مصادر سفر المكابيين الأول
يعد سفرًا المكابيين وثيقة تاريخية بالغة الأهمية، فيما يختص بالقرن الثاني قبل الميلاد، بحيث أنه لا غنى عنهما مطلقًا لأي مؤرخ أو دارس لتلك الفترة، حتى لقد اعتمد يوسيفوس (وهو أشهر وأهم مؤرخى اليهود في القرن الأول الميلادى) بشكل رئيسى على سفر المكابيين الأول، وكذلك اقتبس منه المؤرخ اليهودي السكندرى "فيلو"، لذلك ولأن السفر تاريخى في واحد من جوانبه، فمن المناسب هنا أن نشير إلى المصادر التي جاءت منها المادة التاريخية للسفرين.
سفر المكابيين الأول:
هذا السفر غنى بالمعلومات التاريخية الدقيقة والمفصّلة، بحيث أنه لم يكن من الممكن كتابته إلا بواسطة شاهد عيان، والاستعانة بمصادر مكتوبة، ومن بين تلك المصادر:
١. الرسائل والوثائق الرسمية: وتقع في ثلاث مجموعات:
أ. رسائل من أصل يهودي: مثل رسائل يهود جلعاد إلى يهوذا المكابى يطلبون عونًا (١مكا ٥: ١٠ -١٣ (ورسالة يوناثان إلى إسبرطة من أجل إقامة التحالف (١ مكا ١٢: ٢٠ - ٢٣ (والوثائق المحفورة على ألواح النحاس والتي تؤرخ لسمعان وتخلد إنجازاته (١ مكا ١٤: ٢٧ - ٤٧)
ب. رسائل ملوك سوريا إلى القادة اليهود: مثل رسالة الإسكندر بالاس إلى يوناثان (١ مكا ١٠: ١٨ ٢٠) ورسالة ديميتريوس الأول إلى أمة اليهود (١ مكا ١٠: ٢٥ ٤٥) ورسالة ديميتريوس الثاني إلى يوناثان (١ مكا ١١: ٣٠ ٣٧) ورسالة أنطيوخس السادس إلى يوناثان (١ مكا ١١: ٧٥) ثم رسالة ديميتريوس الثاني إلى سمعان (١ مكا ١٥: ٢ ٩)
ت. رسائل من حكام الممالك الأجنبية: مثل وثيقة معاهدة بين روما واليهود (١ مكا ٨: ٢٣ ٣٢) ورسالة من الإسبرطيين إلى سمعان (١ مكا ١٤: ٢٠ ٢٢) ورسالة لوقيوس الوزير الروماني إلى بطليموس يورجيتيس الثاني ملك مصر (١ مكا ١٤: ١٥ ٢١)
٢. تاريخ السلوقيين: لا شك أن الأحداث المؤرخة طبقًا للحقبة السلوقية الرسمية، هي أحداث بارزة في التاريخ السورى، مثل الأحداث المتعلقة بتولى الملوك ووفاتهم، ومن المؤكد أن الكاتب قد اعتمد على تاريخ مدون بالآرامية أو اليونانية، واقتبس منه ما أراد.
٣. سجل عن مسيرة يهوذا المكابى: تحتل أخبار يهوذا حوالي نصف سفر المكابيين الأول، بينما خُصص النصف الآخر لتغطية أخبار أخويه: يوناثان وسمعان، على مدار خمسة وعشرون عامًا (١٦٠ ١٣٤ ق.م.) مما يوحى باعتماد كاتب السفر على وثيقة خاصة بفترة قيادة يهوذا، ويتضح من حيوية الوصف أن المؤرخ الذي كتب عن يهوذا كان معاصرًا له وشهد عيان لكثير من الأحداث، وقد أشار كاتب سفر المكابيين الأول إلى يهوذا قائلًا: "وبقية أخبار يهوذا وحروبه والمآثر التي قام بها وعظائمه، لم تُكتب لأنها كثيرة جدًا" (٩: ٢٢) وهو ما نجده بخصوص "ياهو" في (ملوك ثان ١٠: ٣٤) و"أمصيا" في (أخبار الأيام ثان ٢٥: ٢٦) مما يفيد أن هناك سجلًا ضخمًا لم ينقله كاتب سفر المكابيين بكامله
٤. سجلات رؤساء الكهنة: أصبح شقيقًا يهوذا: يوناثان وسمعان رئيسا كهنة، وبهذه الصفة لابد أنهما اتبعا العادة القديمة في الاحتفاظ بالتواريخ والسجلات الرسمية للأحدث الهامة لكل سنة، فقد كُتب عن يوحنا هركانوس بن سمعان "وبقية أخبار يوحنا وحروبه.. وسائر أعماله مكتوبه في كتاب أيام كهنوته الأعظم" ١٦: ٢٣، ٢٤) فإذا افترضنا أن هذه السجلات قد بدأت منذ أيام يوناثان، فإن ذلك سيشرح لنا السر خلف تدوين أعمال كل من يوناثان وسمعان بشكل دقيق، وكاتب السفر لا يطلب من القارئ الرجوع إلى سجلات هذين الرجلين حيث استوفاها كاملة في سفره، في حين طلب ذلك بالنسبة ليوحنا لأن السفر ينتهي عند بداية إقامة يوحنا رئيسًا للكهنة
ولما سبق القول فإنه من الطبيعي أن تكون مثل تلك السجلات، ومعها أيضًا الوثائق ورسائل المعاهدات، محفوظة في خزانة الهيكل، ولا شك أنها كانت تتبع النظام اليهودي في التأريخ، وإن كانت بعض أحداث السفر قد دونت بحسب التقوىم السلوقى.