع الله هي علاقة شخصيّة في الدرجة الأولى. من الضروري خروج كل واحد منَّا لمُلاقَاة المسيح العَريس، مع مِصْباح الأعمال الصَّالحة في يدٍ، وآنية زيت نِعْمة الرُّوح القدس في يدٍ أخرى. ونحن نعلم أن مواعيد المسيح لا ترتبط بالسَّاعة المحدَّدة في ساعاتنا. نحن لا نختار السَّاعة، بل الله هو الذي يختار لنا ساعة متى يشاء وكيفما يشاء. الوقت هو محنة للإيمان، خاصة عندما يطول الانتظار. فينبغي ألَّاَّ نترك رجاءَنا يَنفذ؛ هذه هي مُتطلبات الحياة. "فطوبى لِلَّذي يَسهَرُ ويَحفَظُ ثِيابَه"(رؤيا 16: 15)، فسوف يستطيع أن يشترك في موكب انتصار الرَّبّ مع العَذارى الحكيمات المُستَعِدَّات. نَصنَعْ أعمالَ التوبةِ ما دُمْنا مقيمِين على الأرض. نحن مثلُ الطِّينِ في يدِ الصانعِ. فإذا صنعَ الصانعُ إناءً ووجدَه منحرفًا أو معوَجًّا، فإنَّه يُعيدُ صُنعَهُ. أمّا إذا صوَّرَه وألقاه في التنّورِ، فلا يَقدِرُ بعدَ ذلك أن يُعدِّلَ فيه شيئًا. كذلك نحن، ما دُمْنا في هذا العالم، لنَتُبْ بكلِّ قلبِنا عن الخطايا التي نحملُها في جسدِنا، فيمنحَنا اللهُ الخلاصَ ما زالَ أمامَنا زمنٌ للتوبة. أمَّا بعدَ أن نخرجَ من هذا العالمِ فلن نَقدِرَ أن نعترفَ بخطايانا أو أن نتوبَ عنها. لنردِّد أخيرًا صلاة الكنيسة: "ها هوذا الخَتن (العَريس) يأتي في نصف الليل، طوبى للعبد الذي يجده مستيقظًا. أمَّا الذي يجده متغافلًا، فإنه غير مستحق المُضيّ معه. فانظري يا نفسي لئلاّ تثقلي نومًا فتُلقي خارج الملكوت، بل اسهري واصْرخِي مرنِّمَة: قدّوس، قدّوس، قدّوس، أنت يا الله من أجل والدة الإله ارحمنا". الدعاء أيها الآب السَّماوي، إملائنا من روحك القدُّوس الذي يجعلنا أحياء في المسيح، حتى إذا ما جاء وجدنا ساهرين ومستعدين لاستقباله وسُرجنا مضاءة بالأعمال الصَّالحة وزيتُنا وافر بالإيمان والرَّجاء والمَحبَّة، فيدعونا إلى الدُّخول مع العَذارى الخَمسٌ الحكيمات إلى ردهة العرس فنحيا معه إلى الأبد في الأمجاد السَّماوية. "تَعالَ، أَيُّها الرَّبّ يَسوع" (رؤيا 22: 21). |
|